تفاقم شدّة الذعر بسبب ديناميكيات السوق
ما هي أسباب إنهيار الأسواق المالية العالمية في 5 أغسطس/آب 2024؟
في 5 أغسطس/آب 2024، شهدت أسواق الأسهم العالمية إنخفاضاً حاداً، مما أدّى إلى محو ما يقرب من 6.4 تريليونات دولار من قيمتها. وقد إنخفضت المؤشرات الرئيسية مثل «داو جونز»، و«ستاندرد آند بورز 500»، و«ناسداك» بشكل كبير،
مدفوعة بمخاوف المستثمرين من الركود الوشيك في الولايات المتحدة والمخاوف حيال تأخُّر إستجابة بنك الإحتياطي الفيدرالي في تعديل أسعار الفائدة.
يُمكن أن يُعزى السبب الجذري للذعر الذي أصاب الأسواق المالية في 5 أغسطس/ آب 2024 إلى تضافر عوامل عدة رئيسية:
- ضعف البيانات الإقتصادية الأميركية: فقد أدى إصدار بيانات إقتصادية «مخيبة للآمال» في الولايات المتحدة، ولا سيما في ما يتعلق بسوق العمل وقطاع التصنيع، إلى زيادة المخاوف من الركود الوشيك. وتضمّنت هذه البيانات إنخفاضاً في خلق الوظائف عن المتوقع وإنخفاض الناتج الصناعي، مما يؤشّر إلى تباطؤ محتمل في النمو الإقتصادي.
- مخاوف حيال سياسة البنك الإحتياطي الفيدرالي: كان هناك قلق كبير حيال التأخير الملحوظ من جانب «الإحتياطي الفيدرالي» في تعديل أسعار الفائدة. وكان المستثمرون قلقين من أن «الإحتياطي الفيدرالي» قد يكون متأخراً في معالجة التضخُّم والنمو الإقتصادي. وقد أدى قرار البنك بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، إلى جانب التوجيهات المستقبلية الغامضة، إلى تفاقم هذه المخاوف.
- التباطؤ الإقتصادي العالمي: لقد ساهمت مؤشرات تباطؤ النشاط الإقتصادي في الإقتصادات الكبرى الأخرى، مثل الصين ومنطقة اليورو، في خلق نظرة قاتمة للنمو العالمي. فالترابط بين الأسواق العالمية يعني أن المشاكل في إقتصاد رئيسي واحد يُمكن أن تنتشر بسرعة إلى إقتصادات أخرى، مما يُؤدي إلى تفاقم الشعور بعدم اليقين والمخاطرة.
- ردود أفعال سوق السلع الأساسية: عكس إنخفاض أسعار السلع الأساسية، وخصوصاً النفط والذهب، مخاوف أوسع نطاقاً حيال الطلب العالمي والصحة الإقتصادية، لذلك باع المستثمرون هذه الأصول لتغطية الخسائر في أماكن أخرى، مما ساهم في دوامة هبوطية عبر الأسواق.
- البيانات الفنية للسوق Technicals: أدت ظروف السوق، بما في ذلك السيولة الضئيلة والتقلُّبات العالية لفترات التداول الصيفية، إلى تضخيم آثار الأخبار السلبية. في مثل هذه البيئات، يُمكن المبالغة في تحرُّكات السوق، حيث يؤدي عدد أقل من المشاركين إلى تقلُّبات أسعار أكثر أهمية.
وقد إجتمعت هذه العوامل لتكوين عاصفة مثالية من المشاعر السلبية، أدت إلى عمليات بيع واسعة النطاق عبر فئات الأصول المختلفة، مما أدى إلى حالة الذعر في السوق التي لوحظت في 5 أغسطس/ آب 2024.
وقد شهد الذهب، الذي يُعتبر عادةً ملاذاً آمناً أثناء الإضطرابات الإقتصادية، إنخفاضاً ملحوظاً أيضاً، فإنخفض سعر الذهب، حيث قام المستثمرون بتصفية مراكزهم لتغطية الخسائر في مجالات أخرى من السوق، ولم تسلم أسعار النفط الخام من عمليات البيع، فإنخفضت عقود الخام القياسي بأكثر من 2 % قبل أن تتعافى من بعض الخسائر. وكان هذا الإنخفاض جزءاً من تراجع أوسع نطاقاً في أسعار السلع الأساسية، متأثراً بالمخاوف من ضعف البيانات الإقتصادية الأميركية والتباطؤ الإقتصادي العالمي.
كما واجهت سوق السلع الأساسية إنخفاضاً كبيراً في جميع المجالات، فإنخفضت أسعار النحاس بنسبة 3.8 %، في حين قادت الفضة الإنخفاض في المعادن الثمينة بإنخفاض تجاوز 7 %. وفي الخلاصة، فقد سلّط إنهيار السوق المالية في 5 أغسطس/ آب الضوء على هشاشة الأسواق العالمية وترابطها.
مبرّرات الذعر الذي أصاب الأسواق المالية
لقد عرض عدد من المحلّلين والخبراء لمبرّرات الذعر في الأسواق المالية كالتالي:
- البيانات الاقتصادية وسياسة بنك الإحتياطي الفيدرالي: فقد أشار خلق الوظائف المخيّب للآمال وإنخفاض الناتج الصناعي إلى تباطؤ اقتصادي محتمل. وغالباً ما يتفاعل المستثمرون بقوة مع مثل هذه البيانات، خوفاً من الركود وتأثيره على أرباح الشركات والإستقرار الإقتصادي. كما أدى قرار «الإحتياطي الفيدرالي» بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، رغم علامات الضعف الإقتصادي، إلى خلق حالة من عدم اليقين حيال السياسة النقدية المستقبلية. وكان المستثمرون قلقين من أن «الإحتياطي الفيدرالي» قد يكون بطيئاً للغاية في الإستجابة للظروف الإقتصادية المتغيّرة، مما قد يؤدي إلى تفاقم التباطؤ.
- المخاوف الإقتصادية العالمية، وإحتمال تباطؤ الإقتصادات الكبرى: أضافت علامات تباطؤ النمو في الصين ومنطقة اليورو إلى المخاوف من تباطؤ الإقتصاد العالمي. ونظراً إلى أن هذه الإقتصادات مترابطة، فإن المشاكل في منطقة واحدة يُمكن أن تنتقل إلى مناطق أخرى، مما يؤثر على التجارة العالمية والأسواق المالية.
- التوترات الجيوسياسية والنزاعات والصراعات التجارية: تُساهم القضايا الجيوسياسية المستمرة، مثل النزاعات التجارية والصراعات الإقليمية، في حالة عدم اليقين الإقتصادي. ويُمكن أن تؤدي هذه التوترات إلى تعطيل تدفقات التجارة والتأثير سلباً على النشاط الإقتصادي العالمي، مما يبرّر حذر المستثمرين.
- ديناميكيات السوق وإنخفاض السيولة وزيادة التقلبات: غالباً ما تشهد فترة التداول الصيفية إنخفاضاً في السيولة، مما قد يؤدي إلى تضخيم ردود فعل السوق تجاه الأخبار. وفي مثل هذه البيئة، يُمكن المبالغة في تحرُّكات الأسعار، مما يؤدي إلى إنخفاضات أكثر حدّة عند ظهور أخبار سلبية.
لكن في المقابل، فقد ساق عدد من المحلّلين حججاً ضد تبرير الذعر وهي التالية:
- المبالغة في ردّ الفعل تجاه البيانات قصيرة الأجل تجاه «الأساسيات الإقتصادية»، فرغم البيانات الضعيفة، ظلّت بعض الأساسيات قوية، مثل إنفاق المستهلك وأرباح الشركات. فغالباً ما تنطوي حالات الذعر على ردود فعل مبالغ فيها تجاه البيانات قصيرة الأجل دون النظر في السياق الإقتصادي الأوسع. كذلك كانت هناك مبالغة في ردّة الفعل على الإجراءات المحتملة لمجلس الإحتياطي الفيدرالي، فرغم عدم تخفيض «الإحتياطي الفيدرالي» لأسعار الفائدة على الفور، فإن إمكانية خفض أسعار الفائدة في المستقبل بناءً على تحسن إتجاهات التضخُّم تشير إلى أن السياسة النقدية لا تزال قادرة على دعم الإقتصاد في المستقبل القريب.
- المرونة التاريخية، إذ أظهرت الأسواق تاريخياً، مرونة وقدرة على التعافي من الإنخفاضات الحادة، إذ يُمكن أن يكون بيع الذعر مدفوعاً في بعض الأحيان بالخوف وسلوك القطيع أكثر من التغيُّرات الإقتصادية الأساسية.
الخلاصة
في المحصلة، ربما كان للذعر في 5 أغسطس/ آب 2024 أُسُس منطقية بالنظر إلى البيانات الإقتصادية الضعيفة والمخاوف حيال سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي وعدم اليقين الاقتصادي العالمي. وقد وفّرت هذه العوامل أساساً لقلق المستثمرين وعمليات البيع اللاحقة في السوق. ومع ذلك، ربما تفاقمت شدّة الذعر بسبب ديناميكيات السوق مثل السيولة المنخفضة والتقلُّبات العالية. ولكن في ضوء ما حدث الآن، ورغم أن المخاوف كانت مبرّرة، فإن شدّة رد الفعل يُمكن النظر إليها، بإعتبارها ردّ فعل مبالغ فيه مدفوعاً بمخاوف قصيرة الأجل وليس تقييماً مدروساً للتوقُّعات الإقتصادية الأوسع.