رسوم ترامب وخريطة الطريق للدول العربية
عدنان أحمد يوسف
رئيس إتحاد المصارف العربية سابقاً
رئيس جمعية مصارف البحرين سابقاً
مع الهدوء النسبي في النزاع الجمركي بين أميركا وشركائها التجاريين الأساسيين في عصر الرئيسي دونالد ترامب الثاني بإستثناء الصين، بات النزاع اليوم منحصراً بشكل أساسي في الولايات المتحدة أكبر إقتصاد في العالم والصين المنافسة الرئيسية للعم سام.
هذا النزاع بين عملاقين عالمين لن يمرّ من دون ترك بصمات موجعة على كافة الإقتصادات التي تتأثر لتقلُّب هذين الإقتصادين، بعد أن يضرب أكبر إقتصادين أميركا والصين في العمق الإقتصادات المرشحة لركوب قطار المخاطر، وهي إقتصادات آسيا الكبرى والشرق الأوسط وأفريقيا وشمالها وجنوبها، في عالم يشهد خلط أوراق في نظام تجاري مهدّد بالرقابة والحمائية.
شهر نيسان/ أبريل 2025 سيبقى محفوراً في روزنامة التاريخ الحديث، بعد أزمات آسيا في التسعينيات من القرن الماضي، والرهن العقاري الأميركي 2008 وكورونا 2020، وألأزمة التي خلّفتها رسوم ترامب الجمركية والتي قد ينجم عنها تداعيات أسوأ مما شهدناه في أزمات أخرى سابقة.
الرئيس الأميركي خلال حملته الإنمائية وعد بإعادة النظر في الرسوم التجارية على غالبية سلع شركائه التجاريين الإستهلاكية الواردة إلى السوق الأميركية في مختلف أنواعها، وبحسب البلد الواردة منه والمتخصّصة في إنتاج هذه السلع. بعد فوزه بالرئاسة، حدّد ترامب النسب والتي تراوحت بين 10% و40% على غالبية شركائه، وعددهم يفوق الـ70 بلداً، في طليعتهم كندا وأوروبا والصين. وفي مطلع نيسان/ أبريل 2025 دخل تطبيق رفع الرسوم حيز التنفيذ، وقد بادرت الدول التي طالتها الزيادات بالمثل، وفرضت زيادة في رسومها على سلع الولايات المتحدة. لكن الفتيل إشتعل بين بيجينغ وواشنطن، لأن الرئيس ترامب إستمر في زياده التعريفة على السلع الصينية لتصل الى 145%، وقد بادرت الصين إلى رفع رسومها في وجه الواردات الاميركية لتصل إلى 125%.
في هذه الاثناء عمد الرئيس الأميركي إلى تعليق رسومه على كل شركائه لمدة ثلاثة أشهر، تاركاً مهلة للتفاوض بإستثناء الصين. هذه الخطوة ساهمت في عودة غالبية أسواق المال للنشاط وإستعادة خسائر بمئات المليارات تكبّدتها مطلع الشهر ذاته، وفي طليعتها بورصة هونغ كونغ التي خسر مؤشرها أكثر 13% خسارة لم تعرفها البورصة منذ العام 1997.
نتابع بإهتمام التطورات الإقتصادية والمالية المتسارعة بعد إعلان الرئيس ترامب فرض ضرائب إضافية على دول العالم، وما أشعلته من حروب خاصة بعد قيام عدد من الدول وخصوصاً الصين بإتخاذ إجراءات مماثلة.
لقد أحدثت هذه التطورات إضطرابات كبيرة في العلاقات التجارية الدولية وإلى زيادة التكاليف على الشركات والمستهلكين حول العالم، حيث واجهت بعض الصناعات صعوبةً في التكيّف مع التحديات الجديدة على صعيد التجارة العالمية.
كما أسهمت الرسوم الجمركية أيضاً في تقلّبات السوق، مع خسائر فادحة في قيمة الأسهم العالمية ومخاوف من ركود محتمل. وبينما تتفاوض بعض الدول على إعفاءات أو تخفيضات للرسوم الجمركية، كان التأثير الإجمالي مزيجاً من الضغوط الاقتصادية وإعادة تقييم الإستراتيجيات. وتؤدي هذه التأثيرات المتتالية إلى إعادة تشكيل ديناميكيات التجارة الدولية، حيث تقوم البلدان بإعادة تقييم سياساتها الإقتصادية وتحالفاتها.
وما يهمنا في هذه المقالة إلقاء نظرة أولية على تأثير هذه التطورات على الإقتصادات العربية، فقد تم فرض على رسوم جمركية على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين بنسبة 10% على صادراتها إلى الولايات المتحدة، وهي رسوم منخفضة نسبياً مقارنةً بالمناطق الأخرى.
في المقابل، فُرضت على دول مثل سوريا والعراق والجزائر رسوم جمركية أعلى بكثير، تراوحت بين 30% و41%، بسبب اختلالات تجارية ملحوظة.
بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وفّر إعفاء صادرات النفط والغاز من الرسوم الجمركية إرتياحاً لها، لما لهذه القطاعات من أهمية حيوية لإقتصاداتها. ومع ذلك، واجهت القطاعات غير المرتبطة بالطاقة، مثل الألومنيوم والبتروكيماويات والإلكترونيات والسيارات والسلع الإستهلاكية، إرتفاعاً في التكاليف، مما قد يُضعف قدرتها التنافسية. في المقابل، عانت الدول التي فُرضت عليها رسوم جمركية مرتفعة، مثل الأردن وتونس، من إرتفاع التضخُّم وتباطؤ النمو الإقتصادي.
وإستجابت الدول العربية للرسوم الجمركية الجديدة بمزيج من التفاوض والتكيّف الإستراتيجي. ولكون دول مجلس التعاون الخليجي واجهت رسوماً جمركية منخفضة نسبياً، فقد قلّل ذلك من التأثير الإقتصادي المباشر. ومع ذلك، ركّزت هذه الدول على الحفاظ على علاقات تجارية قوية مع الولايات المتحدة، مستفيدة من صادراتها من النفط والغاز، التي كانت معفاة من الرسوم الجمركية. لكن التأثير الأكبر سيكون ما سوف ينجم عن إنخفاض أسعار النفط وانخفاض قيمة الدولار من تأثير مباشر على الإيرادات النفطية المقومة بالدولار. كما واجهت دول عربية أخرى، مثل الأردن وتونس، رسوماً جمركية أعلى، على سلع معينة، ما أدى إلى ضغوط اقتصادية وتضخمية. وتسعى الدول العربية إلى تنويع الشراكات التجارية وتعزيز التعاون الإقليمي للتخفيف من الآثار. بشكل عام، كانت الاستجابة عملية، حيث وازنت الدول العربية بين المصالح الاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية.
ويضع إتحاد المصرف العربية في دراسة أصدرها حديثًا خريطة طريق لمواجهة تحدّيات الرسومات الجمركية الجديدة، تشمل مزيجًا من التعديلات الاستراتيجية والتدابير الإستباقية كالتالي:
- تنويع سلاسل التوريد: يجب على الشركات في الدول العربية تحويل مصادرها من المناطق ذات التعريفات الجمركية المرتفعة مثل الصين إلى أسواق بديلة في جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية، مما يُقلل الإعتماد على منطقة واحدة ويُخفف المخاطر.
- نقل الإنتاج إلى مناطق قريبة وداخلية: ينبغي على الشركات في الوطن العربي نقل إنتاجها إلى مناطق أقرب إلى موطنها أو داخل بلدانها ما يُقصّر سلاسل التوريد، ويُخفّض تكاليف النقل، ويُحسّن الامتثال للوائح التنظيمية.
- إدارة التكاليف: ينبغي على الشركات في العالم العربي إستكشاف سبل إستيعاب أو تعويض إرتفاع التكاليف، ويشمل ذلك إعادة تصنيف المنتجات لتأهيلها لتخفيض التعريفات الجمركية، أو تحميل المستهلكين التكاليف عند الإمكان، أو استخدام الأدوات المالية للتحوط من ارتفاع الأسعار.
- التفاوض على إتفاقيات التجارة: ينبغي على الدول العربية الدخول في مفاوضات ثنائية للحصول على إعفاءات أو خفض الرسوم الجمركية. يُسهم هذا النهج الدبلوماسي في الحفاظ على العلاقات التجارية مع الحدّ من الآثار الإقتصادية.
- الإستثمار في الإنتاج المحلي: تعمل بعض الصناعات على تكثيف التصنيع المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات. هذا لا يُجنّب الرسوم الجمركية فحسب، بل يدعم أيضاً الإقتصادات المحلية.
- إستكشاف أسواق جديدة: ينبغي على الشركات في العالم العربي التوسع في أسواق جديدة لتعويض الخسائر في المناطق المتأثرة بالرسوم الجمركية. يُسهم هذا التنوع في الحفاظ على تدفقات الإيرادات.
وتمثل هذه الإستراتيجيات محكاً للدول العربية لإظهار قدرتها على التكيُّف والإبتكار في التعامل مع التحدّيات التي تفرضها الرسوم الجمركية الجديدة.