الـمسؤولية الإجتماعية لدى البنوك
بنك اليمن والكويت للتجارة والإستثمار أنموذجاً
مَن يتابع بدقة ما تقدِّمه البنوك التجارية والخاصة من خدماتٍ مصـرفيةٍ متنوعةٍ ومتعددةٍ ومختلفة، يُلاحظ الركيزة الأساسية في دعم التنمية والنهضة في أي بلدٍ كان، والدِّعامة الأولى لتشجيع القطاعات الأخرى ونموها، وهنا نحن في صدد الحديث عن الجانب الأجمل والأسمى في هذا القطاع والمتمثل بـ «المسؤولية الاجتماعية»، التي تُشكِّل جزءاً منها، بل وتُشكِّل قاعدة عملائها الأساسية ومساعدة الفئات المحرومة، والحدُّ من بصمته البيئية، والحفاظ على الموارد الطبيعية لضمان إستمرار تحقيق القيمة على المدى الطويل، لتصبح هذه المسؤولية هي المعززة للهوية المؤسسة لتلك البنوك، وذلك عن طريق تشجيعها لتبني ممارساتٍ مستدامة تعود بالنفع العام على الاقتصاد والمجتمع والبلد بأسـره.
لذلك فإن المسؤولية الإجتماعية تعد جزءاً لا يتجزأ من التنمية المستدامة، فهي ليست عمليةٍ تخطيطية، وإنما هي عملية طويلة الأمد تشمل مصالح متعارف عليها، وتتضمّن مجالاتٍ رئيسية لها؛ فالبنوك والمصارف سواءً المحلية أو العربية أو الدولية تعتمد ما بين (5 – 10%) من أرباحها السنوية لدعم مشاريع ومبادرات المسؤولية الإجتماعية، وهذا الأمر ليس حكراً على بنكٍ واحدٍ بحد ذاته، وإنما هي سياسة عامة لكل البنوك.
وهنا سنتناول التجربة الفريدة لـ «بنك اليمن والكويت للتجارة والإستثمار» في هذا المجال، إنطلاقاً من إلتزامه الوثيق قيمه في مبادئ الحوكمة والشفافية والتأثير المجتمعي والإقتصادي المستدام، خلال مسيرة عمره التي تتجاوز الـ(46) عاماً، حيث تفرَّدت مسؤوليته الإجتماعية، وتنوَّعت لتشمل مختلف القطاعات في اليمن، منها الصحة والتعليم وحماية البيئة والثقافة والفنون والرياضة، كما إستهدف من خلال مبادراته العديدة ودعمه المتواصل لكافة الشـرائح التي تضم المرأة والطفل والشباب وذوي الإحتياجات الخاصة، وحرص على أن تشمل خارطة مبادراته كافة محافظات الوطن، ليمثل بذلك المؤسسة المصـرفية الأولى الملتزمة مساندة مجتمعها في كافة قطاعاته وشـرائحه، إيماناً منه بأهمية تـمكين المجتمع من مواجهة التحديات، ومواصلة مسيرة البناء والتنمية في البلد برمّته.
المسؤولية الإجتماعية.. المفهوم والمصطلح
تُعد المسؤولية الإجتماعية ذات تاريخٍ قديم، يتجاوز الـ 100 عام، حيث ورد أول ذكرٍ لها في العام 1923، وذلك عندما أشار كتاب «فلسفة الإدارة» إلى أن مسؤولية الإدارة في المشـروعات هي بالدرجة الأولى مسؤولية إجتماعية، وأن إلتزام إدارة المشـروع مسؤولياتها الإجتماعية عند أداء وظائفها المختلفة لهو الجزء الأهم في فن إستخدام الأساليب العلمية لإدارة الأعمال. ورغم تلك البداية، فإن مفهوم المسؤولية الإجتماعية لم يلفت الأنظار أو يجذب الإنتباه في تلك المرحلة المُبكرة؛ ولكن كانت هناك إشارات غير مباشـرة ظلت تطفو وتتلاصق متجمعةً سوياً حتى نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضـي، حيث بدأ هذا الإصطلاح يجذب الإنتباه ويلفت الأنظار إليه بشكلٍ أكبر مما مضـى، وكانت تلك المساحة أشبه ما تكون بدايةً لمولد فكرٍ جديد في فلسفة الإدارة هو «المسؤولية الإجتماعية».. ليتوج في العام 1999 بإقتراح «الميثاق العالمي للمسؤولية الاجتماعية» من قبل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في خطابه أمام «المنتدى الإقتصادي العالمي»، والذي خرج للنور في مرحلته النهائية في 26 يوليو/تموز عام 2000.
المسؤولية الإجتماعية ركيزة للبنوك أم عبء على كاهلها؟!
مع تزايد معدّلات الوعي لدى المجتمعات أصبح من غير المقبول الوقوف عند الأهداف الإقتصادية للبنوك دون تحقيق الأهداف الإجتماعية، حيث إن إنجاز الأعمال بإستخدام الموارد الإقتصادية للمجتمع، يُحتّم ضـرورة إسهام البنوك بتحمُّل مسؤولياتها الإجتماعية، وتقييم أدائها الإجتماعي بصورةٍ مستقلة عن أدائها الإقتصادي، فتعظيم الأرباح لم يعد الهدف الوحيد للبنوك بل تعدَّى ذلك إلى الإلتزام بتنفيذ مسؤولياتها الإجتماعية تجاه المجتمع الذي تعمل فيه، مما أدى إلى ظهور ما يُسمَّى بـ «المحاسبة عن المسؤولية الإجتماعية» والتي تُستخدم كأداةٍ لتقييم الأداء الإجتماعي لتلك البنوك، مما خلق توجهاً عاماً للأخذ بمفهوم المسؤولية الإجتماعية للبنوك عند تقييمها، من أجل تحسين الأداء، وزيادة فعاليته، فلم تعد البنوك تعتمد في بناء سمعتها على مراكزها المالية فحسب، ولم يعد تقييمها يعتمد على ربحيتها فقط، فقد ظهرت مفاهيم حديثة تساعد على خلق بيئة عملٍ قادرة على التعامل مع التطوُّرات المتسارعة في الجوانب الإقتصادية والتكنولوجية والإدارية عبر العالم؛ لهذا فقد أصبحت المسؤولية الإجتماعية تعدُّ من العناصـر الرئيسية في تكوين سُمعة أيّ بنك، وتعزيزها يسهل عمله، والرفع من قدرته على إستقطاب عملاء جدد، وزيادة حصته في السوق المصـرفية.
كما أن الإستثمار في المسؤولية الإجتماعية من الممكن أن يُعزّز قيمة البنك في تلك السوق، ورفع قدرته في الوصول إلى رأس المال، علاوةً على المزايا الأخرى من بناء القدرة على تحقيق نتائج أفضل.
المسؤولية الإجتماعية ضـروريةٌ أم مسؤوليةٌ كبرى؟!
تُعتبر المسؤولية الإجتماعية للبنوك ضـرورةً أساسية، لكونها تقوم بدورٍ إجتماعي في المقام الأول، بل وتُعد مسؤوليةً كبرى في تحقيق التنمية في البلاد، ولكي تتمكن هذه البنوك من النمو والإستمرار والبقاء، عليها مراعاة المسؤوليات الملقاة على عاتقها تجاه أطرافٍ عديدة كالمساهمين والمجتمع والعملاء والعاملين فيها. ومن هنا أصبح التعرُّف على مدى إدراك البنوك لمفهوم المسؤولية الإجتماعية والمحاسبة عنها أمراً يتطلب إيلاء المزيد من الإهتمام لمساعدتها على النمو وتحقيق أهدافها وفق نظمها ومنهجية عملها. ويُمكن تحديد مجموعات الأنشطة ذات المضمون الإجتماعي التي تقوم بها البنوك في الوقت الراهن بالأنشطة ذات العلاقة بالمجتمع والموظفين والبيئة.
تجربة بنك اليمن والكويت للتجارة والإستثمار في المسؤولية الإجتماعية
من خلال التتبع الحثيث والإستقراء والإستقصاء على العديد من تجارب البنوك اليمنية في هذا المجال، تُعد تجربة المسؤولية الإجتماعية لبنك اليمن والكويت للتجارة والإستثمار فريدةً من نوعها، حيث لم يتخذ هذا البنك منها ركيزةً أساسية لتوجهاته وصنع سياساته وخططه وقراراته الإستراتيجية فحسب، كما لم يعد الإلتزام بها مجرد شعارٍ إتخذه البنك فقط، وإنما جعلها نهجاً مدروساً نحو تعزيز الإستدامة في العديد من القطاعات داخل الوطن، يؤكد من خلالها إلتزامه تجاه مجتمعه، مُنسجماً مع رؤيته ودوره كمؤسسةٍ مصـرفيةٍ رائدة وملتزمة تطوير القطاع المصـرفي والمشاركة في النهوض بالإقتصاد اليمني، لتتكامل رسالته التي إنطلق بها منذ تأسيسه في العام 1979 وحتى يومنا هذا، بل وأعدَّها إلتزاماً أخلاقياً ودينياً وقانونياً من قبله تجاه المجتمع اليمني تحقيقاً للتكافل والتعاون، ومساهمةً في صيانة وحماية مصالح أفراده، وزيادة تقدمه ورفاهيته، والحفاظ على البيئة وصيانتها، وتحقيق الاستدامة والتنمية الشاملة.
وقد سعى بنك اليمن والكويت لتضمين المسؤولية الإجتماعية ضمن عملياته اليومية ونشاطاته، عن طريق تعزيز الوعي الداخلي لدى منتسبيه بها وبأهميتها وأهدافها، والحرص على إتباع أفضل الممارسات لتطبيقها، منشئاً قاعدةً واسعة من الشـراكات مع مختلف القطاعات داخل الوطن، ومستهدفاً كافة الشـرائح المجتمعية، كما ركَّز إهتمامه على خلق فرص التمكين والتأثير المستدام، مُتبنّياً مبادئ الإستدامة في ممارساته وأنشطته الداخلية والخارجية على السواء.
ولهذا لم تعد المسؤولية الإجتماعية لدى بنك اليمن والكويت للتجارة والإستثمار، مجرد فكرةٍ عابرة أو برنامج هامشي، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من فلسفة البنك ورؤيته ورسالته، وجزءٌ من نسيج ثقافته الراسخة، بشكلٍ يضمن استدامة نجاح البنك، وتحقيق الأفضل لليمن أرضاً وإنساناً، بل واعتباره هذه المسؤولية برنامجاً استثمارياً خاصاً به؛ وقد يتساءل البعض كيف تكون المسؤولية الاجتماعية برنامجاً إستثمارياً لهذا البنك؟!
ولهذا، فمنذ تأسيسه، دأب على الإلتزام بدعم جميع شـرائح المجتمع التي يعمل من خلالها، وأبدى إحتراماً وإلتزاماً بذلك، عبر تقديم الدعم المستمر للمشاريع ذات الصلة بالمجتمع اليمني وقضاياه المجتمعية الجديرة بالإهتمام.
في الخلاصة، إن تجربة بنك اليمن والكويت في المسؤولية الإجتماعية أو بالأحرى إستثماره المجتمعي، أصبحت شاهدةً للعيان، ويشار إليها بالبنان،؛ فلم تعد إحدى مرتكزات العمل به فقط، بل أصبحت إحدى توجُّهاته المستقبلية، لكونه أصبح الشـريك الإستثماري للمجتمع اليمني، ويحرص بشكلٍ دائمٍ على إنتهاج الشـراكة مع مختلف الجهات، والتواجد دائماً في المكان الذي يخدم من خلاله الوطن وأبناءه، ويُساهم في تنميته والرقي به، ليُعتبر البنك رائداً من رواد العمل الإجتماعي في البلد، مما أهَّله لإحتلال مكانة مرموقة، ليس فقط على مستوى القطاع المصـرفي اليمني فحسب، بل تجاوزه ليشمل كافة القطاعات الموجودة في البلد، سواءً الحكومية أو الخاصة.
محمـــد علـي ثامـر – كاتب وباحث من اليمن