معالي محافظ سلطة النقد الفلسطينية يحيى شنار:
حزمة من المشاريع والمبادرات التنموية المطلوبة لإعادة بناء
المرافق الأساسية وتلبية الإحتياجات العاجلة في قطاعات حيوية
في دولة تُواجه تحدّيات سياسية وإقتصادية متعدّدة، تقف المصارف الفلسطينية كأحد أعمدة الصمود والتنمية، ودعم مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، بما يُسهم في تعزيز الإستقرار المالي والإجتماعي، وتحريك عجلة التنمية المستدامة، فلا تعد المصارف الفلسطينية مجرد مؤسسات مالية، بل هي شريك أساسي في بناء إقتصاد وطني قوي ومستقل. وبين دعم المشاريع الصغيرة وتعزيز الشمول المالي، وتطوير البنية التحتية للأنظمة المصرفية الإلكترونية، يقود القطاع المصرفي الفلسطيني رحلة مستمرة نحو إقتصاد أكثر إستدامة وقدرة على مواجهة التحدّيات.
دور المصارف في دعم الاقتصاد الفلسطيني ورفده بالنمو.. شراكة إستراتيجية من أجل تنمية مستدامة وإقتصاد قوي..
يقول محافظ سلطة النقد الفلسطينية يحيى شنار: «تضطلع المصارف الفلسطينية بدور حيوي في توفير التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل حوالي 90% من إجمالي المنشآت الإقتصادية في فلسطين، وتكمن أهمية هذه المشاريع في كونها المحرّك الأساسي لخلق فرص العمل، والتخفيف من معدّلات البطالة المرتفعة، فضلاً عن دورها في تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الإعتماد على الإستيراد، ومن خلال توجيه الإئتمان نحو قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، تدعم المصارف جهود التنمية، وتُحفّز الإستثمارات في قطاعات قادرة على تحقيق قيمة مضافة حقيقية، مما يُسهم في تقوية الإقتصاد الوطني وتعزيز صموده أمام التحدّيات.
كما أولت المصارف الفلسطينية إهتماماً كبيراً بتوسيع قاعدة الشمول المالي، إدراكاً منها لأهمية إشراك جميع فئات المجتمع في المنظومة المالية الرسمية، وقد شهدت هذه الجهود إطلاق منتجات وخدمات تستهدف الشباب والنساء والرياديين، إلى جانب تسهيل وصول الأفراد في المناطق المهمّشة إلى الخدمات البنكية. كما ساهم التحوُّل الرقمي في هذا التوسع، من خلال توفير خدمات الدفع الإلكتروني، والمحافظ الرقمية، والتطبيقات المصرفية الذكية، مما جعل الخدمات البنكية في متناول اليد، وساعد على خلق بيئة مالية أكثر شمولاً وإستدامة.
ولا يقتصر دور المصارف على التمويل فقط، بل يشمل إدارة السيولة داخل السوق الفلسطينية، عبر جمع المدّخرات وإعادة ضخها في الإقتصاد من خلال القروض والتسهيلات الإستثمارية، ويُعزّز هذا التوازن من قدرة النظام المالي الفلسطيني على مواجهة الأزمات ويضمن إستمرارية الحركة الإقتصادية، إضافة إلى ذلك، تساهم المصارف بشكل مباشر في دعم المالية العامة لمساعدة الحكومة للتغلُّب على الضغوط المتفاقمة، وتغطية جزء من إلتزاماتها المختلفة، خصوصاً ما يتعلق بنفقات الأجور ومتأخرات القطاع الخاص.
كما لا يُمكن إغفال دور المصارف الفلسطينية في خدمة المجتمع عند تقديم الخدمات المالية، فقد أولت إهتماماً خاصاً بتنفيذ برامج المسؤولية المجتمعية التي تدعم قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية، إلى جانب المبادرات الشبابية والريادية. ومن خلال هذه البرامج، تساهم المصارف في تعزيز قدرات الأفراد وتأهيل الكوادر البشرية لدخول سوق العمل بكفاءة، بما يسهم في تقليل نسب البطالة ودفع عجلة الإقتصاد نحو الأمام.
ورغم ما يُواجه الإقتصاد الفلسطيني من قيود وتحدّيات، أثبت القطاع المصرفي الفلسطيني قدرته على التكيُّف والصمود، مستنداً إلى سياسات رقابية حكيمة تقودها سلطة النقد الفلسطينية، والتي تحرص بشكل دائم على تعزيز متانة القطاع المصرفي وتطوير بنيته التحتية.
وبينما يُواصل القطاع المصرفي تطوير خدماته والإرتقاء بأدواته الرقمية، يزداد دوره أهمية في دعم خطط التنمية الوطنية، وبناء اقتصاد فلسطيني أكثر إستقلالية وقوة، قادر على مواجهة التحدّيات وتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني نحو مستقبل أكثر استدامة وإزدهاراً».
توجُّه المصارف لدعم الشمول المالي ولا سيما حيال المشروعات الصغيرة والمتوسطة..
يوضح المحافظ يحيى شنار «تُسهم المصارف الفلسطينية بشكل متزايد في تعزيز الشمول المالي، ولا سيما ما يتعلق بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للإقتصاد الوطني. في إطار جهود سلطة النقد والمصارف لتعزيز الشمول المالي، تم وضع إستراتيجية وطنية تهدف إلى زيادة نسبة القدرات المالية لدى الشرائح المستهدفة في المجتمع، وتعزيز الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية وإستخدامها من قبل الشرائح التي تعاني نسباً متدنية من الشمول المالي. كما تتضمّن الإستراتيجية الوطنية للشمول المالي للعام 2023-2025 العمل على بناء قدرات أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة والناشئة على تحديد إحتياجاتهم من الخدمات المالية، من خلال تقديم التعليم والتوعية المالية بمواضيع تتعلق بالإدارة المالية، والتخطيط، والتسويق، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية للأنظمة المصرفية الإلكترونية.
وفي إطار دعم هذه المشروعات، قامت المصارف الفلسطينية بتطوير مجموعة من المنتجات المالية المبتكرة، مثل القروض المخصّصة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة بأسعار فائدة صفرية وأوقات سداد مرنة.
كما تم إطلاق «حساب الشمول المالي» الذي يهدف إلى توفير الخدمات المصرفية الأساسية للفئات غير المشمولة، حيث يتميّز هذا الحساب بإمكانية فتحه من دون حد أدنى للرصيد، والإعفاء من الرسوم والعمولات. إلى جانب ذلك، تم إطلاق برامج تدريبية لتمكين أصحاب هذه المشاريع من إدارة شؤونهم المالية بشكل أكثر كفاءة.
أما بالنسبة إلى المبادرات التي تقودها سلطة النقد لتعزيز قدرة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فقد قامت بإجراءات هامة عدة، من أبرزها إعتماد التعريف الوطني الموحّد للمنشآت الإقتصادية المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والكبيرة الحجم، وإنشاء قاعدة بيانات شاملة لتسهيلات المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تساهم في تسهيل الوصول إلى التمويل، كما تم تحفيز المؤسسات المصرفية لتمويل هذه المنشآت عبر إصدار تعاميم للتسهيل من شروط الإقراض ومنح محفّزات للمصارف.
من جهة أخرى، قامت سلطة النقد بالربط مع وزارة الإقتصاد للإستعلام عن المنشآت المسجّلة لديها، مما يُسهم في تسهيل حصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة على التسهيلات المناسبة، كما تم تأسيس صندوق «إستدامة» في العام 2021 بحجم 235 مليون دولار، بهدف تمويل القطاعات الإقتصادية المختلفة وتمكين المشاريع الإقتصادية من التعافي وزيادة دورة الإنتاج وتوفير فرص العمل.
وفي إطار دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أطلقت سلطة النقد منصة «منشأتي» في العام 2021، التي تُعتبر المنصّة الإلكترونية الأولى في فلسطين. تهدف هذه المنصّة إلى تقديم خدمات الإرشاد والدعم الفني والإداري المتخصّص، وتسهيل الوصول لمصادر التمويل المتاحة.
تُسهم هذه الجهود والمبادرات بشكل كبير في تعزيز الشمول المالي ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في فلسطين، مما يُساهم في تنمية الإقتصاد الفلسطيني ورفع قدرة هذه المشاريع على مواجهة التحدّيات الإقتصادية».
ما هي المشاريع المطروحة لإعادة الإعمار والإنماء في دولة فلسطين؟ وما هو دور المصارف العربية والفلسطينية في دعم مسيرة الصمود الإقتصادي والإجتماعي؟
يؤكد محافظ سلطة النقد الفلسطينية يحيى شنار أنه «في إطار الجهود الرامية لإعادة الإعمار والتنمية في فلسطين وتعزيز صمود شعبها، هناك حزمة من المشاريع والمبادرات التنموية المطلوبة لإعادة بناء المرافق الأساسية وتلبية الإحتياجات العاجلة في قطاعات حيوية مثل التعليم، الصحة، الزراعة، والإسكان، إلى جانب تطوير البنية التحتية. وتشمل أبرز المشاريع المطروحة: إعادة إعمار قطاع غزة ومناطق شمال الضفة الغربية، من خلال إعادة بناء المنازل والمرافق العامة ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى مشاريع تنموية في الريف الفلسطيني، وتحسين شبكات الطرق والمياه والكهرباء، إلى جانب دعم الزراعة والصناعات المحلية. كما تحظى المشاريع الصحية والتعليمية والطاقة المتجددة بإهتمام كبير ضمن خطة التنمية المستدامة، غير أن عملية إعادة الإعمار تتطلب توفير الموارد المالية اللازمة للمباشرة بالإعمار، حيث إن الموارد المالية للحكومة الفلسطينية لا تُمكّنها من القيام بهذا الدور.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية دور المصارف العربية في توفير التمويل والدعم اللازم، من خلال التعاون مع الصناديق العربية والدولية، وتقديم تسهيلات ائتمانية ميسّرة، ودعم رواد الأعمال، وتعزيز المساهمات المجتمعية، والإستثمار في الطاقة النظيفة وتمويل التجارة المحلية. وتؤكد هذه الجهود التكامل بين العمل التنموي والمالي لتعزيز الصمود الإقتصادي والإجتماعي في فلسطين، بما يُسهم في بناء مستقبل أكثر إستقراراً وإزدهاراً.
في الخلاصة، تتمثل أهمية هذا التكامل بين المؤسسات المالية والتنموية في أن المصارف العربية والفلسطينية تلعب دوراً محورياً في مساعدة دولة فلسطين على الصمود الإقتصادي والإجتماعي، من خلال تمويل مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، دعم القطاع الخاص، وتشجيع الإبتكار والنمو في مختلف المجالات. كل هذه المبادرات، بالإضافة إلى تضافر جهود المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، يُسهم في تعزيز قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود في مواجهة التحدّيات الإقتصادية والسياسية».