المصارف العربية بين عمليات الإندماج والإستحواذ والتحوّل الرقمي السريع
تشهد الأعمال المصرفية في المنطقة العربية مؤخراً، عمليات الإندماج والإستحواذ، والتحوُّل الرقمي السريع، وقد تقدَّمت هاتان الظاهرتان، بسبب إنتشار جائحة «كورونا-19»، في أنحاء العالم، بالإضافة إلى عوامل إقتصادية وتشغيلية أخرى. أما في ما يتعلّق بالظاهرة الأولى، فتشهد دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً، موجة غير مسبوقة من الإندماجات المصرفية الضخمة، داخل الحدود وخارجها، ما أدى إلى نشوء بنوك كبيرة جداً، بالإضافة إلى العديد من العمليات الأخرى قيد المعالجة، إلى جانب الظاهرة الثانية، وهي التطور التكنولوجي السريع والمتمثلة بالتحوُّل الرقمي.
وتُظهر التقديرات، أن ثمّة نحو 450 مؤسسة مصرفية تعمل في المنطقة العربية، حيث تُدير أصولًا إجمالية تبلغ نحو 4.2 تريليونات دولار، مع قاعدة ودائع تبلغ نحو 2.7 تريليون دولار، في ظل إجمالي أصول القطاع المصرفي العربي الذي يُمثل نحو 150 % من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية، وتُمثّل الودائع نحو 90 % من الناتج المحلي الإجمالي العربي.
كما تلعب البنوك في المنطقة العربية دوراً حاسماً في التنمية الإقتصادية والإجتماعية في بلدانها، نظراً إلى الدور المحدود لآليات التمويل الأخرى، بما في ذلك أسواق رأس المال. علماً أن إجمالي القروض التي قدّمتها البنوك العربية للقطاعين العام والخاص العربي تتجاوز 2.7 مليار دولار، وهي تمثل نحو 100 % من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية. كما أن القطاع المصرفي العربي يُوفّر فرص عمل لأكثر من 600 ألف شخص، وبنسبة كبيرة من النساء والشباب.
وتتميّز البنوك في المنطقة العربية بخصوصية الإنتشار الواسع للصيرفة الإسلامية، والمتمثّلة في كثرة عدد البنوك التي تتبع قواعد الشريعة الإسلامية، فالصيرفة الإسلامية العربية لا تزال مهيمنة على مستوى العالم، حيث يوجد نحو 70 % من أصول الصيرفة الإسلامية العالمية في المنطقة، و25 % من هذه الأصول في دول مجلس التعاون الخليجي.
ولا شك في أن ثمة تحدّيات أخرى تُواجه البنوك العربية، في مقدمها مخاطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الناتجة عن زيادة الإعتماد على التكنولوجيا. علماً أن هذه المشكلة تواجه جميع البنوك والأنظمة المصرفية في جميع أنحاء العالم، ويُمكن إعتبارها من الآثار الجانبية غير المقصودة للرقمنة والتحوّل التكنولوجي في البنوك. وفي عصر خفض المخاطر، تتبنّى البنوك العربية أكثر الإجراءات صرامة وتوصيات بأفضل الممارسات المتعلّقة بالإلتزام ومكافحة الجرائم المالية.
وفي ظل زيادة الإتجاهات العالمية نحو إعتماد الرقمنة، زاد الإنفاق على البنية التحتية التكنولوجية، ولا سيما الذكاء الإصطناعي بشكل كبير، حيث على سبيل المثال، تجاوز الإنفاق العالمي على هذا النوع من التكنولوجيا في الأعمال نحو 50 مليار دولار في العام 2020، ويُتوقع أن تصل إلى 110 مليارات دولار في العام 2024. وتالياً، يُعدّ التحوّل الرقمي أحد أهم ركائز مستقبل القطاع المالي والمصرفي.
في المحصّلة، تُجري البنوك والمؤسسات المالية العربية تغييرات كبيرة في نماذج أعمالها من خلال التوسع في تبنّي التكنولوجيا والإستثمار في بنيتها التحتية، بالتعاون مع شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية (Fintech) لتحسين قدرتها التنافسية وزيادة الإعتماد على التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخدمات المالية. والمستقبل القريب سيكشف أن المصارف العربية تفوّقت على ذاتها بإتباع أعلى المعايير والحوكمة والشفافية وجذب المستثمرين.