عــرس وطــنــي كـــبيـــر
تحت سقف هنغارات «طيران الشرق الأوسط»
«ثمانون عاماً مرّت على مغامرة ولدت في زمن كانت فيه المبادرة شجاعة، والريادة حلماً، والإنفتاح رؤية»، بهذه العبارة، حيّا رئيس مجلس الوزراء اللبناني القاضي نواف سلام، شركة طيران الشرق الأوسط «الميدل إيست» في كلمة مؤثرة ألقاها في ذكرى تأسيسها الـ 80، في إحتفالية حملت شعار «من هالأرض لكل الأرض»، وذلك في هنغارات الشركة في مطار رفيق الحريري الدولي، بيروت، وشارك فيها بالإضافة إلى الرئيس سلام صاحب الرعاية، السيدة الأولى نعمت عون، ووزير الاشغال العامة والنقل فايز رسامني، وشخصيات رسمية ودبلوماسية وسياسية وعسكرية وأمنية وفاعليات.
وخلال الحفل، منح رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، شركة طيران الشرق الأوسط، وسام الإستحقاق اللبناني المذهب. كما كرّمت الشركة الموسيقار الراحل زياد الرحباني تقديراً لإرثه الفني ومسيرته المضيئة التي شكّلت رمزاً للإبداع اللبناني، وذلك بإستذكار ما قاله عنها: «إذا راحت الميدل إيست بروح لبنان»، والإستماع الى مقطوعة موسيقية ألّفها الفنان الراحل زياد الرحباني وأطلق عليها إسم «MEA».
كما تخلّل الحفل الذي قدمه الإعلامي محمد قيس، عرض يوثّق مسيرة الشركة منذ إنطلاقتها في العام 1945، مسلّطاً الضوء على مراحل تطورها وتحدّياتها ونجاحاتها، فيما أضفى التكريم طابعاً إنسانياً وثقافياً على المناسبة التي جمعت بين الطيران والفنّ في مشهد يعكس وجه لبنان الحضاري.
وقدّم رئيس مجلس إدارة «الميدل إيست» محمد الحوت، رمز الشركة إلى الرئيس نواف سلام لمناسبة الذكرى 80 لتأسيسها، فيما إختتم الإحتفال بقطع قالب حلوى للمناسبة .
رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام في الذكرى الـ 80 لتأسيس «الميدل إيست»:
هدفنا أن نعيد بناء الدولة اللبنانية على أساس الكفاءة والإنتاج وأن نُحفّز الإستثمار ونشجع على الشراكة
بين القطاعين العام والخاص
وقد جاءت كلمة صاحب الرعاية رئيس مجلس الوزراء اللبناني القاضي نواف سلام، معبّرة وحاسمة في لحظة تاريخية تمرُّ في لبنان والمنطقة، حين إستذكر المراحل التي عبرتها شركة «الميدل إيست» قائلاً: «لقد ولدت «الميدل إيست» في لحظة تاريخية مليئة بالتحوُّلات، وقد كانت سنوات الأربعينيات زمن تحوّل عالمي، وكانت منطقتنا الخارجة من الحرب تبحث عن ذاتها. في ذلك الوقت، لم يكن الطيران مجرّد وسيلة نقل، بل رمز للتقدُّم ومجال جديد لا يدخله إلاّ مَن يملك الرؤية وشجاعة المبادرة.
هذه هي بالضبط روح لبنان التي عبّرت عنها الشركة منذ لحظتها الأولى: بلد لا ينتظر الظروف، بل يخلقها، بلد يريد أن يكون رائداً في محيطه وحاضراً في العالم، لا هامشاً فيه».
ولم ينس الرئيس سلام مرحلة مهمّة في حياته طبعت في ذاكرته «صورة تلال الرمل التي كانت تحيط بالمطار بأضواء بيروت وبدايات الحلم اللبناني الحديث»، ذاكراً «في طفولتي، كنتُ أمرُّ قرب المطار وأرى الطائرات التي تحمل شارة الأرز، وأشعر بشيء من الفخر الغامض. لم أكن أُدرك السبب، لكنني كنتُ أفهم، بطريقة الأطفال، أن تلك الطائرات ليست مجرّد آلات، بل جزء من الحكاية التي كبرنا عليها، حكاية بلد عربي صغير يحلم بأن تكون له أجنحة»، مضيفاً: «كان عمّي صائب، صاحب المبادرة وأول رئيس لمجلس إدارة الشركة، في سنوات كان فيها تأسيس شركة طيران في لبنان مغامرة تُشبه تأسيس البلد نفسه: رؤية تتجاوز الممكن، وإيمان بأن لبنان قادر على أن يكون مركزاً للتواصل والإنفتاح في المنطقة.
وكان دائماً الحديث معه عن «الميدل إيست» يتداخل مع الحديث عن بيروت، عن دورها في العالم العربي، وعن الروابط التي جمعت العديد من أفراد أُسرتنا مع أشقائهم العرب من مصر الى الجزيرة العربية ومن بغداد الى الرباط».
وذكر الرئيس سلام تواريخ الحرب والعزلة، بدءاً من العام 1969 حين كانت الضربة الأولى الكبرى، خلال الغارة الإسرائيلية على مطار بيروت، والتي دمّرت أسطول الشركة بكامله تقريباً، ومن ثم كانت الحرب في العام 1975، وصولاً إلى الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982، حيث توقف المطار مراراً، ومن ثم جاءت حرب العام 2006 لتُضيف إمتحاناً جديداً: «توقف المطار مجدّداً، وتضرّرت منشآت الشركة، فالحرب الأخيرة في العام 2024، حيث أثبتت «الميدل إيست» أن مؤسساتنا تستطيع أن تنجح حين تقوم على المهنية والمسؤولية فتتحرّر من منطق الزبائنية والولاءات الفئوية».
وشدّد سلام على أن «رؤية الحكومة التي أتشرّف برئاستها تقوم على ركائز شبيهة: فهدفنا هو أن نُعيد بناء الدولة اللبنانية على أساس الكفاءة والإنتاج، وأن نُحفّز الإستثمار ونشجع على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأن نفتح المجال أمام جيل جديد من الرياديين والمبدعين ليصنعوا قصص النجاح المقبلة.
لذلك أطلقنا مبادرات لتحديث الإدارة ومكننتها، ولتأسيس وزارة للتكنولوجيا والذكاء الإصطناعي، كما عملتُ مع فخامة رئيس الجمهورية على إعادة وصل لبنان بالعالم العربي بعد سنوات من الإنكفاء والعزلة. كذلك عملنا على إعادة بناء الثقة بالدولة عبر الإصلاح المؤسساتي، كما في إستعادة السيادة وبسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على كامل الأراضي اللبنانية».
وخلص الرئيس سلام إلى تحية عائلة طيران الشرق الأوسط، ولا سيما الطيارين والمضيفات والمضيفين، والفنيين والمهندسين، والموظفين المحليين، وكل العاملين في الخارج. كذلك «كل التحية إلى Chairman محمد الحوت الذي عرف كيف يُحلّق بأجنحة الأرز من عال إلى أعلى في أشدّ الأيام وأصعبها».
وزير الأشغال العامة فايز رسامني: مطار بيروت الجديد سيكون عصرياً
وبطاقة إستيعابية لمليوني مسافر سنوياً
أما كلمة وزير الاشغال العامة والنقل فايز رسامني، فحملت وعوداً بمطار عصري يُواكب التطوُّرات والمعايير العالمية قائلاً: «إن مطار بيروت الجديد سيكون مطاراً عصرياً، أنيقاً وفعّالاً في آن واحد، مطاراً بطابع «بوتيكي»، يجمع بين الفخامة والراحة والتقنيات الذكية، ليُقدم تجربة سفر راقية لا تنسى»، مضيفاً: «نستعد قريباً لإفتتاح الـ Fast Track لتسهيل حركة المسافرين وتسريع إجراءات العبور، وهذا المشروع، إلى جانب سائر أعمال التأهيل والتحديث، سيُتيح للمطار إستيعاباً إضافياً يقدر بنحو مليوني مسافر سنوياً. وقد بدأنا تأهيل منطقة المغادرة لتجسّد صورة لبنان الحديثة، وتجديد قاعة كبار الزوار (VIP Lounge)، وتحديث المرافق والخدمات، فيما ستتوزّع في أرجاء المطار تحف فنية تُضفي لمسة من الثقافة والجمال».
وأعلن الوزير رسامني: «نحن لا نُرمم مطاراً، بل نبني تجربة جديدة للسفر من لبنان وإليه، وخلال عام واحد، سنُقدم للعالم أحد أكثر المطارات تميُّزاً وأناقة. وبالتوازي، تعمل الوزارة على إعادة تفعيل مطار رينيه معوض، القليعات، كخطوة إستراتيجية لربط شمال لبنان بالعالم وتحفيز التنمية».
رئيس «الميدل إيست» محمد الحوت: المستقبل مزدهر وزاهر وأعددنا خططاً تبدأ بإعادة دور بيروت كمركز صيانة لطائرات الشركات الأجنبية
وتضمّنت كلمة رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط – «الميدل إيست» محمد الحوت، ذكره للعملية الإصلاحية «التي كان لا بد منها في الشركة بين أعوام 1998 و2001»، مذكّراً بـ «الدور الذي لعبته شخصيات كبيرة في دعم تلك العملية الإصلاحية، ساهموا فيها ولم يكن النجاح لولاهم، لا سيما رئيس مجلس الوزراء حينها رفيق الحريري، والرئيس نبيه بري الذي وضع شروطاً بتطبيق القواعد على الجميع من دون إستهداف جماعة معينة، إضافة إلى وضع حدّ أدنى للتعويضات لتأمين نوع من الإستقرار الإجتماعي، وهذا ما حصل»، مشيراً إلى أن «الرئيس نبيه بري هو مَن وافق وأشرف على بيع الشركة وإنتقالها إلى مصرف لبنان».
وبعدما ذكّر بدور النائب وليد جنبلاط «الذي تعني له الشركة كثيراً، ولولاه لم نكن لنستطيع تنفيذ تلك العملية، وهو من الأشخاص الأوائل الذين أيّدوا تلك العملية علناً»، تحدث الحوت عن «الخطوات اللاحقة للشركة لا سيما خلال العام 2006 حين وقع الإعتداء الإسرائيلي على المطار وقد تم إخراج الطائرات»، وقال: «لا بد من التنويه بدور رئيس مجلس الوزراء السابق فؤاد السنيورة والسفير الأميركي حينها جيفري فيلتمان، فلولا إنقاذ تلك الطائرات لم تستطع الشركة إستكمال أعمالها بسهولة بعد حرب تموز 2006».
كما تحدّث الحوت عن التحدّيات التي واجهت الشركة في أيام حكومة الرئيس حسان دياب لا سيما جائحة «كورونا»، لافتاً إلى أنه «مع الرئيس نجيب ميقاتي يوجد تاريخ طويل يبدأ مع العملية الإصلاحية التي كان ميؤوساً منها، حتى أنه كان يوجد تفكير بأن العملية الإصلاحية لن تنجح، وكان هناك تفكير بأن نؤسس لشركة جديدة، ولكننا مع الرئيسين ميقاتي والحريري حينها أكدنا أن شركة «طيران الشرق الأوسط» ستنجح وهذا ما حصل».
وعن مستقبل شركة «طيران الشرق الأوسط» قال الحوت: «مع إنتخاب الرئيس العماد جوزاف عون وتشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، فإن المستقبل مزدهر وزاهر، ولقد أعددنا خططاً لذلك، تبدأ بإعادة دور بيروت كمركز صيانة لطائرات الشركات الأجنبية، وهذه الهنغارات كانت تستقطب أهم الشركات العالمية ولا سيما من أميركا، وإذا كنا سنستعيد هذا الدور فهو بفضل كفاءة العنصر البشري الموجود في لبنان والشركة، وهو ما يتطلّب إنشاءات جديدة، وقد تحدثت مع حاكم مصرف لبنان كريم سعيد الذي زار الشركة مؤخراً، وإطّلع على الأعمال التي نقوم بها وطلب منا البدء في هذا المشروع، قائلاً: «إذا كان هناك حاجة للأموال فلا توزعوا أرباحاً بل إستثمروها في الشركة لأننا نعمل سوياً لمصلحة الشركة».
وأعلن الحوت عن إطلاق «فلاي بيروت» لمن يفضّل السفر بتكلفة أقل، وهذه الطائرات تتضمّن السلامة نفسها كسلامة طائرات «الميدل ايست»، كاشفاً عن أن «العام المقبل ستتسلّم شركة «طيران الشرق الأوسط» 6 طائرات جديدة»، ولافتاً إلى أن «مجلس الإدارة إتخذ قراراً بتخصيص مساعدات لـ80 مدرسة رسمية في كل المناطق اللبنانية وقيمة المساعدة هي بمعدّل 10 آلاف دولار لكل مدرسة»، موجّهاً «تحية شكر الى مصرف لبنان»، قائلًا: «كل ما تحقق لم يكن ممكناً من دون دعم مصرف لبنان لنا ووقوفه الى جانبنا». كذلك وجّه الحوت تحيّة إلى كل من «وزير الاشغال العامة السابق غازي العريضي، وحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة اللذين وقفا إلى جانب الشركة».


