مدير عام البنك الإسلامي الفلسطيني د. عماد السعدي:
عملنا على مواكبة التحوُّل نحو التكنولوجيا المالية
من خلال تعزيز الإستثمار في التقنيات الرقمية
شهدت الصيرفة الإسلامية في فلسطين تطوُّراً متسارعاً خلال السنوات الأخيرة، وذلك بفعل التطوُّر في طبيعة الخدمات والمنتجات التي تقدمها والتي باتت تواكب أحدث ما هو معمول به في مجال الصيرفة الإسلامية على مستوى العالم، كما يعود هذا التطور إلى الإستراتيجيات التي إعتمدتها المصارف الإسلامية في فلسطين، والتي تهدف إلى أن تكون هذه المصارف متطورة ومتقدمة وتحاكي التطور والتحول الرقمي وتحافظ في الوقت نفسه على التزامها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
ويقول مدير عام البنك الإسلامي الفلسطيني د. عماد السعدي في حديث خص به مجلة «إتحاد المصارف العربية»: «نحن في البنك، عملنا على مواكبة التحوُّل نحو التكنولوجيا المالية من خلال تعزيز الإستثمار في التقنيات الرقمية، وإنشاء العديد من الشراكات المحلية والخارجية في هذا الجانب مثل الشراكة مع «ماستر كارد» و«فيزا»، حيث يُعتبر التحوُّل الرقمي جزءاً أساسياً من إستراتيجية البنك».
في ما يلي الحوار مع مدير عام البنك الإسلامي الفلسطيني د. عماد السعدي:
* كيف تقيّم وضع الصيرفة الإسلامية في فلسطين، وذلك في ظل الإقبال الذي شهده العالم، لا سيما بعد الأزمة المالية العالمية على المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، كونها تتسم بالأمان أكثر من بقية قنوات التمويل؟
– الصيرفة الإسلامية في فلسطين، شهدت تطوراً متسارعاً خلال السنوات الأخيرة وذلك بفعل التطوُّر في طبيعة الخدمات والمنتجات التي تقدمها، والتي باتت تواكب أحدث ما هو معمول به في مجال الصيرفة الإسلامية على مستوى العالم، كما يعود هذا التطور إلى الإستراتيجيات التي إعتمدتها المصارف الإسلامية في فلسطين، والتي تهدف إلى أن تكون هذه المصارف متطوّرة ومتقدّمة، وتحاكي التطوُّر والتحوُّل الرقمي وتحافظ في الوقت عينه على إلتزامها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
وأعتقد أن هذه الحالة من التطور والإزدهار ستستمر على مستوى المصارف الإسلامية في فلسطين، خلال السنوات المقبلة، وخصوصاً في ظل تطبيق المصارف الإسلامية للمعايير الفضلى للحوكمة الرشيدة وإستثمارها المتنامي في عملية التحول الرقمي، والتطور في القوانين والتعليمات الناظمة، ما أدى إلى تطوُّر كبير على مستوى الخدمات والمنتجات التي تقدمها لجمهور العملاء، بحيث باتت تلبي إحتياجاتهم وتطلعاتهم، بالإضافة إلى التوجُّه العام لدى المجتمع الفلسطيني بالبحث عن منتجات وخدمات مصرفية تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
مدير عام البنك الإسلامي الفلسطيني د. عماد السعدي
* ما هي الحصة السوقية للصيرفة الإسلامية في فلسطين مقارنة بمجمل القطاع المصرفي في فلسطين؟
– الصيرفة الإسلامية في فلسطين تقدم خدماتها من خلال 3 مصارف إسلامية تحوز أكثر من 20 % من الحصة السوقية للقطاع المصرفي الفلسطيني، وطموحنا أن تصل إلى 25 % خلال الأعوام المقبلة، كما أن معدّل النمو المركب لصافي موجودات البنوك الإسلامية خلال الأعوام الأخيرة بلغ 15 % مقارنة بقرابة 5 % فقط للبنوك التجارية، وهذا يدلل على توجُّه كبير من قبل الجمهور تجاه البنوك الإسلامية، ويُمكن تعظيم هذه النسب والزيادة عليها مستقبلاً من خلال رفع مستويات التوعية بالصيرفة الإسلامية، والإستمرار في تطوير الخدمات والمنتجات التي تقدمها المصارف الإسلامية.
* هل تعتقد أن السوق الفلسطينية وصلت إلى درجة النضوج في التعامل مع المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وهل الإقبال عليها من قبل الأفراد أم من قبل الأفراد والمؤسسات؟
أ-عتقد أن الجمهور بات على دراية جيدة بطبيعة الخدمات والمنتجات التي تقدمها البنوك الإسلامية، والفرق بينها وبين تلك التي تقدمها البنوك التجارية، وربما ساهم في ذلك الأزمات التي شهدتها الأعوام الأخيرة، سواء في جائحة كورونا أو مؤخراً في مسألة رفع الفوائد العالمية، لكنني أعتقد أنه لا يزال أمامنا الكثير من العمل لنصل إلى المستويات التي نريدها من التوعية بالصيرفة الإسلامية.
أما على مستوى التعليمات والقوانين الناظمة لعمل المصارف الإسلامية، فقد طرأ عليها الكثير من التطوير خلال الأعوام الأخيرة، ورغم ذلك لا يزال هناك تحدّيات على هذا المستوى، لكننا نعمل بشكل مستمر وبتنسيق مع مختلف الجهات لتجاوزها.
وهنا أود التأكيد بأن المصارف الإسلامية في فلسطين تعمل بشكل مستمر على تطوير الخدمات والمنتجات المصرفية التي تقدمها للعملاء وتنويع صيغ التمويل المعتمدة وبناءِ شراكات مع مؤسسات محلية وخارجية لإبتكار منتجات مصرفية إسلامية جديدة، لذلك فإن برامجنا المصرفية تناسب مختلف فئات المجتمع، ونقدم حلولاً تمويلية وإستثمارية متعدّدة ومبتكرة، تناسب الأفراد والشركات وتلبي إحتياجاتهم وتُحقق تطلعاتهم.
* ما هي التحدّيات التي تُواجه المصارف بشكل عام في فلسطين والمصارف الإسلامية بشكل خاص؟
– تعاني المصارف في فلسطين بشكل عام من إستمرار حالة عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي والتداعيات المتتالية، كذلك على الدورة الإقتصادية وتوجُّهات الجمهور، مثل عدم إنتظام رواتب موظفي القطاع العام وتأثير ذلك على عدم قدرتهم على الإدخار أو طلب التسهيلات المصرفية، بالإضافة إلى ذلك، فإن من أبرز المعوّقات هو عدم وجود عملة وطنية واحدة يتم التعامل بها في فلسطين، وإنما هناك 3 عملات رئيسية (الدولار، الدينار، الشيكل) والفائض من هذه العملات خصوصاً الشيكل لا يقبل الطرف الآخر على أخذه، وتكون تكلفة نقله عالية مما يُسبب خسائر للبنوك وتنعكس آثار ذلك على العديد من القطاعات الأخرى.
كما أن من بين المعوقات، عدم وجود تواصل جغرافي بين شقي الوطن الضفة وغزّة ووجود إختلافات في القوانين المعمول بها وهو ما يؤثر على أعمال البنوك المختلفة.
أما في شأن المصارف الإسلامية، فهناك جملة من التحديات التي تواجهها وخصوصاً على مستوى القوانين والتعليمات الناظمة لعملها. وهناك تنسيق دائم مع الجهات المختلفة من أجل تجاوز هذه التحديات.
ولا يمكننا أن نغفل أثر إنخفاض الوعي لدى جزء من أفراد المجتمع بالصيرفة الإسلامية على مستوى توجههم نحو الإقبال على طلب خدماتها ومنتجاتها.
* كيف تعاملت البنوك الإسلامية مع إرتفاع أسعار الفائدة الذي شهده العالم لا سيما في الدول المرتبطة في إدارتها للنقد الوطني بالدولار الأميركي؟
– رغم أن قطاع الصيرفة الإسلامية جزء من النظام المالي العالمي ويتأثر بمتغيّراته، إلاَّ أن رسالته هي تقديم الحلول المصرفية والإستثمارية العصرية والآمنة، وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، لذلك فإنه ورغم التأثيرات السلبية التي إنعكست على البنوك الإسلامية بفعل إرتفاع الفوائد عالمياً، إلاّ أن البنوك الإسلامية لم تقم برفع الأرباح إنطلاقاً من أن «العقد شريعة المتعاقدين»، ولا يجوز تعديل نسب الأرباح على العملاء، وهذا يأتي إنسجاماً مع تعليمات هيئة الرقابة الشرعية العليا في سلطة النقد الفلسطينية وهيئة الرقابة الشرعية في البنك، بالإضافة إلى تعليمات هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
وعلى مستوى فلسطين، فقد بادرت المصارف المحلية ومن خلال جمعية البنوك منذ بداية العام 2023 إلى الإعلان عن عدم رفع نسب الأرباح/الفوائد بناءً على التغيّرات عليها عالمياً. علماً أن هذا الإلتزام من قبل المصارف وخصوصاً المصارف الإسلامية قد ينعكس عليها سلباً بشكل إضافي في المرحلة المقبلة، وذلك من خلال هجرة الودائع إلى المصارف في الدول المجاورة، حيث إن العائد على الودائع هناك أعلى، وهو ما يعني أن التمسك بعدم رفع نسب الفوائد /الأرباح سيُبقي المصارف محلياً محتفظة بنسب فوائد وأرباح أقل سواء على مستوى التمويلات أو الودائع.
* كثيراً ما تخضع البنوك العاملة في فلسطين لعمليات رقابة مكثفة خصوصاً ما يتصل في غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما هي المبادئ التي يستند إليها البنك في تجنب هذه العمليات؟
– نظراً إلى التحديات الناشئة عن زيادة حجم المخاطر المرتبطة بجريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وما يترتب على ذلك من إحتمالية تعرض البنك لمثل هذه المخاطر، يحرص البنك على توفير كافة الإجراءات والتدابير لمواجهة هذه المخاطر أو التخفيف منها إلى الحد الأدنى، وإنطلاقاً من ذلك، قام البنك بإجراء تحديث لعملية التقييم الذاتي لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، آخذاً في الإعتبار التحديثات المتعلقة بالتقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما يلتزم البنك تبنّي سياسة وإجراءات ضابطة للمخاطر المرتبطة بجريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بحيث تشمل هذه الإجراءات المتطلّبات اللازمة لتعزيز قاعدة إعرف عميلك KYC وسياسة التعامل مع العملاء المعرضين سياسياً PEPs وسياسة قبول العملاء وسياسة التعامل والتعرف على البنوك المراسلة.
كما يلتزم البنك معايير وتوصيات مجموعة العمل المالي الدولية FATF وما جاء به قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الساري في فلسطين، بالإضافة إلى قيام البنك بتصنيف العملاء وفقاً لدرجة مخاطرهم، ويعتمد دليل إجراءات خاص بالتعرف والتحقق من العملاء.
* عند تحليل عمليات التمويل بين الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، هل هناك إهتمام لدى البنك الإسلامي الفلسطيني في التركيز على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟
– يحرص البنك على تقديم خدمات ومنتجات تناسب قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، وذلك لما لها من أهمية في تحريك العجلة الإقتصادية وتحقيق معدلات النمو المطلوبة في فلسطين.
كما يحرص البنك على بناء شراكات مع جهات محلية ودولية، مثل الإتفاقية التي جرى توقيعها مع صندوق سند العالمي، لدعم قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر في فلسطين، وإشتراك البنك ضمن برنامج «إستدامة» الذي أطلقته سلطة النقد الفلسطينية لتمويل المشاريع الصغيرة.
* هل واكب البنك الإسلامي الفلسطيني عملية التحول نحو التكنولوجيا المالية وما هي المشروعات في هذا الخصوص؟
– الإستثمار في التكنولوجيا المالية والتحوُّل الرقمي، بات الشغل الشاغل لمختلف القطاعات على مستوى العالم، وفي مقدمها قطاع الخدمات المالية والمصرفية، والتي أسهم التحوّل الرقمي في رفع جودتها وتمكين العملاء من الوصول إلى حساباتهم بسرعة وسهولة وعلى مدار الساعة.
ونحن في البنك الإسلامي الفلسطيني، عملنا على مواكبة التحوُّل نحو التكنولوجيا المالية من خلال تعزيز الإستثمار في التقنيات الرقمية، وإنشاء العديد من الشراكات المحلية والخارجية في هذا الجانب مثل الشراكة مع «ماستر كارد» و«فيزا»، حيث يُعتبر التحول الرقمي جزءاً أساسياً من إستراتيجية البنك.
خلال السنوات الأخيرة، حقق البنك العديد من الإنجازات في هذا الجانب، والتي شملت إطلاق منتجات وخدمات رقمية بهدف توفير الوقت والجهد على العملاء، وتسهيل وصولهم إلى حساباتهم على مدار الساعة، ودون الحاجة لزيارة الفروع، ومن الأمثلة على ذلك خدمات «مركز الإتصال الرقمي» وخدمات «إسلامي أونلاين» و «إسلامي موبايل» وخدمة Islami Talk وخدمات «التسديد والشحن الإلكتروني» والبطاقات الإئتمانية الجديدة World Mastercard و Platinum Mastercard وبطاقة الدفع المسبق التي تشجع توجه العملاء نحو حلول الدفع الإلكتروني، كما عمل البنك على تطوير شبكته للصرافات الآلية من خلال تركيب صرّافات حديثة مزوّدة بخدمات جديدة صمّمت خصّيصاً لصالح البنك، مثل خدمة إيداع الشيكات وهي الأحدث على مستوى فلسطين.
وبالتوازي مع هذا التحوُّل الرقمي، يحرص البنك على ضمان تقديم خدماته للعملاء بأعلى درجات الأمان، وفي سياق ذلك حصل البنك مؤخراً وللعام الثالث توالياً على شهادة الإمتثال لمعايير أمن بيانات بطاقات الدفع PCI-DSS.
وفي السياق عينه، فإن البنك يطبّق برنامجاً تدريبياً متميزاً لموظفيه لتطوير مهاراتهم في أبرز وأحدث المواضيع، التي تخص العمل المصرفي على مستوى العالم، بحيث يكون هناك تطوير متواز في شقين، الأول يتعلق بطبيعة الخدمات والمنتجات والثاني يتعلق بالكادر البشري.