المصارف الإسلامية…
إستراتيجيات إبتكار مطلوبة نحو مزيد من الإنتاجية
لا شك في أن المصارف الإسلامية في المنطقة العربية كما في الدول الإسلامية عموماً والعالم، تُواجه تحدّيات جمّة نتيجة التقلُّبات والتغيّرات الإقتصادية، ولا سيما ما بعد جائحة كورونا وتداعياتها، والتي إنعكست آثارها على الأنظمة المصرفية والأسواق المالية وقدرتها على تقديم التمويل اللازم للقطاعات الإقتصادية ذات الحاجة. من هنا نجد أن الصناعة المصرفية الإسلامية، لا تزال أمام حالة من التحدّي التي تتطلّب الإرتقاء بأداء هذا القطاع، وتطوير كفاءته ليُواجه كافة أشكال التحدّيات التي أصبحت حقيقة واقعة، ولا مجال للتقليل من أهميتها أو تجاهلها، والتي إن إستمرت من دون الإلتفات إلى متطلبات هذا القطاع وحاجاته، فإننا وبكل تأكيد سنُواجه تحدياً حقيقياً يحول دون تحقيق نمو معتدل ومتوازن له، ولا سيما مع حالة المنافسة الشديدة مع نظيره التقليدي للحدّ من طموحه في كسب حصة أكبر من السوق المصرفية العالمية.
من المعروف، أن الصيرفة الإسلامية جاءت لتجعل تعاملات البنوك تتوافق مع الشريعة الإسلامية، رغم أن المبدأ قد يبدو جديداً، لكنه إعتمد على مبادئ الشريعة التي يعود تاريخها لأكثر من 1400 عام. ومع ذلك، فقد ظهرت المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية، أقلُّه في منطقة الشرق الأوسط في سبعينيات القرن العشرين.
وفيما نخوض غمار العام 2023، نلاحظ أن صناعة الصيرفة الإسلامية لا تزال تواجه العديد من التحدّيات، والتي يتمثّل بعض منها في غياب بعض القوانين والتشريعات التي تراعي خصوصيتها وتنظم العلاقة مع البنوك المركزية، بما يضمن مساهمة فاعلة وحقيقية لها في السياسات النقدية لبلدانها، ورغم النداءات المتكرّرة التي وُجّهت للبنوك المركزية في مراعاة خصوصية هذه المصارف والنظر إلى النجاحات التي حقّقتها في خدمة إقتصاداتها الوطنية، إلاّ أنها لا تزال تعاني جموداً في العلاقة مع البنوك المركزية في بعض بلدان تواجدها، عدا بعض الإستثناءات التي تحققت وأتاحت للمصارف الإسلامية ممارسة دورها المصرفي الذي يخدم إقتصادها الوطني كما هي الحال في بعض الدول العربية والإسلامية.
ومن التحدّيات المهمة والتي يجب مواجهتها، توحيد المعايير، حيث لا يزال يعاني القطاع المصرفي الإسلامي عموماً، تشتت المعايير وإختلافها، مما أدى إلى حدوث تباطؤ في إنتشار وتوسع هذه الصناعة، إضافة إلى عدم التوصل إلى قناعات من قبل جميع الإتجاهات الفكرية بأهمية وجود سوق مالية إسلامية تختص بالمنتجات المالية الاسلامية، رغم وجود مقوّمات كافية لقيام مثل هذه السوق، والإنتشار الواسع الذي شهدته المصارف الاسلامية في السنوات الأخيرة، ومحاكاة المنتجات المالية التقليدية في الوقت الذي هي بحاجة إلى إبتكار منتجات تحمل هوّيتها، إذ إن الأدوات المالية الإسلامية المتبعة وُجدت كبديل للأدوات المالية التقليدية المعروفة، لكن حتى تكون قادرة على تغطية كافة أوجه التمويل في الإقتصاد الوطني عليها عدم الإكتفاء بطرح البديل، بل يجب أن تُبادر إلى وضع إستراتيجيات للإبتكار وتطوير القائم لديها.
في المحصّلة، من واجب المصارف الإسلامية، أن تُولي إهتماماً أكبر لتقديم التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، ومحاكاة الإقتصادات الوطنية، إنطلاقاً من مبادئها المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية، كما يُمكن لهذه المصارف الوصول إلى مناطق الأرياف البعيدة عن مراكز المدن وتقديم خدماتها، إذ إنها تركز جلّ إهتمامها ونشاطها في المناطق الحضرية والمراكز التجارية، لكن هذه المصارف تحمل رسالة أخلاقية وإقتصادية، من الضروري أن تنتفع منها كل حلقات الإقتصاد وكل الفئات الشعبية.