من أين قد تنشأ الأزمة المالية العالمية التالية؟
(البيان)-01/06/2025
بقلم: جون بلندر*
نمو الأسواق الخاصة في الآونة الأخيرة ظاهرة ملحوظة. وفي الواقع، يهيمن على النشاط المالي الآن صناديق الاستثمار الخاصة، التي تشمل رأس المال المخاطر، والأسهم الخاصة، والديون الخاصة، والبنية التحتية، والسلع، والعقارات. ووفقاً لمستشاري ماكنزي، فقد بلغت أصول الأسواق الخاصة تحت الإدارة 13.1 تريليون دولار في منتصف عام 2023، وكانت تنمو بمعدل يقارب 20% سنوياً منذ عام 2018.
ولأعوام عدة، جمعت الأسواق الخاصة قدراً أكبر من الأسهم مقارنة بالأسواق العامة، ولم يعوض الانكماش الناتج عن إعادة شراء الأسهم وأنشطة الاستحواذ، ضآلة حجم الإصدارات الجديدة. وحيوية الأسواق الخاصة تعني أنه بإمكان الشركات أن تظل في القطاع الخاص إلى أجل غير مسمى، وليس عليها أن تقلق بشأن الوصول إلى رأس المال.
وأحد نتائج هذا الوضع هو زيادة كبيرة في حجم سوق الأسهم والاقتصاد اللذين يفتقران إلى الشفافية بالنسبة للمستثمرين، وصانعي السياسة، والجمهور. مع ملاحظة أن متطلبات الإفصاح تعتمد إلى حد كبير على العقود وليس التنظيم.
وقد حدث جزء كبير من هذا النمو على خلفية أسعار فائدة منخفضة للغاية منذ الأزمة المالية لعامي 2007-2008. وتشير ماكنزي إلى أن نحو ثلثي العائد الإجمالي لصفقات الشراء التي تم إبرامها عام 2010 أو بعده، وتم الخروج منها في عام 2021 أو قبله، يمكن إرجاعها إلى تحركات أوسع في مضاعفات تقييم السوق والرافعة المالية، وليس إلى تحسين الكفاءة التشغيلية.
اليوم، لم تعد هذه المكاسب غير المتوقعة متاحة. فقد ارتفعت تكاليف الاقتراض بفضل السياسة النقدية الأكثر تشدداً، ويواجه مديرو الأسهم الخاصة صعوبة في بيع الشركات الموجودة في المحافظ في بيئة سوقية أقل ازدهاراً. رغم ذلك، فإن المستثمرين المؤسسيين لديهم شهية متزايدة للاستثمارات البديلة غير السائلة. وتسعى شركات إدارة الأصول الكبرى إلى جذب المستثمرين الأفراد الأثرياء إلى هذا المجال.
ومع اقتراب أسواق الأسهم العامة من أعلى مستوياتها على الإطلاق، ينظر إلى الأسهم الخاصة على أنها توفر تعرضاً أفضل للابتكار داخل هيكل مالي يضمن مزيداً من الرقابة والمساءلة مقارنة بالقطاع المدرج في البورصة. في الوقت نفسه، قالت نصف الصناديق التي استطلع رأيها منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية، وهو مركز فكر بريطاني، إنهم يتوقعون زيادة تعرضهم للائتمان الخاص خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، ارتفاعاً من نحو الربع في العام الماضي.
في الوقت نفسه، يضيف السياسيون، ولا سيما في المملكة المتحدة، زخماً لهذا الاندفاع المتهور، بهدف تشجيع صناديق التقاعد على الاستثمار في الأصول الأكثر مخاطرة، بما في ذلك البنية التحتية. في جميع أنحاء أوروبا، يخفف المنظمون قواعد السيولة وحدود الأسعار في خطط التقاعد ذات المساهمات المحددة.
فهل سيجني المستثمرون علاوة كبيرة بفضل نقص السيولة في هذه الأسواق الجامحة؟ يظل هذا سؤالاً مطروحاً. وسلط بحث مشترك بين شركة أموندي لإدارة الأصول و«كرييت ريسيرش»، الضوء على ارتفاع الرسوم والتكاليف في الأسواق الخاصة. كما وضع خطوطاً عريضة لغموض عمليات الاستثمار وتقييم الأداء، وارتفاع تكاليف الاحتكاك بسب التخارج المبكر من الشركات الموجودة في المحافظ، وارتفاع التشتت في العوائد النهائية للاستثمارات، والمستوى الأعلى على الإطلاق للأموال غير المستثمرة، انتظاراً لظهور الفرص. وحذر التقرير من أن التدفقات الواردة الهائلة إلى الأصول البديلة قد تقلل العوائد.
هناك تساؤلات اقتصادية أوسع حول ازدهار الأسواق الخاصة. وأشارت أليسون هيرين لي، المفوضة السابقة لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، فإن الأسواق الخاصة تعتمد بصورة كبيرة على قدرتها على تحقيق الاستفادة المجانية من شفافية المعلومات والأسعار في الأسواق العامة. ومع استمرار انكماش الأسواق العامة، تتراجع أيضاً قيمة هذه الدعم. وأوضحت هيرين لي أن غموض الأسواق الخاصة قد يسفر أيضاً عن سوء تخصيص لرؤوس الأموال.
ولا يعد نموذج الأسهم الخاصة مثالياً لبعض أنواع الاستثمار في البنية التحتية، كما كشفت تجربة شركات المياه البريطانية. وذكرت لينوري بالادينو وهاريسون كارلوفيتش من جامعة ماساتشوستس، أن مديري الأصول هم أسوأ أنواع الملاك لمنتج أو لخدمة ما على المدى الطويل. ويعود ذلك إلى أنهم لا توجد لديهم أي محفزات للتضحية على المدى القريب من أجل الابتكار أو حتى الصيانة على المدى الطويل.
ويتعلق قدر كبير من الديناميكية التي تقف وراء التحول نحو الأسواق الخاصة بالأمور التنظيمية. أدت متطلبات كفاية رأس المال الأكثر صرامة على البنوك بعد الأزمة المالية إلى توجيه الإقراض إلى مؤسسات مالية غير مصرفية تخضع لتنظيم أقل صرامة. ولم يكن هذا سيئاً، لأنه قدم مصادر جديدة مفيدة للائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة. لكن توجد صعوبة في تتبع المخاطر المرتبطة مع ذلك.
ووفقاً لبالادينو وكارليويتز، تشكل صناديق الائتمان الخاصة مجموعة فريدة من المخاطر النظامية المحتملة على النظام المالي الأوسع بسبب علاقتهما المتبادلة مع القطاع المصرفي، وغموض شروط القروض، وطبيعتها غير السائلة، ومخاطر عدم تطابق آجال الاستحقاق المحتملة مع احتياجات الشركاء المحدودين (المستثمرين) لسحب الأموال.
وذهب صندوق النقد الدولي إلى أن النمو السريع للائتمان الخاص، المقترن بازدياد المنافسة من جانب المصارف في الصفقات الكبيرة والضغوط لاستخدام رأس المال، عوامل قد تؤدي إلى تدهور الأسعار وشروط التسعير، بما في ذلك انخفاض معايير الاكتتاب وضعف الضمانات، ما يعزز مخاطر الخسائر الائتمانية في المستقبل. لذا، لا توجد جوائز مقابل تخمين من أين ستنشأ الأزمة المالية التالية.