أقوى عملة في العالم تتحدى قواعد الاقتصاد التقليدي!
(العربية)-03/06/2025
في وقت تتصاعد فيه النقاشات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تسعى لخفض قيمة الدولار لدعم صناعتها المحلية، يبرز مثال سويسرا كدليل حي على أن العملة القوية لا تعني بالضرورة اقتصاداً ضعيفاً أو صادرات متراجعة، بحسب المؤلف والكاتب، روتشير شارما.
وكتب شارما في مقال لصحيفة “فاينانشال تايمز”، إن الفرنك السويسري، الذي يعد الأقوى عالمياً منذ عقود، لم يُضعف من تنافسية الاقتصاد السويسري، بل على العكس، ساهم في ترسيخ مكانة البلاد كواحدة من أقوى الاقتصادات الصناعية في العالم.
لم يتصدر الفرنك السويسري العملات الرئيسية فقط خلال السنوات الخمس أو العشر الماضية، بل كان الأفضل أداءً على مدى نصف قرن. ورغم ذلك، لم تتراجع صادرات سويسرا، بل وصلت إلى مستويات تاريخية، حيث تمثل اليوم نحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي، وتقترب من 2% من إجمالي الصادرات العالمية.
هذا الأداء يتحدى النظرية التقليدية التي تربط بين قوة العملة وتراجع القدرة التنافسية. فسويسرا، مثل ألمانيا واليابان في أوج عطائهما، بنت سمعة عالمية لمنتجاتها عالية الجودة، ما جعل العالم مستعداً لدفع “علاوة عملة” مقابل عبارة “صُنع في سويسرا”.
اقتصاد الابتكار
ورغم الصورة النمطية عن سويسرا كملاذ للأموال المشبوهة، بحسب شارما، إلا أن اقتصادها يُعد من بين الأكثر ديناميكية وابتكاراً في العالم. فمنذ أكثر من عقد، تتصدر سويسرا تصنيفات الأمم المتحدة لأكثر الاقتصادات ابتكاراً، بفضل استثماراتها في التعليم التطبيقي والبحث والتطوير.
وتُنتج سويسرا أكثر من 100 دولار في الساعة الواحدة من العمل، متفوقة على جميع الاقتصادات الكبرى. كما أن نظامها السياسي والاقتصادي اللامركزي يدعم نمو الشركات الصغيرة، التي تمثل أكثر من 99% من الشركات السويسرية.
صناعات معقدة.. وعوائد ضخمة
وفقاً لتصنيف “مختبر النمو” في جامعة هارفارد، تحتل سويسرا المرتبة الأولى بين الاقتصادات الكبرى من حيث “تعقيد” صادراتها، أي المهارات المتقدمة المطلوبة لإنتاجها. وتشمل صادراتها كل شيء من الشوكولاتة والساعات إلى الأدوية والمواد الكيميائية.
وتُشكل الصناعات التحويلية نحو 18% من الناتج المحلي، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالدول المتقدمة. كما أن أكثر من نصف صادراتها تُصنف على أنها “تكنولوجيا عالية”، أي أكثر من ضعف النسبة الأميركية.
استقرار خارجي.. واحتياطات ضخمة
منذ الثمانينيات، حافظت سويسرا على فائض في الحساب الجاري يتجاوز 4% من الناتج المحلي، ما مكنها من استثمار عائدات التجارة في الخارج. واليوم، تمتلك البلاد فائضاً في صافي الاستثمار الدولي يتجاوز 100% من ناتجها المحلي، ما يمنحها قدرة كبيرة على مقاومة الصدمات الاقتصادية.
الدرس السويسري للعالم
ورغم ارتفاع مستويات الدين الخاص، إلا أن سويسرا لا تعاني من ظاهرة “الشركات الزومبي” التي تعاني منها اقتصادات أخرى. بل على العكس، أظهرت مرونة كبيرة في مواجهة تقلبات الأسواق، كما حدث في 2015 عندما ارتفع الفرنك فجأة، فاستجابت الشركات بالتحول نحو صادرات أكثر تعقيداً وأقل حساسية لتقلبات العملة.
ونصح شارما الاقتصادات المتقدمة بضرورة التنافس بالجودة لا بالسعر، وأن خفض قيمة العملة ليس حلاً سحرياً لإحياء القطاعات الصناعية.