التصنيع يمتد على مدار العام ويزداد بعد إندلاع الحروب
الصناعات العسكرية إزدادت أسهمها بعد حربي كييف وغزّة
أرباحها ونمو مبيعاتها رهن لمزيد من النزاعات
أنعشت الحرب في أوكرانيا وغزة، طموحات شركات الدفاع حول العالم، لا سيما تلك التي ترتبط بالدول الداعمة لكييف وإسرائيل. فالحروب غالباً ما تتحوّل إلى حقل لتجربة آخر الصناعات الأمنيّة والعسكريّة التي تنتجها من أجل «إثبات فعاليّتها الميدانيّة». هذا الإثبات هو الدعاية الأهم، أكثر بكثير من كل التجارب والإستعراضات التي تقدّمها الشركات لمندوبي الدول، لذلك من المفيد تقديم قراءة إقتصادية – مالية عن صناعة الأسلحة، ومدى إستفادتها من إندلاع الحروب، ونحن نعايش الحرب القائمة في غزة وكييف.
يُمكن الإجابة على هذا السؤال، من خلال إدراج العديد من المعطيات والأمثلة، فعند إندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية مثلاً، رفعت مجموعة «راينميتال الألمانية للدفاع»، توقعات مبيعاتها للأعوام المقبلة، مع زيادة الطلب على الأسلحة بسبب الحرب في أوكرانيا. وتوقعت نمو المبيعات إلى ما بين 11 إلى 12 مليار يورو في العام 2025، وذلك مقارنة بحوالي 6.5 مليارات يورو في العام 2022.
وطبقاً للرئيس التنفيذي للشركة المصنعة لدبابات «ليوبارد»، أرمين بابيرجر، فإن شركات الدفاع مثل «راينميتال» أنفقت 700 مليون يورو من أجل توسيع قدراتها، كما وظفت ألفي موظف جديد في العام الماضي، وتتبنّى خططاً إستراتيجية خاصة، وإرتفع سهم المجموعة بنحو 140 % خلال العام 2022. كما إرتفعت أسهم شركات دفاع أوروبية أخرى، من بينها «تاليس» و«داسولت أفييشن» و«ساب»، محققة مكاسب تُراوح بين 60 إلى 80 %، وفق وكالة بلومبرغ، وسط توقعات بمزيدٍ من الإنتعاش لهذا القطاع في الفترة المقبلة.
وبحسب تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الحرب في أوكرانيا، قد أدت بشكل مباشر إلى زيادة الطلب على الأسلحة، مع محاولة دول غربية تعويض تلك الأسلحة التي أرسلتها إلى كييف. وتُعتبر شركات السلاح في الولايات المتحدة (التي إرتفعت فيها مبيعات الأسلحة إلى 50 مليار دولار تقريباً في السنة المالية التي إنتهت في سبتمبر (أيلول) 2022، مقارنة بـ 35 ملياراً في العام المالي السابق عليه، بحسب موقع «بريكينغ ديفينس»)، من أكثر الرابحين، وهو ما ينطبق على شركات مثل «لوكهيد مارتن»، و«رايثيون»، و«بوينغ» و«نورثروب غرومان».
ويشير الخبراء، إلى إرتفاع أسهم الشركات التي تصنّع الطائرات المسيَّرة من دون طيار، والتي تزداد أهميتها بشكل واسع، مع سباق تطوير التكنولوجيا المرتبطة بها في الفترة المقبلة، في مقابل تراجع قيمة بعض الأسلحة التي لم تثبت جدواها في الحرب. ويتوقعون «المزيد من التركيز على زيادة تصنيع الصواريخ الباليستية التي من الممكن أن يكون لها تأثير جديد في الحروب المقبلة، كذلك دور مهم للأسلحة والصواريخ المضادة للطائرات، ونظام إس 400 الروسي، كما سيتم التركيز على تطوير أسلحة تعتمد على القوة الدافعة غير التقليدية».
من الدلائل على الإنتعاشة التي شهدتها شركات الأسلحة خلال حرب غزة، هي الحملة الدعائية لشركات الأسلحة الإسرائيلية والتي تروّج لأرباحها بعد إندلاع الحرب، بهدف جذب المزيد من المستثمرين فيها (موقع جريدة هآريس الإسرائيلي)، ويشير الإعلان الى أنه منذ بدء حرب الإبادة في غزّة، شهد المؤشّر الأميركيّ المختص بشركات الطيران والأمن، إرتفاعات لافتة وصلت إلى نحو 5.88 % خلال الأيّام العشرة الأولى للحرب.
كما إرتفعت أسهم كُبرى شركات الأسلحة الأميركيّة Lockheed Martin بنسبة 10.65 %، والتي تزوّد إسرائيل منذ عقود بطائرات الـ «F16» والـ «F35» وصواريخ «Hellfire» وغيرها المئات من الأسلحة والمعدّات منذ عقود.
في المنظور الأوسع، تُسجّل الصناعات العسكريّة الإسرائيليّة، إرتفاعات سنويّة غير مسبوقة منذ بداية حرب كييف. في العام 2022 بلغت عقود التصدير الأمنيّ الإسرائيليّ للعالم نحو 12.5 مليار دولار. بحسب المعطيات الإسرائيليّة، تضاعفت الصادرات الأمنيّة خلال عِقدٍ واحد، وإرتفعت خلال 3 سنوات بنسبة 50 %. وقد ساهم بهذه القفزة عاملان مركزيّان: الحرب في أوكرانيا والتي أفرغت مخازن أوروبّا من السلاح، فجُدّد المخزون الأوروبيّ بصناعات إسرائيليّة، وثانياً، إتفاقيّات التطبيع مع الدول العربيّة التي فتحت سوقاً جديدة وهائلة لـ 120 شركة أمنيّة إسرائيليّة.
الصناعة العسكرية تزدهر في الحروب بالتزامن مع بناء الجيوش
كل ما سبق يطرح السؤال التالي، هل صناعة الأسلحة تنتعش فقط عند وقوع الحروب؟ أم أن لها خريطة إنتاج، وأسواقاً عالمية على مدار العام، وما هو مردود هذه السوق على الإقتصاد العالمي؟
الجنرال فادي داوود:
الدول الكبرى لا تتكل على إستيراد أسلحتها
لبناء أنظمتها الدفاعية فحسب بل لها إنتاجها العسكري الخاص بها
يُجيب قائد عملية «فجر الجرود» الجنرال فادي داوود، مجلة «إتحاد المصارف العربية» قائلاً: «إن صناعة الأسلحة وتطويرها، لها إستمرارية، وترتبط بالجيوش وتطوُّرها، والدول الكبرى لا تتكل فقط على إستيراد أسلحتها لبناء أنظمتها الدفاعية، بل لها إنتاجها العسكري الخاص بها»، لافتاً إلى أنه على «صعيد البلدان العربية، هناك المملكة العربية السعودية التي تملك صناعة عسكرية متطوّرة، بالتعاون مع التكنولوجيا الصينية والاميركية، وبالتالي فإن الصناعة العسكرية لا تزدهر في الحروب والصدامات فحسب، بل هي متزامنة مع بناء الجيوش. ومن الأمثلة أن ميزانية الجيش الأميركي مثلاً هي بين 600 و700 مليار دولار، وفي المرتبة الثانية الصين بـ 60 مليار دولار».
يضيف داوود: «إن الدراسات التطويرية، والتصنيع الحربي يأخذان الحيّز الأكبر من الكلفة، حين تقع الحروب، فالبلدان غير المعنية بالمعركة، ولديها صناعة عسكرية، تستفيد من هذه الحروب، لأن هذه الصناعة تنشط نتيجة زيادة الطلب. ومن الأمثلة حرب غزة، إذ إن أسهم الشركات الاميركية العسكرية قد إرتفعت بين 8 و10 أضعاف خلال تشرين الأول (أكتوبر) 2023، نتيجة الطلب الاسرائيلي المتزايد على السلاح، و70 % من مشتريات إسرائيل هي مشتريات عسكرية»، مشدّداً على أن «إسرائيل منذ العام 1948 تحتل الصناعة العسكرية أولوية لديها، لأسباب عدة، أبرزها: أنه من خلال الصناعات العسكرية البسيطة، إستمرت في تطويرها إلى أن باتت اليوم من رواد تصنيع طائرات «الدرونز»، فيما ثلثا الصادرات الإسرائيلية هي صادرات عسكرية، حيث تؤمنها 3 شركات إسرائيلية. أما الإنفاق الإسرائيلي العسكري فيبلغ 15 % من الإنفاق العام، وهذا رقم كبير مقارنة بدول أخرى كالولايات المتحدة التي يبلغ قيمته بنسبة 8 %، وفرنسا 3 %».
ويوضح داوود: أن «إسرائيل هي في مرتبة متقدمة في صناعة «الدرونز» و«الأفيونكس» (معدّات داخل الطائرة). علماً أنه ولإظهار مكانة الصناعة العسكرية، يُمكن أن نورد أن الصناعة العسكرية الإسرائيلية في العام 2006 قد بلغت نحو 4.8 مليارات دولار، من أصل 6.8 مليارات، من قيمة صناعاتها. وفي العام 2010 أصبحت تبلغ 7.2 مليارات، وفي العام 2017 حوالي 9 مليارات. وفي العام 2021 صارت في المرتبة التاسعة عالمياً، وباتت تصدّر بقيمة 11.3 مليار دولار وفي العام 2022 نحو 12,5 ملياراً».
ويختم: داوود قائلاً: «في المحصّلة، إن الصناعات العسكرية، لها خريطة عمل مستقلة، بنيّة إنتاجية ثابتة على مدار السنة، ولكن خلال الحروب تعلو أسهم الدول المنتجة. بمعنى آخر، إن صناعة الأسلحة هي قطاع صناعي إنتاجي، ولكن لا يُمكن مقاربتها كأي قطاع إنتاجي سلمي، وتأثيرها الإيجابي على الدول المصنعة لناحية عمليات البيع والشراء، يقابله دمار في الدول المتحاربة، وتالياً فإن الضرر يطال كل الإقتصاد العالمي، وليس على الدول التي تقع فيها الحروب فقط».
المساعدة المجانية الأميركية لإسرائيل تؤثر سلباً على الأميركيين
يُقدم الخبير العسكري العميد هشام جابر لمجلة «إتحاد المصارف العربية» قراءة عسكرية – إقتصادية لصناعة الأسلحة العالمية، فيقول: «لقد إزدهرت شركات تصنيع الأسلحة في الولايات المتحدة، وبعض دول أوروبا مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا خلال الحرب على أوكرانيا، منذ نحو سنتين، والكل يعلم أن أوكرانيا فقدت معظم سلاح الدفاع الجوي، وتم تعويضها من قبل الدول التي ذكرتها، وتزودت بدبابات «ليوبار» وعربات «برادلي» وصواريخ أرض – جو، وأرض – أرض أميركية، والأهم، أن الذخيرة على إختلاف أنواعها، قد كانت كبيرة لدى أوكرانيا، وخصوصاً ذخائر المدفعية مقابل المخزون الروسي».
العميد هشام جابر:
تأثير الصناعة على الإقتصاد العالمي
إيجابي حيال الدول المصدّرة للسلاح وسلبية للدول المستوردة
يضيف جاير: «في حرب غزة – إسرائيل، ألقت الأخيرة إلى الآن، نحو 40 ألف طن من الأسلحة، سواء من الطائرات أو الصواريخ أو البحر أو المدفعية، وأقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً لتزويد إسرائيل ما تحتاجه من الذخائر، لكنها تكبّدت كل الذخائر من دون أي إنجاز عسكري. وحتى قبل الحرب في أوكرانيا وغزة، إعتُبرت تجارة السلاح من أهم صادرات الولايات المتحدة وروسيا وبعض دول أوروبا وإسرائيل».
يشير جابر إلى أن «تأثير الصناعة على الإقتصاد العالمي، هو إيجابي بالنسبة إلى الدول المصدّرة للسلاح وسلبية للدول المستوردة، لأنها تُخصّص جزءاً كبيراً من ميزانياتها للتسلُّح، بدل التنمية الإجتماعية والإقتصادية في حقول أخرى كالأبحاث والدراسات»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة عندما تقدم السلاح مجاناً لإسرائيل، يؤثر سلباً على الشعب الأميركي. علماً أن شركات تصنيع السلاح، تشغل الملايين من الأميركيين، لكن هؤلاء لا يشكلون إلاّ 2 % من الشعب الأميركي».
ويختم جاير قائلاً: «إن خسائر إسرائيل في حربها بحسب الخبراء هو 30 مليار دولار تقريباً، بسبب الجمود الإقتصادي (تعبئة وشلل في القطاعات الأخرى)، بالاضافة الى تكاليف على النازحين الإسرائيليين، والتكاليف الأهم هي تكاليف الجرحى والمعوّقين والتي تقدر بمئات الملايين».
صناعة الأسلحة خلال الحروب تسجل نمواً لأن الدول تسعى إلى تطوير أنظمتها الدفاعية
الخبير العسكري وهبة قاطيشا:
الحروب تُنشّط تجارة الأسلحة وتعود بالفائدة على الشركات الكبرى المنتجة
من جهته، يشرح الخبير العسكري وهبة قاطيشا لمجلة «إتحاد المصارف العربية»، أن «الحروب تُنشّط تجارة الأسلحة، وهي من السلع المرتفع سعرها بشكل كبير، وتعود بالفائدة على الشركات الكبرى المنتجة، كما أن في حالات الفوضى التي تعانيها بعض الدول، تنشط سوق الأسلحة الفردية نتيجة غياب الدولة وتحللها».
يضيف قاطيشا: «على مستوى الشركات العالمية، هذه الصناعة والتجارة لها مردود كبير، وأيضاً على مستوى الأفراد لها مردود كبير. وهذه الصناعة تزدهر خلال الحروب، لكنها في الأساس تسجل نمواً، لأن الدول تسعى إلى تطوير أنظمتها الدفاعية، وبالتالي هذه الصناعة مستدامة ومستمرة وزبائنها الدول غير المستقرة».
ويختم قاطيشا قائلاً: «إن هذه الصناعة والتجارة، لا تنقطع والحرب تصبح حاجة، وهذا ما يحصل في أوروبا وتايوان واليابان وكوريا الشمالية والجنوبية، حيث يُصبح شراء السلاح هدفاً للدفاع عن أنفسهم».