أضواء على الممرّ الإقتصادي بين جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط
ما هي نقاط قوته وضعفه؟
يتحضّر الإقتصاد العالمي لإستقبال مشروع إقتصادي ضخم، تمّ الاعلان عنه في قمّة العشرين التي إنعقدت في أيلول (سبتمبر) 2023 هو«الممر الإقتصادي والذي يربط بين جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق (IMEC)»، الذي يُتوقع أن تكون له بصمة على الخريطة التجارية العالمية نظراً إلى الحيوية التي سيخلقها في عمليات التبادل التجاري بين الدول، والمكانة السياسية التي ستحتلها هذه الأخيرة، نتيجة مكانتها الإقتصادية عالمياً.
في التوصيف الجغرافي، يتألف المشروع الجديد من ممرّين منفصلين، أحدُهما يربط الهند بالخليج العربي، والآخر يربط الخليج العربي بأوروبا. وسيمتد الممر المقترح عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، قبل أن يصل إلى أوروبا.
المشروع يُنظر إليه على أنه منافس لمشروع الحزام والطريق، الذي أطلقته الصين قبل 10 سنوات، بالإضافة الى تأثيره على قناة السويس المصرية التي تستحوذ على 12 % من حركة التجارة العالمية. أما في ميزان الخبراء الإقتصاديين فيعتبرون أن «ما يُؤمّنه المشروع لنقل الطاقة من خلال الممرّات، لا يشكل 1 % مما يُمكن نقله عبر السفن العملاقة التي تمرُّ عبر قناة السويس».
ويرى الخبراء أن «المشروع هو نوع من أنواع تعزيز التجارة البينية لمجموعة من الدول، مثل المحور الذي يربط بين الهند وإيران وروسيا، والذي لا يتجاوز حجم التجارة البينية من خلاله ما بين 6 و12 مليون طن، وهو رقم لا يقارن. لكن إضافة ممرّات نقل جديدة هو أمر ضروري لمواجهة الزيادة السكانية، وزيادة حجم التجارة، ونوع من أنواع التكامل». ويستبعدون «إنجاز المحور أو الممر قبل 15 عاماً، وقد يمتد إلى 20 عاماً. وفي غضون ذلك تعمل مصر على تنمية وتوسعة ممر قناة السويس ومواكبة التطورات الجديدة». في المقابل، يُسجل الخبراء أن «مشروع خط الأنابيب المزمع إنشاؤه بين الإمارات وميناء إيلات الإسرائيلي على خليج العقبة، ومنه إلى ميناء حيفا، سيُقلّل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة قد تصل إلى 16 % ».
الخوري: لا مقارنة بين ممر الهند ومبادرة الحزام والطريق
يشرح الخبير الإقتصادي الدكتور بيار الخوري لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «الطريق الذي أُعلن عنه في قمّة العشرين IMEC، حيث يربط بشكل أساسي الهند بأوروبا عن طريق الشرق الأوسط ، هو طريق لإدراج الهند بطريقة أقوى بالتجارة العالمية وخصوصاً نحو أوروبا»، لافتاً إلى أن «الهند تحتاج إلى الممر، لأنها إقتصاد يكبر بسرعة، وتحتل المركز الخامس عالمياً، وقد تمكّنت من إزاحة بريطانيا عن هذا المركز. وبحسب توقعات دولية موثوقة بين عامي 2050 و2075، ستتحوّل الهند إلى ثاني إقتصاد في العالم».
يضيف الخوري: «تملك الهند فرصاً كبيرة ولكنها تحتاج الى ممرّات، لأن أكلاف النقل هي من العوامل الاساسية في التجارة العالمية ( 10 % زيادة) هو من يجعل مناطق إقتصادية تتفوق على مناطق إقتصادية أخرى، ونحن نعلم أن هناك الكثير من الشركات الدولية باتت موجهة أكثر نحو الهند، ويتم تشجيعها على ذلك في ظل الصراع التجاري الكبير القائم بين الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة والصين»، لافتاً إلى أن «الهند تُعتبر ملجأ الإستثمارات في حال تطوّر هذا النزاع إلى نوع من توتر أو حروب او مقاطعة شاملة، لكن في الوقت الحالي، لا يزال حجم الإقتصاد الهندي يشكل معادلة (1 على 5)، من حجم الإقتصاد الصيني، لكن لعبة الممرّات هي لعبة مختلفة، ومبادرة الحزام والطريق كانت أول ممرّ دولي كبير للتجارة، التي ستسمح بتطوير علاقات بين الخليج وأفريقيا وأوراسيا وأوروبا ومصدرها الصين».
ويرى الخوري «أن مبادرة الحزام والطريق هي مشروع كبير جداً، ويتطلب إستثمارات ضخمة. علماً أن الصينيين صرفوا نحو تريليون دولار على هذه الطريق، ويُتوقع أن يصرفوا أيضاً 5 تريليونات أخرى أيضاً، وهذه الطريق تُعالج كل مشاكل البنية التحتية المترهّلة التي ستمرُّ فيها، وتفتح باباً لهذه الدول، كي تسد فجوة الموارد من أجل بناء البنية التحتية فيها، والتي هي غير متوافرة من مصادر تمويل أخرى وتؤمّنها الصين، بينما الممر المطروح من الهند هو طريق أكثر تواضعاً بحجمه، ومعظم الطرق المقترحة له لا تحتاج إلى بناء».
الخوري: حجم الممر الهندي لا يُمكن أن يوازي حجم المشروع الصيني لكنه مشروع عظيم من أجل الهند
هل يضرُّ الحزام والطريق؟
يجيب الخوري: «أعتقد أن ما قام به الصينيون في العام 2013 هو رؤيوي، لأنهم إستشرفوا عالم النقل إلى أين ذاهب؟ وأين هي الإختناقات التي يعانيها؟ وفتحوا الطريق لأمم أُخرى بأن تُفكر بالطريقة نفسها IMECوهو إستكمال لطريقة التفكير التي بدأها الصينيون منذ العام 2013 عن طريق «الحزام والطريق» أكثر مما هو طريق، هدفه قطع المنافذ على الصين»، مشدّداً على أن «هذا الأمر غير مطروح، ولا حجم الممر الهندي يُمكن أن يُوازي حجم المشروع الصيني، لكنه مشروع عظيم من أجل الهند، لأنه يجب أن تأخذ حقها في التجارة العالمية، وهي أمة صاعدة إقتصادياً بقوة، ولديها ممرّات أخرى، وخصوصاً الممر الذي يمر بإيران نحو آسيا الوسطى وروسيا. ولا ننسى أن هذا الممر IMEC يطرح السؤال عمّا إذا كان يُمكنه أن ينافس قناة السويس التي تتميّز بأقل كلفة شحن في العالم، والتي تبلغ 30 % من البضائع التي تمر بالتجارة عبر العالم».
ويختم الخوري قائلاً: «إن هذه الأسئلة حقيقية، لكني أعتقد أننا سنرى ممرّات جديدة بين الأمم، لأن المستقبل هو أن نجد ممرّات تجارية بأقل كلفة ممكنة».
غبريل: الممر الهندي كفكرة هي كبيرة وضمن رؤية ولكن نتائجها تنتظر التطبيق الفعلي
غبريل: علينا إنتظار التطبيق
من جهته، يوضح الخبير الإقتصادي نسيب غبريل لمجلة «إتحاد المصارف العربية»، أن «المشروع IMEC، يُساعد على التبادل التجاري والإقتصادي للبلدان المشاركة فيه، والافكار جميلة، بإنتظار التطبيق الفعلي والمهل الزمنية التي سيُطبق فيها المشروع. وهناك جزء له علاقة بالبنى التحتية، ومما لا شك فيه أن إرتفاع حجم التبادل التجاري يُخفّض التوترات السياسية والأمنية نظرياً. إجمالاً كفكرة هي كبيرة، وضمن رؤية، ولكن نتائجها تنتظر التطبيق الفعلي».
قزح: قناة السويس سيتقلص دورها جداً ولبنان لن يستفيد من هذا الممر لأنه غير موجود على الخريطة
قزح: الممر بديل عن المشروع الصيني
ويرى الخبير الإقتصادي ميشال قزح لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «هذه الطريق هي بديل عن طريق الحزام والطريق الصيني، ويُقصّر عمليات التبادل التجاري والتسليم والشحن بين الدول المشاركة، ويُصبح تبادل هذه العمليات التجارية بطريقة أكثر فعالية، وبالتأكيد البلدان التي يمرّ فيها هذا الممر تجني الإستفادة الإقتصادية والسياسية وعلى كل الأصعدة».
ويختم قزح قائلاً: «بالإضافة إلى أنه يُقصّر في عمليات الشحن، فإن هذا الخط يحتاج إلى إستقرار أمني، وإسرائيل ستكون محطة من محطاته من خلال ميناء حيفا، وقناة السويس سيتقلص دورها جداً، ولبنان لن يستفيد من هذا الممر، لأنه غير موجود على الخريطة».
باسمة عطوي