فادي خلف الأمين العام لجمعية مصارف لبنان
مسؤولية الدولة ولو بعد حين
رأى الأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور فادي خلف، في إفتتاحية التقرير الشهري للجمعية بعنوان «مسؤولية الدولة ولو بعد حين»، أنه «في سياق الأزمة المالية التي يشهدها لبنان، يبرز دور الدولة ومؤسساتها المالية في تعميق هذه الأزمة من خلال سلسلة من الإجراءات والأعمال التي تتنافى مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي، بما في ذلك مبادئ الأمم المتحدة للمسؤولية الدولية للبلدان، عن أعمال تتعارض مع توجُّهات الحوكمة في الإدارة المالية. هذه المبادئ تُحدّد الإطار الذي يجب على الدول العمل ضمن سياقه، لضمان النظام والإستقرار المالي والاقتصادي، وتؤكد أن الدول تتحمّل المسؤولية الكاملة عن أيّ فشل في تنظيم ومراقبة النظام المالي بشكل فعّال».
وقال خلف: «بناء على ما تقدم، إن المطالبة بمحاسبة الدولة ليست فقط حقاً للمتضرّرين من هذه الأزمة، لكنها واجب أيضاً يتعلّق بضمان العدالة وإعادة الثقة في النظام المالي. وعلى المتضرّرين مطالبة الدولة بتسديد مستحقاتها ولو بعد حين، وفي الوقت ذاته، الإصرار على القيام بإصلاحات جذرية تحول دون تكرار مثل هذه الأزمات. إن مطالبة الدولة، حق وواجب، حتى لا يضيع الحق ولكي يطبق الواجب».
وتابع خلف: «الحق: حق المصارف والمودعين بتحميل المسؤوليات، ومسؤولية مَن بدّد أموال المصارف والمودعين على نفقات ومشاريع كثرت حولها علامات الإستفهام، ومَن دعم التجار من أموال غيره، ومَن دفع الأموال ووزع الفوائد من عرق جبين الآخرين، ومَن هرّب عبر الحدود مدّخرات المودعين، ومَن قضى على جيلين، مختبئاً وراء الأجيال المقبلة طمعاً بمنافع آتية، ومَن ثبّت عملة أظهرت الأيام سعرها الحقيقي. والواجب: واجب إعادة هيكلة الدولة تزامناً مع المصارف، فلا تعود النزاهة مرتبطة بشخص، بل قاعدة تسري على الجميع، كي لا يُنسى تقرير «ألفاريز» في الأدراج حماية لهذا وذاك، وكي لا يخرج الموظف العام من السجن ليعود إلى منصبه، وكي لا تُوزّع ثروات المودعين من جديد على المقترضين، وكي لا يُجبر المستثمر على ضخ الأموال لتعود وتضيع من جديد، وكي يتمكّن القاضي النزيه من أن يحكم بالعدل بعيداً عن أصحاب المكيالين».
ودعا خلف إلى «محاسبة الدولة ليعلم القاصي والداني أن الأزمة نظامية (systemic crisis)، وأن الدولة هي المسؤول الأول عن تبديد الودائع بالأرقام: خسائر مصرف لبنان حتى العام 2020 بلغت 51 مليار دولار، وهي من مسؤولية الدولة بحسب المادة 113 من قانون النقد والتسليف، دين الدولة المستحق لمصرف لبنان 16,5 مليار دولار، مصرف لبنان هدر على دعم التهريب والتجار والليرة حوالي 23 مليار دولار منذ بداية الأزمة من التوظيفات الإلزامية للمصارف، الدولة هي مَن أحجمت عن إصدار قوانين تمنع إثراء المقترضين على حساب المودعين بقيمة 31 مليار دولار. علماً أن هذه الأرقام تدحض الشك باليقين بأن الدولة مع مؤسساتها مسؤولة عن تبديد ما يزيد عن 121 مليار دولار من أصل 124 ملياراً كانت مودعة في المصارف عشية 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019».
وختم خلف قائلاً: «صحيح أن ما من أحد يتوقع من الدولة أن تستطيع التعويض بسحر ساحر عن فظائعها، ولا أن تبيع أملاكها ومقدّراتها لتسديد مستحقاتها للمصارف والمودعين، لكن المواطن يأمل أقلُّه بالإضاءة على الحلول، والتي تبدأ بإعتراف الدولة بمسؤوليتها عن الأزمة النظامية التي تسبّبت بها، لكي يُصار إلى البحث عن الخطط الممكنة. إن رمي الدولة لتبعات إرتكاباتها على المصارف والمودعين، تهرُّباً من المسؤولية وإعتمادها سياسة الأرض المحروقة للتعمية على الحقائق، سوف تودي بكامل القطاع المصرفي، وتقضي بالتالي على أي أمل بإسترداد الودائع».