هل ستصبح السعودية القوة العالمية الجديدة في أسواق المال
(العربية)-01/03/2024
*قسطنطين كوتزياس
أحرزت السعودية تقدما كبيرا في تنويع مواردها الاقتصادية، إلى جانب المورد الاقتصادي التقليدي، الذي ما زال المورد الرئيس، وهو قطاع النفط والصناعات المندرجة ضمنه. يأتي معظم الاستثمار المباشر الذي يسهم في هذا التحول الاقتصادي من إعادة توجيه الثروة السيادية إلى مجالات جديدة، إلا أن محرك التغيير بعيد المدى يتجلى في المساعي الوطنية لبناء أسواق مال قوية وحيوية ومستدامة.
حقق هذا القطاع نموا لافتا، حيث أصبحت “تداول السعودية” بين أكبر عشرة أسواق مالية في العالم من حيث القيمة السوقية. وتستفيد السوق المحلية من عمليات إدراج قوية وأداء مرن وسط التحديات الاقتصادية العالمية، وإصلاحات تشريعية إيجابية تنال اعترافا دوليا متزايدا ينشئ صلات بين الشركات المدرجة وشريحة أوسع من المستثمرين.
للحفاظ على هذا الزخم، فعلى السعودية مواصلة التزامها بالتقدم، واتباع أفضل الممارسات الدولية وتوسيعها. ومن السبل المتاحة ضمان ازدياد التعاون بين السوق السعودية والمراكز المالية العالمية الرائدة، وتعزيز الاتصال بينهما، ولا سيما بريطانيا.
بدأت الشراكة التجارية للسعودية مع بريطانيا بالتطور بالفعل، ومن شأن تعاون أكبر بين هذين المركزين الماليين أن يعود بالنفع على الجانبين، فالسعودية مركز مالي حيوي في طور الصعود، أما بريطانيا، فهي المركز الرائد عالميا والمصدر للخدمات المالية، حيث تستضيف لندن بنوكا أجنبية وخدمات المحاسبة لبنوك عالمية أكثر من أي مركز عالمي آخر. يمكن للسعودية الاستفادة من خبرات بريطانيا الواسعة في الخدمات المالية، في حين يمكن لبريطانيا أن تستفيد من قدرتها على التفكير الاستراتيجي في إيجاد فرص جديدة.
يستند نجاح اقتصاد المملكة المتحدة على أسس متينة، فهي تتمتع ببنية تحتية عالمية، وتضم مجموعة كبيرة من الشركات العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية، كما تمتلك قاعدة مستثمرين قوية تمتاز بقدرتها على توفير التمويل ورأس المال اللازم ولدعم نمو وتطوير الأعمال، إضافة إلى امتلاكها لمنظومة أعمال داعمة تسهم في إيجاد سوق حيوية للأعمال المختلفة. وزد على ذلك، تسهم الأطر التنظيمية والتشريعية القوية في تعزيز ثقة الشركات والمستثمرين في اقتصاد المملكة. كما إنها توفر وصولا سهلا إلى الخدمات المالية المتنوعة وتمتلك قاعدة واسعة من المواهب والكفاءات العالمية. وتعد كذلك لندن أحد أسباب النجاح الرئيسة لاقتصاد المملكة، نظرا لحفاظها على مكانتها بوصفها أحد أهم المراكز المالية العالمية التي تستقطب الاستثمارات ورؤوس الأموال، وتسهم في توزيع رؤوس الأموال على الاقتصادات الأخرى على صعيد العالم.
تمضي السعودية قدما بخطى سريعة لبناء منظومة تقدم نموذجا مشابها من الثقة والجاذبية للمستثمرين. وأصبحت سوقها المالية ركيزة من ركائز النمو. ويمكن القول إن أهم إصلاح أجرته السعودية هو رفع القيود عن ملكية المستثمرين الأجانب ورفع الحد الأقصى من 20 % إلى الملكية الكاملة بنسبة 100 %، وهو ما أتاح المجال أمام المستثمرين حول العالم للاستثمار في الشركات السعودية. ومن المبادرات المهمة الأخرى تحسين الشفافية والمساءلة، بما في ذلك إلزام الشركات المدرجة بالإفصاح عن مزيد من المعلومات للمستثمرين، وتعيين مديرين مستقلين، واتباع آليات ضبط داخلية.
يجب أن يشمل التطور التالي النظر إلى ما هو أبعد من أفضل الممارسات الموجودة، والسعي إلى الابتكار والتغيير. في هذا المجال، لا تقدم بريطانيا نموذجا لبناء قطاع مالي قوي فحسب، بل يمكنها أيضا أن تكون شريكا استراتيجيا في اتباع أفكار جديدة. يمثل أحد مساعي السعودية لتنويع مواردها الاقتصادية في منظومة التقنية المالية الجديدة والحيوية، وفي طموحها بأن تصبح رائدة في هذا المجال. يتيح هذا فرصة كبيرة لتبادل القدرات بين الدولتين، حيث يمكن للسعودية وبريطانيا استكشاف سبل تعزيز التعاون التجاري في مجال الخدمات المالية، لا سيما في مجالات التقنية المالية والخدمات المصرفية المفتوحة والتمويل الصديق للبيئة.
من تجربتي ومتابعتي لدول ومراكز مالية مختلفة اتبعت منهاج متنوعة لتوسيع وتعميق الأسواق المالية، يمكنني القول جازما إن السعودية ستؤدي دورا متناميا في قطاع التداول مع نمو قطاع أسواق المال فيها، حيث نجحت في تطوير وتنمية العناصر اللازمة للنجاح، وعلى رأسها القيادة الحكومية الاستراتيجية مع الوضوح في السياسات والتشريعات. إلى جانب ذلك، تتمتع المنظومة المالية بكفاءة وتناغم بين الجهات المعنية بها، ولا سيما وزارة المالية والبنك المركزي وهيئة السوق المالية. مع هذه العوامل المكملة، لدى السعودية كل الفرص لتتحول إلى قوة مهمة في أسواق المال.