ماذا عن تحديات المصارف العربية خلال 2024؟
د. وسام فتوح الأمين العام لإتحاد المصارف العربية
لا شك في أن العالم قد شهد في العام 2023 مزيجاً من التحدّيات الإقتصادية، المصرفية والمالية الواسعة، والتي ألقت بظلالها على الإقتصادات كافة، وأثَّرت بنسب وأشكال مختلفة على أسواق المال، وتالياً على المصارف العربية والعالمية، وعلى تدفق الإستثمارات الخارجية.
فقد تأثّرت أسواق المال عموماً بالعديد من العوامل المختلفة، بما في ذلك سياسات أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية الرئيسية، وفي مقدمها الفيدرالي الأميركي، فضلاً عن تأثيرات العوامل الجيوسياسية التي لا يُمكن إغفالها، والمُحدّد المرتبط بتأثيرات أسعار النفط.
ولم تكن بورصات الخليج بمنأى عن تلك التطوُّرات التي تفاعلت معها بشكل مباشر، وقد سجلت في العام 2023 المنصرم، محطات مضيئة ممثلة في نجاح الإكتتابات التي شهدتها بعض الأسواق، والتي تفرّدت بها المنطقة بشكل كبير نسبياً في ظل الأوضاع الإقتصادية العالمية.
بينما يتوقع محللون أن يكون العام الطالع 2024، إيجابياً بشكل واسع حيال بورصات الخليج، لا سيما في ظل المؤشرات الحالية التي تبعث برسائل مطمئنة للأسواق، بما في ذلك إتجاهات تخفيف السياسات النقدية، وتلميحات الفيدرالي الأميركي إلى ثلاثة تخفيضات لأسعار الفائدة في العام 2024، وذلك جنباً إلى جنب مع التوقُّعات المرتبطة بأسعار النفط.
أما على صعيد المصارف العربية عموماً، ففي جعبتنا للعام 2024، موضوعات متنوّعة تعالج الذكاء الإصطناعي، والتحوُّل الرقمي، والتغيُّر المناخي وكل ما يخدم تطلُّعات المصارف العربية مستقبلاً.
وما يدفعنا إلى التفاؤل هو نمو محفظة قروض القطاع المصرفي العربي لنحو 2.8 – 3 تريليونات دولار في نهاية العام 2023، وهذا ما يؤكد أن القطاع المصرفي يُعدُّ العمود الفقري لتمويل التنمية الإقتصادية المستدامة. ويُتوقع أن يرتفع إجمالي أصول القطاع إلى نحو5 تريليونات دولار في نهاية 2023، مقابل 4.5 تريليونات في يونيو (حزيران) من العام عينه، ونحو 4.2 تريليون دولار في نهاية 2022.
كما يُرجَّح أيضاً نمو إجمالي ودائع القطاع المصرفي العربي إلى 3 تريليونات دولار في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2023، مقابل نحو 2.8 تريليون خلال نوفمبر (تشرين الثاني) من العام عينه.
وتجدر الإشارة إلى أن إستراتيجية إتحاد المصارف العربية في العام 2024 ترتكز بشكل رئيسي على حماية القطاع المصرفي العربي، وخصوصاً في الدول التي لديها تحدّيات مثل لبنان، حيث واجه إتحاد المصارف، خطة صندوق النقد الدولي حيال هذا البلد، هذه الخطة، التي كانت ستؤدي إلى إفلاس القطاع المصرفي في لبنان، وشطب ودائع المودعين، إضافة إلى وقوفه حالياً مع القطاع المصرفي في السودان جرّاء الحرب.
ويُواصل إتحاد المصارف العربية إتصالاته مع الجهات الرقابية الدولية لدعم القطاع المصرفي، وهو في صدد تنظيم زيارة لوزارة الخزانة الأميركية والإحتياطي الفيدرالي، من أجل عقد مؤتمر في العاصمة واشنطن خلال العام 2024. علماً أن هناك توسُّعاً في العلاقات العربية – التركية بشكل ملحوظ خلال الفترات الأخيرة، ما دفع الإتحاد إلى إقرار إنعقاد مؤتمره السنوي لعام 2024 في إسطنبول.
في المحصّلة، لا شك في أن أحداث غزة المؤلمة تترك آثاراً سلبية على دول الجوار، ولا سيما على الصعد الإقتصادية، المصرفية والمالية، لكن مع الإشارة إلى أن هذه الحرب ليس لها تأثير مباشر على القطاع المصرفي العربي، وإنما قد يكون تأثيرها محدوداً على موارد السياحة في بعض دول الجوار، ولا سيما لبنان الذي يعتمد بشكل كلّي على السياحة كمورد للعملة الصعبة. أما على صعيد البنك المركزي المصري، فهو آخذ في التوسع الكبير في المنتجات والخدمات الرقمية وإصدار القواعد والضوابط المنظمة لهذه الخدمات، وقد بات من الضروري أن تنتهج المصارف المركزية العربية الخطى نفسها، للتحوُّل إلى الإقتصاد الرقمي الذي يُمثل مستقبل الصيرفة في الوقت الراهن.