محافظ البنك المركزي الأردني د. عادل شركس:
المؤشرات الإقتصادية تعكس الثقة بأساسيات الإقتصاد الوطني
ومصداقية «المركزي الأردني» في الحفاظ على الإستقرار النقدي
نسعى نحو استغلال ثمار التكنولوجيا والاستفادة من التقنيات المالية الحديثة والإبتكارات الناتجة عنها
أطلقنا الإستراتيجية الوطنية المدفوعات الإلكترونية 2023 – 2025 ترجمة لإلتزام «المركزي» والبنوك والمؤسسات المالية بتنفيذ رؤية التحديث الإقتصادية
يقول محافظ البنك المركزي الأردني د. عادل شركس: «تلعب البنوك للبنوك دورٌاً هامٌاً في الإقتصادالاقتصاد الوطني، فهي تُعد بمثابة ذراع البنك المركزي لنقل التغيُّرات في موقف السياسة النقدية إلى السوق وصولاً إلى تحقيق أهداف البنك المركزي في بسط دعائم الإستقرار النقدي، فضلاً عن دورها الأساسي في حشد المُدّخرات وتوفير التمويل اللازم للنشاط الإقتصادي»، مشيراً إلى «أن السياسات الإقتصادية، ومنها السياسة النقدية، وُجدت لمعالجة أي إختلالات قد تنشأ في الإقتصاد، ولإعادة وضعه على مساره الصحيح بأسرع وقت ممكن، وليس لتعقيد المشهد الإقتصادي، وتالياً وبالتالي فإن وجود السياسات النقدية التشددية، كما هي هو الحال في المرحلة الحالية، هو أمر فرضته دورات أسعار الفائدة وفقاً لمُتطلبات المرحلة. وإنطلاقاً من ذلك، فإن قرارات السياسة النقدية التشدُّدية للبنك المركزي الأردني، بأبعادها المتوخاة، تصبُّ في مصلحة الإقتصاد الكلي، على المديين المتوسط والطويل، وذلك من خلال الحفاظ على الإستقرار النقدي، الذي يُعد ركناً رئيسياً من أركان الإستقرار الإقتصادي الكلي، وشرطاً مُسبقاً لتحقيق النمو الإقتصادي وجذب الإستثمارات، وهو ما يتماشى مع الأدبيات الإقتصادية».
في ما يلي الحديث مع محافظ البنك المركزي الأردني د. عادل شركس:
- في ظل الموجة التضخُّمية التي يشهدها العالم مُنذ قرابة العامين، والتقلُّبات في أسواق العملات الأجنبية، وخصوصاً في الدول الناشئة والتي شهدت العديد منها تراجعاً في أسعار صرف عملاتها خلال هذه المرحلة، كيف أدار البنك المركزي الأردني مشهد السياسة النقدية وتمكّن من الحفاظ على سعر صرف الدينار؟
– لا شك في أن الموجة التضخمية، التي لا يزال العالم يواجه بقاياها حتى اليوم، أثبتت بعد مرور قرابة العامين على ظهورها أنها موجة غير إعتيادية، لم يشهد لها مثيل مُنذ ثمانينات القرن الماضي، سواء من حيث مستويات التضخُّم المرتفعة التي تم تسجيلها في العديد من الدول خلالها، والتي تجاوزت 9 % في العام 2022، أو من حيث مُسبّباتها والتي كانت نتيجة تضافر مزيج من العوامل التي أثّرت على جانبي الطلب والعرض في وقتٍ واحد، يأتي في مقدمها الزيادة في الطلب الذي أعقب التعافي من تداعيات جائحة كورنا، وقابله إستمرار الإختلالات في جانب العرض ونقص سلاسل الامداد بسبب تأثر العملية الإنتاجية بالإغلاقات الإقتصادية خلال الجائحة، كما عمّقت الأحداث الجيوسياسية الناجمة عن الحرب الروسية – الأوكرانية في بداية العام 2022 الإختلال في سلاسل الإمداد وفاقمت من هذه الموجة.
وقد تصدّرت مواجهة الضغوط التضخُّمية في طليعة إهتمامات البنوك المركزية، خلال العامين الماضيين، وكان على رأس أولوياتها ضمان ألاّ يكون هذا التضخُّم راسخاً في الإقتصاد، والعودة به إلى المستويات المستهدفة، وذلك بالنظر إلى السلبيات التي تُرافق الإرتفاع في التضخم، لا سيما في تراجع القوة الشرائية للعملة، وما يترتب على ذلك من تخفيض لقيمة المدّخرات، وزيادة التفاوت في الدخل، والتأثير سلباً على التوقعات والتخطيط للإستثمار. لذلك إتجهت البنوك المركزية نحو التشدد في السياسة النقدية، والذي تجلّى برفع أسعار الفائدة باعتبارها أهم الأدوات التقليدية التي تستخدمها البنوك المركزية لتحقيق أهدافها في إحتواء التضخُّم. فعلى سبيل المثال قام الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة 11 مرة مُنذ نهاية الربع الأول من العام 2022 وحتى بداية تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، وبمقدار بلغ 525 نقطة أساس، وتبعه في ذلك العديد من البنوك المركزية في العالم والمنطقة، كما قام البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة 10 مرات وبواقع 450 نقطة أساس.
وسط هذه البيئة، أدار البنك المركزي الأردني سياسته النقدية وفقاً لما يتطلّبه هدف المحافظة على الإستقرار النقدي في المملكة، والذي يُمثل الهدف الرئيسي للبنك المركزي الأردني المُحدد في قانونه، وبما يتناسب مع سياسات البنوك المركزية في الإقليم والعالم، مُستنداً في ذلك على المهنية والمصداقية العالية التي يتمتع بها، والإستقلالية في قراراته، حيث تم رفع أسعار الفائدة 11 مرة مُنذ الربع الأول من العام 2022 وحتى الآن، بمقدار إجمالي بلغ 525 نقطة أساس. وهذه السياسة تم مُعايرتها لتحقيق هدفين أساسين:
– الهدف الأول: الحفاظ على هامش فائدة ملائم لصالح الإيداع بالدينار مقارنة بالإيداع بالدولار وبالعملات الأخرى، وبما يُسهم في الحفاظ على جاذبية الدينار كعملة إدخارية. وهذا الامر تُرجم بإستمرار التراجع في معدل الدولرة الذي بلغ 18.3 % في نهاية شهر أيلول (سبتمبر) 2023، بالمقارنة مع 18.7 % في نهاية العام 2022، و19.0 % في نهاية العام 2021، إلى جانب المحافظة على مستويات آمنة ومريحة من الإحتياطات الأجنبية للبنك المركزي، تبلغ حالياً نحو 17.4 مليار دولار، وهي تُغطي ما يزيد عن سبعة أشهر من مستوردات المملكة من السلع والخدمات.
– الهدف الثاني: إحتواء الضغوط التضخمية الناجمة عن عوامل مرتبطة بالطلب المحلي، حيث ساهمت هذه الإجراءات في بقاء معدل التضخم في المملكة ضمن مستويات مقبولة بلغت 4.2 %في العام 2022، وإنخفض إلى 2.3 % خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2023، وهو من بين أقل معدلات التضخم المُسجلة في المنطقة والعالم، مع توقعات بأن يشهد إنخفاضاً عن هذا المستوى حتى نهاية العام 2023.
وسيواصل البنك المركزي الأردني متابعته الدقيقة للمستجدات النقدية والمصرفية والاقتصادية، محليًّاً وإقليميّاً وعالمياً، وإتخاذ ما يلزم من إجراءات لتعزيز الإستقرار النقدي والمصرفي والمالي في المملكة.
- كيف إستجابت البنوك لقرارات السياسة النقدية التشددية الصادرة عن البنك المركزي في هذه المرحلة؟ وما هي العوامل التي أثّرت في هذه الإستجابة؟
– كما هو معروف، تلعب البنوك دوراً هاماً في الإقتصاد الوطني، فهي تُعد بمثابة ذراع البنك المركزي لنقل التغيُّرات في موقف السياسة النقدية إلى السوق، وصولاً إلى تحقيق أهداف البنك المركزي في بسط دعائم الإستقرار النقدي، فضلاً عن دورها الأساسي في حشد المُدّخرات وتوفير التمويل اللازم للنشاط الإقتصادي.
لكن المُتتبع لإستجابة البنوك الأردنية لقرارات البنك المركزي، برفع أسعار الفائدة بواقع اجمالي بلغ 525 نقطة أساس، يلحظ أن هذه الإستجابة لم تنعكس بشكل كامل، بل كانت أقل من نصف قيمة عمليات الرفع هذه، سواء على الودائع أو التسهيلات الممنوحة للعملاء، إذ إرتفع الوسط المرجح لأسعار الفائدة على القروض والسلف بمقدار 216 نقطة أساس (41.1 % من إجمالي عمليات الرفع) حتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر) 2023 بالمقارنة مع نهاية العام 2021 ليبلغ 8.99 %، فيما إرتفع الوسط المرجح لأسعار الفائدة على الودائع لأجل بمقدار 242 نقطة أساس (46.1 % من إجمالي عمليات الرفع) عن نهاية العام 2021 ليبلغ 5.875.87 % في نهاية شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2023. وبذلك يبلغ هامش أسعار الفائدة (مقاساً بالفرق بين سعر الفائدة على القروض والسلف، وسعر الفائدة على الودائع لأجل) 3.12 % في نهاية شهر أيلول (سبتمبر) 2023، منخفضاً بنحو 26 نقطة أساس عن نهاية العام 2021، أي قبل قرارات البنك المركزي برفع أسعار الفائدة. أما من حيث إنعكاس هذه القرارات على أسعار الفائدة على العملاء، فلا بد من الإشارة إلى أن نحو 62 % من عدد قروض التجزئة منحتها البنوك بأسعار فائدة ثابتة، وهذا يعني أن ما يزيد عن 770 ألف عميل لم يتأثروا بإرتفاع أسعار الفائدة.
أما من حيث العوامل التي أثّرت في إستجابة البنوك لقرارات البنك المركزي برفع أسعار الفائدة، فلعلّ أبرزها ما يتعلق بالمنافسة القوية بين البنوك، والتي دفعت البنوك للتنافس في أسعار الفائدة لإستقطاب العملاء، وهي من السمات الجيدة التي يتمتع بها القطاع المصرفي في الأردن، وهذا أمر صحّي يعكس مقومات ومنعة الإقتصاد الوطني، والبنوك على حدٍ سواء. إلى جانب إمتثال البنوك للسياسات المصرفية والرقابية التي ينتهجها البنك المركزي، والأدوات الإحترازية الكلية والجزئية التي يطبقها، والتي كان لها دور هام في تمتع البنوك بالقوة والصلابة تجاه مختلف التحديات التي تعرض لها الإقتصاد الوطني في السابق، وتجاه المرحلة التشددية الحالية، والمخاطر التي أفرزتها على صعيد تأثيراتها على الإستقرار المالي. ويضاف إلى ذلك ايضاً، أن الإجراءات التي إتبعها البنك المركزي خلال هذه المرحلة ساهمت، في جانب منه، في عدم العكس الكامل لقرارات رفع أسعار الفائدة في السوق المصرفية، حيث وازنت هذه السياسة بين هدف الحفاظ على الإستقرار النقدي، من جهة، وبين هدف دعم وتحفيز النمو الإقتصادي، من جهة أخرى، وكان ذلك عبر تثبيت أسعار الفائدة سواء ضمن «برنامج البنك المركزي لدعم القطاعات الإقتصادية الحيوية» الذي يبلغ حجمه 1.4 مليار دينار، ويضم حالياً عشرة قطاعات، لتبقى عند مستويات منخفضة تبلغ 1.0 % للمشاريع المستفيدة داخل محافظة العاصمة عمان و0.5 % للمشاريع المستفيدة في باقي المحافظات، وذلك وفقاً لسعر الفائدة الثابت طوال مدة القرض الذي يمتد لعشر سنوات، أو ضمن «برنامج البنك المركزي لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والمهنيين والحرفيين ومستوردي قطاع تجارة الجملة من السلع الأساسية» والذي إستحدثه البنك المركزي خلال جائحة كورونا بقيمة 700 مليون دينار وتم استغلاله بالكامل، لتبقى أسعار الفائدة ضمنه في حدها الأقصى 2 % للمقترضين، حيث تم منح القرض وفقًا لسعر فائدة ثابت لأجل 54 شهراً، من ضمنها فترة سماح مدتها 12 شهراً.
- كيف تُقيّمون أثر قرارات السياسة النقدية التشددية للبنك المركزي الاردني على أداء الإقتصاد الوطني، وتالياً على أداء القطاع المصرفي الأردني، وما هي أبرز المؤشرات المالية والمصرفية للقطاع؟
– قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى أن السياسات الإقتصادية، ومنها السياسة النقدية، وُجدت لمعالجة أي إختلالات قد تنشأ في الإقتصاد، ولإعادة وضعه على مساره الصحيح بأسرع وقت ممكن، وليس لتعقيد المشهد الإقتصادي، وبالتالي فإن وجود السياسات النقدية التشددية، كما هي هو الحال في المرحلة الحالية، هو أمر فرضته دورات أسعار الفائدة وفقاً لمُتطلبات المرحلة. وإنطلاقاً من ذلك، فإن قرارات السياسة النقدية التشددية للبنك المركزي الأردني، بأبعادها المتوخاة، تصبُّ في مصلحة الإقتصاد الكلي، على المديين المتوسط والطويل، وذلك من خلال الحفاظ على الإستقرار النقدي، الذي يُعد ركناً رئيسياً من أركان الإستقرار الإقتصادي الكلي، وشرطاً مُسبقاً لتحقيق النمو الإقتصادي وجذب الإستثمارات، وهو ما يتماشى مع الأدبيات الإقتصادية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أداء المؤشرات الإقتصادية اليوم يعكس الثقة بأساسيات الإقتصاد الوطني وبمصداقية البنك المركزي الأردني في الحفاظ على الإستقرار النقدي. إذ سجل الدخل السياحي ارتفاعًا بنسبة 37.7 % خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2023، وإرتفع حجم الإستثمار الأجنبي المباشر الداخل الى المملكة بنسبة 20.9 % خلال النصف الأول من العام 2023 ليبلغ 776 مليون دولار. كما إرتفعت حوالات الأردنيين العاملين في الخارج بنسبة 0.9 % لتصل إلى 1.8 مليار دينار خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي. كما إستقرت الصادرات الوطنية السلعية عند مستواها المُسجل في العام 2022 لتبلغ 5.6 مليارات دينار خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي. وقد إنعكس ذلك على النمو الإقتصادي الذي سجّل إرتفاعاً بنسبة 2.7 % خلال النصف الأول من العام الحالي، بعد أن سجل نمواً نسبته 2.4 % خلال العام 2022، وذلك بالمقارنة مع معدّلات نمو تراوحت حول 2 % قبل تداعيات جائحة كورونا.
وعلى نحو مُماثل، تُظهر مؤشرات القطاع المصرفي ارتفاع الودائع لدى البنوك (على أساس سنوي) بمقدار 1.5 مليار دينار خلال شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2023، وبنمو نسبته 3.5 % لتبلغ 43.3 مليار دينار. كما إرتفعت التسهيلات الإئتمانية الممنوحة بالدينار من قبل البنوك (على أساس سنوي) بنحو 1.3 مليار دينار، وبنمو نسبته 4.7 %. وتكشف مؤشرات المتانة المالية عن قوة الجهاز المصرفي الأردني، وقدرته على تحمل الصدمات على أنواعها، لا سيما حيازته مستويات مرتفعة من رأس المال تُعد من أعلى النسب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ بلغت 17.4 % في نهاية النصف الأول من العام 2023، وهي، بالمناسبة، أعلى من الحدّ الأدنى المقرر من البنك المركزي الأردني، البالغ 12 %، والحد الأدنى المقرر من لجنة بازل III، البالغ 10.5 %، بالإضافة إلى تمتع القطاع المصرفي بمستويات مريحة من السيولة القانونية بلغت حوالي 135.4 %، متجاوزةً حاجز الـ 100 % المقررة من البنك المركزي. وفيما يتعلق بنسبة الديون غير العاملة، فرغم التحديات التي مر بها الإقتصاد الوطني، وبلغت نسبة الديون غير العاملة 5.0 % في نهاية النصف الأول من العام 2023، وهي نسبة متدنية، وضمن مستويات يمكن إدارتها. كما بلغت نسبة تغطية المخصصات لهذه الديون 78.4 % في نهاية النصف الأول من العام 2023.
وبيّنت إختبارات الأوضاع الضاغطة التي يجريها البنك المركزي، التي تستخدم لقياس قدرة البنوك على تحمل الصدمات، إن جهازنا المصرفي مرن وقادر بشكل عام على تحمُّل الصدمات والمخاطر المرتفعة، بإفتراض أسوأ السيناريوهات، وذلك بفضل تمتعه برأس مال مرتفع وبجودة أصوله. وقد بيّنت الإختبارات أيضاً أن نسبة كفاية رأس المال لقطاعنا المصرفي ستبقى أعلى من الحد الأدنى المطبق في الأردن، وللجنة بازل. وهذا التقييم يتفق مع ما خلص إليه برنامج تقييم القطاع المالي (FSAP) في الأردن، والذي يجريه صندوق النقد والبنك الدوليان، الذي إنتهى في شهر نيسان (إبريل) من العام الحالي، والذي أشاد بصمود القطاع المالي في الأردن أمام العديد من الصدمات (كالأزمة المالية العالمية، والربيع العربي، والإضطرابات الأمنية في بعض دول الجوار، وتداعيات جائحة كورونا) التي تعرض لها الإقتصاد الأردني مُنذ آخر تقييم للقطاع المالي في الأردن خلال الفترة (2009-2008)، وذلك بفضل التدابير والإجراءات التي نفذها البنك المركزي لتعزيز مرونة النظام المالي والإشراف عليه، لا سيما في ضوء تطبيق العناصر الرئيسية من معيار بازل III، والمعيار الدولي المُحاسبي للإبلاغ المالي (9) IFRS، والبنوك المحلية ذات الأهمية النظامية (D-SIB).
- في ظل التقدم التكنولوجي اليوم، يشهد العالم قفزات مُتسارعة نحو الاقتصاد الرقمي، ولا شك في أن القطاع المصرفي يُعد عنصراً أساسياً لعملية التحوُّل الرقمي، ما هي توجهات البنك المركزي في تعزيز بيئة الإقتصاد الرقمي؟
– يسعى البنك المركزي الأردني نحو إستغلال ثمار التكنولوجيا، والإستفادة من التقنيات المالية الحديثة والإبتكارات الناتجة عنها والتي تساهم بشكل مباشر ورئيسي في الإرتقاء بالبنية التحتية للنظام المالي الأردني، ورفع كفاءته وفاعليته، بما في ذلك التمكين من الوصول للخدمات المالية والمصرفية لجميع شرائح المجتمع الأردني والمساهمة في تعزيز الشمول المالي. وفي سبيل ذلك قام البنك المركزي الأردني وبالتعاون مع الأطراف ذات العلاقة إلى إتخاذ العديد من الإجراءات بالخصوص، والتي توجت بإطلاق إستراتيجية لدعم التحول الرقمي في القطاع المالي للأعوام (2023-2025) لتوفير بيئة ملائمة للنهوض بالتقنيات المالية وإبتكارها كهدف إستراتيجي له، من خلال تحقيق أهداف تشغيلية عدة، أهمُّها تعزيز البنية التحية للمدفوعات الإلكترونية وتهيئة وتعزيز البنية التحتية والتنظيمية الداعمة لخدمات التكنولوجيا المالية والإبتكار.
كما أطلق البنك المركزي في شباط (فبراير) الماضي الإستراتيجية الوطنية للمدفوعات الإلكترونية 2023-2025، والتي تأتي ترجمة لإلتزام البنك المركزي والبنوك والمؤسسات المالية الخاضعة لرقابته بتنفيذ رؤية التحديث الإقتصادي؛ بهدف إطلاق الإمكانات الوطنية في مختلف المجالات، ومنها قطاع الخدمات المالية، سعياً لتحقيق النمو الشامل المستدام الذي يكفل توفير فرص العمل للأردنيين والأردنيات، وضمان نوعية حياة أفضل للمواطنين.
وتتبنّى هذه الإستراتيجية كامل مستهدفات البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الإقتصادي للأعوام 2023-2025 والمرتبطة بمبادرات قطاع الخدمات المالية وأبرزها:
– تكثيف العمل نحو التحول الرقمي في القطاع المالي.
– توفير بيئة ملائمة للنهوض بالتقنيات المالية وإبتكاراتها.
– تعزيز الإشتمال المالي.
– تطوير قدرة القطاع الصيرفي على تقديم خدمات رقمية مميزة.
كما تسعى هذه الإستراتيجية إلى تمهيد الوصول إلى المستهدفات الخاصة بالنمو وخلق فرص العمل والاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص، وصولاً إلى المساهمة في تحقيق التوجهات العامة لرؤية التحديث الاقتصادي والمتضمنة؛ تعزيز التحول الرقمي والاقتصاد الرقمي، وتعزيز التحول إلى مجتمع رقمي وبلا نقد حقيقي من خلال الاستفادة من الخدمات المالية الرقمية، وأن يصبح الأردن مركزًا إقليمياً رائداً ووجهة إستثمارية للتقنيات المالية.
وحرص البنك المركزي على تضمين الإستراتيجية الوطنية للمدفوعات الإلكترونية بالمنطلقات الرئيسية لرسم خارطة طريق واضحة المعالم لمستقبل نظام المدفوعات الوطني في المملكة، يكون فيها للشركاء الرئيسيين من مؤسسات القطاع الحكومي والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة الدور المحوري ،في دعم وتيرة التحول للمدفوعات الإلكترونية، وعمادها إيجاد بنية تحتية متينة ومحفزة للتحوُّل إلى إقتصاد رقمي شامل ومتطور، وذلك بالإستناد إلى نهج التخطيط الإستراتيجي المنسجم مع الإستراتيجيات الوطنية الأخرى ذات الصلة، وعلى رأسها رؤية التحديث الإقتصادي وبرنامجها التنفيذي للأعوام 2023-2025، وإستجابة لمتطلبات التطور التقني والنمو المتسارع في إستخدام ابتكارات التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخدمات المالية والمصرفية.
ودعني وأؤكد هنا أن البنك المركزي يحرص على أن يتم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للمدفوعات الإلكترونية ضمن نطاق التشاركية مع القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق رؤيتها المتمثلة بـ «الإستمرار في الحفاظ على نظام مدفوعات وطني آمن وكفؤ، بما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة في المملكة»، وذلك من خلال إستنادها على خمس أهداف رئيسة هي:
– تعزيز الإطار الإشرافي والرقابي والتشريعي لنظام المدفوعات الوطني.
– تسهيل ودعم التحول إلى إقتصاد رقمي غير نقدي في المملكة.
– تعزيز وتمكين بيئة الإبتكار في نظام المدفوعات الوطني.
– تعزيز الوصول والإندماج في نظام المدفوعات الوطني.
– تعزيز سلامة وكفاءة البنية التحتية لنظام المدفوعات الوطني.
علاوة على ذلك، قام البنك المركزي الأردني بإعادة هيكلة وتنظيم بيئة التكنولوجيا المالية والإبتكار في القطاع المالي والمصرفي (FinTech) وذلك ضمن نطاق التشاركية بين القطاعين العام والخاص، والتي جاءت منسجمة مع مبادرة توفير بيئة ملائمة للنهوض بالتقنيات المالية ضمن رؤية التحديث الإقتصادي وبرنامجها التنفيذي 2023-2025؛ وذلك للمساهمة في التوجه الإستراتيجي بأن يكون الأردن مركزاً إقليمياً ورائداً ووجهه إستثمارية للتقنيات المالية.
- أعلنت مجموعة العمل المالي (FATF) مؤخراً عن رفع إسم الأردن من قائمة الدول تحت المتابعة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أو ما يُعرف بالقائمة الرمادية، ما هي الإجراءات التي قام بها الأردن لتحقيق هذا الإنجاز؟ وما هو أصداء وإنعكاسات هذا القرار على الأردن؟
– يأتي اعلان مجموعة العمل المالي (FATF) عن رفع إسم الأردن من قائمة الدول تحت المتابعة المتزايدة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أو ما يعرف بـ «القائمة الرمادية» كإعتراف من المجموعة بفعالية المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومطابقتها للمعايير الدولية ذات الصلة، ووجود اجراءات كفيلة بمكافحة الجرائم المالية والجرائم العابرة للحدود في المملكة. وهذا الإعلان كان نتيجة لثمرة نجاح للجهود الكبيرة التي بذلها البنك المركزي الأردني وجميع المؤسسات الوطنية ذات الصلة، مُنذ أن تم وضع أسم المملكة على القائمة الرمادية، حيث تم إعداد خطة وطنية شاملة للتعامل مع خطة مجموعة العمل المالي (FATF) للخروج من القائمة الرمادية، والتي تكوّنت من (24) بنداً، ووفّرت الحكومة واللجنة الوطنية لمكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب الدعم والإلتزام السياسي لتنفيذ جميع بنود هذه الخطة. ومن أبرز ما تم إنجازه على هذا الصعيد في الجانب التشريعي، إصدار قانون جديد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الذي دخل حيّز التنفيذ في أيلول (سبتمبر) 2021، وتعديل قانون الشركات في جزئية هامة تتعلق بشفافية معلومات المستفيد الحقيقي والذي دخل حيّز التنفيذ في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021. بالإضافة الى ذلك، تم إصدار تعليمات تتضمن إجراءات رقابية تُكمل الجانب التشريعي، وتم إقرار تعليمات لتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالإرهاب وتمويله وتمويل إنتشار أسلحة الدمار الشامل في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2021. وتم تعزيز فعالية التطبيق للتشريعات أعلاه وإثباتها من خلال بناء منظومة المستفيد الحقيقي، وتعزيز الشفافية في المجالات المتعلقة بمعلومات الأشخاص الإعتبارية والمستفيد الحقيقي، وتعزيز الملاحقات القضائية لجرائم غسل الأموال في الجرائم التي تدر متحصّلات جرمية وتعزيز منظومة التصريح عن الأموال المنقولة عبر الحدود.
وأيضاً عملنا على تعزيز منهج الرقابة المبني على المخاطر على مؤسسات القطاع المالي والقطاع غير المالي وقطاع الجمعيات، ورفع القدرات والتوعية في مجال الإجراءات الوقائية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب تعزيز منظومة تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالإرهاب وتمويله وتمويل إنتشار أسلحة الدمار الشامل. وتم أيضاً الإنتهاء من التقييمات المتخصصة بخصوص مخاطر الأشخاص الإعتبارية والترتيبات القانونية والجمعيات والعملات الإفتراضية، ونشر وتعميم نتائج هذه التقييمات على الجهات الوطنية والقطاع الخاص، إلى جانب الإنتهاء من التقييمات الذاتية لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، وتعزيز أنظمتها الداخلية وأنظمة الرقابة لدى المؤسسات المالية في إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإصدار عدد من الأدلة الإرشادية للمؤسسات المالية وغير المالية لتعريفها بإلتزاماتها.
أما في ما يتعلق بأصداء وانعكاسات هذا القرار على الأردن، فلا شك في أن خروج المملكة من القائمة الرمادية يُعدُّ حماية للنظام المالي الوطني من مخاطر الجرائم المالية بالدرجة الأولى، ويؤكد إلتزام الأردن بالتشريعات والاتفاقيات الدولية. ويزيد، بكل تأكيد، من ثقة المجتمع الدولي والمُستثمرين بالإقتصاد الأردني، ويدعم القوة التفاوضية للأردن مع الدول المانحة والمؤسسات الإقليمية والدولية. كما يُمهّد الطريق أمام المؤسسات المالية المحلية للوصول إلى الأسواق الخارجية، ويُسهل اجراءات التعامل مع المؤسسات المصرفية والمالية الخارجية.
وسيُواصل الأردن تعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والحفاظ على وضع الأردن كدولة مُلتزمة بإستمرار في المعايير الدولية الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF).
- مع بدء الأردن في تنفيذ رؤية التحديث الإقتصادي للسنوات العشر المقبلة، والتي يُعّول عليها للنهوض بالأداء الإقتصادي، وخلق المزيد من فرص العمل من خلال تنفيذ العديد من الإجراءات والممكنات التي تُغطي 35 قطاعاً، ما هي الصورة التي ترسمها الرؤية للقطاع المالي الأردني، والذي تُشكل البنوك غالبيته في الأردن، خلال السنوات العشر المقبلة؟
– تُعد رؤية التحديث الإقتصادي، والتي بدأ العمل بها مطلع العام الحالي، بمثابة خطة عمل إقتصادية عابرة للحكومات للسنوات العشر المقبلة حتى العام 2033. وتشمل هذه الرؤية ثلاث ركائز رئيسية تتعلق بإطلاق كامل الإمكانات لتحقيق تسارع في معدل النمو الإقتصادي، والنهوض بجودة الحياة، وتعزيز الإستدامة من خلال رفع تنافسية الأردن في مؤشر تنافسية الإستدامة العالمية. وتستند الرؤية في تحقيق هذه الركائز على ثمانية محركات للنمو الإقتصادي، تشمل تحسين البيئة الإستثمارية، والتركيز على الصناعات عالية القيمة، مثل الصناعات الدوائية والكيماوية والغذائية، وتطوير القطاعات الخدمية، والتركيز على السياحة، وتعزيز الريادة والإبداع، وتحسين إستخدام الموارد الطبيعية، إلى جانب سرعة التحول نحو الإقتصاد الأخضر، وتحسين نوعية الحياة في المملكة.
ولا شك في أن للقطاع المصرفي والمالي دوراً أساسياً في تنفيذ الرؤية، فلطالما كان هذا القطاع داعماً أساسياً للاقتصاد في كل الظروف، وشريكاً اساسياً في تعزيز النمو الإقتصادي وخلق فرص العمل، إذ تشكل التسهيلات الممنوحة من البنوك حوالي 97 % من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تُشكل الودائع 124 % من الناتج. وسيبقى هذا الدور عنواناً للمرحلة المقبلة مع بدء العمل في تنفيذ رؤية التحديث الإقتصادي. حيث سيتم تنفيذ 9 مبادرات رئيسية في الرؤية تغطي جميع مؤسسات القطاع المالي، وتشمل هذه المٌبادرات: تعزيز الاشتمال المالي، وتنظيم وتطوير قطاع التأمين، وتمكين وتوسيع قاعدة التأجير التمويلي، وتطوير قدرة القطاع الصيرفي على تقديم خدمات رقمية مميزة، وتعزيز وصول المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة للتمويل، وتعميق وتوسيع الأسواق المالية الأردنية، وتطوير التشريعات الناظمة للقطاع المالي، وتوفير بيئة ملائمة للنهوض بالتقنيات المالية وابتكاراتها، والتحول الرقمي في القطاع المالي.
إلى جانب ذلك، سيكون من ضمن أولوياتنا في الفترة المقبلة، ضمان إستمرارية المحافظة على مستوى وكفاءة وتنافسية بنوكنا في المنطقة والعالم، من خلال مراجعة منظومة التشريعات المصرفية الصادرة عن البنك المركزي للبنوك، وتبنّي أحدث الممارسات الدولية والتكنولوجيا الرقمية، ومن ضمنها تنظيم البنوك الرقمية المتكاملة. كما سنعمل على إطلاق إستراتيجية جديدة للشمول المالي (2024-2027) تستهدف رفع نسبة الشمول المالي، وتطوير وتعزيز دور قطاع التامين في مواجهة الحالات الطارئة ومواكبة أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، والعمل على إدخال أسس التمويل الأخضر والمستدام. أيضاً سنعمل على تسهيل ودعم التحوُّل إلى إقتصاد رقمي غير نقدي في المملكة، بالإضافة إلى تعزيز وتمكين بيئة الإبتكار في قطاع نظم خدمات الدفع الإلكترونية، وتعزيز الوصول والإندماج في نظام المدفوعات الوطني، وتعزيز أطر الحوكمة الرشيدة، تطوير سوق رأس المال لدعم الاستثمار والتمويل.