حذَّر من آثار التوترات الجيو – استراتيجية الدولية على القارة
صندوق النقد: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الإستقطاب العالمي»
في ظل تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الإقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جرَّاء التوترات الجيو – استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ إندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.
وتوقَّع تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي أخيراً أن «تتعرّض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر، إذا إنقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في المقابل».
وذكر التقرير، «أن في هذا السيناريو من الإستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد إقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إنخفاضاً دائماً بنسبة تصل إلى 4 % من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال 10 سنوات».
ووفقاً للتقرير، إذا تصاعدت التوترات الجيوسياسية فقد «تتأثر البلدان الأفريقية بإرتفاع أسعار الواردات، أو حتى تفقد الوصول إلى أسواق التصدير الرئيسية، حيث يمكن أن تتأثر نحو نصف قيمة التجارة الدولية في المنطقة».
وأضاف التقرير أن الخسائر يُمكن أن تتضاعف، إذا جرى قطع تدفقات رأس المال بين الكتل التجارية الدولية بسبب التوترات الجيوسياسية، حيث يُمكن أن تخسر المنطقة ما يقدر بنحو 10 مليارات دولار من الإستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية، كما يُمكن أن يؤدي خفض الإستثمار الأجنبي المباشر على المدى الطويل إلى «إعاقة نقل التكنولوجيا التي تشتد الحاجة إليها في تلك الدول».
ورأى التقرير أنه «لإدارة الصدمات بشكل أفضل، تحتاج البلدان الأفريقية إلى بناء قدرتها على الصمود، ويُمكن القيام بذلك عن طريق تعزيز التكامل التجاري الإقليمي الحاصل في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AFCFTA)».
وأوضح التقرير أنه «للإستفادة من التحوُّلات المحتملة في التجارة وتدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر، يُمكن لبلدان المنطقة أن تُحاول تحديد ورعاية القطاعات التي قد تستفيد من تحويل التجارة، بما يشمل مجال الطاقة، حيث يُمكن أن يوفروا بديلاً لتأمين حصة سوق الطاقة الروسية إلى أوروبا».
وقبل الحرب الروسية – الأوكرانية، كانت أوكرانيا وروسيا تزوّدان أفريقيا بأكثر من 40% من إحتياجاتها من القمح. وفي فبراير (شباط) 2023، أورد بيان مشترك صادر عن 11 منظمة إغاثة دولية، أن هناك نحو 27 مليون شخص يُعانون الجوع في منطقة غرب أفريقيا، وقد يرتفع العدد إلى 38 مليون شخص بسبب الحرب.
وتُفيد أميركا وقوى غربية أن الحرب الروسية – الأوكرانية تسبّبت في رفع أسعار الطاقة، وإنعدام الأمن الغذائي في القارة، وخلق عبء غير ضروري على إقتصاداتها. كما تتّهم الصين بأنها تقف «حاجزاً» أمام إعادة هيكلة ديون الدول الأفريقية، وهي إتهامات ترفضها موسكو وبيجينغ.
وفي مواجهة صعود النفوذ الصيني والروسي في القارة، تقود واشنطن جهوداً غربية لمواجهة ذلك النفوذ.
وعقدت واشنطن قمة أميركية – أفريقية في واشنطن، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، في حضور معظم القادة الأفارقة، وتعهّدت خلالها واشنطن بمليارات الدولارات للقارة، وخلال العام 2023، قام أعضاء بارزون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بجولات أفريقية.
وكانت برلين قد أعلنت عن إستراتيجية جديدة في العام 2022 تجاه القارة، إضافة إلى خطط إستثمارية بالمليارات، كما أعلنت طوكيو عن خطط جديدة للتقارب مع أفريقيا مع
إستثمارات مليارية، فيما يقوم رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا حالياً بجولة أفريقية تشمل مصر وغانا وكينيا وموزمبيق.
وفي المقابل، تواصل روسيا الإهتمام بزيادة نفوذها في القارة، حيث من المقرّر أن تعقد في العام 2023، قمة أفريقية ثانية لتعزيز الشراكة مع القارة السمراء، بما يشمل دعمها عسكرياً ولوجيستياً في مواجهة التهديدات «الإرهابية»، وتقديم نفسها كسلّة غذاء لأفريقيا، كما تتهم موسكو الغرب بإعاقة جهودها في هذه المجالات.
وتبرز الصين كأهم شريك إقتصادي للقارة، واتَّبع وزير الخارجية الصيني الجديد تشين غانغ تقليداً عمره 33 عاماً بجعل أفريقيا أول زيارة رسمية للعام 2023، وكانت زيارته لخمس دول أفريقية هي (إثيوبيا، والغابون، وبنين، وأنغولا، ومصر).
ورأى المحلّل المختص في شؤون الساحل الأفريقي محمد الأمين ولد الداه، أن التقرير إنطوى على دعوة إلى الدول النفطية الأفريقية إلى «سد العجز الناتج عن إستبعاد روسيا من تصدير النفط إلى أوروبا، وهو ما يُمثّل إنجراراً للمنطقة لما تُحذّر منه من إستقطاب عبر إنحيازها التاريخي المعروف للغرب».
وقال الأمين ولد الداه، إنه رغم الإستفادة الأفريقية من تنافس القوى الدولية حالياً فإنه على المدى الطويل، ومع إزدياد الإستقطاب بين القوى الدولية، فإن «القارة ستكون ساحة للحروب الإقتصادية المحتملة والحرب الباردة، وهو ما قد يعصف بأي جهود تنموية وإستثمارات دولية، حيث ستشهد «عسكرة وأدلجة» للإنخراط الإقتصادي للقوى الدولية المتناحرة في القارة».
من جهته، قال أستاذ قانون الأعمال والإقتصاد في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، بدر الزاهر الأزرق: «إن الإستقطاب العالمي الحاد بين القوى الدولية تتّضح تأثيراته بالفعل في دول مثل ليبيا والسودان، علاوة على دول الساحل مثل مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، حيث تغيب الجهود الغربية لتحقيق الإستقرار والسلام في تلك الدول بسبب تقارب حكوماتها مع موسكو».
وأضاف الأزرق إن «على الدول الأفريقية الإعتماد على نفسها، وتعزيز التجارة في ما بينها، وتبنّي أجندات براغماتية غير مُسيَّسة وغير منحازة لشيء سوى مصالح شعوبها».