الذكاء الإصطناعي والتحوُّل الرقمي
ثورة في طريقة تقديم الخدمات المالية
يعمل الذكاء الإصطناعي على تعزيز التحوّل الرقمي من خلال إستبدال العمليات اليدوية بالأتمتة الذكية، مما يُمكّن المؤسسات المصرفية والمالية من إتخاذ قرارات أسرع تعتمد على البيانات وتحسين سير العمل.
ولا شك في أن التحوُّل الرقمي في القطاع المصرفي أحدث ثورة في طريقة تقديم الخدمات المالية، ونقلها من المصرفية الإلكترونية إلى الخدمات المالية عبر الهواتف الذكية، حيث أصبحت التقنيات الرقمية جزءاً لا يتجزأ من العمليات المصرفية، ولكن مع هذه الفرص تأتي مخاطر جديدة، أبرزها مخاطر الأمن السيبراني.
وقد باتت الهجمات الإلكترونية على المؤسسات المالية أكثر تعقيداً وتنوُّعاً، مما يتطلّب من المصارف تعزيز قدراتها في مجال الحماية السيبرانية وعليه، يجب أن يكون لدى المصارف خطط إستباقية للتعامل مع التهديدات السيبرانية، تتضمّن تقنيات متقدّمة مثل الذكاء الإصطناعي والتعلُّم الآلي، لتحليل البيانات وكشف الأنماط المشتبهة بشكل فوري.
ويُواكب التحوُّل الرقمي، ما يُعرف بالتغيُّر المناخي، والذي لم يعد مجرّد قضية بيئية، بل أصبح له تأثير مباشر على الإستقرار المالي للمؤسسات المصرفية، حيث تشير الدراسات إلى أن المخاطر المناخية يُمكن أن تؤدي إلى خسائر مالية كبيرة، سواء نتيجة الأضرار المادية للبنية التحتية أو عبر إنخفاض قيم الأصول التي تتأثر بالكوارث الطبيعية.
وعليه، أصبح من الضروري أن تدمج المصارف المخاطر البيئية في إستراتيجياتها لإدارة المخاطر، فمن خلال تبنّي معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية (ESG)، يُمكن للمصارف أن تحمي نفسها من المخاطر المستقبلية، وفي الوقت نفسه تستفيد من الفرص المتاحة للإستثمار في المشاريع المستدامة.
في الموازاة، كنا قد أنجزنا دراسة عن «قانون الخدمات الرقمية في الإتحاد الأوروبي والإطار التشريعي الجديد لهذه الخدمات في الدول العربية»، تناولت أهمية هذا القانون الأوروبي وإنتشاره الذي يشمل جميع البلدان ذات أنظمة التكنولوجيا القابلة للتشغيل المتبادل مع أوروبا، وقد يكون حجم هذا القانون أكبر وأعمق من القانون الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR) في الإتحاد الأوروبي والمنطقة الإقتصادية الأوروبية.
كل ذلك يفتح فرصاً جديدة لمختلف الشركات والتجار في جميع أنحاء العالم ويساعد في تسهيل توسعهم والوصول إلى أسواق جديدة على الصعيد الدولي. في حين أن هناك إجماعاً واسعاً على فوائد هذا التحوُّل الرقمي، إلاّ أنه يحمل في طيّاته عواقب سلبية عديدة على المجتمع والإقتصاد. علماً أن هذه التحدّيات الجديدة والطرق التي تتعامل معها المنصّات لها تأثير كبير على الحقوق الأساسية لمستخدمي الإنترنت، رغم الجهود الطفيفة على مستوى الإتحاد الأوروبي والمستوى العالمي.
في المحصّلة، تحتاج الدول العربية إلى أن تحذو حذو الإتحاد الأوروبي في وضع معايير الخدمات الرقمية وإنشاء إطار تشريعي خاص بها للتحكُّم في الخدمات والأسواق الرقمية مع مراعاة القيم، والتاريخ، والتقاليد والإحتياجات العربية. كذلك على المصارف والسلطات العربية دعم البحث والإبتكار في الخدمات الرقمية وتحديد الأدوات والتقنيات الرقمية للتحكُّم في الخدمات الرقمية والأسواق الرقمية. كما ينبغي على الدول العربية العمل معاً لتطوير رؤية وطنية وإقليمية للخدمات الرقمية في العقد المقبل، وتحديد أهداف واضحة ترسم معالم الطريق للعقد الرقمي. وأخيراً يتوجب على هذه الدول فرض التشريعات التي تدور حول الحوسبة السحابية والذكاء الإصطناعي والهويات الرقمية والبيانات والإتصال.