لماذا يصعب على بنوك أوروبا مغادرة روسيا ؟
(الإقتصادية)-23/05/2024
تستمر بنوك أوروبا الكبرى بتشغيل وحدات مصرفية ضخمة في روسيا تزداد أرباحها برغم مرور عامين على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا وتعهداتها العلنية بتقليص عملياتها في البلاد.
لم يتراجع إجمالي عدد موظفي مصارف الاتحاد الأوروبي الخمسة الأكبر في روسيا إلا بنسبة 3 % فقط منذ الحرب، فيما تضاعفت أرباحها بنحو ثلاث مرات، وذلك بفضل أسعار الفائدة شديدة الارتفاع التي تستفيد منها تلك البنوك من أموالها المتراكمة العالقة في البلاد.
دفعت وتيرة التخارج البطيئة البنك المركزي الأوروبي للضغط على المتقاعسين للإسراع بمغادرة روسيا. ويتمثل أحد المخاوف الرئيسية في أن يؤدي استمرار عمل تلك المصارف في البلاد إلى تعريضها للعقوبات الأميركية وتكبيدها غرامات باهظة، وفقاً لشخص مطلع طلب عدم ذكر اسمه نظراً لخصوصية المعلومات.
قالت كلوديا بوخ، كبيرة مسؤولي الرقابة في البنك المركزي الأوروبي، لوزراء مالية منطقة اليورو في 13 مايو، إن الهيئة الرقابية طلبت من جميع المصارف التي لديها عمليات ضخمة في روسيا “تسريع جهودها للحد من المخاطر عبر وضع خارطة طريق واضحة لتقليص عملياتها والتخارج من السوق المالية الروسية”.
صعوبات في سحب الأموال
تقف العقوبات الصارمة التي فرضتها الدول الغربية لتقييد عمل الشركات في روسيا بالإضافة إلى القوانين المحلية والضرائب الجزائية على عمليات البيع، حائلاً أمام إخراج أموال المصارف الأوروبية من البلاد.
بطبيعة الحال، يتعين على الفروع التابعة للمصارف الأجنبية في روسيا الالتزام بالقواعد الناظمة المحلية، ما قد يتعارض مع الضغوط التي يمارسها البنك المركزي الأوروبي على المصارف الأوروبية التي تملكها. علاوة على ذلك، تواجه فروع المجموعات المصرفية التابعة للبنوك الأوروبية في روسيا مخاطر التعرض لإجراءات انتقامية، حيث يستولي الكرملين أحياناً على أصول شركات أو أفراد تابعة لبلدان يعتبرها غير صديقة.
حصل بنك”إنتيساسانباولو” الإيطالي في سبتمبر على موافقة الرئيس فلاديمير بوتين على بيع مصرف تابع له في روسيا لمجموعة يقودها المديرون المحليون للمصرف، لكن تعقيدات إدارية تعيق إتمام الصفقة حسبما صرح كارلو ميسينا، الرئيس التنفيذي للبنك. وقال لتلفزيون بلومبرغ في فبراير إن “إتمام البيع ليس سهلاً”.
أرباح أكبر
من جهته، قال البنك الهولندي “إي إن جي”، الناشط في روسيا منذ 1993، إنه خفض حجم أعماله المرتبطة بروسيا إلى الربع ليصبح إجمالي استثماراته 1.3 مليار يورو تقريباً منذ مطلع 2022. قال نيكولا دي كارو، المحلل لدى “مورنينغستار دي بي آر إس” في فرانكفورت، إن التواجد في روسيا محرج في ظل الوضع السياسي الحالي”، لكن “التخارج الفوضوي سيكون بمثابة هدية للسلطات الروسية”.
من جهة أخرى، خفض “دويتشه بنك”عدد موظفيه في روسيا بحدة، ويُعزى ذلك بجزء كبير منه إلى إغلاق أحد مراكز تقنية المعلومات، مع ذلك حقق أرباحاً أكبر في روسيا خلال العام الماضي مقارنةً بما حققه في 2021 قبل الحرب.
وهذا أمر شائع نوعاً ما وسط المصارف التي ما تزال لديها أموال في روسيا نظراً للصعوبات التي تواجهها المصارف الأوروبية في سحب أموالها من جهة، وأسعار الفائدة المرتفعة التي يدفعها البنك المركزي الروسي على ودائع المقرضين من جهةٍ أخرى.
كما تضاعفت أرباح فرع “رايفايزن بنك إنترناشيونال” النمساوي في روسيا أكثر من ثلاثة أضعاف خلال هذه الفترة، فيما قفزت أرباح “إنتيسا سانباولو” عشرين ضعفا تقريبا. قال توماس نويتزل، المحلل في بلومبرغ إنتليجنس أنه بالنسبة لبعض البنوك فقد كانت “المساهمة في الأرباح أعلى مما كانت عليه قبل الحرب، وهذا من شأنه أن يثير قلق السلطات… الأمر ينطوي على مخاطر كبيرة في انتهاك غير متعمد للعقوبات”.
صعوبة التخارج
واجهت المصارف الأميركية تحديات مشابهة. فقد أوقف “سيتي غروب” تقديم جميع الخدمات المصرفية المؤسسية تقريباً في روسيا مطلع العام الماضي، على الرغم من أنه ما يزال لديه استثمارات تقدر بنحو 7 مليارات دولار في البلاد، معظمها مودعة لدى البنك المركزي ووكالات أخرى. يقول مصرف “جيه بي موغان تشيس آند كو” إنه حتى مارس الماضي كانت قرابة 350 مليون دولار من أمواله ما تزال عالقة في روسيا.
لعل بنك “رايفايزن” أفضل مثال على المعضلة المصرفية الأوروبية، فقد ظل يحاول تقليص حجم عملياته أو التخارج من السوق الروسية واستعادة أمواله على مدى عامين. غير أن صفقة معقدة لاستعادة رأس مال المصرف النمساوي انهارت في 8 مايو، فقد قال البنك إنه لم يتمكن من إقناع الهيئات الناظمة في الدول الغربية بدعم خطة التخارج، ما يعرضه لخطر انتهاك العقوبات.
يقول البنك إنه يعمل على ضمان الامتثال للعقوبات وإنه “خفض حجم عملياته في روسيا بشكل كبير” منذ 2022، إذ قلص محفظة قروضه بنحو 60 % إلى نحو 5.8 مليار يورو على الرغم من ارتفاع عدد موظفيه عملياً بنسبة 7 % إلى 10 آلاف موظف تقريباً. في حين يفضل البنك النمساوي خيار البيع، إلا أنه يصعب العثور على مشترٍ، كما أن أي صفقة تتطلب موافقة الحكومة الروسية.
كان مصرف “أو تي بي” المجري واحدا من مصارف قليلة في دول الاتحاد الأوروبي التي تمكنت من تحويل أموال إلى خارج روسيا. ويُعتبر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أقرب حلفاء الكرملين في الاتحاد الأوروبي، فقد حال دون تدفق المساعدات الدفاعية المقدمة من الاتحاد إلى أوكرانيا لعدة أشهر، قبل أن يتراجع عن موقفه.
لكن “أو تي بي” يصر على أنه لم يستفد من العلاقة الودية التي تجمع أوربان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يقول المصرف إنه يمتثل تماماً للعقوبات ويريد التخارج من السوق الروسية، لكن متطلبات الجهات الناظمة في البلاد تصعّب بيع فرعه بسعر عادل.
أخيراً، يدير مصرف “يونيكريديت” الإيطالي أعماله في روسيا من خلال بنك تابع له يضم نحو 3100 موظف وأكثر من 50 فرعاً. ويقول البنك ومركزه ميلانو إنه خصص أكثر من 800 مليون يورو لتغطية التخلف عن السداد في روسيا منذ 2022، وقلص محفظة قروضه بمقدار الثلثين.
وأعلن الرئيس التنفيذي أندريا أورسيل في مؤتمر عبر الهاتف، في مايو، إن البنك سيفعل ما بإمكانه في البلاد وأنه ملتزم بالعقوبات، لكن التخارج الكامل صعب. أضاف: “بالتأكيد إذا كانت هناك فرصة لتسريع انسحابنا بشكل أكبر، سنفعل ذلك”.