نحو تنويع اقتصادي مستدام .. دروس من نوبل للاقتصاد
(الإقتصادية)-20/10/2025
*سلمان بن محمد الجشي
تُعد جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2025 محطة فكرية مهمة لتجديد فهمنا لمفهوم تنوع الاقتصاد المحقق للنمو القائم على الابتكار والمعرفة ، وهي الرؤية التي تتقاطع بعمق مع مسار رؤية السعودية 2030 التي يقودها الأميرمحمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء .
فالفائزون الثلاثة —جويل موكير، فيليب أجيون، وبيتر هاويت— لم يقدّموا مجرد نماذج نظرية، بل رسموا طريقًا واضحًا نحو اقتصادٍ متنوع ومستدام، يمكن للسعودية الاستفادة منه لبناء آلية عملية توازن بين التنوع الاقتصادي الحقيقي والابتكار الوطني. يُبرز جويل موكير أن الابتكار لا يولد من الصدفة، بل من بيئة فكرية تؤمن بالتجريب والانفتاح، وتحتضن الفشل باعتباره خطوة في طريق النجاح. فالثقافة الاقتصادية التي تشجع البحث العلمي والفكر النقدي هي أساس التحول من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد يقوده الإنسان والمعرفة.
أما فيليب أجيون وبيتر هاويت فقد رسّخا مفهوم الإبداع، حيث يحل الجديد محل القديم، في دورة متواصلة من التطوير والتجديد. غير أن نجاح هذا النموذج يتطلب وجود دولة تضمن المنافسة العادلة وتمنع الاحتكار -ولله الحمد ينعم به وطننا، لتظل السوق بيئة خصبة للابتكار لا ساحة احتكار للعمالقة. ترتكز رؤية 2030 على 3 ركائز: اقتصاد مزدهر، وطن طموح، ومجتمع حيوي.
وتحت مظلة “الوطن الطموح” ، يأتي الهدف المهم: تحقيق تنوع اقتصادي قائم على الابتكار وريادة الأعمال، لا على تنوع الدخل المالي من الضرائب بمسمياتها المختلفة. إن التحدي اليوم ليس في صياغة الأهداف، بل في تحويلها إلى برامج واقعية تخلق قيمة مضافة حقيقية في الاقتصاد الوطني. ولتحقيق ذلك، لا بد من إشراك الشباب التقني المتعلم الذين يشكلون الجيل الجديد من المبدعين، ورجال الأعمال الرواد الذين أثبتوا نجاحهم —كما في قصة نجاح شركة رسن التي أوجدت نموذجًا سعوديًا متفردًا في تحقيق القيمة المضافة إلى جانب الجهات الحكومية ذات الصلة.
ويهدف تأسيس الفريق الوطني الموحد الذي يضم الاقتصاديين الشباب، ورجال الأعمال المهتمين وبمشاركة وإشراف جهة حكومية واحدة تمتلك صلاحيات تنفيذية كاملة، لتطبيق مخرجات هذا الفريق وتحويلها إلى سياسات اقتصادية قابلة للقياس والتنفيذ. هذا الفريق يمكن أن يستفيد من أفكار نوبل الحديثة ليضع نموذجًا سعوديًا خاصًا بـ”النمو القائم على الابتكار”، مستلهَما من البيئة المحلية ومتكيفا مع واقعنا الاجتماعي والاقتصادي.
إن تنويع الاقتصاد لا يتحقق بزيادة الإيرادات من خلال التنوع المالي فحسب، بل ببناء ثقافة اقتصادية معرفية قادرة على الابتكار والإبداع تحقق التنوع الاقتصادي. ورؤية 2030 في جوهرها، ليست مجرد خطة اقتصادية، بل تحول فكري وثقافي نحو اقتصاد مستدام يقوده العقل والخيال. إن استلهام فكر الحاصلين على جائزة نوبل، وربطه بجهود شبابنا ورواد أعمالنا ومؤسساتنا، هو الطريق الأمثل لبناء اقتصاد سعودي متنوع ومتجدد يليق بطموح وطن لا يعرف المستحيل.