في دراسة تحليلية لـ QNB
الأسواق المالية تشير إلى ضعف الإقتصاد الأميركي في 2024
يستمر الإقتصاد الأميركي في إظهار مرونته، رغم الرياح المعاكسة الناتجة عن إرتفاع التضخُّم، وتشديد الأوضاع المالية، والغموض الذي يكتنف البيئة الاقتصادية العالمية. منذ بداية العام، أدّت صلابة الأوضاع في أسواق العمل، وقوة معدّلات الإستهلاك لدى الأسر، ومرونة قطاع الخدمات إلى التغلُّب على التوقعات الأولية التي كانت تشير إلى أن هذه القطاعات سوف تتدهور.
وعلى خلفية هذه التطورات، إرتفع إجماع توقعات بلومبرغ للنمو لعام 2023 بنقطة مئوية كاملة، من 0.3 % في يناير (كانون الثاني) إلى 1.3 % في حلول منتصف العام. في حين أن هذا الزخم الاقتصادي سيحول دون أي تراجع في الولايات المتحدة في العام 2023، إلاّ أن إمكانية حدوث ركود في العام 2024 غير مستبعدة حتى تاريخه، وفي رأينا، فإن هذا الركود المتوقع بدرجة كبيرة يستحق تحليلاً أكثر تعمُّقاً.
تُركز هذه الدراسة التحليلية الإقتصادية لـ QNB على منحنى العائد في الولايات المتحدة، ومؤشر الأوضاع المالية الذي تم إنشاؤه حديثاً من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، وديناميكيات أسواق الأسهم الأميركية.
أولاً، يُشير إنعكاس الإنحدار في منحنى عائد سندات الخزانة الأميركية إلى أن حدوث تراجع إقتصادي خلال الأشهر الـ 12 المقبلة مرجح بدرجة عالية. وقد تم إنشاء هذا المؤشر البسيط، الذي يُعرف أيضاً بفارق العائد، للتعبير عن الفرق بين أسعار الفائدة طويلة الأجل وقصيرة الأجل لسندات الخزانة. تاريخياً، أظهر هذا المؤشر علاقة ثابتة مع النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، حيث إن انخفاض قيم الفارق يشير إلى ضعف الإقتصاد.
يُوفّر إنعكاس منحنى العائد إشارات موثوقة لحالات الركود التي تلوح في الأفق. منذ العام 1968، قبل كل فترات الركود الثماني الأخيرة، إرتفعت أسعار الفائدة قصيرة الأجل أكثر من أسعار الفائدة طويلة الأجل، مما أدى إلى إنعكاس منحنى العائد. وفّرت الدورة النقدية الأخيرة لبنك الإحتياطي الفيدرالي زيادة بواقع 500 نقطة أساس في أسعار الفائدة الخاصة بالبنك المركزي منذ مارس/آذار 2022، ليستقر منحنى العائد في المنطقة السلبية في نهاية العام 2022.
ثانياً، وصلت الأوضاع المالية إلى أقصى مستويات التشديد منذ سنوات، وهو ما يعني ضمنياً عبئاً على النمو في المستقبل. ويتم توفير وصف مفيد للأسواق من خلال مؤشر الأوضاع المالية، الذي تم إنشاؤه حديثاً من قبل بنك الإحتياطي الفيدرالي.
يجمع هذا المؤشر المتغيّرات المالية، مثل عائدات سندات الشركات، ومؤشر داو جونز لسوق الأسهم، وأسعار الفائدة على سندات الخزانة والأموال الفيدرالية، وأسعار الفائدة على القروض العقارية لأجل 30 عاماً، ومؤشر سعر الصرف الاسمي للدولار.
من السمات الملائمة لهذا المؤشر، أنه يتم التعبير عنه من حيث تأثيره على النمو الإقتصادي خلال العام المقبل 2024. كانت القراءات الأخيرة لمؤشر الأوضاع المالية في أضيق مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية، ومن المُقدر أن تؤثر هذه الظروف على نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.60 نقطة مئوية خلال العام المقبل.
ثالثاً، رغم تفوّق أداء أسواق الأسهم على التوقعات التشاؤمية العامة في نهاية العام 2023، إلاّ أن هذا يرجع إلى حد كبير إلى الإرتفاع في قطاعات معينة تغذيها الإتجاهات التكنولوجية الجديدة، مثل طفرة الذكاء الاصطناعي (على سبيل المثال، روبوتات الدردشة (ChatGPT) وما يرتبط بها من التقنيات).
تُوفّر أسواق الأسهم معلومات قيّمة في ما يتعلق بتوقعات أداء الشركات والتوقعات الإقتصادية بشكل عام. في النصف الأول من العام، إرتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 16 % تقريباً، بينما إرتفع مؤشر ناسداك 100، الذي يحمل وزناً كبيراً للأسهم التكنولوجية، بما يقرب من 40 %. ومع ذلك، فقد كان هذا الأداء مدفوعاً بشركات تكنولوجية مثل Apple وMicrosoft وGoogle وMeta. وبإستثناء الشركات التي تأثرت بشكل مباشر بالذكاء الإصطناعي، ظل مؤشرS&P دون تغيير تقريباً، مما يدلُّ على وجود درجة عالية من الحذر في أسواق الأسهم في ما يتعلق بالإقتصاد الكلي.
في المحصّلة، إن توقُّعات المحلّلين المستقبلية تُعبّر عن درجة عالية من عدم اليقين، بالإضافة إلى التشاؤم. ووفق مسح أجرته وكالة بلومبرغ، يتوقع المحلّلون أن ينخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 8 % في النصف الثاني من العام. والأكثر إثارة للدهشة هو الفارق بنسبة 50 % بين أكثر التوقعات تفاؤلاً والأكثر تشاؤماً، مما يُظهر تناقضات في التوقعات لم تُسجل منذ عقدين، ويعكس إرتفاع مستوى عدم اليقين في ما يتعلق بالتوقعات الإقتصادية. عموماً، تشير المؤشرات المستندة إلى السوق، إلى عبء على النمو الإقتصادي جرّاء ضيق الأسواق المالية، وإحتمال كبير بحدوث إنكماش إقتصادي. ويُكمل هذا الأمر تحليلنا السابق لقطاعات الإنتاج الرئيسية وإستهلاك الأسر الذي يتوقع أن الإقتصاد الأميركي سيشهد هبوطاً ناعماً.