البنك المركزي العراقي في 22 عاماً
سمير النصيري
مستشار رابطة المصارف الخاصة العراقية
منذ العام 2003 عانى الإقتصاد العراقي، تحدّيات وأزمات مالية ومصرفية بسبب الظروف الذاتية والموضوعية الصعبة والمعقّدة التي مرت في البلاد خلال 22 عاماً مضت. وبما أن السياسة النقدية للبنك المركزي وفق قانونه 56 الصادر في العام 2004 مسؤولة عن تحقيق الإستقرار الإقتصادي، وتجاوز تحدّيات النظام المالي والنظام النقدي ومعالجة الخلل البنيوي في الإقتصاد في الإنتقال من الإقتصاد الريعي إلى الإقتصاد الحقيقي (الانتاجي)، كذلك من الإقتصاد النقدي إلى الاقتصاد الرقمي .
وقد مرّ البنك المركزي خلال الفترة المشار إليها بأربع مراحل مهمة وأساسية:
أولاً- الحد من التضخُّم الجامح في العام 2003 والذي تجاوزت نسبته 35 %، والسيطرة على إستقرار سعر الصرف وبناء الإحتياطات الاجنبية والسيطرة على عرض النقد.
ثانياً- تجاوز الصدمتين الإقتصادية والأمنية في العام 2014.
ثالثاً- معالجة الأزمة المالية في زمن جائحة كورونا في العام 2020.
رابعاً- السيطرة على سعر الصرف وتنظيم تمويل التجارة الخارجية، وتحقيق التحوُّل الرقمي وتعزيز الشمول المالي، والإمتثال للمعايير الدولية في عامي 2023 و2024، وبالنظر إلى أن البنك المركزي وبالتعاون مع الحكومة، قد أنجز خطوات مهمة على طريق تنفيذ منهجية الاصلاح المالي والمصرفي والإنتقال إلى إستكمال إستراتيجيته لتحقيق الأهداف وفق خارطة الطريق المرسومة في العام 2025، لذا من الضروري تقييم وتحليل الواقع الإقتصادي خلال الـ 22 عاماً الماضية بحيادية وشفافية عالية، وتحديد حالات الإخفاق والخلل في القطاعات الإقتصادية الانتاجية والتلكؤ في عدم تنفيذ برامج الإصلاح الإقتصادي التي عملت عليها جميع الحكومات المتعاقبة، ولكنها لم تستطع أن تحقق أهداف الإصلاح الجذري والشامل للأسباب المشار إليها.
ولكن واقع الحال وجهود الاصلاح التي بذلت في عامي 2023 و2024، جعلتنا كمختصين أن ننظر بعين الأمل والتفاؤل لما تحقق، وما هو مرسوم لتحقيقه في السنتين المقبلتين، إستناداً لما ورد في الإستراتيجية الثالثة للبنك المركزي بأهدافها الرئيسية والفرعية.
إن خطوات الاصلاح المصرفي التي سار بها البنك المركزي للفترة من العام 2003 ولغاية العام 2024 على معالجة آثار الصدمتين الإقتصادية والأمنية في العام 2014 وأبرزها هبوط أسعار النفط عالمياً بنسبة 75 %.
وقد إستطاع البنك المركزي بإستخدام إحتياطه النقدي الأجنبي، وبأسلوب إعادة خصم حوالات الخزينة من دعم الحكومة بمبلغ 16تريليون دينار، وقد تم تجاوز الأزمة في حينه.
وفي العام 2015 بدأ البنك المركزي وتبعاً لتلك الظروف الإقتصادية الصعبة أن ينتقل بوضع خططه للسنوات المقبلة، ورسم منهجية للإصلاح المصرفي والتطوير الهيكلي والفني والاداري للبنك المركزي، وقد أثمر ذلك عن صدور إستراتيجيته الأولى للسنوات (2016-2020) والتي تضمّنت 5 أهداف رئيسية و140 هدفاً فرعياً قد تم تحقيق 129 منها وبنــســـــبـة 92 % خلال سنوات تنفيذ الإستراتيجية.
وقد ساهم ذلك في وضع البنى والركائز الأساسية للإنتقال إلى مرحلة جديدة للإصلاح المالي والمصرفي مترافقاً معها خطة المشاريع المصرفية الإستراتيجية للسنوات (2019-2023) وصدور الإستراتيجية الثانية (2021-2023) لإستكمال تحقيق الاهداف الفرعية التي لم يتم التمكُّن من تنفيذها في الإستراتيجية الأولى وعددها (11) هدفاً فرعياً، والتي إستمرت خلال هذه الفترة إستعانة الحكومة بالبنك المركزي بإصدار وزارة المالية سندات الخزينة، وقد تم إعادة خصمها من قبل البنك المركزي وحصولها على (30) تريليون دينار وأصبح المبلغ الكلي بذمّة الحكومة (46) تريليون دينار كدين داخلي.
وفي العام 2023 عمل البنك المركزي على دراسة المتحقق من الإستراتيجيتين السابقتين، وتشخيص مرتكزات الإصلاح المنشود، وقد إستمرت جهود الإعداد للإستراتيجية الثالثة طوال العام 2023، وقد تم بناء المرتكزات والأسس لرسم الاهداف لهذه الإستراتيجيه الجديدة للسنوات (2024-2026) والتي إستمدت أهدافها الرئيسية والفرعية من السياسات الإقتصادية العامة للدولة وإستراتيجيتها في الإصلاح المالي والمصرفي التي إعتمدتها الحكومة في المنهاج الحكومي، ومن قانون البنك المركزي 56 لسنة 2004. وقد تضمّنت برامج واضحة الأهداف والمبادرات لفترة ثلاث سنوات في ظرف إقتصادي ومالي خاص ومعقّد ومحفوف بالمخاطر والتحدّيات على مستوى العلاقات الإقتصادية والمالية الداخلية والخارجية .
وقد حدّدت الإستراتيجية الثالثة الأهداف الأساسية بواقع 7 أهداف و24 هدفاً فرعياً و75 مبادرة لتحقيق الأهداف الأساسية والفرعية، وقد رسمت الطريق للإصلاح المصرفي والمالي وفق الاهداف الإستراتيجية التالية: دعم وتعزيز الإستقرار النقدي، وتعزيز التحوُّل الرقمي وتنشيط الدفع الإلكتروني وتدعيم الأمن السيبرالي، وتعزيز الشمول المالي، والحفاظ على نظام مالي رصين، وتطوير البنية التنظيمية وتنمية قدرات الموارد البشرية، وتعزيز مكانة البنك المركزي محلياً ودولياً وتعزيز إمتثال القطاع المصرفي وقطاع المؤسسات غير المصرفية بما ينسجم مع المعايير الدولية.
وقد تم تحديد البرامج والسياسات والمبادرات لتحقيق الأهداف، ولعلّ البرنامج الأبرز هو إطلاق الإستراتيجية الوطنية للإقراض المصرفي في العراق (2024-2029) وموافقة مجلس الوزراء على تنفيذها والتي ستُعيد هيكلية التمويل المصرفي في العراق، إضافة إلى مغادرة المنصّة الالكترونية، وإعتماد البنوك المراسلة في التحويلات الخارجية، وحماية النظام المالي، وتعزيز الشمول المالي، وإدارة الإستقرار النقدي والمالي وتطوير الرقابة والإشراف وتطوير التنظيم في القطاع المصرفي، وإستكمال تطوير البنية التحتية للتحوُّل الرقمي، وترخيص المصارف الرقمية، وتنفيذ السياسات التنظيمية في البنك المركزي، وفق أطر العمل والتقنيات المعتمدة في البنوك المركزية العالمية، ورفع القدرات للموارد البشرية، وتطوير العمليات البنكية وتعزيز علاقات البنك الداخلية والخارجية وتمثيله محلياً ودولياً.
في الخلاصة، إن ما تم عرضه بدقة وشفافية للسنوات الـ 22 من مسيرة الإصلاح المالي والمصرفي يؤكد أن السنتين المقبلتين، ستُثمران حتماً في الإنتقال نحو الإصلاح الشامل والجذري للقطاع المصرفي العراقي، وتحويله إلى قطاع رصين يُساهم في التنمية المستدامة.