القطاع المصرفي العربي
في مواجهة الأزمات المالية الأميركية والأوروبية
لا شك في أن آثار وتداعيات إفلاس بعض المصارف في أميركا قد ترك إجتهادات كثيرة في أنحاء العالم، نظراً إلى العلاقات الإقتصادية والتجارية والمالية بين الدول، ولا سيما بين البلدان العربية والدول الأوروبية والأميركية وخصوصاً الولايات المتحدة، في القرنين العشرين والحادي والعشرين، فالأزمات الإقتصادية – المالية العالمية منذ أزمة الكساد الكبير (1929-1933)، أرخت تداعيات، لا بل خطورة على العالم العربي، كونها إنطلقت من الإقتصاد الأميركي الذي يؤثر بشكل واضح في حركة الإقتصاد العالمي. فهو الإقتصاد الأكبر في العالم بحجم يبلغ (14) تريليون دولار، وتشكل التجارة فيه أكثر من (10 %) من إجمالي التجارة العالمية، إضافة إلى أن الدولار الأميركي يشكل ما لا يقل عن (60 %) من السيولة الدولية.
وقد أعاد إفلاس مصرف وادي السيليكون SVB الأميركي، الذي كان يملك أصولاً تتجاوز الـ 200 مليار دولار، إلى الذاكرة، الأزمة المالية العالمية التي كانت قد تفجّرت في الاقتصاد الأميركي في العام 2007-2008، عندما حصل عجز كبير في سيولة البنوك التجارية، ومؤسسات الإقراض المالية فيها، إثر إزدهار سوق القروض العقارية وإستمرار التوسع في عمليات الإقراض في أسواق العقارات طوال السنوات السابقة، بغضّ النظر عن الموقف المالي للمقترض (Credit History) والتساهل في المطالبة بضمانات كافية للجهة المانحة للقروض، سواء كانت بنوكاً تجارية أم مؤسسات إقراضية.
وتباين تأثير الأزمة المالية العالمية المذكورة على البورصات العربية على نحو كبير من بلد لآخر، من حيث ظهور الآثار في فترة مبكرة في البلدان ذات الروابط القوية بالأسواق المالية العالمية، إذ هبطت مؤشرات البورصات في المنطقة العربية بنسبة 50 % في المتوسط. وشهدت مؤشرات أسواق الأوراق المالية في بلدان مجلس التعاون الخليجي تراجعاً تراوح بين 30 % و60 % خلال الربع الأخير من العام 2008. ورداً على ذلك، أعلنت هذه البلدان إجراءات وآليات إنقاذ متباينة للحفاظ على السيولة وتدعيم بورصاتها. ولم تسلم من التراجع أسواق الأوراق المالية في البلدان خارج مجلس التعاون الخليجي. إلاّ أن بعض المؤشرات، ومنها مؤشرا لبنان وتونس، إتسمت بمرونة نسبية في حينه.
أما على صعيد أزمة SVB، فبحسب وكالة موديز للتصنيف الإئتماني، فسيكون تأثير تعثر بنكي سيليكون فالي وسيغنتشر الأميركيين على مصارف الخليج محدوداً، كونها تتمتع بمرونة كبيرة تجاه هذه الأزمة، وأن ذلك يعود إلى إمتيازات مالية واسعة ووجود دعم حكومي كبير عبر الميزانيات العمومية للبنوك. علماً أن البنوك الخليجية ليست منكشفة على البنوك الأميركية التي إنهارت، وليست عرضة للخسائر الكبيرة من سندات الدين المحتفظ بها حتى تاريخ الإستحقاق، كما أن الآثار غير المباشرة لأزمة البنوك الأميركية لا تزال تتطور.
في المحصلة، بعدما تحوّل العالم إلى قرية صغيرة بفضل التكنولوجيا المالية المتسارعة والرقمنة، والتي دخلت عوالم الإقتصادات والمصارف والمعاملات المالية على أشكالها، وبلورت علاقات الدول في ما بينها، من الطبيعي أن تؤثر الإفلاسات المالية الدولية على العالم عموماً ولا سيما على العالم العربي، كون الأخير، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، بات محكوماً بالعلاقات الإقتصادية الدولية، في ظل الإبتكارات الرقمية، للوصول إلى كل أصقاع الأرض، ومن خلال مجموعة واسعة من الخدمات المصرفية التي باتت تصل إلى الجميع بطريقة سهلة وأكثر أماناً. والأيام الآتية ستوضح ما كان مخفياً من الآثار والتداعيات.