دير عام بنك الأردن الأستاذ صالح حماد:
«المركزي الأردني» وضع أسساً متينة للتحوُّل التدريجي
لتبنّي الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة ESG
تبنّي معايير ESG سيُصبح جزءاً لا يتجزأ من ثقافة العمل المالي في الأردن
والطريق نحو تنمية إقتصادية مستدامة وشاملة للجميع
يشهد القطاع المالي في الأردن تحولاً تدريجياً نحو دمج المعايير البيئة والاجتماعية والحوكمة (ESG) في عملياته، حيث لعب البنك المركزي الأردني دوراً محورياً في قيادة هذا التحول. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أطلق البنك استراتيجية التمويل الأخضر 2023-2028، التي تهدف إلى تحويل القطاع المالي الأردني إلى قوة رائدة في التمويل المستدام، وتعزيز قدرته على مواجهة المخاطر المناخية والبيئية. وقد بدأ البنك المركزي الأردني بالفعل بتوجيه القطاع المصرفي نحو دمج الإعتبارات البيئية والمناخية في جميع جوانب عمله، من الحوكمة وإدارة المخاطر إلى الإفصاح والتمويل.
ويقول مدير عام بنك الأردن الأستاذ صالح حماد «كجزء من هذه الجهود، أصدر البنك المركزي تعليمات إدارة مخاطر المناخ، التي تهدف إلى وضع مبادئ توجيهية لإدارة هذه المخاطر لتصبح جزءاً أساسياً من الحوكمة المؤسسية ونماذج الأعمال وإستراتيجيات إدارة المخاطر في البنوك. كما بدأ البنك المركزي بتقييم المخاطر المناخية التي قد تؤثر على القطاع المالي، والعمل على إنشاء تصنيف أخضر وطني لتعريف الأنشطة الاقتصادية المستدامة، إلى جانب إعداد تعليمات رقابية ومعايير إفصاح خاصة بالمناخ. هذه الخطوات تعكس أهمية تضمين عوامل ESG ضمن الأطر الرقابية والإحترازية، مما يسهم في تعزيز الاستقرار المالي ودفع عجلة التحول الأخضر».
أضاف حماد: «على صعيد البيئة التنظيمية، قام البنك المركزي خلال السنوات الماضية بإصدار تعليمات لتعزيز الحوكمة الرشيدة في البنوك، مما يُلزمها بتطبيق معايير حوكمة متقدمة. كما إنضمّت الجهات الرقابية الأردنية إلى الشبكات الدولية المعنية بالإستدامة المالية، حيث يُعد البنك المركزي الأردني عضواً في شبكة التمويل المستدام (SBFN) منذ العام 2016، مما يساعده على مواكبة أفضل الممارسات العالمية بالتعاون مع مؤسسات كبرى مثل البنك الدولي. وفي خطوة تعزّز الشفافية والإستدامة في القطاع المالي، أعلنت بورصة عمّان عن إطلاق دليل الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالتغيُّر المناخي، إضافة إلى الإطار التنظيمي والسياسة الخاصة بالإفصاح، حيث ستُصبح الشركات المدرجة على مؤشر ASE20 ملزمة بهذه الإفصاحات إعتباراً من العام 2027.
وفي ما يخص البنوك العاملة في الأردن، فقد بدأت بعض المؤسسات المالية بدمج معايير ESG في إستراتيجياتها وعملياتها، كما أصدرت العديد من البنوك تقارير استدامة دورية تفصح فيها عن أدائها البيئي والإجتماعي والحوكمة، وفق معايير عالمية مثل معايير المبادرة العالمية للتقارير (GRI)، مما يمنحها ميزة تنافسية ويُحسّن أداءها على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، تم وضع إرشادات للسندات الخضراء منذ العام 2021 بالتعاون بين وزارة البيئة وهيئة الأوراق المالية والبنك المركزي ووزارات أخرى، لتهيئة البنية التنظيمية لإصدارات أدوات الدين المستدامة.
على مستوى التعاون الدولي وبناء القدرات، تم إعداد استراتيجية التمويل الأخضر بدعم فني من البنك الدولي وجهات دولية أخرى، مما ساعد على مواءمة إطارها مع أحدث التطورات العالمية في إدارة مخاطر المناخ والتمويل المستدام. كما نظّم البنك المركزي الأردني بالتعاون مع جمعية البنوك في الأردن النسخة الثانية من منتدى التمويل الأخضر في حزيران/ يونيو 2024 تحت عنوان «التمويل الأخضر: ضرورة إستراتيجية لمستقبل البنوك»، وذلك لتعزيز الحوار والتعاون داخل القطاع المصرفي ومع الجهات ذات العلاقة للنهوض بمبادرات التمويل الأخضر. كما نظّم بالتعاون مع إتحاد المصارف العربية «منتدى المعايير البيئية والإجتماعية والحوكمة في القطاع المالي» خلال آب/ أغسطس 2024، لمناقشة الإنجازات والتحدّيات والفرص في دمج المبادئ البيئية والإجتماعية والحوكمة، وتعزيز الجهود التعاونية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة».
وتابع حماد: «تعكس هذه الجهود إلتزام البنك المركزي الأردني بتعزيز ممارسات الحوكمة البيئية والإجتماعية وحوكمة الشركات، وتوجيه القطاع المالي نحو تبنّي إستراتيجيات مستدامة تدعم التنمية الإقتصادية المستدامة في المملكة، مما يُمهّد الطريق أمام قطاع مالي أكثر إستدامة وشمولية.
وفي هذا السياق، فإن بنك الأردن، إنطلاقاً من توجُّهه الإستراتيجي بأن يكون رائداً في مجال الإستدامة البيئية والإجتماعية في الدول التي يعمل فيها، وبالإعتماد على مبادئ الحوكمة القوية وبدعم من مجلس إدارته، فقد إستهدف تطبيق أفضل ممارساتESG، حيث أبرم البنك شراكة إستراتيجية مع شركة رائدة في مجال الإستدامة لتطوير وتنفيذ ممارسات الأعمال المستدامة وحوكمة الشركات. كما بدأ في الربع الرابع من العام 2024 بتأسيس وتطبيق برنامج متكامل لإدارة معاييرESG، بهدف دمجها في إستراتيجيات وعمليات وأنشطة البنك».
وعن رؤيته المستقبلية لمستقبل ESG، أوضح حماد «تطمح الرؤية المستقبلية إلى أن يكون القطاع المالي الأردني قوة دافعة في التحوُّل نحو إقتصاد أكثر إستدامة وشمولية، مما يُعزّز النمو المستدام والإزدهار الإقتصادي، حيث إن خارطة الطريق لإستراتيجية التمويل الأخضر والسياسات الداعمة لها، ستؤهل الأردن ليغدو نموذجاً رائداً في المنطقة في مجال التمويل المستدام، وبحيث تصبح فيه إعتبارات المناخ والإستدامة جزءاً روتينياً من قرارات الإقراض والإستثمار في كافة البنوك. ومن المتوقع أن يزداد التوجُّه من القطاع المصرفي لتمويل مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يدعم طموح الأردن في التوسع بمصادر الطاقة النظيفة. وستزداد محافظ التمويل الأخضر لتشمل مجالات حيوية أخرى ككفاءة إستخدام المياه والزراعة المستدامة وإدارة النفايات، مما ينعكس إيجاباً على تحقيق أهداف المساهمات المحددة وطنياً (NDC) بخفض الانبعاثات والتكيُّف مع تغيُّر المناخ.
وعلى صعيد إدارة المخاطر، سيكون النظام المالي أكثر صلابة أمام صدمات المناخ، حيث سيتمكن بفضل الإختبارات الدورية وبيانات الإفصاح من توقّع المخاطر البيئية والتحوط المسبق لها، حفاظاً على إستقرار الأسواق. كما أن إلتزام البنوك بالحوكمة الرشيدة والشفافية سيُعزّز ثقة المستثمرين الدوليين، فاتحاً الأبواب أمام تدفقات رؤوس أموال تبحث عن بيئات إستثمارية ملتزمة بالإستدامة. وليس أدلّ على ذلك من توجُّه بورصة عمّان لمواءمة إفصاحات الشركات مع معايير الإستدامة العالمية ISSB لجذب المستثمرين المهتمين في هذا الجانب.
وفي هذا المشهد المستقبلي، سيعمل التعاون الوثيق بين الحكومة والقطاع المالي وقطاع الأعمال على خلق بيئة مواتية لازدهار التمويل المستدام. فمن جهة، تضع الحكومة سياسات مناخية واضحة وتوفر حوافز إستثمارية، ومن جهة أخرى تُوفّر البنوك الموارد لتمويل المشاريع الخضراء، بينما تلتزم الشركات بتبنّي ممارسات إنتاج مستدامة لرفع قدرتها على الحصول على التمويل. هذا التعاون الثلاثي سيساهم في بناء إقتصاد أردني أخضر وشامل، يُوازن بين النمو الإقتصادي وحماية الموارد الطبيعية وتحقيق العدالة الاجتماعية. ونتيجة لذلك، ستتمكّن المملكة من تلبية إلتزاماتها الدولية في مجال المناخ والتنمية المستدامة، بل وقد تتخطّاها لتصبح مركزاً إقليمياً لجذب الإستثمارات الخضراء ونقل المعرفة في مجال التمويل المستدام إلى الدول المجاورة.
ختاماً، يُمكن القول: إن القطاع المالي الأردني على أعتاب تحول استراتيجي، إذ وُضعت الرؤية ورُسمت الإستراتيجية، وتم إحراز إنجازات مهمة في فترة وجيزة. ويبقى التحدّي الآن في التنفيذ الشامل وترجمة الخطط إلى واقع ملموس يُحدث فرقاً في الإقتصاد والمجتمع. ومع إستمرار الإلتزام من قبل الجهات التنظيمية والمصرفية، ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، فإن تبنّي معايير ESG سيُصبح جزءاً لا يتجزّأ من ثقافة العمل المالي في الأردن والطريق نحو تنمية إقتصادية مستدامة وشاملة للجميع».