التمويل الاستهلاكي يجذب أنظار البنوك العالمية إلى الخليج
تحاول حكومات الخليج استقطاب الاستثمارات إلى أسواقها المحلية، في الوقت الذي تواصل فيه صناديق الثروة السيادية استثمار مبالغ ضخمة في الخارج. ورغم التحديات القائمة، إلا أن البنوك العالمية بدأت تلتفت إلى قطاع واعد داخل المنطقة، ألا وهو: القروض الاستهلاكية.
ففي ربوع المنطقة التي تشتهر بمراكز التسوق الضخمة والسلع الفاخرة، ترى صناديق الائتمان الخاصة العالمية والبنوك فرصاً في تقديم قروض للشركات الناشئة المتخصصة في المدفوعات والإقراض الاستهلاكي المتعطشة للاقتراض.
وخلال الأسبوع الماضي، حصلت “كوانتيكس تكنولوجي بروجيكتس”، التي تُشغل منصة الإقراض الاستهلاكي “كاش ناو”، على تمويل بقيمة 500 مليون دولار من بنك “سيتي غروب” بالاعتماد على توريق مدعوم بالأصول، وهو أحدث مثال على دخول بنك أجنبي إلى سوق التمويل الاستهلاكي في الشرق الأوسط.
دعم شركات “اشتر الآن وادفع لاحقا“
برزت شركات التكنولوجيا المالية المتخصصة في الإقراض الاستهلاكي وخدمات “اشتر الآن وادفع لاحقاً” خلال السنوات الأخيرة لتقديم قروض للمستهلكين، لتقوم لاحقاً بتجميع تلك القروض، وتحصل على تمويل مدعوم بمحافظها.
سليم ناثو المحامي والشريك في مؤسسة “إيه آند أو شيرمان” يقول : “اقتصادات المنطقة مدفوعة بالطلب الاستهلاكي إلى حد كبير، لكن البنوك ليست مهيأة للابتكار في هذا السياق. حيث تتبع نهجاً محافظاً لا يسمح لها بإقراض منصات التكنولوجيا المالية”.
مع ذلك تعتبر هذه الشركات الناشئة خيارا مناسباً لصناديق الائتمان الخاصة العالمية وبعض البنوك التي تشجع المؤسسات الواعدة، حيث تسعى إلى تنويع أنشطتها بعيداً عن إقراض الشركات التقليدية، واستثمار أموالها في منتجات مضمونة بالأصول.
على سبيل المثال، تعمل “بلاكستون” حاليا على جمع رأس مال للاستثمار في سوق التمويل العالمي المدعوم بالأصول، والتي يُقدر حجمها بين 5 تريليونات و10 تريليونات دولار.
فجوة تمويلية في التكنولوجيا المالية
قال ماتياس دوكس، الشريك المؤسس لشركة “أفلينيا كابيتال” التي تركز على الإقراض بضمان الأصول، إنه التقى بعدد من شركات التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط، بما في ذلك “بيهايف”، وهي منصة متخصصة في الإقراض من نظير إلى نظير، و”إيراد”، وهي شركة رأس مال للنمو تستهدف الشركات الناشئة. ورفض ممثلون عن “إيراد” و”بيهايف” التعليق.
أغلق تطبيق “تابي” المالي المحلي صفقة تمويل ديون بقيمة 700 مليون دولار مع بنك “جيه بي مورغان تشيس آند كو” في ديسمبر الماضي، بينما حصلت “تمارا” على تسهيلات تمويلية قصيرة الأجل بقيمة 400 مليون دولار في الشهر السابق.
أضاف دوكس “نرى فرصا واعدة في الشرق الأوسط، حيث توجد فجوة تمويلية لم تسعَ البنوك إلى سدها بعد، سواء في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة أو التمويل الاستهلاكي، وهو ما تسعى شركات التكنولوجيا المالية إلى الاستفادة منه حاليا”.
هيمنة محلية
لسنوات، أقبلت الصناديق العالمية مثل “بلاك روك” و”بلاكستون” على الشرق الأوسط لجمع رؤوس الأموال، مستهدفة المستثمرين المدعومين من الدولة والمكاتب العائلية الضخمة. لكن حتى الآن، لم تقدم الشركات الدولية استثمارات محلية كبيرة، رغم الجهود التي تبذلها حكومات المنطقة.
ولم يشهد الشرق الأوسط سوى عدد قليل من صفقات وصناديق الديون الخاصة، إذ تبلغ قيمة الأدوات الأخيرة مئات الملايين من الدولارات. منذ 2020، جُمع أقل من 500 مليون دولار لصناديق الائتمان الخاصة المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط، وفقاً للجمعية العالمية لرأس المال الخاص.
يرى ناثو من شركة “ألين آند أوفري” أن قلة نشاط المستثمرين الدوليين بهذا المجال في الشرق الأوسط ترجع على الأرجح إلى عاملين. وأوضح: “الأول هو هيمنة البنوك المحلية، التي أدت إلى مزاحمة المستثمرين الآخرين، والثاني هو عدم وضوح الرؤية حيال القواعد المرتبطة بالقطاع”.
ولكن مع عدم اهتمام البنوك المحلية بشكل عام بالتمويل الاستهلاكي، فإن اللاعبين العالميين لديهم فرصة للدخول، ويبدو أن هذا النوع من التوريق يمثل نقطة جاذبة وسط ندرة الفرص.
إقبال على الاستثمار في الخليج
يشهد الإقبال على الاستثمار في المنطقة تغيراً أيضاً، خاصة وأن المستثمرين يرون المزيد من الوضوح حيال القوانين، خاصة في السعودية، وفق ناثو. إذ تفتتح بعض الشركات مكاتب لها في المنطقة، في حين تحقق شركات أخرى، بما في ذلك “بروكفيلد أسيت مانجمنت” إنجازات في جمع الأموال المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط.
كما كثف مستثمرون دوليون تمويل ديون المشاريع. وفي مايو، قدمت شركة “فرانسيسكو بارتنرز مانجمنت” تمويل ديون بقيمة 90 مليون دولار لشركة “بروبرتي فايندر” الواقع مقرها في دبي للمساعدة في تمويل عملية إعادة شراء حصة مستثمر مؤسسي.
لكن الوضع لم يتغير بعد في جميع مجالات الاستثمار، إذ لا يزال اللاعبون المحليون يقودون معظم النشاط، وفق جيف شلابينسكي، المدير الإداري للأبحاث في الجمعية العالمية لرأس المال الخاص.