محافظ سلطة النقد الفلسطينية د. فراس ملحم:
نحرص على المواءمة بين ضمان سلامة عمل القطاع المصرفي وإستمرارية تقديم مختلف الخدمات المصرفية
نولي إهتماماً متزايداً في مجال التحوُّل الرقمي والتكنولوجيا المالية
المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشكل الغالبية العظمى في الإقتصاد الفلسطيني
محافظ سلطة النقد الفلسطينية الدكتور فراس ملحم
تأسّست سلطة النقد الفلسطينية، التي تُعد بمثابة البنك المركزي لدولة فلسطين، في نهاية العام 1994، كمؤسسة عامة تتمتّع بالشخصية الإعتبارية المستقلة، والأهلية القانونية الكاملة لمباشرة جميع الأعمال التي تكفل لها تحقيق المهام التي قامت من أجلها.
وتتمثل المهام الرئيسة لسلطة النقد في ضمان سلامة العمل المصرفي، من خلال الإشراف على المصارف والمؤسسات المالية، وعلى أنظمة الدفع، وتعزيز الشمول المالي، والحفاظ على الإستقرار النقدي، ودعم وتشجيع النمو الإقتصادي في فلسطين.
وقد إستطاعت سلطة النقد خلال مسيرة عملها، وضع أسس ثابتة ورصينة لتنظيم القطاع المصرفي، ومؤسسات الإقراض المتخصص، وشركات الدفع الإلكتروني، والصرّافين، وفق أفضل الممارسات التي تستهدفها المؤسسات الدولية. ومع ذلك، فخصوصية الوضع الفلسطيني أضفت طابعاً خاصاً على سلطة النقد، وعلى بعض جوانب عملها ومهامها، على وجه التحديد في المجال النقدي، إذ تُعتبر سلطة النقد في هذا السياق، بنكاً مركزياً فريداً، فهي لا تتولى إصدار وإدارة عملة وطنية، ويُستعاض عنها في الوقت الراهن بنظام نقدي متعدّد العملات، يتم فيه تداول ثلاث عملات أجنبية: الشيكل الإسرائيلي، والدولار الأميركي، والدينار الأردني، بالإضافة إلى اليورو ضمن نطاق محدود.
في هذا السياق يقول محافظ سلطة النقد الفلسطينية د. فراس ملحم: «لا شك في أن سياسات وإجراءات سلطة النقد، وأداءها المتّزن، قد لعب دوراً محورياً في المحافظة على الإستقرار المالي، بإعتباره ركيزة أساسية للتنمية، والمحافظة على مقوّمات الإقتصاد الفلسطيني، وبما يُمهّد السبيل للوصول إلى تحقيق الإستقرار الإقتصادي»، مشيراً إلى «أن سلطة النقد قد أولت في السنوات الأخيرة إهتماماً متزايداً لمتابعة القضايا المتعلقة بالتحوُّلات الجذرية في مجال التحوُّل الرقمي والتكنولوجيا المالية، وأخذت على عاتقها مهمة تسريع وتيرة الجهود في هذا المجال، من خلال مزيد من الإستثمار في تعزيز البنية التحتية للتكنولوجيا المالية، وإتخاذ مزيد من الخطوات والإجراءات الإستباقية، وتعزيز ثقافة وخدمات الدفع الإلكتروني، وبناء وتطوير أنظمة مصرفية ومالية تتوافق مع أفضل الممارسات الدولية، وتُسهم في خفض حجم المخاطر التي قد يتعرّض لها القطاع المصرفي بشكلٍ خاص، والنظام المالي بشكلٍ عام، وتساعد في الوصول إلى التحوُّل الرقمي المنشود بنجاح».
في ما يلي الحوار مع محافظ سلطة النقد الفلسطينية د. فراس ملحم:
* سلطة النقد الفلسطينية من أحدث أجهزة الرقابة والتنظيم للنشاط النقدي في الوطن العربي، كيف تصف المؤسسة التي مضى على تأسيسها نحو 26 عاماً؟
– إن غياب العملة الوطنية حدّ من قدرة سلطة النقد على وضع سياسة نقدية متكاملة وتنفيذها، مما أفقد سلطة النقد المرونة اللازمة للتحكُّم في المعروض النقدي وأسعار الفائدة، كما حدّ من قدرتها في التحكُّم بالصدمات الناتجة عن تغيُّرات الأسعار المحلية وأسعار الصرف للعملات المتداولة في السوق الفلسطينية.
لكن في المقابل، وبالإتساق مع أحد أهم أهدافها الرئيسة، والمتمثل في تأمين إستقرار النظام المالي (المصرفي وغير المصرفي)، فقد حرصت سلطة النقد على الدوام إلى تهيئة بيئة مؤسسية وتنظيمية مناسبة تحكم عمل هذا القطاع، وإكسابه المرونة اللازمة لمواكبة أحدث التطوُّرات المصرفية العالمية.
ورغم كل التحدّيات والمعوّقات التي أحاطت بالإقتصاد الفلسطيني، إلاَّ أن سلطة النقد مضت بخطى راسخة ومدروسة للقيام بالمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقها بموجب القانون، وقواعد الشفافية، ووفق أفضل الممارسات المعمول بها في البنوك المركزية. ولهذه الغاية، قامت بتنفيذ العديد من المبادرات والمشاريع بغية تعزيز رؤيتها ورسالتها ودورها في مجال الحفاظ على الإستقرار المالي والإقتصادي، فضلاً عن متابعة المستجدات المتعلقة بعمل البنوك المركزية، وخصوصاً في مجال الإقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المالية.
* كيف تستطيع سلطة النقد تحقيق الأهداف المنوطة بها من سلامة القطاع المصرفي، وتحقيق النمو الإقتصادي في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الإقتصاد الفلسطيني نتيجة إجراءات سلطات الإحتلال؟
– يُمثل الحفاظ على سلامة القطاع المصرفي الفلسطيني، أحد الوظائف الأساسية لسلطة النقد، والتي حرصت على الدوام على إبقاء هذا القطاع الحيوي آمناً سليماً معافى، قادراً على مسايرة حجم الأعباء الملقاة على عاتقه في ظل الظروف والأوضاع التي تعيشها فلسطين، وبما يُسهم في مزيد من التفعيل لدوره في تحفيز الإقتصاد وتشجيع النمو الإقتصادي المستدام.
ومع تزايد التحدّيات والمخاطر التي تحيط بالنظام المالي بشكلٍ خاص، وبالإقتصاد بشكلٍ عام، كما في الحالة الفلسطينية، تزداد أهمية المحافظة على سلامة القطاع المصرفي، وما يتطلّبه ذلك من مراقبة ومتابعة حثيثة ومستمرة لهذه التحديات والمخاطر، للتخفيف من تأثيراتها المحتملة على كفاءة العملية المصرفية، والنشاط الإقتصادي، وبما يُسهم في الحفاظ على حالة من الإستقرار المالي تضمن إنسيابية الأعمال المصرفية والمالية.
وشكّلت الرقابة المصرفية الحصيفة التي تنتهجها سلطة النقد، صمام الأمان لهذا القطاع. وبفضل هذه الرقابة إستطاعت الصناعة المصرفية المحافظة على متانتها وإستقرارها رغم الظروف الإقتصادية والمالية الصعبة، ومواجهة تداعيات العديد من المخاطر والتحدّيات، وتخفيف تأثيراتها المحتملة على أصوله وأنشطته ومؤشراته الرئيسة، والمحافظة على سلامته وسلامة أموال المودعين، وبما يُمهد السبيل لمواصلة دوره في تقدم الإقتصاد.
ويُضاف إلى ذلك، التقييم الدوري المستمر الذي تقوم به سلطة النقد للمخاطر التي تُهدد إستقرار هذا القطاع، والتخفيف من آثارها وتداعياتها، وتعزيز مبادئ الرقابة المصرفية الفعّالة المبنية على المخاطر، وتحديث الأطر التنظيمية والإشرافية من خلال تطبيق معايير بازل III، وتوفير بنية مدفوعات وائتمان قويتين، ومراقبة الإمتثال للقوانين والأنظمة، وخصوصاً تعليمات الحوكمة، وقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإستخدام مجموعة واسعة من السقوف التحوطية، بما في ذلك نسب الإحتياطات المطلوبة، والحدّ الأدنى لمتطلبات رأس المال، ونسب السيولة المثلى، والقيود المفروضة على تُركز الإئتمان، وتقلبات العملة، والتعليمات المتوافقة مع مبادئ وتوصيات لجنة بازل، والممارسات الفضلى ذات العلاقة.
كما وضعت سلطة النقد أيضاً جملة من الإجراءات والتدابير موضع التنفيذ العملي، بما في ذلك تعزيز إستخدام إختبارات التحمُّل بإعتبارها أداة رئيسة وجزءاً لا يتجزأ من إدارتها الشاملة للمخاطر، وترتيبات إستمرارية العمل والتعافي من الكوارث، ورفع الحدّ الأدنى من رأس المال إلى 75 مليون دولار، إلى جانب إلزام المصارف الإحتفاظ بإحتياطات كافية لمواجهة التقلبات الدورية، والقيود على التوظيفات الخارجية، ومخاطر التركز، ومخاطر الطرف المقابل، ومخاطر الدولة، وتعزيز إستخدام سجل معلومات الإئتمان، لمساعدة القطاع المصرفي على إجراء تقييم أفضل للجدارة الإئتمانية للمقترضين.
وقد حرصت سلطة النقد من خلال تطبيق هذه الإجراءات، على المواءمة بين ضمان سلامة وإستمرارية عمل القطاع المصرفي من جهة، والإستمرار في تقديم مختلف الخدمات المصرفية ودعم مختلف الأنشطة والقطاعات الإقتصادية وقطاع الأعمال والجمهور المحلي من جهة أخرى، ورفدها بالسيولة المطلوبة بمختلف العملات وبالآجال، وبشروط وتكاليف ميسرة، مما أسهم في التخفيف من الظروف الصعبة التي يعيشها الإقتصاد الفلسطيني، ومكَن القطاع الخاص وقطاع الأعمال والشباب والنساء والرياديين من الإستثمار، وخلق مزيد من فرص العمل، وتحفيز النمو.
ومما لا شك فيه أن سياسات وإجراءات سلطة النقد وأداءها المتزن قد لعب دوراً محورياً في المحافظة على الإستقرار المالي، بإعتباره ركيزة أساسية للتنمية، والمحافظة على مقوّمات الإقتصاد الفلسطيني، وبما يُمهّد السبيل للوصول إلى تحقيق الإستقرار الإقتصادي.
* هل هناك تنسيق بين سلطة النقد الفلسطينية والأجهزة النظيرة لها في الدول العربية، وخصوصاً التي ترتبط على نحو مباشر بالإقتصاد الفلسطيني مثل الأردن ومصر؟
– لقد عملت سلطة النقد على مدار السنوات الماضية، على بناء وتعزيز منظومة علاقاتها المحلية والإقليمية والدولية، في المجالات ذات الإهتمام المشترك، وذلك من خلال التوقيع على العديد من مذكّرات التفاهم، التي شملت بعض المنظمات الدولية (CHF, UNRWA، القنصلية الإيطالية في القدس)، والبنوك المركزية (البنك المركزي السويدي، والبوليفي، والتونسي، والعراقي، والعماني، وبنك المغرب، وبنك الجزائر، والبنك المركزي الأردني والمصري)، وذلك في إطار العمل على ربط القطاع المصرفي الفلسطيني بالمنظومة المصرفية العالمية، وبما يُمهّد السبيل للإرتقاء والتطوُّر في الخدمات المقدّمة من قبل هذا القطاع.
كما قامت سلطة النقد بتوقيع مذكّرات تفاهم مع البنوك المركزية، التي لديها تواجد مصرفي في السوق الفلسطينية، فتم توقيع مذكرة تفاهم مع البنك المركزي الأردني في العام 2009، وتم تعديلها في العام 2014. كما وقّعت سلطة النقد مذكّرة تفاهم مثيلة مع البنك المركزي المصري في العام 2010.
وبشكل عام، ركّزت مذكّرات التفاهم مع البنك المركزي الأردني، والبنك المركزي المصري على تبادل المعلومات والخبرات في مجال الرقابة المصرفية، والإشراف على المصارف، والتشريعات الرقابية بما يتفق مع مقررات لجنة بازل للرقابة المصرفية، وذلك بهدف تسهيل التعاون في مجال الرقابة الشاملة على المؤسسات المصرفية الأردنية والمصرية والفلسطينية التي لديها تواجد مصرفي خارجي في كل من الأردن ومصر وفلسطين، وتسهيل قيام هذه الأطراف بدورها في ضمان سلامة ومتانة أوضاع المؤسسات المصرفية العاملة في هذه الدول.
ورغم خصوصية الوضع في فلسطين، يبقى القطاع المصرفي الفلسطيني جزءاً من المنظومة المصرفية الإقليمية والعالمية. كما أن إنضباطه وفقاً لأعلى المعايير والممارسات المصرفية العالمية، أكسبه درجة كبيرة من المرونة والمهنية العالية، التي ساهمت في الحفاظ على سلامته ومتانته، مدعوماً بالإجراءات التي قامت بها سلطة النقد في مجال الرقابة والإشراف والتحوُّل الرقمي، وأسهمت في سرعة إندماج القطاع المصرفي الفلسطيني مع محيطه الإقليمي والدولي، ومواكبة أحدث التطورات المصرفية العالمية.
* واكب القطاع المصرفي العربي عملية التحوُّل الرقمي في الخدمات المصرفية، ما هو الواقع حيال البنوك في فسطين؟ وما خطط سلطة النقد للوصول إلى المستويات المستهدفة في عمليات التحول؟
– لقد أولت سلطة النقد في السنوات الأخيرة، إهتماماً متزايداً لمتابعة القضايا المتعلقة بالتحوُّلات الجذرية في مجال التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية، وأخذت على عاتقها مهمة تسريع وتيرة الجهود في هذا المجال، من خلال مزيد من الإستثمار في تعزيز البنية التحتية للتكنولوجيا المالية، وإتخاذ مزيد من الخطوات والإجراءات الإستباقية، وتعزيز ثقافة وخدمات الدفع الإلكتروني، وبناء وتطوير أنظمة مصرفية ومالية تتوافق مع أفضل الممارسات الدولية، وتُسهم في خفض حجم المخاطر التي قد يتعرّض لها القطاع المصرفي بشكلٍ خاص، والنظام المالي بشكلٍ عام، وتساعد في الوصول إلى التحول الرقمي المنشود بنجاح.
وفي هذا السياق يُمكن القول إن سلطة النقد قد إتخذت خطوات ملموسة، وذلك من خلال تنفيذ وإطلاق مجموعة من البرامج التطويرية، التي يمكن الإشارة إلى أبرزها بالآتي:
– إطلاق نظام المقاصة الإلكترونية، الذي عمل على أتمتة عمليات مقاصة الشيكات بالكامل، من خلال تبادل صور الشيكات ومعلوماتها إلكترونياً، كبديل عن تبادل أصل الشيكات الورقية، لأغراض تنفيذ عمليات التقاص بين المصارف العاملة في فلسطين، وتحصيلها لصالح المواطنين، مما أسهم في سرعة دوران النقود في الإقتصاد المحلي.
– التحديث المتواصل لنظم التصنيف الإئتماني ومعلومات الإئتمان، بهدف خفض محاولات الإحتيال والتزوير، والمساعدة في تمكين الشباب والرياديين والنساء وأصحاب المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، من الوصول والنفاذ إلى مصادر التمويل بكل سهولة ويسر.
– تحديث نظام المفتاح الوطني (National Switch)، للسماح بإضافة عضوية شركات خدمات الدفع للنظام، والقيام بعمليات تقاص حركات نقاط البيع المحلية، مما أسهم في خفض التكاليف وزيادة الإستخدام.
– السماح لشركات خدمات الدفع الإلكتروني بالعمل في السوق الفلسطينية، إلى جانب إستقطاب بعض شركات الدفع العالمية للعمل في السوق الفلسطينية، بهدف تعزيز التنافسية وتنويع قنوات الدفع الإلكتروني والإستفادة من الأجهزة الذكية مثل أجهزة الهاتف المحمول. وتالياً، أصبح بإمكان المصارف تقديم هذه الخدمة لعملائها الذين يمتلكون أجهزة ذكية وتمكينهم من إتمام عمليات الشراء دون بطاقات وعملات نقدية وبطريقة سهلة وآمنة.
– إطلاق المختبر التنظيمي (Regularity Sandbox) لإختبار التطبيقات التكنولوجية في مجال الخدمات المالية، وبما يُتيح لأصحاب الأفكار والمنتجات ونماذج الأعمال الخاصة بالمبتكرين والرياديين من إختبار تطبيقاتهم في بيئة آمنة، وبرعاية وإشراف من قبل سلطة النقد، ودعم تنظيمي وإرشادي لأصحاب هذه التطبيقات.
– تشكيل فريق إستشاري للتكنولوجيا المالية، لمناقشة القضايا ذات العلاقة بقطاع التكنولوجيا المالية، وآليات الإستفادة من الحلول التكنولوجية ودعم الرياديين وأصحاب الأفكار الإبتكارية والشركات الناشئة، وبما يُسهم في تطوير ودعم قطاع التكنولوجيا المالية، وتعزيز التحوُّل الرقمي، وتعزيز البنية التحتية لأنظمة الدفع في فلسطين.
– إطلاق عمليات نقاط البيع (P.o.S) على المفتاح الوطني، لتمكين المتعاملين من تنفيذ عملياتهم المالية عبر البطاقات بغضّ النظر عن المصارف المصدرة لها، وبما يُسهم في خفض التكاليف وزيادة الإستخدام.
– تحديث نظام المعلومات الجغرافي (GIS)، الذي يربط البيانات الديموغرافية والإحصائية مع البيانات المكانية للمؤسسات الخاضعة لرقابة سلطة النقد وإشرافها، من خلال قاعدة بيانات مركزية تفاعلية، وبما يتيح للجمهور والمستثمرين وأصحاب المشاريع إمكانية الإستفادة من البيانات التي يُوفرها هذا النظام في اتخاذ القرارات والتخطيط الإستراتيجي الخاص برسم سياسات التفرّع وتحديد إحتياجات المناطق حيال الخدمات المالية والمصرفية، وبما يُسهم في تعزيز عملية الشمول المالي.
– العمل مع الحكومة على إطلاق بوابة الدفع الإلكترونية، لتقديم الخدمات للجمهور الفلسطيني إلكترونياً، من دون الحاجة إلى التوجه إلى المكاتب الحكومية، وبإستخدام أدوات الدفع الإلكترونية المناسبة.
– إطلاق نظام الإستعلام للأفراد (تطبيق إلكتروني على الأجهزة المحمولة)، لإتاحة خدمة إستعلام الأفراد عن تصنيف مصدري الشيكات من خلال نظام الشيكات المعادة قبل التعامل معهم، مما يُسهم في حماية حقوق الأفراد والشركات المتعاملين بالشيكات، وتالياً الحد من ظاهرة الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد، والحدّ من إساءة إستخدام الشيكات، وخصوصاً أن الشيكات تُعتبر أداة دفع رئيسة في السوق الفلسطينية بعد النقد الكاش.
وقد ترافقت هذه الجهود مع إطلاق سلسلة مكثفة من الحملات التوعوية والتثقيفية، لا سيما في مجالات التكنولوجيا المالية، وإستخدام أدوات الدفع الإلكتروني، ودعم الرياديين، بهدف تعريف المواطنين بخدمات الدفع الإلكتروني وأهميتها، وتشجيعهم على مواكبة التطور التكنولوجي في الخدمات المالية، وبما يساعد فئات عديدة من المجتمع وخصوصاً غير المشمولين مصرفياً من الوصول إلى خدمات الدفع الإلكتروني وإستخدامها من أي مكان، من دون الحاجة للتعامل بالنقد الكاش.
أما عن الخطط والتطلُّعات المستقبلية في مجال التحول الرقمي، فسلطة النقد ماضية قُدماً وبخطى حثيثة نحو إستكمال متطلّبات الوصول إلى التحوُّل المنشود. فبالإضافة إلى المبادرات والمشاريع التي تم إنجازها، أو التي يجري العمل عليها في الوقت الراهن، تتضمّن أجندة سلطة النقد للمرحلة المقبلة، العديد من البرامج والمشاريع والمبادرات بغية تسريع إستخدام التكنولوجيا المالية الحديثة. ويُمكن الإشارة إلى أهم التطلُّعات المستقبلية لسلطة النقد من خلال التالي:
– العمل على إستكمال البنية التحتية للمدفوعات الإلكترونية، المتعلقة بالتعرُّف على العميل إلكترونياً «e-KYC»، والهوية المالية الرقمية «Digital ID»، التي تُعتبر متطلّبات أساسية للتحوُّل الرقمي، بالإضافة إلى أتمتة إجراءات العناية الواجبة، وتعزيز قدرات أمن المعلومات (الأمن السيبراني) والحوسبة السحابية، وحمايتها من الجرائم والقرصنة الإلكترونية وفق أفضل الممارسات، وغيرها من المشاريع التي تخدم إستراتيجية الحدّ من الإستخدام النقدي (الكاش).
– العمل على زيادة التنافسية في القطاع المصرفي الفلسطيني، وزيادة عدد اللاعبين من خلال مزيد من الإنفتاح على العالم الخارجي، والسماح لبنوك التمويل الأصغر والبنوك الرقمية بالعمل في السوق الفلسطينية، وما يتطلّبه ذلك من تعزيز للأطر القانونية والتشريعية، وتوفير الخبرات والكفاءات البشرية وتعزيز قدراتها، وخصوصاً في مجال تقنية المعلومات، فضلاً عن تهيئة المجتمع والعملاء لتقبُّل مثل هذا النوع من المصارف وأهدافها والغايات المنشودة منها.
– العمل على إدماج التكنولوجيا المالية في الصناعة المصرفية الإسلامية، وتشجيع المصارف الإسلامية على الإستثمار وتبني إستراتيجيات التحوُّل الرقمي، والعمل على تطوير مجموعة من الحلول لضخ السيولة الإسلامية قصيرة الأجل لمساعدة مقدمي الخدمات المالية الإسلامية في إدارة السيولة، وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتطوير دور الهيئة العليا للرقابة الشرعية لتمكينها من المراجعة والمصادقة على المنتجات الجديدة، وتقديم الإرشاد حيال هذه المنتجات.
– التحضير لإطلاق نظام الدفع الفوري لمدفوعات التجزئة الإلكترونية والحوالات الدائنة بشكل لحظي/فوري، وعلى مدار الساعة (من خلال تطبيقات الهاتف المحمول). ويأتي هذا النظام في سياق تعزيز البنية التحتية المركزية لأنظمة المدفوعات في فلسطين وفق أحدث التوجهات العالمية، وبما يُسهم في تحقيق الترابط والإتصال في منظومة عمل خدمات الدفع الإلكترونية على المستوى المحلي والدولي. وسيعمل هذا النظام على خفض الإستخدام النقدي عبر توفيره لقنوات دفع متصلة ومترابطة وأوسع إنتشاراً وأقل تكلفة، مما سيُعزّز من عملية الشمول المالي، فضلاً عن رفع مستوى التنافسية بين المؤسسات المالية المختلفة العاملة في فلسطين، وتوجيهها بشكل فعّال نحو إستهداف فئات جديدة من المجتمع المصرفي وغير المصرفي. كما سيُتيح هذه النظام لعملاء شركات خدمات الدفع والمصارف إمكانية الإستفادة الفورية من الأموال المحولة/المستلمة.
* طبّقت سلطة النقد نظام عرض وسداد الفواتير الوطني، كيف كان تعامل القطاع الخاص والمؤسسات العامة والبنوك مع هذا النظام؟ وما هي المزايا التي سيُحقّقها على مستوى الإقتصاد الكلي؟
– يُعتبر نظام عرض وسداد الفواتير من النظم المركزية الخاضعة لإشراف ورقابة سلطة النقد، الذي أطلقته بغية توفير قنوات إلكترونية مختلفة لعرض وسداد الفواتير، وتحفيز الإستخدام الأوسع لخدمات الدفع الإلكتروني، وتحفيز قطاع المفوترين في فلسطين، بما يشمل القطاعين العام والخاص والهيئات المختلفة، لتبنّي التحوُّل التكنولوجي في تقديم الخدمات للمواطنين، ودمج هذا القطاع بشكل فعّال في منظومة التكنولوجيا المالية، إلى جانب إسهامه في دعم منظومة الدفع الخاصة ببوابة الدفع الإلكتروني الحكومية.
فالنظام يُوفر خدمة عرض وسداد الفواتير إلكترونياً عبر قنوات الدفع الإلكترونية المختلفة، بإستخدام تقنيات الإيصال والطلب Push & Pull، مع الحفاظ على سرّية البيانات من خلال تطبيق أعلى معايير الأمان والخصوصية، عبر ربط كافة مزودي خدمات الدفع (بنوك، شركات خدمات الدفع) مع مفوتري القطاع الخاص والبوابة الحكومية، ويُسهم في زيادة الثقة والأمان بالمدفوعات الإلكترونية في فلسطين. كما يُتيح إمكانية الإستفادة من كافة الخدمات عبر التطبيق المصرفي والإنترنت البنكي والمحافظ الإلكترونية والبوابة الحكومية الإلكترونية. وخدماتُه متاحة على مدار الساعة، بما في ذلك سداد رسوم الحكومة والبلديات والأقساط الجامعية وفواتير المنفعة العامة وقطاعات الإتصالات والإنترنت والإستعلام عنها، وهي خدمات متاحة لكافة عملاء المصارف وشركات خدمات الدفع الإلكترونية المرخصة للعمل في فلسطين.
ومما لا شك فيه أن هذا النظام يتضمّن العديد من المزايا، التي تعود بالنفع على المتعاملين فيه بشكل خاص وعلى الإقتصاد بشكل عام، لعلّ أهمّها:
– خفضُ فترة تحصيل الأموال المرتبطة بالفواتير.
– حصرُ التعامل في نقطة ارتباط وحيدة، وبما يؤدي الى خفض تكاليف الإستثمار والتطوير في أنظمة وبرمجيات متعددة والناشئة عن الربط مع مزودي خدمات المدفوعات.
– توفير فرص تسويقية وقنوات دفع إضافية ومساحة واسعة لتحسين جودة ونوعية الخدمات المقدمة للعملاء.
– توفيرُ نظام موحد لإجراء المطابقات الإلكترونية مع كافة مقدمي خدمات الدفع الإلكتروني (المصارف، مقدمي خدمات المدفوعات).
-خفضُ تكاليف إجراءات تسوية الحسابات، وزيادة رضى العملاء.
* كيف تصف علاقة القطاع المصرفي الفلسطيني مع البنوك العاملة في الأردن، وخصوصاً في ظلّ وجود عدد من فروع البنوك الأردنية التي تعمل في الداخل الفلسطيني؟
– يتكوّن القطاع المصرفي الفلسطيني من 13 مصرفاً، 7 منها محلية، تعمل من خلال 251 فرعاً ومكتباً، و6 مصارف وافدة ، 5 منها أردنية، تعمل من خلال 131 فرعاً ومكتباً منتشرة في كافة المحافظات الفلسطينية. علماً أنه منذ العام 2019 قام بنك القدس بإفتتاح مكتب تمثيل له في المملكة الأردنية، والذي يُعتبر أول تمثيل رسمي لمصرف فلسطيني في الأردن.
ويخضع هذا التواجد المصرفي في البلدين إلى العديد من إتفاقيات التعاون الإقتصادي الموقعة بين الجانبين، ومنها إتفاقية التعاون في مجال شؤون النقد والمصارف الموقعة بتاريخ 26/1/1995، وذلك لضمان عدم إتخاذ أيّة قرارات يُمكن أن تؤثر على الأوضاع النقدية في البلدين، من دون التوافق المسبّق عليها، بالإضافة إلى مذكّرة التفاهم الموقعة بين سلطة النقد الفلسطينية والبنك المركزي الأردني في العام 2009، وتعديلاتها في العام 2014، بهدف تبادل المعلومات والخبرات في مجال الرقابة المصرفية، والإشراف على المصارف.
وقد شكّلت موجودات المصارف الأردنية العاملة في فلسطين حوالي 38 % من إجمالي موجودات القطاع المصرفي الفلسطيني، كما إستحوذت على حوالي 38 % من ودائع العملاء، في حين ساهمت في تقديم نحو 33 % من إجمالي محفظة التسهيلات الإئتمانية الممنوحة من قبل الجهاز المصرفي الفلسطيني في نهاية الربع الثاني من العام 2023.
كما يُعتبر الدينار الأردني من بين العملات الرئيسة المستخدمة في الإقتصاد الفلسطيني في مختلف شرائحه وقطاعاته، ومكوّن أساسي في موجودات القطاع المصرفي، والذي شكل نحو 20 % من موجودات القطاع المصرفي الفلسطيني البالغ قيمتها 21.8 مليار دولار، وحوالي 10 % من محفظة التسهيلات البالغ قيمتها 11.7 مليار دولار، ونحو 19 % من ودائع العملاء البالغ قيمتها حوالي 16.8 ملياراً في نهاية الربع الثاني من العام 2023.
وبشكل عام يمكن القول: إن حجم التواجد المصرفي الأردني في فلسطين، يعكس مدى عمق ومتانة العلاقة بين المنظومتين المصرفيتين. كما يدعم هذا التواجد التوجه نحو زيادة التجارة مع الأردن، كذلك من خلالها.
* عند تحليل عمليات التمويل التي تنفذها البنوك العاملة في فلسطين، ما هي الحصة التي توجه لقطاع تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر؟ وهل هناك تمويل أو إقراض متخصّص ضمن القطاع المصرفي الفلسطيني؟
– تشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الغالبية العظمى من المشاريع العاملة في الإقتصاد الفلسطيني (نحو 95 % من المنشآت العاملة في الاقتصاد الفلسطيني، وتوظف أكثر من 80 % من العمالة الفلسطينية)، وتحظى بإهتمام كبير، بإعتبارها محوراً أساسياً لتحفيز النمو، وتوليد وتنويع مصادر الدخل، والتخفيف من وطأة البطالة والفقر، وتشجيع الريادة، إلى جانب دورها في تحسين مستوى التنمية الإجتماعية وتعزيز الشمول المالي.
وقد عملت المصارف العاملة في فلسطين على إتاحة تمويل لهذه المشاريع بقيمة 1.4 مليار دولار، أو ما نسبته 12.4 % من إجمالي المحفظة الائتمانية للقطاع المصرفي في نهاية العام 2022. توزّعت بين قطاعات التجارة بنحو 56 %، والإنشاءات بحوالي 21 %، والخدمات بنحو 11 %، والصناعة بنحو 7 %، والزراعة بحوالي 3 %، وبقية الأنشطة الأخرى بحوالي 2 %.
كما عزّزت سلطة النقد من جهودها الرامية إلى تمكين هذا القطاع من الوصول إلى مصادر التمويل الميسّر (من حيث الشروط والتكاليف)، وخصوصاً مع إطلاقها للمرحلة الثانية من صندوق إستدامة، التي تضمّنت برنامجاً صُمّم خصّيصاً لهذا القطاع، من دون أن يترتب عليه أية فوائد/هامش أرباح، إلى جانب تضمين الصندوق لبرنامج آخر صمم لمؤسسات الإقراض المتخصّص، لتمكينها من تمويل المشاريع الصغيرة والمشاريع متناهية الصغر.
وضمن جهود سلطة النقد الرامية إلى توفير بيئة عمل سليمة لقطاع المنشآت، تُسهم في تمكين وتطوير وتنمية هذا القطاع، شاركت سلطة النقد بالتعاون مع وزارة الإقتصاد وهيئة سوق رأس المال، في إطلاق التعريف الوطني الموحّد لقطاع المنشآت المتناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة، والكبيرة، وتضمينه في قواعد بيانات أنظمة معلومات الائتمان لدى سلطة النقد، مما أسهم في تعزيز القدرات المالية لهذه المنشآت، ومن فرصها في النفاذ والوصول إلى الخدمات المالية، وتالياً عزّز من إمكانات نمو هذا القطاع الواعد.
كما سبق لسلطة النقد، أن أطلقت بالتعاون مع إتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الإطار الوطني لإسناد وتطوير المنشآت متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة «منشأتي» لتحفيز قدرة هذه المنشآت على التكيُّف وتعزيز قدرتها على الصمود والإنتعاش، وذلك من خلال توفير خدمات دعم متكاملة لهذه المنشآت وحصولها على المعلومات التي تُساعدها في إتخاذ قرار الإستثمار، وتطوير الخدمات وعمليات الإنتاج وخدمات التسويق والإدارة المالية، وفرص التمويل، والخدمات الإستشارية القانونية.
وبالتزامن مع ذلك، قامت سلطة النقد بإطلاق تطبيق منصة «منشأتي» عبر الهاتف المحمول، والتي تُعتبر المنصّة الأولى من نوعها في فلسطين، وترتبط بشبكة كبيرة من الجهات الفاعلة في مجال تطوير القطاع الخاص ونخبة من الخبراء لتقدم خدمات نوعية لدعم القدرات المالية والإدارية لأصحاب هذه المنشآت، وتمكنهم من الوصول لمصادر التمويل.
كما أطلقت سلطة النقد، بالتعاون مع الصندوق الفلسطيني للتشغيل، برنامج «إبدأ الآن»، بقيمة 10 ملايين دولار، لمساعدة أصحاب/صاحبات المشاريع على تطوير مشاريعهم وبناء قدراتهم. ويُتيح هذا البرنامج لأصحاب المشاريع فرصة الحصول على تمويل بقيمة 10,000 دولار كحد أقصى، من دون تكلفة (فائدة صفرية)، ولفترة سماح تصل إلى 12 شهراً، وفترة سداد تصل إلى 48 شهراً.
ويستهدف هذا البرنامج بدرجة أساسية المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، القائمة والجديدة، وخصوصاً المشاريع التي تمتلكها أو تديرها أو ترغب في إنشائها النساء، و/أو الأشخاص ذوي الإعاقة، و/أو خريجي نظام التعليم والتدريب المهني والتقني.