إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية
الفرص والتحدّيات والآفاق المستقبلية
أُعيد فتح سوق دمشق للأوراق المالية في يونيو/حزيران 2025، بعد إغلاق دام ستة أشهر. وكان تعليق العمل قد فُرض في البداية لتقييم الوضع المالي للشركات المدرجة ومنع التلاعب بالسوق. وتأتي إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية في الوقت الذي تسعى فيه القيادة السورية الجديدة إلى إنعاش الإقتصاد بعد سنوات من الصراع. وستعمل سوق دمشق للأوراق المالية مبدئياً ثلاثة أيام أسبوعياً، مع خطط لتوسيع نطاق التداول وتحديث الأنظمة المالية، بما في ذلك المقاصة والتسوية الإلكترونية. تتزامن هذه الخطوة مع رفع العقوبات الدولية، مما يسمح لسوريا بإعادة التواصل مع الأسواق المالية العالمية ويساعد في جذب الاستثمار الأجنبي ودعم جهود إعادة الإعمار.
ونعرض في ما يلي، آخر المستجدات في سوق دمشق للأوراق المالية، وتأثيرها على مختلف القطاعات الإقتصادية، ونسلّط الضوء على الفرص ومخاطر الإستثمار والآفاق المستقبلية لسوق دمشق للأوراق المالية في ظلّ التحدّيات الجيوسياسية والتنظيمية.
الآثار الإقتصادية
يُتوقع أن يكون لإعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية آثار إقتصادية كبيرة على سوريا، فقد مهّد رفع العقوبات الدولية الطريق أمام الإستثمارات السعودية وغيرها من الإستثمارات الأجنبية في سوريا. ويرى المسؤولون في ذلك خطوة رمزية وعملية نحو إعادة بناء الإقتصاد السوري بعد سنوات من الصراع. ويُتوقع أن تكون سوق دمشق للأوراق المالية مركزاً للتنمية الإقتصادية، مع التركيز على التحديث الرقمي. وقد وقّعت سوريا إتفاقية طاقة بقيمة 7 مليارات دولار مع شركات قطرية وتركية وأميركية لتنشيط شبكة الكهرباء. ويُمكن لسوق دمشق للأوراق المالية أن تُسهّل تمويل مشاريع إعادة الإعمار على نظاق واسع.
إن إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية يُشير إلى الإستقرار والإستعداد للإستثمارات الأجنبية، مما يُتيح لفرص الإستثمار في سوريا، وجذب المستثمرين المحليين والدوليين.
الآثار على مختلف القطاعات
يُتوقع أن يؤثر إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية على قطاعات رئيسية عدة، بما في ذلك السياحة والزراعة. ومع سعي سوريا لإعادة بناء اقتصادها، هناك مساع عديدة لإنعاش السياحة من خلال ترميم المواقع التاريخية وتحسين البنية التحتية. ويُمكن أن تساهم سوق دمشق للأوراق المالية في جذب الإستثمارات الأجنبية إلى مشاريع سياحية، بما في ذلك تحسين الفنادق وترميم التراث الثقافي. كما أن تخفيف العقوبات الدولية قد يشجع السياحة الإقليمية، ولا سيما من دول الخليج.
لقد واجه القطاع الزراعي السوري تحدّيات كبيرة، جرّاء سنوات من الصراع وعدم الإستقرار الاقتصادي. ومن شأن إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية تسهيل الإستثمار في تقنيات الزراعة الحديثة، ومشاريع الري، والصادرات الزراعية. وتدرس الحكومة السورية إقامة شراكات مع مستثمرين أجانب لتعزيز إنتاج الغذاء وتحسين سلاسل التوريد.
ويُتوقع أن يؤثر إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية على قطاعات عدة إلى جانب السياحة والزراعة ومنها:
- الطاقة والبنية التحتية: يُمكن أن تساعد البورصة في جذب المزيد من الإستثمارات في مشاريع الطاقة المتجدّدة وإعادة بناء البنية التحتية الحيوية.
- القطاع المصرفي والمالي: يتزامن إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية مع جهود إعادة تفعيل ربط سوريا بنظام سويفت، مما يسمح بمعاملات دولية. وقد يشجع ذلك البنوك الأجنبية على إعادة التفاعل مع القطاع المالي السوري.
- التصنيع والتجارة: مع تخفيف العقوبات الدولية، يتوفر للشركات السورية فرص تصديرية جديدة. ويمكن لسوق دمشق للأوراق المالية أن يُسهّل تمويل تحديث المصانع وتوسيع شبكات التجارة.
- التكنولوجيا والإقتصاد الرقمي: تركز سوريا على التحوُّل الرقمي، بهدف تحديث الأنظمة المالية السورية وتشجيع الإستثمارات المعتمدة على التكنولوجيا.
الآثار على نمو الإقتصاد والإستدامة
تلعب إستثمارات سوق دمشق للأوراق المالية دوراً محورياً في دفع عجلة النمو الإقتصادي من خلال توفير رأس المال اللازم للتوسُّع والإبتكار وتحسين الكفاءة. وتتيح هذه الإستثمارات للشركات إكتساب تقنيات جديدة، وتوسيع عملياتها، وتحسين إنتاجيتها، مما يؤدي إلى نمو الإقتصاد. ومع حصول الصناعات على التمويل، يُمكن توظيف المزيد من العمالة، مما يُعزّز فرص العمل والنشاط الاقتصادي.
كما أن الإستثمارات في النقل والطاقة والبنية التحتية الرقمية، تُعزّز كفاءة الإقتصاد وتجذب المزيد من الإستثمارات. ويُمكن للشركات التي تحظى بدعم مالي إستكشاف أسواق جديدة، مما يُعزّز التجارة والتنويع الإقتصادي ويؤدي إلى تطورات تكنولوجية ومزايا تنافسية.
الأسهم المتداولة حالياً في سوق دمشق للأوراق المالية
تُدرج سوق دمشق للأوراق المالية حالياً 28 سهماً موزعة على ستة قطاعات. ومن بين الشركات الأكثر تداولاً:
- بنك الأردن – سوريا (BOJS)
- شركة التأمين الوطنية (NIC)
- البنك الوطني للاستثمار (NIB)
- بنك قطر الوطني – سوريا (QNBS)
- البنك العربي – سوريا (ABC)
ويشهد سوق دمشق للأوراق المالية نشاطاً متزايداً بعد إعادة الفتح، مع إرتفاع أحجام التداول وإستقرار مؤشرات السوق.
القطاعات الأفضل أداءً في سوق دمشق للأوراق المالية
إعتباراً من منتصف العام 2025، القطاعات الأفضل أداءً في سوق دمشق للأوراق المالية هي:
- القطاع المصرفي: يهيمن هذا القطاع على البورصة من حيث القيمة السوقية وحجم التداول. وقد شهدت بنوك مثل بنك الأردن، سوريا (BOJS) وبنك قطر الوطني، سوريا (QNBS) إهتماماً كبيراً من المستثمرين بفضل إصلاحات القطاع المالي وإمكانية الوصول المتجدّد إلى الأنظمة الدولية.
- التأمين: تكتسب الشركة الوطنية للتأمين والشركة السورية الكويتية للتأمين زخماً متزايداً، خصوصاً مع إدخال أطر تنظيمية جديدة وإرتفاع الطلب على تغطية المخاطر في مشاريع إعادة الإعمار.
- الصناعة والخدمات: رغم صغر حجم هذه القطاعات، فإنها تشهد نمواً مطرداً، وخصوصاً في مواد البناء والخدمات اللوجستية والإتصالات، مع قيام سوريا بإعادة بناء البنية التحتية وتوسيع الخدمات الرقمية. وتستفيد هذه القطاعات من الإستثمار الأجنبي، وتحديث الأنظمة، ورفع العقوبات، مما يُعزّز ثقة المستثمرين.
حجم نشاط سوق دمشق للأوراق المالية
إعتبارا من منتصف العام 2025، يشهد سوق دمشق للأوراق المالية إنتعاشاً تدريجياً في نشاط التداول بعد الاغلاق الذي دام لمدة ستة أشهر. وبينما بلغت القيمة السوقية ذروتها عند أكثر من 19 تريليون ليرة سورية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إنخفضت إلى الصفر في أبريل/ نيسان 2025 بسبب توقف التداول.
منذ إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية في يونيو/ حزيران 2025، تشير المؤشرات الأولية إلى إرتفاع طفيف في مشاركة المستثمرين، لا سيما في قطاعي البنوك والتأمين.
اللوائح التنظيمية الجديدة لسوق دمشق للأوراق المالية
وضعت سوق دمشق للأوراق المالية عدة لوائح جديدة في العام 2025 كجزء من إستراتيجية الإصلاح الإقتصادي والتعافي الأوسع في سوريا ومنها:
- الإمتثال لمكافحة غسل الأموال: تم تنفيذ تدابير جديدة لضمان الشفافية ومنع إساءة إستخدام السوق، بما يتماشى مع المعايير المالية الدولية.
- جدول التداول المحدود: في البداية، يقتصر التداول في سوق دمشق للأوراق المالية على ثلاثة أيام في الأسبوع، مما يسمح بإعادة الفتح بشكل تدريجي ومنضبط.
- التحديث الرقمي: تخضع سوق دمشق للأوراق المالية لتحديث كبير، بما في ذلك أنظمة المقاصة والتسوية الإلكترونية، والخدمات الرقمية المتطورة، ومنصّات التداول الرقمية.
- الإصلاح التشريعي: يجري حالياً مراجعة شاملة للقوانين المالية لسوق دمشق للأوراق المالية لتتوافق مع أفضل الممارسات العالمية، بهدف جذب المستثمرين الأجانب وتعزيز الثقة.
- حملات التوعية العامة: تم إطلاق مبادرات عديدة لتثقيف الجمهور حول عمليات سوق دمشق للأوراق المالية وفرص الاستثمار.
- التحوُّل نحو إقتصاد أكثر تحررا: تساعد سوق دمشق للأوراق المالية على التحول نحو اقتصاد أكثر تحرراً وملائمة لتطلعات للمستثمرين.
وتهدف هذه الإصلاحات إلى وضع لسوق دمشق للأوراق المالية كمركز رئيسي للتنمية الإقتصادية ودعم انتقال سوريا إلى إقتصاد السوق الحر.
فرص ومخاطر سوق دمشق للأوراق المالية
إن الإستثمار في سوق دمشق للأوراق المالية يحمل في طياته فرصاً ومخاطر. لقد أدت سنوات الصراع والعقوبات إلى ترك العديد من الأسهم السورية مقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية. وتهيمن قطاعات رئيسية، مثل المصارف والتأمين والبنية التحتية، على سوق الأسهم. ومع بدء إعادة الإعمار وتكوين شراكات أجنبية، قد تشهد هذه القطاعات
عوائد قوية. الاّ أن أي حالة من عدم الاستقرار قد تؤثر سلباًعلى أداء السوق أو ثقة المستثمرين. في حين أن الإصلاحات جارية، فإن الأطر القانونية والمالية لا تزال في مرحلة انتقالية، وهو ما قد يشكل تحديات للمستثمرين المؤسسيين.
تداول العملات المشفرة في سوق دمشق للأوراق المالية
لا يُمكن تداول العملات المشفّرة بعد في سوق دمشق للأوراق المالية. ويتم التركيز حالياً على الأسهم التقليدية،
وزيادة الرقمنة لتحسين الشفافية وتسهيل وصول المستثمرين. ولكن بإمكان السوريين المهتمين بالعملات المشفّرة الوصول إلى منصّات عالمية مثل بينانس وكراكن، وهي من بين منصات التداول العاملة في سوريا. وتتيح هذه المنصات للمستخدمين شراء وبيع وتداول العملات المشفّرة بإستخدام طرق دفع متنوّعة، مع أن الوصول قد يعتمد على قيود الإنترنت المحلية واللوائح المالية.
ولم تصدر أي إعلانات رسمية من الجهات التنظيمية السورية أو سوق دمشق للأوراق المالية بشأن السماح بتداول العملات المشفّرة.
التحدّيات الجيوسياسية
تواجه سوق دمشق للأوراق المالية العديد من التحديات الجيوسياسية، فرغم أن سوريا تمر بمرحلة إعادة الإعمار، إلاّ أن البلاد لا تزال عرضة للمخاطر الجيوسياسية المحيطة مما يؤدي الى حالة من عدم اليقين قد تمنع الإستثمار الطويل الأجل. ولا يزال بعض المستثمرين حذرين بسبب المخاوف الجيوسياسية والحروب القائمة. إن الصراعات الإقليمية والخلافات الدبلوماسية يُمكن أن تؤثر بسرعة على قرارات المستثمرين وتدفقات رأس المال عبر الحدود السورية. ورغم الإصلاحات التنظيمية، لا تزال سوق دمشق للأوراق المالية تفتقر إلى آليات حوكمة قوية وإشراف مستقل، وهما أمران ضروريان لجذب المستثمرين المؤسسيين وضمان الشفافية. وتؤكد هذه التحدّيات على الحاجة إلى استمرار الإصلاحات والمشاركة الدولية والإستقرار السياسي لضمان صمود سوق دمشق للأوراق المالية.
الآفاق المستقبلية
إن الآفاق المستقبلية لسوق دمشق للأوراق المالية واعدة رغم المخاطر والتحدّيات. إن إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية يساعد في الإنتعاش الاقتصادي لسوريا وهو ورمز للنهضة الوطنية، وتحول سوريا الى مركز مالي. ومع رفع العقوبات الدولية، أصبحت سوريا أكثر إنفتاحاً على المستثمرين العرب والدوليين، وهناك فرص عديدة للإستثمار، لا سيما في قطاعات البنية التحتية والطاقة والخدمات المالية.
كما وأن اتفاقية الطاقة التي بلغت 7 مليارات دولار مع شركات قطرية وتركية وأمريكية، تشير إلى إهتمام دولي متزايد، وقد تُحفّز المزيد من الإدراجات وتدفقات رأس المال. وتخضع سوق دمشق للأوراق المالية حالياً لإصلاح تشريعي شامل لمواءمتها مع المعايير المالية العالمية، مما قد يجذب المستثمرين المؤسسيين ويُحسّن استقرار السوق.
إن إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية في العام 2025 يقدم العديد من الدروس الرئيسية للإقتصادات والأسواق الناشئة في مرحلة ما بعد الصراعات. إن إعادة إفتتاح سوق دمشق للأوراق المالية ليس مجرد حدث مالي، بل هو رمزاً للتعافي الوطني ونقطة تحوّل نحو الإستقرار والالتزام بإعادة الإعمار.
رغم محدودية الموارد، فإن سوق دمشق للأوراق المالية تعطي الأولوية للتحديثات الرقمية، بما في ذلك أنظمة التداول والتسوية الإلكترونية. وهذا يعكس أهمية البنية التحتية التكنولوجية لاستعادة ثقة المستثمرين. وتسعى سوق دمشق للأوراق المالية لحماية حقوق المستثمرين وضمان العدالة. تُعد هذه الخطوات أساسية لجذب رأس المال المحلي والأجنبي. إن إعادة إفتتاح سوق دمشق للأوراق المالية يوضح كيف يُمكن للمؤسسات المالية أن تتكيّف وتعود إلى الظهور رغم التحدّيات الكبيرة.