(الإقتصادية)-13/12/2024
محطة فارقة تبلغها السعودية في تاريخها الحديث، مع استضافة كأس العالم 2034 الحدث الرياضي الأكبر، وتحوله من فعالية رياضية تجمع أفضل الفرق الرياضية من أنحاء العالم، إلى حدث ببصمات اقتصادية، عبر تأثيرات مباشرة وغير مباشرة يتركها في كافة القطاعات.
استضافة كأس العالم، خطوة محورية للاقتصاد السعودي ونقطة تحول في المسار التنموي، حيث تسهم في دفع النمو من خلال جذب الاستثمارات، وتطوير البنية التحتية، وتنشيط حركة السياحة والتجارة، وخلف فرص عمل جديدة.
وبحسب خبراء تحدثوا لـ”الاقتصادية”، يتوقع حضور أكثر من 3 ملايين مشجع نصفهم من الخارج، يتجاوز معدل إنفاقهم حاجز 80 مليار ريال، فيما يبلغ متوسط الإنفاق 40 ألف ريال تتوزع بين قطاع الضيافة، والمعيشة، والترفيه.
معلوم أن حضور الجماهير يتم حسابه بناءا على حضور بعض المشجعين أكثر من مباراة في عدد من الملاعب المختلفة.
الخبراء أشاروا إلى أن التأثيرات لا تقتصر في قطاع الرياضة فقط، بل تشمل 9 قطاعات أخرى، وهي السياحة والضيافة، والبنية التحتية والنقل، والعقارات، والتجارة والتجزئة، والقطاع المالي والمصرفي، والعمل والفرص الوظيفية، والطيران والنقل الجوي، والتكنولوجيا والابتكار، والتسويق والإعلام.
الملف الأخضر الذي حصل على تقييم قياسي وتاريخي من الاتحاد الدولي لكرة لقدم “فيفا” 419.8 من أصل 500، قدم صورة مصغرة لما ستكون عليه السعودية بعد 10 أعوام، وينبئ بمفهوم جديد لاستضافات الحدث الدولي الأبرز تحت شعار “معا .. ننمو”.
تأثير اقتصادي واسع
قال الدكتور محمد فضل الله، المستشار الإستراتيجي والقانوني الرياضي الدولي: إن فوز السعودية بتنظيم كأس العالم 2034 سيُمثل حدثا تاريخيا له تأثير اقتصادي واسع النطاق في المستويين المحلي والإقليمي.
أضاف، أن استضافة الحدث العالمي سيكون محفزا لتنفيذ مشاريع ضخمة تشمل كل من تطوير الملاعب، الطرق، المطارات، وأنظمة النقل العام، كما أن الحدث سيسلط الضوء على السعودية دوليا، ما يجذب الاستثمارات الأجنبية ويفتح أبوابا جديدة للشركات العالمية لدخول السوق السعودي وهو ما يتماشى مع رؤية 2030، التي تسعى لتنويع الاقتصاد.
فضل الله أشار إلى أن تكلفة إنشاء السعودية 11 ملعبا وتطوير 4 ملاعب يعتمد على عوامل عدة، منها التضخم، أسعار المواد الخام، والأيدي العاملة، مبينا أن اعتماد تصاميم حديثة وتقنيات متقدمة قد يرفع التكاليف، على سبيل المثال، تكلفة بناء ملعب واحد في الولايات المتحدة لمونديال 2026 تجاوزت 1.5 مليار دولار.
وتقدر الدراسات بأن متوسط الإنفاق على الملعب الواحد الذي يتسع لـ 40 ألف مشجع بـ 400 مليون دولار.
وهناك 3 أبعاد لمساهمة كأس العالم في الاقتصاد المحلي، تتمثل في النشاط التحضيري “البنية التحتية، الملاعب، النقل، ووسائل الإعلام”، ثم الحدث الرياضي “صناعة السياحة والفنادق، وقطاع الخدمات الأخرى”، والتأثير طويل المدى للحدث الرياضي “التجارة، الاستثمار، والسياحة”، بحسب دراسة قدمها الدكتور عزت ملوك قناوي.
إنفاق 80 مليار ريال
ينتظر أن تسجل السعودية أكبر عدد من المشجعين في نسخ كأس العالم إثر مشاركة 48 منتخبا، عوضا عن 32 فريقا في النسخ السابقة.
توقع الدكتور عماد مُنشي رئيس الجمعية السعودية للسياحة، حضور أكثر من 3 ملايين مشجع نصفهم من الخارج، يتجاوز معدل إنفاقهم حاجز 80 مليار ريال، فيما يبلغ متوسط الإنفاق 40 ألف ريال تتوزع بين قطاع الضيافة، والمعيشة، والترفيه.
وأضاف، “قد يصل إنفاق “فيفا” على كأس العالم 2034 في أفضل حالاته إلى 60 مليار ريال، أما عوائد البث التلفزيوني قد تصل إلى 12 مليار ريال؛ لأن العدد التراكمي للمشاهدات التلفزيونية قد يصل 34 مليار مشاهدة أي أن الآثار الاقتصادية على القطاع السياحي لاستضافة فعالية ضخمة قد تصل إلى 152 مليار ريال.
هذه التقديرات بنيت على معادلة رياضية تضم العديد من المحددات مثل أسعار الطاقة، ومقاعد الطيران الدولي والمحلي، وعدد الوحدات الفندقية بعد 10 أعوام، فضلا عن الطاقة الاستيعابية للملاعب المستضيفة، ومدى تطور تقنيات البث التلفزيوني.
الدكتور منشي أشار إلى أن الوظائف المتوقع أن توفرها الاستضافة لها 3 محددات في تصنيفها، وهي حسب ارتباطها بالبطولة، وقد يصل عددها إلى 3 ملايين وظيفة.
وتتمثل هذه الارتباطات في وظائف ذات ارتباط مباشر بكأس العالم، ووظائف غير مباشرة ضمن القطاعات التي تقدم خدمات مباشرة للفعالية والجماهير، ضمن قطاعات النقل والضيافة، ووظائف محفزة تقدم خدماتها للجماهير الرياضية وللمجتمع المحلي مثل القطاع الزراعي وقطاع التجزئة.
82 مليار ريال مساهمة القطاع
قال الخبير الاقتصادي المصري رشاد عبده : إن السعودية تستهدف مساهمة القطاع الرياضي في الناتج المحلي بنحو 82 مليار ريال بحلول 2030، وهذا الرقم قد يتضاعف حال استغلال فرصة استضافة مونديال 2034 بالشكل الأمثل.
عبده أشار إلى أن السعودية بدأت تجنى ثمار ذلك، من خلال البنية التحتية التي تخدم الجيل الحالي من حيث حركة الرواج والإنشاء والمباني وتوفير إمكانات “مهولة”.
وارتكز ملف السعودية على عدة نقاط قوة، أبرزها: 15 ملعبا مستوفية الشروط رغم أن المطلوب 14 ملعبا، افتتاح مترو الرياض وربطه بجميع الملاعب، خدمات اتصالات متطورة، وجاهزية تامة للفنادق، فيما حقق ستاد الملك سلمان 3 أضعاف الاشتراطات.
رشاد عبده، أوضح أن قطر أنفقت 220 مليون دولار من أجل استضافة كأس العالم 2022، وتعريف العالم بها، أما بالنسبة للسعودية فالأمر مختلف، لأن مساحتها واسعة وعدد سكانها أكبر.
تأمين 230 ألف وحدة فندقية
المشجعون القادمون من الخارج، سيحظون بمجموعة واسعة من خيارات الإقامة، حيث يشمل الملف السعودي تأمين أكثر من 230 ألف وحدة فندقية متاحة بأسعار مختلفة، تراوح من خيارات الإقامة منخفضة التكلفة إلى خيارات الإقامة الفاخرة.
عمر ترمساني، نائب المدير العام لفندق شيراتون جدة، قال إن الفنادق ستعمل على زيادة عدد الغرف لاستيعاب عدد الزوار والسياح الذين سيأتون لمشاهدة مباريات كأس العالم.
أضاف “أعتقد بأن القطاع الفندقي سيكون له النصيب الأكبر من نسبة الإيرادات أثناء مونديال 2034، ويمتد أثرها الإيجابي بعد انتهاء المحفل العالمي”، مشيرا إلى أن أثره سينعكس إيجابيا على ارتفاع العائدات.
تعزيز إيرادات المطاعم والمقاهي
يمكن للمشجعين تذوق المأكولات المحلية والقهوة السعودية التقليدية والتمور، خلال مونديال 2034، وهو ما يمنح المطاعم والمقاهي لتحقيق أقصى استفادة ممكنه من الحدث الاستثنائي.
وفي هذا السياق، قال تركي القرشي، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية ملاك المطاعم والمقاهي في السعودية، إن استضافة كأس العالم ستؤثر إيجابيا في قطاع المطاعم عموما، حيث تشهد المطاعم زيادة كبيرة في الإيرادات والنشاط خلال فترة البطولة.
وأرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها إنفاق السياح على الطعام والشراب، ما يعزز إيرادات المطاعم، وتنوع رغباتهم في تذوق المأكولات المحلية والعالمية، وبالتالي يُشجع المطاعم على تنويع قوائم الطعام وتقديم أطباق جديدة تضعها على الخريطة العالمية، إلى جانب زيادة الإيرادات.
أضاف، أن الاستضافة تُحقق فوائد أخرى لقطاع المطاعم، مثل خلق فرص عمل جديدة وتحسين الجودة والخدمة والتطوير والتحديث.
بنية تحتية سياحية متطورة
أما بالنسبة لتوقعات ارتفاع عائدات المطاعم من استضافة كأس العالم، فأوضح القرشي أنه من الصعب تحديد رقم دقيق، إذ يختلف ذلك باختلاف عدة عوامل، منها حجم البلد المُستضيف، فكلما كان حجم البلد أكبر وزادت عدد المُدن المُستضيفة للمباريات، زاد التأثير في قطاع المطاعم.
وذلك فضلا عن وجود بنية تحتية سياحية متطورة تسهل على السياح الوصول إلى المطاعم وتزيد من إنفاقهم، إضافة إلى الجهود التسويقية التي تبذلها المطاعم لجذب الزبائن خلال مدّة البطولة، وتؤدي دورا مهما في زيادة الإيرادات.
القرشي، استند إلى بعض التجارب السابقة لتكوين فكرة عامة عن التأثير المُتوقع، فمثلا فترة كأس العالم في البرازيل 2014، شهدت زيادة في عائدات قطاع المطاعم بنسبة تُقدر 11%.
وفي روسيا 2018، أفادت التقارير بأن بعض المطاعم شهدت زيادة في الإيرادات بنسبة 30%، أما في قطر 2022، فأشارت بعض التقديرات إلى أن قطاع المطاعم حقق عائدات إضافية تُقدر بـ 2.9 مليار دولار خلال فترة البطولة.
استعداد المستثمرين للفرص
يرى عبدالعزيز السلامة، مستثمر في قطاع المطاعم والمقاهي، بأن هذا الحدث سيتيح فرصة غير مسبوقة للمطاعم والمقاهي للاستفادة من تنوع الثقافات العالمية وتقديم تجارب طعام، تنعكس على الهوية الثقافية والضيافة السعودية.
أضاف، أن الحدث سيسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي ورفع مستوى السياحة، بينما سيتعين على المطاعم والمقاهي الاستعداد للفرصة عبر إستراتيجيات مبتكرة للتعامل مع الجمهور العالمي القادم من مختلف القارات.
السلامة أشار إلى أنه يمكن للمطاعم الاستفادة من تنوع الثقافات من خلال توفير قوائم طعام متنوعة تجمع بين المأكولات العالمية والمحلية، مع دمج لمسات سعودية، ما يخلق مزيجا فريدا من النكهات يعكس التنوع الثقافي والتقاليد السعودية في أن واحد.
نقطة تحول في التجارة والسياحة
ذكر الرئيس التنفيذي لجمعية لاعبي كرة القدم السعودية سيمون كولوسيمو، أن استضافة كأس العالم 2034، لحظة تاريخية، ليس فقط للرياضة ولكن للسعودية التي تهدف أيضا إلى أن تكون مركزا عالميا للتجارة والسياحة والابتكار.
وأضاف، أن مونديال 2034 ستكون نقطة تحول في تاريخ السعودية، إذ ستوفر فرصا رياضية واقتصادية هائلة، وعلى الجانب الرياضي، ستُلهم البطولة جيلا جديدا من اللاعبين والمشجعين، وستساعد على رفع مستوى كرة القدم المحلية، وإنشاء دوري محلي أكثر تنافسي.
وسيحظى اللاعبون خاصة أولئك الذين سيمثلون البلاد، بفرصة التألق على الساحة العالمية وإظهار الشغف والموهبة الموجودة في السعودية.
من الناحية الاقتصادية، يرى كولوسيمو، أن استضافة بطولة كأس العالم دفعة كبيرة، في تدفق الاستثمارات في البنية التحتية، وخلق فرص عمل جديدة، وتنشيط السياحة، وهي أمور تدعم التنوع الاقتصادي ضمن رؤية 2030، ما يخلف آثارا إيجابية طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع ككل.
تأثير كبير في قطاع الطيران
يتوقع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” في تقريره عن ملف السعودية، أن تكون العوائد المالية من مونديال 2034 عالية جدا، وأن التكاليف التي سيدفعها أقل من مونديالات سابقة.
من ناحيته، أكد منيف الحربي المتخصص في مجال الطيران السعودي والدولي، التأثير الكبير للاستضافة في قطاع الطيران، مضيفا أن “قطاع الطيران كان جزء مهم في ملف الترشّح للمونديال، الذي خصّص فصل كامل لاستعراض منظومة النقل والمواصلات.
وتوفر السعودية 16 مطار دولي، وكان من ضمن النقاط المهمة أن 60 % من سكان العالم يقيمون في أماكن تبعد أقل من 8 ساعات طيران عن السعودية، حيث إن الأجواء السعودية تربط بين 3 قارات وتعد من أهم مراكز ربط العالم.
وحول عدد الرحلات بين المدن المستضيفة، قال الحربي: “لاشك أن الأرقام ستتضاعف في المستقبل، خاصة مع النمو الكبير الذي يشهده قطاع الطيران حاليا والتوسع في المشاريع سواء توسعة المطارات أو إنشاء مطارات جديدة”.
وتابع “الأرقام الحالية تشير إلى نمو كبير إلى أبعد الحدود، ولو نظرنا للأرقام المستهدفة في رؤية 2030 نجد أن مطار الرياض حاليا 32 مليون مسافر في السنة والمستهدف عام 2030 هو 80 مليون”.
الحربي أضاف، “مطار جدة 43 مليون حاليا والمستهدف 90 مليون مسافر، كذلك مطار الدمام 11مليون والمستهدف هو 15مليون، كذلك مطار أبها 4 مليون مسافر حاليا والمستهدف 8 مليون مسافر”.
مطار نيوم داعم جديد
قال الحربي: “أما المطار الاحدث فهو مطار نيوم الدولي الذي سيحل محل “مطار خليج نيوم” الحالي، بنحو 140 ألف مسافر في السنة، بينما سيكون العدد عام 2034 هو 12 مليون مسافر”.
وبين الحربي، أن قطاع الطيران يحقق نموا أعلى من المستهدف في عدد الرحلات وعدد المسافرين، ونمو كبير في حركة الطيران الخاص.
وقال “آخر إحصائية للنصف الأول من العام الحالي 2024 شهد مطار جدة زيادة 16 % عن العام السابق، ومطار الرياض 21 % والدمام 15 %، كما يستهدف برنامج الربط الجوي عام 2030 ربط المطارات السعودية في أكثر من 250 وجهة في جميع أنحاء العالم”.
وتطرق الحربي إلى عدد الرحلات المجدولة، قائلا: “في المجمل عدد الرحلات في الأجواء السعودية يوميا، بما فيها العابرة للأجواء يتجاوز 2500 رحلة تقريبا، ورحلات الخطوط الأجنبية تقريبا 300 رحلة يوميا، ومتوقع أن يكون العدد في كأس العالم أكثر من هذا الرقم بكثير”.
أشار إلى أن الخطوط السعودية وبقية الشركات السعودية تشهد أيضا نمو كبير، فمثلا “السعودية” تقريبا ستتسلّم خلال الخمس سنوات المقبلة 25 طائرة كل سنة.
وبالنسبة للطيران الخاص، تجاوز عدد رحلاته 62 ألف رحلة منها 14 ألف رحلة داخلية، ومتوقع تشهد الرحلات الخاصة زيادة هائلة خاصة من المدن المستضيفة الرياض وجدة والخبر وأبها ونيوم، وتجاوز 100 ألف رحلة.
انتعاش سوق الإيجار العقاري
أكدت هنوف بنت عبدالإله بن سعيد المدير العام لشركة ستيك السعودية العقارية، أن استضافة كأس العالم تفتح آفاقا واسعة للاستفادة من الإيجارات اليومية، حيث يُتوقع أن تحقق هذه السوق نموا يصل إلى 30 إلى 40 % خلال فترة البطولة، وعوائد مجزية تتجاوز المعدلات التقليدية للإيجارات طويلة الأجل.
وأضافت، أن الشركات تعمل حاليا على مواكبة استضافة السعودية لكأس العالم 2034 من خلال تقديم استثمارات عقارية مبتكرة، وتسريع تنفيذ المشاريع من خلال الشراكات مع الجهات الحكومية والخاصة.
هنوف أشارت إلى أن هذه المشاريع تسهم في ضمان تحقيق عوائد مستدامة خلال فترة البطولة وبعدها، والمساهمة في تعزيز جهود السعودية الرامية إلى بناء مرافق سكنية عالمية المستوى تستعد لاستقبال الحدث.