عامان على توقيع إتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي وأربع سنوات على الأزمة
مصدر مصرفي: حل الأزمة المالية والإقتصادية في لبنان سياسي بالدرجة الأولى
ليس أمراً عادياً أن يبقى لبنان متخبّطاً بأزمته المالية والنقدية والإقتصادية منذ أربع سنوات، من دون أن يجترح المسؤولون السياسيون والإقتصاديون فيه الحل المناسب للخروج منها، وهذا أمر سبقتهم إليه دول عديدة مرّت بالتجربة نفسها تقريباً، وآخرها مصر.
صحيح أن هناك إتفاقاً مبدئياً تم توقيعه مع صندوق النقد الدولي في نيسان/ أبريل 2022، لكن مرّ نحو عامين من دون أن تعمد السلطة اللبنانية الى تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، التي تُمكّن الحكومة من توقيع الإتفاق النهائي مع صندوق النقد، والسير في درب التعافي. علماً أن هناك أكثر من خطة إنقاذية قدّمتها حكومتا حسان دياب ونجيب ميقاتي اللتان تعاقبتا على الحُكم بعد الأزمة، بالإضافة إلى مشاريع قوانين تُدرس في مجلسي الوزراء والنواب للنهوض بالقطاع المصرفي، إلاّ أن جميع هذه المحاولات لم تُبصر النور عملياً.
ما يجري في لبنان، هو مجرّد إقتراحات للخروج من الأزمة، سواء من النواب أو من مجلس الوزراء أو من المسؤولين المصرفيين، وآخر الكلام حول الأزمة، ما أدلى به حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري، بأن «هناك أربعة أعمدة يجب تركيزها سوياً، لبناء هيكل الخروج من الأزمة، بعدما تمّ توحيد سعر الصرف: أول هذه الأعمدة المحاسبة عبر القضاء اللبناني، وثانيها رد أموال المودعين وتنظيم علاقتهم مع المصارف لأنه شرط أساسي للحفاظ على القطاع المصرفي، وهو بدوره شرط أساسي للحفاظ على الإقتصاد اللبناني وبنائه، وثالثها إعادة إطلاق عمل القطاع المصرفي. علماً أن الإطار القانوني غير موجود ليسمح بذلك حالياً. أما العمود الرابع فهو إعادة بناء الدولة وإصلاحها».
ورأى د. منصوري أنه «إذا لم نقم بهذه الخطوات الأربع بشكل متواز، كل حسب إختصاصه، فنحن أمام خطر وجودي، ولا يُمكن الإستمرار بهذه الطريقة»، مشدّداً على أنه «بغضّ النظر عمّن سيتحمّل المسؤولية الأكبر لردّ هذه الودائع، سواء أكانت الدولة أم المصارف، فإن الأهم هو وضع خطة واضحة للخروج من الأزمة، وكيف يُمكن توزيع المسؤوليات لاحقاً».
وجزم د. منصوري بأنه «لن يشارك في لعبة شراء الوقت، إذ وصلنا الى مرحلة ضرورة حلّ أمورنا، وإذا لم نقم بما يلزم من الآن وحتى عام أو عام ونصف عام، حداً أقصى، فالخسائر التي سندفعها ستكون ضخمة جداً، ولا يُمكن الرجوع إلى الخلف، ولن نتمكن بعدها من الوقوف على قدمينا. فاليوم هو وقت مقبول للحل، لكن السلطة السياسية الحالية لن تستطيع إتخاذ أيّ قرار فعلي وواقعي لمواجهة الناس بخسائر تتجاوز 70 مليار دولار، والحل الوحيد هو تأجيل المشكلة».
المطلوب قرار سياسي أولاً
كلام الحاكم بالإنابة د. منصوري، يُمكن وضعه في خانة «شهادة من أهل البيت»، للإنطلاق منه لطرح السؤال التالي: هل هناك سبيل للخروج من الأزمة، وهل ثمّة أمل بالتعافي في ظل هذه التعقيدات التي ترافقها، وإصرار المجتمع الدولي على تنفيذ لبنان الإصلاحات، بغية مد يد المساعدة إليه؟ يُجيب مصدر مصرفي رفيع لمجلة «إتحاد المصارف العربية»: «إن حل الأزمة المالية والإقتصادية في لبنان سياسي بالدرجة الأولى، بمعنى أن المطلوب هو إتخاذ قرار سياسي، إما ببناء دولة أو بالبقاء في خانة الدول الفاشلة».
يضيف المصدر نفسه: «لستُ متشائماً جداً، ولبنان لديه فرصة للنجاة. لكنه في الوقت الحالي هو في الحضيض، وعلى كل الصعد وفي كل القطاعات، إنما تبقى ثمّة فرصة لإعادة تكوينه سياسياً وإقتصادياً ومالياً، وخصوصاً في ظل التسوية المقبلة في المنطقة بعد إنتهاء حرب غزة»، مشدّداً على أن «أول معالم بناء الدولة هو إصلاح القضاء وإعادة الثقة به، إذ إن الجميع يريد قضاة «قبضايات» لا يسعون إلى الإرتباطات والمصالح الشخصية، بل يطبّقون مقولة رئيس الحكومة الأسبق د. سليم الحص «الحاكم يبقى قوياً إلى حين يطلب شيئاً لنفسه».
يؤكد المصدر بأن «الخروج من نفق الأزمة لن يكون بين ليلة وضحاها، فالتغييرات تحتاج إلى نَفَس طويل، وتحييد لبنان قدر المستطاع عن مشاكل المنطقة، وهذا يُمكن حصوله في المرحلة المقبلة».
ماذا عن الشق الإقتصادي والمالي، وتحديداً إعادة أموال المودعين التي تبقى الشغل الشاغل لكل الشعب اللبناني؟
يجيب المصدر عينه: «إن مبدأ حماية المودعين أمر ضروري، ويُمكن ترجمته عملياً من خلال إعادة الحيوية للإقتصاد اللبناني وتحويله إلى إقتصاد منتج، عندها يُمكن للدولة إعادة أموال المودعين، كونُها المقترض الأكبر، لكن ذلك لا ينفي أن مبدأ توزيع المسؤوليات يجب أن يحصل في ما بينها وبين المصرف المركزي والمصارف، خصوصاً أن الدولة لا تملك الإمكانات لرد ودائع تُقدّر بـ70 مليار دولار»، مشدّداً على أنه «يجب الأخذ بالإعتبار البُعد الإجتماعي، حين يتم التسليم بأن «الهيركات» أمر واقع على الودائع لا محالة، بمعنى أنه يجب ألاّ يتم التعامل مع المودعين الصغار، بالطريقة عينها التي سيتم التعامل فيها مع المودعين الكبار، والذين هم أقرب إلى مستثمرين، وتالياً هم على علم مسبق بالمخاطر الكبيرة التي تحيط بودائعهم، ولهذا تقاضوا نسب فوائد عالية».
الرهان على أصول الدولة
يضيف المصدر: «إن الدولة تاجر فاشل، وإستخدام أصول الدولة وإستثمارها هو أحد الأبواب التي يُمكن أن تعيد ودائع اللبنانيين، شرط أن تكون الإدارة بيد القطاع الخاص، أما إعادة هيكلة المصارف فيجب أن تتم على أساس معايير محاسبية شفافة وتشخيص دقيق، ووفقاً لتحديد خسائر الدولة وقدرتها على إعادة أموال المصارف ضمن مقاربة علمية دقيقة»، مؤكداً بأن على «أصحاب المصارف تقديم خطة علمية وعملانية مقبولة لإعادة هيكلة القطاع، وكيفية جذب مساهمين جدد بناء على دراسة شفّافة لوضع كل مصرف على حدة، لكن هذا الأمر غير متوافر حالياً، كما أن الحل السياسي يُمكن أن يجذب المستثمرين العرب والأجانب كما يجذب المغتربين اللبنانيين».
ويوضح المصدر ذاته، أن «هناك مصارف متعثّرة تعاني مشاكل أساسية (الإعتماد المصرفي والإعتماد الوطني)، لذلك عمد مصرف لبنان إلى تعيين مدير عليها لمعالجة شؤونها»، مشيراً إلى أنه «صحيح أن أوضاعها صعبة، لكن مشاكلها قابلة للمعالجة، إذا كانت لدى مجالس إدارتها والمساهمين فيها، النيّة والإرادة للتعاون مع المدير المعيّن لإيجاد الحل، وهذا الأمر لم نتأكد منه حتى الآن، لأن المهمة لا تزال في بدايتها».
ويختم المصدر: «يجب إعادة النظر في إدارات المصارف التي شاركت في الأزمة، رغم معرفتنا أن الحل السياسي سيُعيد لبنان «مصرف العرب». فلبنان يملك كفاءات بشرية، ويُؤمن بالمبادرة الفردية، وهو قابل للتكيُّف، بالإضافة إلى أنه يتمتع بموقع جغرافي يربطه بالدول العربية والبلدان الأورو متوسطية، نظراً إلى موقعه المميّز في حوض المتوسط، فضلاً عن كونه جاذباً للثروات الموعودة والتي يُمكن أن تشفيه من أزمته التي طال أمدُها».
باسمة عطوي