التطوُّرات ضد السفن التجارية العابرة للأحمر تتزايد وتؤثر على حركة قناة السويس
هل سيدفع الإقتصاد العالمي وسوق النفط ثمن الأحداث الأمنية في باب المندب؟
Text content
تتصاعد الأحداث الأمنية ضد حركة السفن والملاحة البحرية في البحر الاحمر، وتترك آثارها الواضحة عليه يوماً بعد يوم. فمنذ إستيلاء الحوثيين على سفينة يملكها رجل أعمال إسرائيلي في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ثم إطلاقهم صاروخ كروز تجاه سفينة النقل «ستريندا»، سقط على بُعد حوالي 60 ميلاً بحرياً من شمال مضيق باب المندب، في 12 كانون الاول/ديسمبر 2023، متسبّباً في حريق وأضرار، أخذت شركات الشحن العالمية بتقييم المخاطر المتزايدة المحتملة على السفن التجارية التي تمرُّ عبر هذا المضيق.
رصدُ هذه الأحداث وتأثيرُها، يأتي من باب أن «مضيق باب المندب» والبحر الأحمر، ليس ممرَّاً يُمكن الإستغناء عنه بسهولة، فيما خريطة نقاط الإختناق البحري الرئيسية التي يُمكن ربطُها بباب المندب، هي قناة السويس، كذلك مضيق هرمز، وملقا (ممر مائي يقع في جنوب شرق آسيا بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونيسية)، ومن الناحية التجارية يمرّ فيه (باب المندب) النفط والغاز الطبيعي المسال، والعديد من المنتجات الأخرى المتجهة إلى أوروبا من الخليج العربي، وتالياً ستتأثر بهذه التهديدات.
وغالباً ما تمرُّ التجارة من أوروبا إلى آسيا عبر هذه النقطة، كما تحتاج شتى السفن ومنها الحربية إلى قناة السويس إلى الإنتقال من الشرق إلى الغرب ذهاباً وإياباً، وعلى وقع هذه الحوادث، سيتم إعاقة حركة المرور في قناة السويس بسبب التهديدات الآتية من باب المندب.
ويرى الباحثون أن «المشاكل في باب المندب، يُمكن أن تنشر الحرب بشكل أكبر، والعالم لا يحتاج ذلك في كل الأوقات، وخصوصاً في هذا التوقيت. فالنفط والغاز الطبيعي المسال وغيرها من المنتجات البترولية التي قد ترتفع أسعارها، وبناء على ذلك، سيتم زيادة أسعار باقي المنتجات المرتبطة بالصناعات البترولية، أو غيرها كنتيجة لزيادة تكاليف الشحن، وستتأثر الدول النامية والإفريقية بصورة أكبر».
يضيف الباحثون:«إذا تصاعدت تلك التهديدات بشكل حقيقي، وتم إغلاق باب المندب، فسيتم حظر التجارة بين آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. هذا ليس فقط لتجارة الطاقة، بل هو أكثر أهمية بالنسبة إلى الحاويات والمعادن وغيرها من التجارة»، لافتين إلى أن «هناك تأثيرات وتحدّيات جديدة تُضاف إلى التجارة العالمية، جرَّاء التهديدات في منطقة البحر الأحمر. وفي صميم هذه التأثيرات ما يتعلق بإيرادات قناة السويس، التي بالطبع ستتأثر بما يحدث، وهي مصدر مهمّ ورئيسي للعملة الأجنبية التي تعتمد عليه مصر، كما أنها أهم مجرى ملاحي على مستوى العالم. وقد كانت إيرادات قناة السويس قد بلغت 9.4 مليارات دولار في عامي 2022-2023، في حين توقعت السلطات المصرية زيادة الإيرادات الكلية من حركة الملاحة في القناة إلى 10.3 مليارات دولار في نهاية العام 2023».
وبحسب الخبراء فإن «تلك التهديدات، قد تدفع الكثير من السفن إلى إتخاذ طرق بديلة لقناة السويس، كرأس الرجاء الصالح، ومن ثم سيزيد من تكلفة الشحن ومدة وصولها إلى وجهتها النهائية، ويزداد الأمر صعوبة ليس على مصر فقط، لكن على دول المنطقة التي تعتمد في إيراداتها على حركة الملاحة، إضافة إلى التأثير على الواردات بكثير من الدول»، مشدّدين على أن «هذا الوضع يؤدي إلى زيادة تكلفة الشحن واللوجيستيات، وإرتفاع قيمة التأمين، لأن هناك مخاطر على حركة الملاحة، وفي النهاية ينعكس ذلك بمزيد من الإرتفاع على أسعار السلع، وتباعاً على معدّلات التضخُّم العالمي التي باتت في أزمة كبيرة، منذ سنوات نتيجة جائحة كورونا ثم الحرب الروسية – الأوكرانية، لتُضيف الحرب في غزة عبئاً جديداً».
وحدَّد المختصون في شأن الإقتصاد العالمي وأسواق النفط، التداعيات المترتبة على التهديد الحوثي بإستهداف السفن الإسرائيلية العابرة للبحر الأحمر، في التالي:
-التأثير على أسعار النفط، وتوقُّع زيادتها حال استمرار هذه الهجمات، حيث ستعرقل التوترات في مياه البحر الأحمر، عبور الناقلات النفطية إلى مختلف دول العالم، وهو ما سيُؤثر على الإمدادات في موسم الشتاء، الأكثر إستهلاكاً وحاجة للطاقة.
-إرتفاعُ تكلفة التأمين على الشحن واللوجستيات عالمياً، مع الأخذ بالإعتبار أن أهم مسار للسفن في العالم أصبح غير آمن.
-التأثير على إيرادات قناة السويس المصرية، مع تحويل شركات الشحن مساراتها بعيداً عن البحر الأحمر، وتالياً عن قناة السويس، تجنُّباً لعمليات قرصنة أو هجمات مبنيّة على إعتقاد مفاده إرتباط هذه السفن بشكل مباشر أو غير مباشر بشركات أو رجال أعمال إسرائيليين أو يهود.
-زيادة مسافة الطرق البحرية البديلة يعني إستهلاك أكثر للوقود وزيادة مدة الشحن، وهو ما سينعكس مباشرة على زيادة أسعار السلع، وتالياً رفع معدلات التضخُّم عالمياً.
الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي:
شركات شحن ستجنّب سفنها المرور بباب المندب
من جهته، يشرح الخبير الإقتصادي الدكتور إيلي يشوعي لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «البحر الأحمر تحديداً من خليج العقبة إلى باب المندب، بات منطقة محرَّمة على اسرائيل، لأن الحوثي يُهدّد بالإستيلاء عليها، وقد فعلها، حيال أي سفينة إسرائيلية او تابعة لإسرائيل ويهدّد بقصفها. علماً أن السفن الأخرى آمنة بحسب الحوثي، بمعنى أنها تستطيع أن تمرَّ عبر باب المندب من دون أيّ مخاطرة، ونحن نعرف أن الحوثي يملك مخزوناً كبيراً من الصواريخ المضادة للسفن».
ويضيف د. يشوعي: «إن باب المندب هو ممر ضيّق، ويفصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، وأهميّتُه الإقتصادية تكمن في أنه تعبُر فيه شحنات النفط العالمية، ويُعتبر الممرّ الأكثر إزدحاماً في العالم، لأنه يمرُّ عبره نحو خمس الإستهلاك العالمي للنفط، وتقريبا نحو ستة ملايين برميل يومياً»، لافتاً إلى أن «عدد السفن هناك تقريباً 50 سفينة تجارية تمرُّ يومياً، وهي تشحن البضائع خصوصاً النفط والغاز المسال ويتم نقلها إلى أُوروبا، وبما أن القوى العظمى ترى في باب المندب، مكاناً إستراتيجياً ومهمّاً على أصعدة كثيرة جغرافية وسياسية وإقتصادية وعسكرية، لذلك نرى تلك القوى تُقوّي وجودها العسكري داخل الدول المحيطة».
ويشدّد د. يشوعي على أن «التهديد هناك إذا ما إستمر، يمنع عملياً، إمكانية التمييز والفرز بين سفن تابعة لإسرائيل وأخرى لا علاقة لها بها، لذلك لا يُمكن أن يكون التمييز ناجحاً، وأن يختلط الحابل بالنابل. لذلك، إن السفن والحركة البحرية تعتبر أن باب المندب صار منطقة مهدّدة، وهناك شركات قد تقرّر عدم العبور منها، لكي تعبر قناة السويس وتصل أيضاً إلى منابع النفط الأساسية، مما يزيد من وقت وصول البضائع، فيما كلفته الإقتصادية ستكون أكبر».
ويختم د. يشوعي قائلاً: «هناك كلام عن أن شركات شحن بدأت تفكر بطريقة آمنة لنقل البضائع، من دون مخاطرة، مما يُجنّب سفنها المرور بباب المندب، وتفكّر جدّياً الإبحار حول دول القرن الافريقي. وهذا يعني وقتاً أطول للوصول وزيادة في كلفة الشحن وثمن البضائع والنفط ، وسيكون له تأثير سلبي على النسبة العالمية للتضخُّم وإستقرار العملات الأساسية في العالم».
الخبير الاقتصادي نسيب غبريل:
هذه المنطقة ممر حيوي للشحن العالمي
أما الخبير الاقتصادي نسيب غبريل فيشرح لمجلة «إتحاد المصارف العربية»، أن «الأحداث العسكرية الجارية في منطقة البحر الاحمر وخصوصاً باب المندب، سيُؤدي إلى إرتفاع كلفة التأمين، بغضّ النظر عن نوعية البضائع، سواء أكانت بضائع تجارية أو نفط»، لافتاً إلى أنه «صحيح أن هناك إستهدافاً لبواخر مملوكة من إسرائيليين، إلاَّ أن هذه الاحداث تضع علامات إستفهام عن إجمالي سلامة العبور للبواخر».
ويضيف غبريل: «إن الأحداث لا تزال محدودة، ولكن تداعياتها إذا ما تكرّرت وزادت وتيرتها، يُمكن أن تؤثر على أسعار النفط وإرتفاع إضافي لكلفة التأمين، كذلك نسبة التضخُّم العالمي، وذلك بسبب إرتفاع أسعار السلع التي يتم شحنها عبر المضيق، مما يُؤثّر على سلسلة العرض، كون باب المندب ممرّاً حيوياً، لكن كل هذه الإفتراضات سابقة لأوانها، بإنتظار حصول تطوُّرات جديدة في ما يتعلق بسلامة السفن».
ويختم غبريل قائلاً: «إن هذه المنطقة ممرّ حيوي للشحن العالمي وخصوصاً النفط، وأعتقد أن البديل مكلف جداً».
الخبير النفطي الدكتور ربيع ياغي:
باب المندب جزء من العناصر التي تحدّد سعر النفط عالمياً
أخيراً، يُوضح الخبير النفطي الدكتور ربيع ياغي لمجلة «اتحاد المصارف العربية» أن «باب المندب هو ممرّ بحري دولي لكافة أنواع السفن التجارية، ومنها السفن المحمّلة بالنفط، ويتميّز بحركة مرور كثيفة تقدّر بـ55 باخرة يوميا كمعدّل عام (دخولاً وخروجاً)، ويُقدّر حجم البراميل التي تحملها الناقلات بنحو 4 ملايين برميل يومياً»، لافتاً إلى أن «باب المندب من الناحية الجغرافية هو ممرّ طبيعي بعرض 26 كلم، والأحداث التي تجري حالياً هي ضمن القواعد المقبولة، ولن تؤدي إلى إقفاله. علماً أن التبعات ستكون مزيداً من الخسائر والكلف المادية، ووقتاً أطول لوصول البضائع وأعباء إضافية على كلفة التأمين البحري، وهذا يعني أسعاراً أعلى للمنتجات».
ويختم د. ياغي قائلاً: «إن أي إقفال لباب المندب، سيكون له تأثير سلبي على إقتصادات الدول الاوروبية والشرق أوسطية أيضاً».
في المحصلة، في حال بقيت الأحداث الجارية مضبوطة، فإن التأثير على أسعار النفط سيبقى محدوداً، لكن بالتأكيد، إن هذه الأحداث هي العناصر السلبية التي تؤثر على الأسعار، لكن هناك عناصر عدة أخرى تلعب دوراً في تحديدها، منها العناصر الجيوسياسية، فالدول المصدّرة للنفط تُحاول تقليص إنتاجها بهدف زيادة الأسعار، في حين أن الولايات المتحدة (أكبر منتج للنفط) وحلفاءها، يريدون أن تبقى وتيرة الإنتاج عالية لخفض أسعار النفط، بالإضافة إلى دور العرض و الطلب في تحديد أسعار النفط العالمية، وتالياً فإن الأحداث في باب المندب هي جزء من العناصر التي تحدّد سعر برميل النفط عالمياً لكنها ليست عنصراً حاسماً في تحديدها».
الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة :
أحداث باب المندب ستؤدي إلى توتر في الإقتصاد العالمي ككل
بدوره، يرى الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «الأهم أن أحداث باب المندب، ستؤدي إلى توتر في الإقتصاد العالمي ككل، وهذا ينعكس على الوضع الدولي، فبالإضافة إلى المشاكل الإقتصادية الناتجة عن الحرب الأوكرانية وحرب غزة، هناك الأحداث الجارية في البحر الأحمر، مما سيؤدي إلى مزيد من التوتر العالمي وربما على نحو أخطر».
ويختم د. حبيقة قائلاً: «إن هذه التأثيرات تطال العالم ككل، لكن ليس بشكل مباشر، كما تطال المنطقة العربية بشكل مباشر. فالبديل عن باب المندب، ستكون كلفته أكبر، وسيستغرق وقتاً أطول، مما يزيد الأسعار على المستهلك».
باسمة عطوي