نظمه إتحاد المصارف العربية في العاصمة اللبنانية بيروت
ملتقى «الأمن الإقتصادي العربي في ظل المتغيّرات الجيوسياسية»
إستعادة الثقة وهيكلة المصارف وجذب الإستثمارات
الرئيس نجيب ميقاتي متوسطاً من اليمين د. جوزف طربيه، والشيخ محمد الجراح الصباح، ومن اليسار محمد الإتربي و د. وسيم منصوري وقوفاً للنشيد الوطني اللبناني
افتتاح ملتقى «الأمن الإقتصادي في ظل المتغيّرات الجيوسياسية» في بيروت
شكّل إنعقاد ملتقى «الأمن الإقتصادي في ظل المتغيّرات الجيوسياسية»، والذي نظمه إتحاد المصارف العربية بالتعاون مع الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، في العاصمة اللبنانية بيروت على مدار يومين، بارقة أمل، رغم التطورات الدراماتيكية في المنطقة، وفرصة جديدة لإستضافة نحو 400 شخصية لبنانية وعربية من رجال المال والمصرفيين والمستثمرين، بهدف إستعادة العاصمة اللبنانية دورها المالي والإقتصادي الإقليمي والعالمي، بعد غيابها سنوات عدة عن الساحة المالية العربية والدولية، معالجاً موضوعات في غاية الأهمية، أبرزها الإصلاحات الإقتصادية الهيكلية المطلوبة، والإستقرار النقدي، والأمن السيبراني ، وتأثير التغيُّرات والإضطرابات الجيوسياسية في المنطقة العربية على القطاعات الإقتصادية والتمويل المصرفي.
وقد شارك في الإفتتاح، كل من رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية محمد الإتربي، ورئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه، والأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام فتوح، ورئيس لجنة الإستثمار في الإتحاد/ الكويت، الشيخ محمد الجراح الصباح، وحاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري ورئيس الهيئات الإقتصادية اللبنانية محمد شقير، في حضور الرئيس فؤاد السنيورة، ووزراء: المال يوسف خليل، الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، الإعلام زياد المكاري والمهجرين عصام شرف الدين، ونقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي، وسفراء: المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري، ومصر علاء موسى، والأردن وليد الحديد، وتونس بوراي الإمام، والمغرب محمد اكرين، ورئيس بعثة دولة الكويت والوزير المفوض عبد الله سليمان الشاهين، ورئيس البعثة في السفارة العراقية أمين النصراوي، ومن سلطنة عُمان الدكتور أحمد بن محمد السعيدي، وتركيا علي باريش، والهند محمد نور رحمن شيخ واليونان ديسبينا كولوكولو، إضافة إلى شخصيات مصرفية وإقتصادية عربية ودولية.
د. فتوح
بداية، بعد النشيد الوطني اللبناني ونشيد إتحاد المصارف العربية، تحدث الأمين العام للإتحاد الدكتور وسام فتوح معلناً إفتتاح الملتقى، وقال: «هذا الملتقى، وُلد بنسخته الأولى يوم 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. وقد إتخذ الإتحاد هذا القرار الجريء بعقد هذا الملتقى بدعم من رئيس مجلس إدارته محمد الإتربي، ورئيس لجنته التنفيذية الدكتور جوزف طربيه، رغم الظروف الصعبة المحيطة بلبنان وبمنطقتنا العربية».
وأضاف د. فتوح: «ينعقد منتدانا اليوم في حضور جمع كبير من السياسيين، والديبلوماسيين، والمصرفيين، والماليين، والخبراء، والأكاديميين، الذين يُكرّسون جهودهم لتحقيق هدف مشترك واحد، وهو الأمن الإقتصادي والإزدهار في دولنا العربية، إذ نجتمع في هذا اللقاء البالغ الأهمية، للإضاءة على التحدّيات التي نُواجهها وهي متعدّدة الأوجُه، بدءاً من التوترات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، إلى الفوارق الإجتماعية والإقتصادية، ومن التدهور البيئي إلى المخاطر السيبرانية»، مشيراً إلى «أن الأمن الإقتصادي لا يتعلق بالإستقرار المالي أو مقاييس النمو فحسب، فهو يشمل رؤية شاملة تضمن رفاهية مجتمعاتنا وقدرتها على الصمود. وعليه، يسعى الملتقى اليوم الى التشديد على كيفية إنشاء إقتصادات شاملة وعادلة لا تترك أحداً خلف الركب، وذلك كما ذكر بيان الأمم المتحدة في تقريره عن أهداف التنمية المستدامة».
ورأى د. فتوح «أن العالم العربي، بتاريخه الغني وثقافاته المتنوعة وإمكاناته غير المستغلة، يقف على أهبة الإستعداد لقيادة الطريق نحو مستقبل يُحدّده الرخاء والسلام، إذ إن تحقيق هذه الرؤية يتطلب قيادة جريئة، وتفكيراً حكيماً، وإلتزاماً لا يتزعزع من الحكومات والمصارف والشركات والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية. واليوم، وفي هذا الملتقى تحديداً، فإننا نهدف الى البدء بلغة الحوار، حيث نتبادل الأفكار، وإقامة الشراكات، وصياغة الحلول».
وتحدث د. فتوح عن لبنان، فقال إنه «يقف اليوم على مفترق طرق صعب، حيث تسبّبت الأزمة الإقتصادية والمالية في معاناة شديدة لشعبنا، وقوّضت سبل عيشه، لذلك، يتناول ملتقانا دراسة كيفية مواجهة هذه الأزمة متعددة الأوجُه، ونحن لا نسعى إلى التوقف عند حجم التحدّيات التي تُواجهنا فحسب، بل نسعى إلى الوصول إلى إتخاذ إجراءات حاسمة، وإصلاحات جريئة، وإلتزاماً لا يتزعزع من جانب الحكومة اللبنانية، والقطاع الخاص، وعلى رأسه المصارف، والمجتمع المدني. وقد سعى هذا الملتقى الى دعوة أصدقاء وشركاء لبنان في جميع أنحاء الوطن العربي للتضامن معه، وتقديم المساعدة والدعم والإلتزام المشترك ببناء مستقبل أكثر إشراقا لجميع اللبنانيين».
وختم د. فتوح قائلاً: «إن من أولى إهتمامات إتحاد المصارف العربية منذ تأسيسه قبل 50 عاماً، الحفاظ على قوة ومتانة المصارف العربية، وتعزيز التعاون بينها، والتنسيق بين أنشطتها، وإبراز كيانها العربي تحقيقاً لمصالحها المشتركة، وقد تبلور دور الإتحاد إقليمياً ودولياً في السنوات الأخيرة، حيث أصبح اليوم عضواً في المجلس الإقتصادي والإجتماعي في الأمم المتحدة، نيويورك وجنيف (بصفة إستشاري خاص)، وعضو لجنة التنسيق العليا للعمل العربي المشترك في جامعة الدول العربية».
الإتربي
من جهته، قال محمد الإتربي رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية: «فيما نحن نتأمل حالة الأمن الإقتصادي العربي في ضوء التغيّرات الجيوسياسية المستمرة، فإننا نُواجه تحدّيات وفرصاً تتطلب إهتمامنا وعملنا الجماعي، إذ إن العالم العربي، وهو منطقة تتّسم بتنوّع هائل وأهمية تاريخية، يجد نفسه عند مفترق طرق، حيث يُبحر في مشهد يتّسم بديناميكيات القوة المتغيّرة، والصراعات الإقليمية، والشكوك الإقتصادية»، مشيراً إلى «فرص للتغيير الإيجابي والتحوُّل الإقتصادي، إذ إن العالم العربي موطن لسكان من الشباب والديناميكيين، الذين يتوقون إلى تسخير إمكانات الإبتكار وريادة الأعمال لدفع عجلة التقدم الإقتصادي. فالإستثمار في التعليم وتنمية المهارات وخلق فرص العمل، من الممكن أن يُطلق العنان للطاقة الإبداعية لدى الشباب العربي، وتمكينهم من أن يصبحوا محركات للنمو الإقتصادي وعوامل للتغيير الإيجابي».
وأضاف الإتربي: «بينما نشهد التدهور المستمر لإقتصاد لبنان، فمن الواضح أن هناك حاجة إلى إتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب المزيد من الكارثة، إذ يجد لبنان، البلد ذو التاريخ الغني والثقافة النابضة بالحياة، نفسه على مفترق طرق، حيث يتصارع مع الإنهيار الإقتصادي والشلل السياسي والإضطرابات الإجتماعية، كما يعاني الشعب اللبناني ثقل الأزمة، ويُواجه تضخماً هائلاً، وبطالة واسعة، وإنهيار العملة»، لافتاً إلى «أن الأزمة في لبنان ليست مشكلة لبنانية فقط، إنها قضية إقليمية عربية، وعلينا جميعاً واجب الوقوف متضامنين مع إخواننا اللبنانيين خلال وقت الحاجة هذا، ولا يمكننا أن نغض الطرف عن معاناتهم، كما لا يمكننا أن نسمح للبنان بالانزلاق إلى مزيد من التدهور، إذ إن إستقرار لبنان وإزدهاره يرتبطان على نحو وثيق بإستقرار وإزدهار المنطقة برمتها».
وتحدث الإتربي عن تجربة مصر، «كنموذج لسياساتٍ وإجراءاتٍ الاصلاح والتطوير الإقتصادي، والتي هي طبعا غير سهلة، وربما مؤلمة، ولكنها ضرورية. ففي السنوات الأخيرة، شرعت مصر في تنفيذ أجندة إصلاح اقتصادي جريئة وطموحة تهدف إلى إنعاش النمو، وخلق فرص العمل، وتحسين مستوى معيشة شعبها. وقد إسترشدت هذه الإصلاحات بالإلتزام بالإنضباط المالي، والتكيُّف الهيكلي، والنمو الذي يقوده القطاع الخاص، مما أرسى الأساس للتنمية المستدامة والشاملة».
وأشار إلى أنه «رغم التحدّيات التي يفرضها عدم الإستقرار الإقليمي، والتقلبات الإقتصادية، والشكوك العالمية، فقد خطت مصر خطوات كبيرة في المجالات الرئيسية للأداء الإقتصادي، وقد حققت البلاد إستقراراً على مستوى الإقتصاد الكلي، مع إنخفاض معدّلات التضخم إلى خانة الآحاد، ووصول الإحتياطات الأجنبية إلى مستويات جيدة، وتقلُّص العجز المالي.
وقد عزّزت هذه الإنجازات ثقة المستثمرين وأرست الأساس لنمو إقتصادي قوي ومرن»، داعياً صنّاع القرار إلى «أن يعطوا الأولوية للإصلاحات التي تُعزّز الشفافية والمساءلة والنمو الشامل، مع تعزيز الحوار والتعاون بين القطاعين العام والخاص لإغتنام الفرص المشتركة».
د. منصوري
وقال حاكم مصرف لبنان بالانابة د. وسيم منصوري: «إن التطورات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة مثل الحرب الروسية – الأوكرانية، والصراعات في الشرق الاوسط، وآخرها الحرب المستمرة على غزة، قد أثّرت بوضوح على تدفقات الإستثمار وسلاسل الإمداد العالمية وأعادت تشكيل نظم التجارة. ونلاحظ أن هذه الأحداث باتت قادرة على فرض واقع إقتصادي جديد، مما سيُؤثر بشكل مباشر على الأداء الإقتصادي العالمي»، مشيراً إلى «أن أسعار الفوائد المرتفعة تشكل تحدياً كبيراً ولا سيما على الأسواق الناشئة التي تعاني ضعف نسب النمو الإقتصادي، ويبدو أنه لا تخفيض آتياً قريباً لأسعار الفائدة رغم البدء بالسيطرة على نسب تضخُّم الإقتصادات المتقدّمة»، معتبراً أن لبنان «لا يزال يدور في حلقة مفرغة منذ نحو 5 سنوات، وهو يرزح تحت وطأة أكبر عدد من النازحين نسبة لسكانه، أضف إلى ذلك الحرب على غزة وتداعياتها كما إمتدادها إلى لبنان، إذ إنه نتيجة الأزمات المتلاحقة التي عصفت به منذ العام 2019 إنخفض حجم الإقتصاد اللبناني من حوالي 55 مليار دولار، إلى نحو 20 ملياراً، كما إنخفضت موازنة الدولة من 17 مليار دولار إلى نحو 3.2 مليار دولار».
أضاف د. منصوري: «يُحاول مصرف لبنان ومن خلال الصلاحيات المعطاة له بموجب قانون النقد والتسليف، إرساء حالة من الإستقرار بإنتظار الحلول الكبرى التي تتطلّب قرارات جريئة وواضحة من السلطات السياسية التي يعود لها وعليها فرض حلول تتناسب مع عمق الأزمة التي تعيشها البلاد».
وتابع د. منصوري: «منذ الأول من آب/ أغسطس 2023 إتخذنا القرار بوقف تمويل الدولة من إحتياطات المصرف المركزي بالعملات الاجنبية، غير أن تمويل الدولة لم يتوقف فقط من هذه الإحتياطات، بل إن «المركزي» توقف أيضاً عن شراء سندات خزينة، أي أن إحتياجات الدولة يجب أن تأتي من الجبايات التي تقوم بها الحكومة داخلياً»، مشيراً إلى «أن أهم مفاعيل وقف التمويل ليس فقط فصل السياسة النقدية عن المالية، وإرساء إستقلالية المصرف المركزي عن الدولة، بل الأهم إعادة «المركزي» إلى عمله الأساسي كسلطة نقدية، وأن يعمل بالتنسيق والتكامل مع الحكومة لنجاح سياساتها المالية العامة».
وقال د. منصوري: «لتحقيق الإستقرار المنشود، يستخدم مصرف لبنان الأداة الوحيدة التي لا تزال قابلة للتنفيذ: السيطرة على الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، بحيث يتوافق عرض النقد في التداول بشكل كلي مع الطلب، وعدم ضخ الدولار إلاّ من خلال الدولة، وخلق نوع من التوازن بين الإقتصاد المدولر والإقتصاد بالليرة اللبنانية. علماً أن هذه الآلية لا تكلّف المصرف المركزي أي مبالغ بل على العكس من ذلك، نجح المصرف المركزي في جمع أكثر من مليار دولار زيادة على إحتياطاته بالعملات الأجنبية منذ آب/ أغسطس 2023، وهذا يشكل ضمانة لضبط الأسواق بكتلة نقدية متداولة بالليرة اللبنانية لا تتجاوز قيمتها بالدولار الـ 600 مليون دولار»، مشيراً إلى «أن خروج لبنان من الأزمة الإقتصادية والمالية العميقة التي تعصف به، تتطلب أربعة عوامل رئيسية: الأول يتمثل في المحاسبة عبر القضاء اللبناني، والثاني يتمثل في وضع خطة واضحة لإعادة أموال المودعين، أما العنصر الثالث فهو إعادة بناء الإقتصاد من خلال إعادة إطلاق عمل القطاع المصرفي، ليلعب دوره الطبيعي في التسليف حداً أدنى، وأخيراً إعادة هيكلة الدولة وبناء أجهزتها».
وأكد د. منصوري «أن لبنان، كما البلدان المجاورة، يخضع لمزيد من التدقيق من المجتمع الدولي، ويجب ألاّ نغفل أن أزمات لبنان المتلاحقة خلقت حالة من عدم الثقة، مما حرف النشاط الإقتصادي إلى خارج النظام المصرفي، وأصبح نقدياً بمجمله economy cash ويعكس الإقتصاد النقدي المدولر، تحولاً سريعاً نحو المعاملات النقدية بالعملات الصعبة، وزيادة النشاط الإقتصادي غير الرسمي، مما يهدّد بعكس مسار التقدم الذي حقّقه لبنان قبل الأزمة نحو تعزيز سلامته المالية من خلال إنشاء آليات متينة لمكافحة تبييض الأموال، لهذه الغاية، يقوم المصرف المركزي بورشة عمل كبيرة بالتنسيق مع هيئة التحقيق الخاصة وبمتابعة التطورات في المنطقة، بغية إصدار التعاميم الإلزامية ضمن صلاحياته، ويقترح على الحكومة إجراء تعديلات على القوانين السارية وقوانين جديدة، ليبقى لبنان مندمجاً في النظام المالي العالمي».
للمزيد متابعة الرابط الإلكتروني: