كيف نحمي البنوك والمؤسسات من مرتكبي الجرائم المالية؟
يحرص إتحاد المصارف العربية الذي يحتفل هذه السنة (2023) بيوبيله الذهبي، حيث تأسس في العام 1973، على التعامل مع القوانين والأنظمة الدولية، وخصوصاً تلك المتعلقة بقضايا الإمتثال ومكافحة الجرائم المالية، حيث لا تزال البنوك والمؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم، تواجه متطلّبات تنظيمية متزايدة ومعقّدة، وزيادة التدقيق في أطر الإمتثال (الإلتزام) الخاصة بها، ولا سيما في ما يتعلق بقضايا مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتشهد الجرائم المالية تطوّرات كبيرة على مستوى العالم، إذ تجلّت في الأساليب التي يستخدمها المجرمون لإضفاء الشرعية على أموالهم غير المشروعة، بما في ذلك إستغلال الهياكل المؤسسية المعقّدة، فضلاً عن الأشكال الجديدة والمتنوعة والأساليب المبتكرة في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإستغلال الثغرات في وسائل الدفع الحديثة.
ومن التطورات المهمة التي يجب تسليط الضوء عليها، قانون مكافحة غسل الأموال الجديد (AMLA) لعام 2020، إذ إنه يُوسّع سلطة الحكومة الأميركية للحصول على معلومات من المؤسسات المالية الأجنبية، بما في ذلك المؤسسات المالية العربية، ويُخوّل القانون وزارتي الخزانة والعدل الأميركيتين إستدعاء المؤسسات المالية الأجنبية التي تحتفظ بحسابات بنكية مراسلة، وسجلات البنوك الأجنبية في ما يتعلق بتحقيق أميركي في الجرائم المالية، ويُطلب من المؤسسة المالية الأجنبية تقديم السجلاّت التي بحوزتها، بغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه السجلات مرتبطة بمعاملة تتعلق بالولايات المتحدة أم لا.
في المقابل، وفي ظل هذا النمو الهائل في عمليات تبادل الأصول المشفّرة، ليس مستغرباً أن المزيد من المجرمين وغاسلي الأموال ومموّلي الإرهاب، يسعون إلى إستخدام هذه الأصول لإخفاء مصادر أموالهم، وتحويلها عبر قنوات ومؤسسات مختلفة الأنظمة المالية حول العالم، وتالياً، حدّد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، الأصول المشفّرة على أنها تهديد لفعالية نظام العقوبات الخاص به، وركّزت مراجعة عقوبات الخزانة الأميركية في العام 2021 على الدور الذي تلعبه الأصول المشفّرة في إنفاذ العقوبات، وأشارت إلى أنه إذا تُركت هذه الأصول دون رادع، فإنها يُمكن أن تضرّ بقوة بفعالية عقوبات وزارة الخزانة الأميركية.
وتُمثل التكنولوجيا المالية وتطبيقاتها المختلفة، فرصاً وتحديات في الوقت عينه، للبنوك والمؤسسات المالية، حيث تتغيّر طبيعة ونطاق المخاطر المصرفية، كما هو مفهوم تقليدياً بسرعة، نتيجة الإعتماد المتزايد على هذه التكنولوجيا المالية. ومع ذلك، في حين أن هذا التغيير قد يؤدي إلى مخاطر جديدة، فإنه يُمكن أن يفتح فرصاً جديدة أيضاً للبنوك والهيئات التنظيمية والعملاء والنظام المصرفي والإقتصاد الأوسع.
وفق المبادئ الأساسية للجنة بازل للإشراف المصرفي الفعَّال، إن إستقرار النظام المالي، والسلامة المالية مرتبطان على نحو جوهري. لذا، إن حجم مشكلة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يُعرّض الإستقرار المالي العالمي لخطر جسيم.
في المحصّلة، نحثُّ البنوك والهيئات التنظيمية على النظر في كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على سلامة وإستقرار النظام المصرفي، وتشجيع الإبتكار في القطاع المالي والمصرفي. وسيُعزّز هذا النهج المتوازن، سلامة البنوك ومرونتها، والإستقرار المالي، وحماية المستهلك، والإمتثال للقوانين واللوائح، بما في ذلك قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من دون المساس بالإبتكارات المفيدة في الخدمات المالية، وخصوصاً تلك التي تستهدف الشمول المالي.