مبادرة تأسيس صندوق لدعم وتعزيز التكنولوجيا المالية
والتحوُّل الرقمي في القطاع المصرفي العربي
تشهد القطاعات المصرفية والمالية العربية تطوُّرات متسارعة حيال إستخدامات وتطبيقات نماذج أعمال، والتقنيات المالية الحديثة، حيث قدّمت هذه التقنيات حزمة متنوّعة من الخدمات للقطاع المالي، ومن هذه الخدمات، المدفوعات والعملات الرقمية وتحويل الأموال، كذلك الإقراض والتمويل الجماعي وإدارة الثروات، إضافة إلى خدمات التأمين، مما يلقي بظلاله على مستقبل الخدمات المصرفية والمالية التقليدية.
في هذا السياق، يعتزم إتحاد المصارف العربية، تأسيس صندوق لدعم وتعزيز التكنولوجيا المالية والتحوُّل الرقمي في القطاع المصرفي العربي، إذ يدرس الإتجاهات الناشئة العالمية في مجال التكنولوجيا المالية وإختيار الأنسب منها لدعم المبادرة.
ويأتي توجُّه إتحاد المصارف العربية نحو تأسيس صندوق لدعم التكنولوجيا المالية، بلورة لمبادرة القمّة العربية التي إستضافتها المنامة أخيراً، حيث كانت قد دعت إلى تطوير التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والتحوُّل الرقمي، من خلال إنشاء صناديق وأطر تنظيمية وفق إجراءات إستراتيجية لتنفيذ المبادرة. ويتمثّل ذلك في بناء القدرات داخل القطاع المصرفي العربي والإختبار الآمن للتقنيات الجديدة ومواءمة التشريعات واللوائح في القطاع، بهدف إيجاد بيئة مصرفية تعتمد على التكنولوجيا المالية.
لا شك في أن جهود الإتحاد خلال الفترة المقبلة ستُركز على تنظيم مؤتمرات وورش عمل تشارك فيها المصارف وشركات التكنولوجيا المالية والجهات التنظيمية، بهدف تشجيع الإستثمار وإقامة شراكات في مجال الخدمات المصرفية الرقمية، والأمن السيبراني، والذكاء الإصطناعي وتقنية التعاملات الرقمية «البلوكشين».
وسيُركز الإتحاد في هذا المجال، على بناء القدرات الفنية والإدارية لموظفي المصارف العربية في مجال التكنولوجيا المالية والتحوُّل الرقمي لمواكبة التطوُّرات التكنولوجية وتنفيذ الحلول المبتكرة بشكل فعّال، مما سيُقلّل من التكاليف التشغيلية للمصارف من حيث تبسيط عملياتها المصرفية، وتحسين إدارة البيانات وزيادة الشمول المالي في المنطقة العربية.
وقد تجلّت أهمية إستخدام التكنولوجيا المالية في القطاع المصرفي العربي، خلال فترة تداعيات جائحة كورونا، حيث دفعت الجائحة السلطات المعنية إلى إعادة التفكير في النماذج التقليدية، والإعتماد بصورة أكبر على التقنيات المالية الحديثة والإستدامة. فالتكنولوجيا المالية والتحوُّل الرقمي ستزيد القدرة التنافسية للمصارف العربية من خلال إبتكار منتجات وخدمات مالية جديدة، مثل القروض الرقمية، والإقراض من نظير إلى نظير (peer-to-peer)، والخدمات الإستشارية الآلية، وتحسين إجراءات الامتثال والأمن السيبراني، وتوفير أدوات أفضل لإدارة الأخطار. علماً أن المصارف التي تحوَّلت رقمياً، تُعد أكثر مرونة في مواجهة الإضطرابات، ما يُشكل حماية للمصارف والعملاء على حد سواء.
في المحصّلة، وربطاً بأهمية إستخدام التكنولوجيا المالية في المصارف العربية، يعود إرتفاع ودائع هذه المصارف إلى نحو 2.9 تريليون دولار في نهاية الربع الأول من العام 2024، محقّقة نمواً بنسبة 5% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2024، مقارنة بنهاية العام 2023، إلى طبيعة العمل المصرفي المتطوّر في هذه المصارف، والمستند إلى التكنولوجيا المالية والرقمنة المصرفية والتي إقتحمت المجال المصرفي على نحو غير مسبوق في الأعوام الأخيرة. علماً أن مصارف دول الخليج قد تفوّقت على نظرائها من الدول العربية، إذ تحوز على الجزء الأكبر من تلك الودائع، حيث تجاوزت تريليوني دولار بما يعادل 69%، بزيادة 4% مقارنة بنهاية العام الماضي، نظراً إلى إرتباطها الوثيق بهذا التطور التكنولوجي غير المسبوق. وعليه، فإن إتحاد المصارف العربية يأتي في طليعة الداعمين لمصارف الخليج وتطوُّرها التكنولوجي والرقمي، لذا كان له شرف تأسيس مكتب إقليمي في المملكة العربية السعودية، والذي سيكون داعماً في تقديم خدمات وعمل الإتحاد، وخصوصاً في ظل التطوُّرات الإقتصادية والتداعيات السياسية العالمية وحالة عدم اليقين والتي لا تزال تلقي في ظلالها على تطوُّرات السياسة النقدية.