إستراتيجيات التحوُّل نحو بنوك أكثر إستدامة وكفاءة في إستخدام الطاقة
إن التحوّل الى بنوك أكثر إستدامة وكفاءة في إستخدام الطاقة بات أمراً بالغ الأهمية مع شحّ الموارد، وشدة المنافسة التي تواجهها البنوك. إن مفهوم الخدمات المصرفية المستدامة هو نهج إستراتيجي حيث تأخذ المؤسسات المالية في الإعتبار التأثيرات البيئية والإجتماعية والحوكمة في عملياتها وأنشطتها التجارية.
ونعرض في هذا المقال، ممارسات وإستراتيجيات الخدمات المصرفية المستدامة، والتحدّيات التي تواجه إستدامة البنوك، والتقنيات لتعزيز إستدامة البنوك، والتحدّيات التي تواجه تبني تقنيات الخدمات المصرفية المستدامة. كما ونتناول خصائص البنوك الموفّرة للطاقة، ونماذج كفاءة الطاقة، والتقنيات لتعزيز كفاءة الطاقة في البنوك والتحدّيات التي تواجهها. ونسلّط الضوء على التشريعات الخاصة بكفاءة الطاقة والبنوك المستدامة وتوجيهات الطاقة في الاتحاد الأوروبي، ومعايير كفاءة الطاقة وشهادات كفاءة الطاقة. ونختم بطرح الإستراتيجيات للتحوُّل الى بنوك مستدامة وأكثر كفاءة في إستخدام الطاقة.
ماهية البنوك المستدامة
الخدمات المصرفية المستدامة هي الممارسات المصرفية والإستثمارية التي تسعى إلى تحقيق الربح مع مراعاة الإستدامة البيئية والمسؤولية الإجتماعية وإعتماد الحوكمة الجديرة بالثقة. وتشمل هذه الخدمات برامج الإقراض المسؤولة والشاملة والمنتجات التي تركز على العملاء مع تعزيز الشفافية والإستهلاك الواعي.
لقد تحوّل مفهوم الخدمات المصرفية اليوم، إذ إنه في السابق كان مفهوم الإستدامة يعني القيام بالشيء الأقل ربحية، أما اليوم فقد تغيّر هذا المفهوم. إن آلية الخدمات المصرفية والمالية العالمية معرّضة لخطر من أزمة مناخية إذا لم تع أن تقييد إستراتيجية الإستثمار على الربح فقط سوف يؤدي بالبنوك الى التوجُّه بشكل أعمى نحو كارثة بيئية وخراب إقتصادي.
في العام 2015، أدرك العالم الحاجة الملحّة الى وضع أهداف التنمية المستدامة، التي تضع مساراً للإزدهار والإستدامة، وتهدف إلى تلبية إحتياجات الناس اليوم دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية إحتياجاتها. ويشكل العمل المصرفي المستدام جزءاً لا يتجزأ من تحقيق هذه الأهداف.
إن غياب الإستثمارات المستدامة من جانب المؤسسات المالية الخاصة يضيّع فرص تحقيق أهداف التنمية المستدامة. هناك العديد من العملاء اليوم الذين يبحثون عن البنوك التي تقدم خدمات تراعي أهداف الإستدامة. كما وأن الشفافية التي تُوفرها الخدمات المصرفية المستدامة تزيد ثقة العملاء في القدرة على تقديم الأفضل للعالم المحيط. وهناك العديد من الطرق التي يُمكن للبنوك من خلالها أن تكون أكثر إستدامة. على سبيل المثال، تستطيع المؤسسات المالية أن تقدم للعملاء حسابات شفافة للكربون حول إنفاقهم وتدعمهم في اختيار البدائل. وكلّما زادت المعلومات التي يُمكن للبنك أن يزوّد بها عملاءه، كلما أصبحت الخدمات التي يقدمها أكثر قوة.
وبدلاً من التركيز فقط على الربح، تُدرك البنوك المستدامة أن التكاليف الإجتماعية والبيئية لا بد من أن تؤخذ في الإعتبار في سياساتها المالية وتصميم منتجاتها. وللبنوك المستدامة دور حاسم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة من خلال تعزيز الممارسات المسؤولة والمساهمة في مستقبل أكثر إستدامة.
وتُدرك البنوك الصديقة للبيئة أن خيارات الإقراض والإستثمار التي تتخذها تؤثر على العالم. وعليه تتخذ البنوك المسؤولة إجراءات لتقليل التمويل للمشاريع التي تضر بالبيئة. إلاّ أنه يجب على البنوك أن تتجنّب التضليل البيئي. قد تزعم بعض البنوك بذل جهود في مجال الإستدامة إلاّ أن هذه الجهود لا تحقق أهداف الإستدامة.
التحدّيات التي تواجه البنوك في مسيرتها نحو الإستدامة
يُواجه العمل المصرفي المستدام العديد من التحدّيات في سعيه إلى دمج الإعتبارات البيئية والإجتماعية والحوكمة، وتشمل التحديات الرئيسية التالي:
- موازنة الربحية والإستدامة: يجب على البنوك إيجاد توازن دقيق بين الربحية المالية والممارسات المستدامة. في حين تساهم مبادرات الإستدامة في المرونة طويلة الأجل، إلاّ أنها قد تؤثر في البداية على الأرباح قصيرة الأجل.
- الإمتثال التنظيمي وإعداد التقارير: إن الإمتثال للتنظيمات والتشريعات البيئية والإجتماعية والحوكمة المتطوّرة يستلزم مراقبة مستمرة ومرونة عالية في الأداء، ويجب على البنوك الإبلاغ عن جهودها في مجال الإستدامة بشفافية وذلك يتطلّب الكثير من الموارد.
- تقييم المخاطر وإدارتها: إن تقييم المخاطر البيئية والإجتماعية هو أمر معقّد. وتحتاج البنوك إلى أطر قوية لإدارة ومعالجة المخاطر المتعلقة بالمناخ وضمان الإستقرار المالي.
- الأنظمة القديمة وتبنّي التكنولوجيا: غالباً ما يتعارض الإنتقال إلى الممارسات المستدامة مع الأنظمة التكنولوجية القديمة. إن دمج التقنيات الجديدة مع الحفاظ على البنية التحتية القائمة للبنوك يشكل تحدّيات كبيرة.
- تثقيف العملاء وتوعيتهم: إن تثقيف العملاء حول المنتجات والممارسات المصرفية المستدامة أمر ضروري. قد يفتقر بعض العملاء الى معرفة الخيارات المستدامة وعليه يتوجب نشر الوعي حول المنتجات المصرفية المستدامة.
- التنسيق والتعاون العالمي: يتطلب تحقيق أهداف الإستدامة التعاون الدولي. يجب على البنوك العمل معاً على الصعيد العالمي ومشاركة أفضل الممارسات ومواءمة الجهود.
يتطلّب التغلّب على هذه التحديات التخطيط الإستراتيجي والإبتكار والإلتزام بمستقبل أكثر إخضراراً.
تقنيات لتعزيز إستدامة البنوك
الخدمات المصرفية المستدامة هي نهج تحويلي يدمج الإعتبارات البيئية والإجتماعية والحوكمة في العمليات المصرفية. وتلعب التكنولوجيا دوراً حاسماً في تشكيل ممارسات الخدمات المصرفية المستدامة ومنها:
- تحليلات البيانات والذكاء الإصطناعي والتعلم الآلي: تستفيد المؤسسات المالية من تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي لتعزيز فهمها للتأثيرات البيئية ومقاييس الإستدامة. من خلال تسخير قوة البيانات الضخمة، يُمكن للبنوك إتخاذ قرارات مستنيرة تدعم مبادرات التمويل المستدام وتضمن الإمتثال للأطر التنظيمية الصارمة.
- الرقمنة وممارسات الخدمات المصرفية الأخلاقية: إن الرقمنة تمكّن البنوك من تقديم منتجات مالية صديقة للبيئة مثل قروض السيارات الخضراء وحسابات التوفير الخضراء والسندات الخضراء والرهن العقاري الأخضر. تُظهِر ممارسات الخدمات المصرفية الأخلاقية قدرة النظام البيئي المالي على التكيُّف، مع التركيز على الشفافية والإقراض المسؤول.
- ممارسات الخدمات المصرفية المحايدة للكربون: تُوفر التكنولوجيا أدوات لقياس وتقليل البصمة الكربونية للعمليات المصرفية. يُمكن للبنوك المساهمة في الحفاظ على البيئة من خلال تبنّي ممارسات محايدة للكربون.
- نماذج التمويل المستدام: تتضمن الخدمات المصرفية المستدامة إعطاء الأولوية للإستثمارات في الطاقات المتجدّدة والشركات المسؤولة إجتماعياً. من خلال التطلُّع الى تمويل إقتصاد منخفض الكربون، تخفف البنوك من آثار تغيُّر المناخ.
إن الخدمات المصرفية المستدامة التي تعتمد على التكنولوجيا البيئية تعود بالفائدة على المصارف والعملاء، وتتوافق أيضاً مع المعايير الأخلاقية والربحية طويلة الأجل.
التحدّيات التي تواجه تبنّي تقنيات الخدمات المصرفية المستدامة
إن تبنّي التقنيات المستدامة والفعّالة ولا سيما في إستخدام الطاقة في الخدمات المصرفية يُواجه العديد من التحدّيات:
- التكلفة والإستثمار: يتطلّب إدخال التقنيات الجديدة إستثماراً أولياً كبيراً. يجب على البنوك أن تزن التكاليف مقابل الفوائد طويلة الأجل، بما في ذلك توفير الطاقة وتحسين الكفاءة التشغيلية.
- الأنظمة القديمة: لا تزال العديد من البنوك تعتمد على الأنظمة القديمة التي قد لا تكون متوافقة مع تقنيات الطاقة الحديثة. إن دمج الحلول الجديدة مع الحفاظ على البنية الأساسية القائمة للبنوك قد يكون معقّداً ومكلفاً.
- إدارة المخاطر: ينطوي التحوُّل إلى الممارسات المستدامة على مخاطر. تحتاج البنوك إلى إستراتيجيات قوية لإدارة المخاطر لمعالجة الإضطرابات المحتملة أثناء تبنّي التكنولوجيا.
- أمن البيانات والخصوصية: إن الرقمنة تُعرّض البنوك لتهديدات الأمن السيبراني، وعليه فإن حماية بيانات العملاء وضمان الخصوصية أمر مهم جداً.
- إدارة التغيير والتدريب: يحتاج الموظفون إلى التدريب للتكيّف مع التقنيات الجديدة، كما وأن إدارة التغيير ضرورية لضمان إنتقالات سلسة من دون تعطيل العمليات اليومية للمصارف.
- الإمتثال التنظيمي: يجب على البنوك الإمتثال للتشريعات الدولية المتعلقة بالبيئة. قد يكون التكيُّف مع التقنيات الجديدة مع تلبية المتطلّبات القانونية أمراً صعباً.
إن البنوك تحتاج إلى تثقيف العملاء حول الممارسات المستدامة، وقد يقاوم بعض العملاء هذه الخطوات أو ينظرون إليها بشكل سلبي. وعليه فإن التغلُّب على هذه التحدّيات يستوجب التخطيط الإستراتيجي والتعاون والإلتزام بالتحوُّل المستدام.
ترشيد إستخدام الطاقة في البنوك
إن إستخدام الطاقة يشكل جزءاً لا يتجزأ من معظم الأنظمة الإقتصادية، وترتبط تقنيات كفاءة الطاقة إرتباطاً وثيقاً بالإبتكارات اللازمة لبناء إقتصادات وطنية تنافسية وديناميكية وخلق فرص عمل مجزية. ونتيجة لهذا، فإن السياسات التي تؤثر على كفاءة الطاقة أو إنتاجيتها تشكل عنصراً أساسياً في أي إستراتيجية لتحقيق الأهداف الإقتصادية والطاقة والبيئة العالمية والوطنية والمحلية. وتبحث المؤسسات الناجحة بإستمرار عن سبل للحدّ من تكاليف الإنتاج، بما في ذلك تكلفة الطاقة.
إن تلوث الهواء في المناطق الحضرية، وتغيُّر المناخ، وغير ذلك من التكاليف البيئية، والتكاليف الخفية للأمن الدولي، ليست مدرجة في الأسعار التي يدفعها المستهلكون والشركات مقابل الطاقة، وهذا فشل كبير في مجتمع اليوم لأن إنتاج وإستخدام الطاقة الأحفورية مسؤولان عن جزء كبير من الإنبعاثات التي تساهم في تلوث الهواء في المناطق الحضرية والإحتباس الحراري العالمي، والتكاليف الإجتماعية الناجمة عن هذه الإنبعاثات.
ولا يمكن تصحيح تسعير الطاقة بأقل من قيمتها الحقيقية إلاّ من خلال السياسات العامة. والحل الأكثر وضوحاً، والذي يدعمه خبراء الإقتصاد على نطاق واسع، يتلخّص ببساطة في رفع سعر الطاقة إلى مستوى يسمح بضم التكاليف البيئية وغيرها إلى السعر وبالتالي إلى القرارات التي تتخذها المؤسسات. والصعوبة السياسية المترتبة على القيام بذلك واضحة، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان أي تغيير سياسي مجدٍ في الأسعار سيكون كافياً لإحداث التغييرات السريعة في إستخدام الطاقة اللازمة لتحقيق الأهداف التي حددتها باريس في ما يتصل بالإنبعاثات المسبّبة للإنحباس الحراري العالمي في المستقبل. والواقع أن القرارات المستمرة الرامية إلى إبقاء الطاقة غير المكلفة أدّت إلى تشوّهات عميقة في الإقتصادات في مختلف أنحاء العالم.
ورغم القيود، فقد حقّقت الإستثمارات في كفاءة إستخدام الطاقة نتائج مذهلة. وتقدّر وكالة الطاقة الدولية أن تحسينات كفاءة الطاقة التي حدثت بين عامي 2000 و2017 أدّت إلى خفض الطلب على الطاقة في العام 2017 بنسبة 12 %.
نماذج كفاءة الطاقة
هناك ثلاثة نماذج رئيسية لتقييم كفاءة الطاقة وفق كيفية معالجة المعلومات:
- نموذج الصندوق الأبيض: يعتمد هذا النموذج على الفيزياء وخصائص النظام.
- نموذج الصندوق الأسود: يعتمد هذا النموذج على البيانات التاريخية والتحليل الإحصائي.
- نموذج الصندوق الرمادي: يستخدم هذا النموذج مزيجاً من الفيزياء المبسطة والبيانات التاريخية.
التقنيات لتعزيز كفاءة الطاقة في البنوك
إن تعزيز كفاءة الطاقة في القطاع المصرفي أمر بالغ الأهمية لتمكين العمليات المستدامة. تشمل التقنيات والاستراتيجيات الرئيسية التالي:
- الرقمنة وإنترنت الأشياء: يعتمد تنفيذ الإستراتيجيات لتحقيق كفاءة الطاقة على إستخدام أجهزة إستشعار إنترنت الأشياء. يُمكن للعدّادات الذكية والإضاءة الآلية وأنظمة التحكم البيئي تحسين إستهلاك الطاقة في فروع ومكاتب البنوك.
- التمويل الأخضر: يُوجّه التمويل الأخضر الأموال على وجه التحديد نحو المشاريع الصديقة للبيئة. يُمكن للبنوك أن تلعب دوراً محورياً من خلال منح التمويل الأخضر لأنظمة الطاقة ودعم الطاقة المتجدّدة ومبادرات كفاءة الطاقة.
- التكنولوجيا المالية: تساعد البيانات الضخمة والحوسبة السحابية والذكاء الإصطناعي وسلسلة الكتل على تعزيز كفاءة الطاقة، حيث يُمكنها معالجة القيود المالية وعدم تناسق المعلومات الذي يعوّق تحسينات كفاءة الطاقة.
- الشبكات الذكية والكهرباء: إعادة هندسة البنية التحتية لإنشاء شبكات ذكية تمكّن من توزيع الطاقة بكفاءة.
تتمتع البنوك بفرصة فريدة لدفع التغيير الإيجابي من خلال تبنّي هذه التقنيات وتعزيز كفاءة الطاقة.
التحدّيات التي تواجه كفاءة الطاقة في البنوك تواجه كفاءة الطاقة في البنوك العديد من التحدّيات منها:
- التحوُّل الرقمي وتوافر البيانات: مع تبنّي البنوك للتقنيات الرقمية، تُصبح إدارة كفاءة الطاقة معقّدة. إن جمع البيانات الدقيقة حول إستهلاك الطاقة عبر الفروع والمكاتب أمر بالغ الأهمية ولكنه صعب.
- تعقيد أداء الطاقة في المباني: تعمل البنوك في مبانٍ متنوّعة ذات إحتياجات طاقة متفاوتة. يتطلّب تحسين أداء الطاقة حلولاً مخصصة.
- التحوُّلات في نموذج العمل وتوقعات العملاء: يُفضل العملاء الأصغر سناًّّ الخدمات المصرفية الرقمية. ويتعيّن على البنوك التكيُّف مع تفضيلاتهم والإستثمار في المنصّات الرقمية وتقديم تجارب مخصصة مع مراعاة إستخدام الطاقة.
- المسؤولية الإجتماعية والتوافق البيئي: يتوقع العملاء من البنوك أن تعمل بشكل مستدام. إن التوافق مع القيم الاجتماعية والبيئية، بما في ذلك المبادرات الخضراء، أمر ضروري.
التشريعات الخاصة بكفاءة الطاقة والبنوك المستدامة
تكتسب الخدمات المصرفية المستدامة أهمية كبيرة، حيث تدرك المؤسسات المالية ضرورة دمج الإعتبارات البيئية والإجتماعية والحوكمة في عملياتها. تعالج اللوائح التنظيمية العديد من القضايا بما في ذلك:
- قياس الإنبعاثات الممولة: تلتزم العديد من البنوك بخفض «إنبعاثاتها الممولة» وهي الإنبعاثات التي تُموّلها في الإقتصاد الحقيقي.
- المبادرات العالمية: يسعى برنامج الأمم المتحدة للبيئة لوضع مبادئ الخدمات المصرفية المسؤولة. تتماشى هذه المبادئ مع اتفاقية باريس وأهداف التنمية المستدامة، مع التركيز على تحسينات الحوكمة وقياس الأثر المجتمعي.
تعمل تحليلات البيانات والذكاء الإصطناعي والتعلُّم الآلي على تعزيز ممارسات الخدمات المصرفية المستدامة. يتوجب على البنوك تصميم منتجات مالية صديقة للبيئة، وتحسين إدارة المخاطر، وإشراك العملاء عبر القطاعات. إن الخدمات المصرفية المستدامة لا تحمي البيئة فحسب، بل إنها تعزز أيضاً التنمية المستدامة العالمية، كما أنها تعزّز مرونة وإستقرار محافظ الإستثمار مع معالجة التحدّيات المجتمعية. إن الخدمات المصرفية المستدامة ليست مجرد اتجاه، بل هي نهج تحويلي يشكل إقتصاداً عالمياً أكثر مرونة وأخلاقية.
توجيهات الطاقة في الإتحاد الأوروبي
أنشأ الإتحاد الأوروبي توجيه أداء الطاقة للمباني 2010/31/EU وتوجيه كفاءة الطاقة 2012/27/EU. تهدف هذه التوجيهات إلى إنشاء مبان عالية الكفاءة في إستخدام الطاقة وخالية من الكربون في حلول العام 2050.
كما أنها تعزّز الإختيارات المستنيرة للمستهلكين والشركات مع تحفيز الإستثمارات في كفاءة الطاقة، مما يساعد الشركات على وضع إستراتيجية جادة لكفاءة الطاقة. وتلعب شهادات كفاءة الطاقة دوراً حيوياً في توجيهنا نحو إنشاء مبان للبنوك مستدامة. وتعتبر معايير استهلاك الطاقة أدوات أساسية في تقييم وتحسين أداء الطاقة، وتوفر هذه المعايير أساساً لمقارنة أداء الطاقة الفعلي. والأغراض الأساسية لمعايير استهلاك الطاقة هي:
1) تقييم الأداء: تساعد المعايير في تحديد ما إذا كان أداء الطاقة استثنائياً أو متوسطاً أو دون المستوى.
2) تحديد فرص التوفير: يكشف التباين بين بيانات استهلاك الطاقة الفعلية والمعايير عن فرص التحسين وتوفير التكاليف.
تأتي المعايير في فئتين رئيسيتين هما المعايير النموذجية والمعايير التجريبية:
1) المعايير النموذجية: يتم تحديد هذه المعايير عادةً بإستخدام نماذج المحاكاة. تحسب نماذج المحاكاة إستهلاك الطاقة المتوقع بناءً على عوامل مختلفة.
2) المعايير التجريبية: تعتمد المعايير التجريبية على البيانات الإحصائية التي يتم جمعها من دراسات مفصلة. وهي تتضمّن الحد الأدنى من المعلومات المطلوبة لمعايير الإستهلاك السنوي للطاقة.
إستراتيجيات البنوك المستدامة والموفرة للطاقة
تمثل الخدمات المصرفية المستدامة تحولاً محورياً في القطاع المالي، حيث تدمج الإعتبارات البيئية والإجتماعية في العمليات المصرفية. وتشمل الإستراتيجيات الرئيسية لتحقيق الإستدامة وكفاءة الطاقة التالي:
- الإلتزام الأخلاقي والمسؤولية الإجتماعية: تعطي البنوك المستدامة الأولوية للمسؤولية الإجتماعية وتروّج للممارسات المسؤولة.
- التأثير عبر سلسلة التوريد: يمتد العمل المصرفي المستدام إلى ما هو أبعد من العمليات الداخلية ليشمل سلسلة التوريد بأكملها. ومن خلال تعزيز التعاون في مبادرات الإستدامة الخارجية، تساهم البنوك في إقتصاد عالمي أكثر مرونة وأخلاقية.
- دفع التغيير الإيجابي في الصناعات: يتضمن ذلك توجيه الإستثمارات إلى مشاريع الطاقة المتجددة وإصدار السندات الخضراء. تعمل مبادرات تمويل السندات الخضراء على تقليل إنبعاثات الغازات المسببة للإنحباس الحراري وتعزيز إدارة المخاطر المتعلقة بالطبيعة.
- الإستعداد للمستقبل والإبتكار: يُعزّز العمل المصرفي المستدام ثقافة المسؤولية والإبتكار. ويمكّن البنوك من التغلّب على التحدّيات وإغتنام الفرص في ظلّ التطورات الراهنة.
يُعدّ العمل المصرفي المستدام نهجاً تحويلياً يحقق فوائد كبيرة لكل من الصناعة المصرفية وقطاع الخدمات المالية الأوسع.
يُمكن للبنوك التعاون مع الصناعات الأخرى لتعزيز الإستدامة بطرق مختلفة:
- الشراكات وتبادل المعرفة: تتعاون البنوك المستدامة بنشاط مع المؤسسات المالية الأخرى والهيئات التنظيمية وجمعيات الصناعة والمنظمات غير الحكومية. تمكن هذه الشراكات من تبادل المعرفة وتجميع الموارد والعمل الجماعي لمعالجة تحديات الإستدامة النظامية.
- مبادرات التمويل الأخضر: يمكن للبنوك إعطاء الأولوية لمعايير الإستدامة في قرارات الإقراض والإستثمار. إن تقديم المنتجات المالية الصديقة للبيئة (مثل القروض الخضراء، والسندات الخضراء، والقروض العقارية الخضراء) يشجع الممارسات المستدامة في مختلف القطاعات.
- تكامل التكنولوجيا: تعمل تحليلات البيانات والذكاء الإصطناعي والتعلم الآلي على تعزيز المنتجات الحالية بميزات الإستدامة.
- الشفافية وقياس الأثر: يُمكن للبنوك قياس التأثير المجتمعي لأنشطتها. من خلال تحسين هياكل الحوكمة والشفافية، فإنها تُظهر التزامها بأهداف الإستدامة.
ويشكل التعاون بين الصناعات المختلفة ضرورة أساسية لخلق مستقبل أكثر إخضراراً ومرونة.
خدمات الاستدامة وكفاءة الطاقة المقدمة من إتحاد المصارف العربية للبنوك
تلعب المؤسسات المالية دوراً حاسماً في تعزيز المسؤولية البيئية ومواءمة ممارساتها مع مستقبل خالٍ من الإنبعاثات. وتدرك البنوك الرائدة أهمية الإستدامة وتضع خططاً جريئة لتحقيق صافي صفر في حلول العام 2030 أو 2040 أو 2050. ومع ذلك، يتم إنتقاد بعض البنوك لكونها بطيئة للغاية في الإستجابة لمطالب الإستدامة مما يستوجب إتخاذ إجراءات أكثر تأثيراً.
وبذلك يقدم إتحاد المصارف العربية خدمات لإدارة التغيير بشكل فعّال في البنوك تتضمن نهجاً مدروساً لإستراتيجيات كفاءة الطاقة والإستدامة. تتضمن هذه الخدمات:
- خدمات وضع أسس حوكمة الإستدامة وتنفيذها.
- خدمات وضع رؤية واضحة للتغيير وتوصيلها بشفافية للموظفين وأصحاب المصلحة والعملاء ومعالجة المخاوف وتقديم تحديثات منتظمة.
- تدريب الموظفين على الممارسات المستدامة وكيفية رفع كفاءة الطاقة.
- دعم التنفيذ التدريجي ويتضمّن ذلك تقسيم التغيير إلى مراحل يُمكن إدارتها وتنفيذ تدريجي يقلل من الإضطراب ويسمح بالتعديلات حسب الحاجة لتحقيق الإستدامة ورفع كفاءة الطاقة.
- المساعدة في تطوير آليات لمراقبة تحقيق الاستدامة من خلال إنشاء قنوات رقمية للمراقبة والتكيّف حسب الضرورة.
- تحديد مقاييس النجاح وتقييم التقدم بانتظام وتعديل الاستراتيجيات وفقاً لذلك.
نحو بنوك مستدامة وكفوءة في استخدام الطاقة
إن البنوك الخضراء مصمّمة خصيصاً لتسريع التحوُّل إلى مستقبل يعتمد على الطاقة النظيفة وخال من الإنبعاثات، وهي تستفيد من التمويل العام لجذب رأس المال الخاص لمشاريع مختلفة، بما في ذلك كفاءة الطاقة، والطاقة المتجدّدة، وغيرها من الإستثمارات المفيدة للبيئة. ومن خلال إستخدام الأموال العامة بشكل فعاّل، فإنها تساهم في خفض الإنبعاثات الكربونية، وخلق فرص العمل، وتعزيز المجتمعات المحلية.
من خلال الإستراتيجيات والحلول الصحيحة، فإن تحقيق الإستدامة وكفاءة إستخدام الطاقة في البنوك ليس ممكناً فحسب، بل إنه مجدٍ إقتصادياً أيضاً. ومن خلال تنفيذ تدابير كفاءة الطاقة وتبنّي إستراتيجيات حكيمة، يُمكن للبنوك المساهمة في مستقبل أكثر إستدامة.
د. سهى معاد