من “وول مارت” إلى “أمازون”: كيف يعيد قطاع التجزئة تشكيل الاقتصاد العالمي؟
(النهار)-13/08/2024
يُعدّ قطاع التجزئة اليوم أحد أهم ركائز الاقتصادات في العالم، بعدنا شهد تطوراً كبيراً بفضل الابتكارات التقنية، والتحولات في السلوك الاستهلاكي. وفي هذا القطاع، تبرز أسماء لامعة، في مقدمتها سلسلة المتاجر الأميركية “وول مارت”، التي تعتبر الأكبر بين شركات البيع بالتجزئة في العالم من حيث مبيعاتها.
فعلى الرغم من تحقيقها نمواً ضئيلاً نسبياً، بلغت إيراداتها السنوية نحو 628,6 مليار دولار (في أي عام)، 84.7 في المئة منها محلية. كما وصل عدد متاجرها حول العالم إلى 10,569 ألف متجر في عام 2023.
تحل شركة “أمازون” للتجارة الإلكترونية ثانية بمبيعات قيمتها 355,1 مليار دولار في عام 2023، ومتوقع أن تكون تتجاوز حصة الشركة 40 في المئة في مبيعات التجارة الإلكترونية بالولايات المتحدة في عام 2024.
في آسيا، تتصدر “علي بابا” قائمة شركات البيع بالتجزئة، مدعومة من منصاتها للتسوق الرقمي، مثل “تاوباو” و”تي مول”.
ومن بين شركات البيع بالتجزئة التي تملك أكبر عدد من المتاجر حول العالم، تأتي اليابانية “سيفن أند آي” في الصدارة بفارق كبير، إذ تملك 40,455 متجراً. ولكن، على الرغم من تزايد الاهتمام بالتجارة الإلكترونية، فإن العديد من كبار شركات البيع بالتجزئة حول العالم تحقق أغلب مبيعاتها في المتاجر الفعلية. فالعملاء يمنحون الراحة والقدرة على الاختيار بين السلع أولوية عند الشراء.
عوامل نمو
أحدثت التكنولوجيا ثورة في قطاع التجزئة، إذ مكنت المستهلكين من التسوق عبر الإنترنت من أي مكان وفي أي وقت. ومواكبةً لهذا التطور، قدمت التجارة الإلكترونية نماذج عمل جديدة أزالت الحدود بين البائع والمستهلك، وسهلت أنظمة الدفع الرقمية الآمنة والتطبيقات الذكية عمليات الشراء، ما أدى إلى زيادة المبيعات وتحسين تجربة العملاء.
ومع ارتفاع مستويات الدخل، ارتفعت قدرة المستهلك الشرائية، فأنتج هذا زيادة في الطلب على السلع والخدمات، خصوصاً في الأسواق الناشئة. كما ساعد التوسع الحضري في توفير بنية تحتية متقدمة، مثل المراكز التجارية الضخمة، فعزز هذا الأمر من نمو قطاع التجزئة التقليدي.
إلى ذلك، وسّعت العولمة نطاق التجارة العالمية، ما سهّل على الشركات عمليّة الوصول إلى أسواق جديدة. وقد استفادت الشركات العالمية من هذا التوجه فافتتحت فروعاً جديدة ورصدت جزءاً من رأسمالها للاستثمار في دول جديدة، أي في أسواق جديدة، فساهم هذا في تعزيز القطاع على مستوى العالم.
والجدير بالذكر هما أن التغير في التركيبة السكانية، مثل ارتفاع عدد الشباب وتوسع الطبقة الوسطى، ساهم في تغيير أنماط الاستهلاك، ما أناح لقطاع التجزئة فرص نمو جديدة بفضل ارتفاع الطلب على السلع التقنية والمنتجات الفاخرة.
تحديات وعوائق
يواجه قطاع التجزئة منافسة حادة، سواء من الشركات الكبيرة أو الناشئة، تزيد الضغط على هوامش الربح، وتجبر هذه الشركات على الابتكار المستمر للحفاظ على مكانتها في السوق.
ويؤدي التغير في السلوك الاستهلاكي دوراً أساسياً في تحديد أنماط البيع التي تعتمدها تجارة التجزئة، والاتجاهات التي تتصاعد فيها، إذ صار المستهلك اليوم أكثر وعياً واطلاعاً، وبالتالي أكثر توقعاً لتجربة تسوق مميزة وخدمات ما بعد البيع استثنائية. ولا ننسى أن ارتفاع الطلب على المنتجات التي تراعي معايير الاستدامة أجبر شركات التجزئة على تعديل استراتيجياتها الإنتاجية وسياساتها الترويجية.
ومع توسع قطاع التجارة الإلكترونية، أصبحت التحديات اللوجستية أكثر تعقيداً، حيث يتطلب تلبية طلبات العملاء في الوقت المحدد إدارة سلسلة التوريد بكفاءة عالية، ما يمثل تحدياً كبيراً، خصوصاً في الأسواق الناشئة.
ولا شك في أن القطاع يتأثر بالتقلبات الاقتصادية والسياسية، إذ تؤثر هذه التقلبات في الطلب، وفي قدرة الشركات على التوصيل وفق المعايير التنافسية. كما تؤثر التغيرات في أسعار الصرف، والضرائب، والسياسات التجارية في تكلفة السلع، ما يحدث تغيراً في الطلب.
توقعات مستقبلية
متوقع أن يواصل قطاع التجزئة نموه مرفوداً باستمرار الابتكار التكنولوجي وتوسع التجارة الإلكترونية. ومرجح أن تؤدي فورة الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز دوراً أكبر في تحسين تجربة التسوق وتخصيص العروض للمستهلكين. كما قد تشهد الأسواق الناشئة في آسيا وأفريقيا نمواً كبيراً، بفضل الزيادة السكانية وتحسن الظروف الاقتصادية.
في الوقت نفسه، تتمحور التحديات حول القدرة على التكيف مع التغيرات في السلوك الاستهلاكية والضغوط البيئية، وعلى رفع مستوى الاستثمار في التكنولوجيا، وتعزيز الاستدامة، والاعتماد على الابتكار في تقديم خدمات جديدة تلبي رغبات المستهلكين المتطورة، واحتياجاتهم المتغيرة.
وفي رصد لحركة تجارة التجزئة منذ عام 2020، وتوقعات نمو هذا القطاع في عام 2024، تشير تقديرات شركة “ستاتيستا” الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، إلى الآتي:
- في عام 2020، انخفضت مبيعات التجزئة العالمية بنسبة 2.9 في المئة، نتيجة لجائحة كورونا.
- انتعشت المبيعات في عام 2021 بنمو وصل إلى 9.7 في المئة.
- تشير تقديرات عام 2022 إلى وصول مبيعات قطاع التجزئة إلى نحو 27,3 تريليون دولار أميركي.
• متوقع أن تتجاوز مبيعات قطاع التجزئة 30 تريليون دولار بحلول عام 2024.