د. وسام فتوح الأمين العام
كيف تخدم الأسواق الموحّدة والمشتركة الإقتصادات والمصارف العربية؟
لا شك في أن إنشاء ودعم السوق العربية الموحّدة المشتركة والمستدامة ممكنة، وهو من أهم الخطوات لتنمية إقتصادات الدول العربية ومصارفها، ومساعدتها على مواجهة التحدّيات والأزمات، وحلّ مشكلة أمن الغذاء وتعزيز التجارة البينية العربية، مع الإعتماد على عملة رقمية صادرة عن البنوك المركزية العربية.
في هذا السياق، فقد تطوّرت السوق الأوروبية الموحّدة، وباتت تضمّ الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي وأيسلندا وليختنشتاين والنرويج وسويسرا. وبذلك يُمكن للسلع والخدمات أن تتحرّك بحريّة، من دون حدود أو لوائح داخلية ضمن منطقة الإتحاد الأوروبي، مما يعني أن الحواجز، مثل التعريفات الجمركية، لا تُفرض على التجارة داخل السوق الموحّدة.
وليس بعيداً، من الممكن جداً الإستفادة من تجربة السوق الأوروبية الموحّدة، من خلال التطلُّع إلى آفاق السوق العربية الموحّدة، بحيث يُمكن الإستفادة منها عبر الأهداف والهيكل، والتحدّيات والفرص، والنمو والتأثير، والتوقُّعات المستقبلية، بغية وضع خارطة الطريق نحو سوق عربية موحّدة مشتركة ومستدامة.
وإذا كان الإتحاد الأوروبي يعمل على إنشاء سوق رقمية موحّدة، بهدف تنسيق اللوائح الرقمية وتعزيز التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية عبر الإتحاد الأوروبي، فإن إنشاء سوق عربية مشتركة في الوقت الحالي، يُعد فرصة للإقتصادات والمصارف العربية من أجل تطوير نظرتها المستقبلية، مما يخدم رؤيتها ويُطوّرها. علماً أن الإتحاد الأوروبي إستفاد من إنضمام العديد من دول أوروبا الشرقية، مما أدى إلى ظهور أسواق وفرص جديدة للسوق الأوروبية الموحّدة. فلمَ لا تحذو الدول العربية حذو نظيرتها الأوروبية، فتتّجه نحو إزالة الحواجز التجارية للإستفادة من مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات، وتُساهم في توفير فرص متكافئة للشركات في الدول الأعضاء، وتعزيز المنافسة والنمو الإقتصادي والكفاءة.
لا ريب في أن السوق العربية الموحّدة تُواجه تحدّيات عدّة، أبرزها التعقيد التنظيمي، والحواجز غير الجمركية مثل إختلاف المعايير الفنية، ومتطلّبات الإعتماد، وأنظمة المنتجات والتي لا تزال تُعوّق حريّة حركة السلع والخدمات، وتكامل قطاع الخدمات، والإجراءات الحمائية والقومية، وعدم تكامل السوق الرقمية الموحّدة في حال قيامها، والإمتثال للقوانين وتطبيقها، والفوارق الإقتصادية، والهجرة والتوترات الإجتماعية وتحدّيات التوسع المستقبلية. وتتطلب معالجة هذه التحدّيات جهوداً مستمرة وتعاوناً بين الدول العربية، وعبر المنظمات المتعلقة بها، بغية توحيد المعايير والمحافظة على نوعيتها وتطوّرها.
في المقابل، لقد تطوّرت وتوسعت السوق الأوروبية الموحّدة على مر السنين، مما أدى إلى المزيد من التكامل والفوائد الإقتصادية للدول الأعضاء، حيث ساهمت هذه السوق في النمو الإقتصادي وزيادة الإزدهار للعديد من الدول الأعضاء، مما أدى إلى تحسين مستويات المعيشة وفرص العمل. علماً أن نموّ هذه السوق عزّز التعاون الإقتصادي والتجاري، والتنقل بين الدول الأعضاء، وقد أصبحت الركيزة الأساسية للإتحاد الأوروبي، ولا سيما حيال تعزيز التنمية، ورفاهية المستهلك، والقدرة التنافسية على نطاق عالمي.
في المحصّلة، إن السوق العربية الموحّدة، هي مبادرة مقترحة من قبل جامعة الدول العربية، إذ تهدف هذه السوق إلى خلق إطار إقتصادي موحّد، يسمح بحرّية حركة السلع والخدمات، ورأس المال والعمالة بين الدول الأعضاء للجامعة. والأهداف الرئيسية لهذه السوق هي تعزيز التعاون الإقتصادي، وتشجيع التجارة الإقليمية، وجذب الإستثمار الأجنبي، وتعزيز النمو والتنمية في المنطقة العربية. من هنا، إن إنشاء السوق العربية الموحّدة يُعتبر خطوة مهمة نحو تكامل إقتصادي أعمق في العالم العربي، على غرار السوق الموحّدة في أوروبا.