مواجهة تحدّيات «اللائحة الرمادية» بالتواصل مع
المصارف المراسلة وإعتماد المعايير العالمية
د. وسام فتوح
الأمين العام لإتحاد المصارف العربية
لا شك في أن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالية الدولية «فاتف»، لا يخدم المصارف اللبنانية ولا مصلحة الإقتصاد اللبناني الذي يعاني أصلاً سلسلة إنهيارات، ولم يتعاف منه حتى تاريخه، لكن إذا ما أخذنا الوجهة المتفائلة لصورة الوضع الراهن، فإن هذا الإدراج علّه قد يكون فرصة جيدة للضغط وبدء العمل الفعلي والجدّي للحكومة اللبنانية للقيام بالإصلاحات المصرفية والإقتصادية المطلوبة، رغم التحديّات الكبيرة التي تواجهها. علماً أنه بجهود كبيرة قام بها مصرف لبنان، فإن معظم المصارف الأميركية المراسلة ستُبقي على التعامل مع المصارف اللبنانية، لكن هناك تحد حقيقي بإستمرار وإبقاء التعامل مع المصارف الأوروبية.
في هذا الوقت، يؤكد إتحاد المصارف العربية إلتزامه دعم القطاع المصرفي اللبناني، كما تدعم سائر المصارف العربية، وإدراكه بأن الخطر الذي يُواجه لبنان جرّاء إدراجه على اللائحة الرمادية، قد يكون له تداعيات لا تقلّ خطورة عن الإضطرابات الأمنية التي تعصف بهذا البلد الصغير.
ورغم ذلك، يؤكد الإتحاد أهمية بيروت كعاصمة المؤتمرات، ومركزاً إقتصادياً ومالياً محورياً في المنطقة، رغم ما تعرّض له من إعتداءات على شعبه وممتلكاته، والتأكيد بأن لبنان لا يزال موطىء التشريعات المالية والمصرفية، رغم ما تعتري هذه المقولة من شوائب وما تعرّض له القطاع المصرفي من إنتكاسات متتالية لم يتمكن لغاية الآن من معالجتها، وليس آخرها وضع لبنان على اللائحة الرمادية.
ونؤكد مجدّداً ضرورة تحقيق الإصلاحات الهيكلية في الإقتصاد اللبناني كما في المصارف اللبنانية من أجل أن يستعيد القطاع المصرفي عافيته، وإستباقاً لعدم وضع لبنان على اللائحة السوداء، مما يُعوّق الأوضاع على نحو أكثر صعوبة في هذا البلد. علماً أن المؤتمرات والملتقيات التي نظمها إتحاد المصارف العربية في بيروت تحديداً كانت الغاية منها تأكيدنا حيال سلامة القطاع المصرفي في لبنان، وتعزيز التعاون في ما بين المصارف العربية في مواجهة القضايا المصيرية التي تمس أمننا الإقتصادي، وفي مقدمها مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي هذا السياق، نصرّ على إعتبار هذه المؤتمرات الإقتصادية والمالية في قلب بيروت، للتأكيد أيضاً على إيماننا بحماية لبنان من الأخطار الداهمة، لذا نحاول مع أصدقائنا وخصوصاً مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تجنيب لبنان الخطر الآتي إليه في حال التقاعس عن تنفيذ ما تتطلبه مجموعة العمل المالي. من هنا تكمن أهمية مواكبة تحرك المسؤولين المعنيين في الشأن المصرفي اللبناني بضرورة إقرار التشريعات القانونية والقيام بإصلاحات جدّية لكي يتمكن لبنان من تطبيق مقرّرات «فاتف».
في المحصّلة، إن إتحاد المصارف العربية الذي يصر على إستكمال مسيرته المهنية المشرّفة من العاصمة اللبنانية، لن ينتقل إلى أي مكان آخر، ويشدُّ على أيدي كل الشرفاء المحبين للبنان ولعاصمته الحبيبة بيروت، بأن تستمرهذه المسيرة، ولا سيما حيال تنظيم مؤتمراته ومعارضه وورش أعماله إنطلاقاً من بيروت وإلى الدول العربية وحتى البلدان الأوروبية والأميركية، متسلّحاً بمناقبيته العالية، وإيمانه بإصرار، والعمل في آن واحد، على إتباع المصارف العربية أعلى المعايير العالمية والتي تضعها في أرفع المحافل الدولية.