نشر الثقافة المالية
يُحارب الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب
لا شك في أن التعاون والشراكة بين القطاع المصرفي والأجهزة الأمنية والقضائية، وهو ما يُسمّى بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، يكشف الكثير من الجرائم المالية والفساد المستشري في المجتمعات، ولا سيما ما بعد تسارع تطوُّر التكنولوجيا المالية والتي إنسحبت على نحو غير مسبوق، على المؤسسات المصرفية والمالية في العالم كما في دول المنطقة.
وإذا كان إتحاد المصارف العربية قد وقّع الإتفاقية الأولى مع مجلس وزراء الداخلية العرب في بيروت، في 14 أيار/ مايو 2015، والتي تؤدي إلى مكافحة تمويل الإرهاب بالتعاون بين المؤسسات المصرفية والمالية، والأجهزة الأمنية والقضائية، فإن ذلك ينسجم مع أهمية إهتمام كافة السلطات والجهات المعنية في العالم بموضوع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والإقتصاد النقدي، نتيجة تزايد هذه العمليات العابرة للحدود وتنوّعها وتشعّبها، مستفيدة من التقنيات والإبتكارات المالية والمعلوماتية الحديثة في وسائل الدفع والخدمات المصرفية، والتي غالباً ما تستخدم القطاع المصرفي والمؤسسات المالية في تنفيذها، مما يُعرّض المصارف لمخاطر جمّة.
في هذا السياق، يسعى إتحاد المصارف العربية، من خلال تنظيم المؤتمرات والملتقيات والندوات وورش العمل التدريبية في البلدان العربية والأجنبية، إلى إيجاد منصّات عالية المستوى لمناقشة التحدّيات التي تواجهها بلداننا العربية وحتى البلدان الأجنبية المتقدمة، ولا سيما في ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. واللافت هنا إصرار الإتحاد على إنعقاد هذه الفعاليات، ولا سيما في البلدان التي تعاني ظروفاً إستثنائية، بغية مواجهة الجرائم المالية ومكافحة تحدّياتها.
,
وفي هذا المجال، كان إصرارنا على عقد الملتقى السنوي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في موعده (آب/ أغسطس 2024) في بيروت، رغم الأوضاع الأمنية الخطرة في جنوب لبنان، والتي إمتدت الى بعض المناطق الأخرى، وذلك لإدراكنا بأن الخطر الذي يُواجه لبنان بالنسبة إلى إحتمالية إدراجه على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي («فاتف» – FATF)، قد يكون له تداعيات لا تقلّ خطورة عن الإضطرابات الأمنية التي يشهدها لبنان راهناً.
ونذكّر بأن ما يُحارب فكر الإرهاب أيضاً، تطويرُ المهارات وحثُّ المصارف والمؤسسات المالية الكبرى على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يُحارب ظاهرة البطالة ويخلق فرص العمل ويزيدها في المنطقة.
ويؤكد تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2024، أنه لا يزال إنعدام المساواة في الوصول إلى فرص العمل، يُمثل مشكلة في جميع أنحاء العالم، حتى مع التوقعات الجديدة الصادرة عن المنظمة والتي تشير إلى تحسُّن البطالة العالمية هذا العام، لكن التقرير يلفت إلى إستمرار نقص فرص العمل. وبحسب التقديرات فإن «فجوة الوظائف» التي تقيس عدد الأشخاص الذين ليس لديهم وظيفة، لكنهم يرغبون في العمل، تبلغ 402 مليون شخص في العام 2024. ويشمل ذلك 183 مليون شخص تم إحتسابهم كعاطلين عن العمل.
في المحصّلة، يُؤدي «مفهوم الشمول المالي»، إلى توسيع قاعدة المتعاملين مع المصارف، وهو من أهم الآليات لمكافحة الفكر الإرهابي والحدّ منه، ولا سيما عبر مواقع التواصل الإجتماعي، كما أن تعزيز الثقافة المالية وفتح الحسابات المصرفية وثقافة التعامل مع المؤسسات المصرفية والمالية يعمل على محاربة الإرهاب بشكل غير مباشر.