يُواصل «المركزي العراقي» أداء دور إستراتيجي في تعزيز مسار التنمية المستدامة في العراق
تبنّي سياسات ومبادرات متكاملة تهدف إلى تطوير القطاع المصرفي العراقي
وتعزيز الإستقرار المالي والنمو الإقتصادي الشامل
تتضمّن لائحة البنك المركزي العراقي عدداً من المصارف العاملة فعلياً في العراق والتي تبلغ 70 مصرفاً، تشمل سبعة مصارف حكومية (ستة منها تجارية/ تقليدية ومصرف إسلامي واحد، و23 مصرفاً أهلياً (أي خاصاً) تجارياً عراقياً، و28 مصرفاً أهلياً إسلامياً، و12 فرعاً لمصارف عربية وأجنبية).
وتشير آخر البيانات المتوافرة حول الإنتشار المصرفي في العراق، إلى أن عدد فروع المصارف العاملة في العراق قد بلغ 856 مصرفاً في نهاية العام 2023. وتحوز المصارف الحكومية التجارية على ما نسبته 44.5 % من مجموع الفروع العاملة في العراق، والمصارف الأهلية التجارية نسبة 30.0 %، والمصارف الاهلية الإسلامية نسبة 21.7 %، والمصارف الأجنبية التجارية نسبة 2.7 %، والمصارف الأجنبية الإسلامية نسبة 0.6 %، والمصرف الحكومي الإسلامي على نحو 0.5 %. كما يوجد تركّز كبير في شبكة الفروع بين المصارف العاملة في العراق، حيث تدير أول عشرة مصارف من حيث عدد الفروع، 493 فرعاً، أي ما نسبته 57.6 % من مجموع فروع المصارف العاملة في العراق.
البيانات المجمّعة للقطاع المصرفي العراقي
بلغ حجم الموجودات المجمّعة للمصارف العاملة في العراق نحو 202,475 مليار دينار عراقي في نهاية شهر مارس/ آذار 2025، مسجّلة تراجعاً بنسبة 0.4 % عن نهاية العام 2024. وقد وصل مجمل الإئتمان النقدي الممنوح من قبل المصارف إلى نحو 64,364 مليار دينار، بنسبة نمو 0.2 % عن نهاية العام 2024. كما تشير بيانات البنك المركزي العراقي إلى أن مجموع ودائع القطاع المصرفي العراقي قد سجل قرابة 121,420 مليار دينار، بتراجع بنسبة 1.6 % عن نهاية العام 2024. أخيراً، بلغ مجموع رؤوس أموال المصارف العاملة في العراق 20,806 مليار دينار، محققاً نسبة نمو 0.4 % عن نهاية العام 2024.
بيانات أكبر عشرة مصارف عراقية
يتضمّن الجدول رقم 2، موجودات ورأسمال أكبر 10 مصارف عراقية، بحسب آخر البيانات المتوفرة. وقد بلغ مجموع الموجودات لتلك المصارف 172,555مليار دينار عراقي (نحو 132.7 مليار دولار) في نهاية العام 2023، ما يمثل نسبة 84.1 % من مجمل موجودات المصارف العراقية، مما يدّل على التركز الكبير في القطاع المصرفي العراقي.
كما بلغت الحصة السوقية لأكبر ثلاثة مصارف وهي مصرف الرافدين والمصرف العراقي للتجارة ومصرف الرشيد، نحو 72.2 % من إجمالي موجودات القطاع المصرفي العراقي. كما لا تزال المصارف الحكومية تسيطر على الجزء الأكبر من القطاع المصرفي، حيث تدير المصارف الحكومية الستة ما نسبته 78.4 % من الموجودات المجمّعة للقطاع المصرفي، فيما تدير المصارف الأهلية نسبة 22.1 % من موجودات القطاع (10.7 % للمصارف التجارية و11.3 % للمصارف الإسلامية)، والمصارف الأجنبية نسبة 1.8 % (1.1 % للمصارف الاجنبية التجارية و0.7 % للمصارف الأجنبية الإسلامية).
وبالنسبة إلى مجموع رأسمال تلك المصارف العشرة، فقد بلغ 6,018 مليار دينار، ممثلاً نسبة 29.2 % من مجموع رؤوس أموال المصارف العاملة في العراق. من جهة أخرى، تُظهر بيانات البنك المركزي العراقي إلى أن مجموع رؤوس أموال المصارف الحكومية قد وصل إلى 4,868 مليار دينار في نهاية العام 2023، مقابل 6,113 مليار للمصارف الأهلية التجارية، و7,168 مليار للمصارف الأهلية الإسلامية، و644 مليار للمصارف الأجنبية التجارية، و124 مليار للمصارف الأجنبية الإسلامية. وعليه، مثّلت رؤوس أموال المصارف الحكومية نسبة 25.5 % من مجمل رؤوس أموال المصارف العاملة في العراق، فيما شكّلت رؤوس أموال المصارف الأهلية العراقية نسبة 69.6 % (32.0 % للمصارف الأهلية التجارية 37.6 % للمصارف الاهلية الإسلامية)، ورؤوس أموال المصارف الأجنبية نسبة 4.0 % (3.4 % للمصارف الأجنبية التجارية و0.6 % للمصارف الأجنبية الإسلامية).
الشمول المالي في العراق
يسعى البنك المركزي العراقي بشكل حثيث إلى تعزيز مستوى الشمول المالي في البلاد من خلال تنفيذ مجموعة من الإجراءات والمبادرات النوعية. ومن أبرز هذه الجهود تبنّي مشروع «الشمول المالي لبداية إقتصادية جديدة»، الذي يهدف إلى تحسين الشمول المالي بشكل مستدام. كما أنه ومنذ العام 2015، أطلق البنك المركزي مبادرة لدعم المشاريع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، مما أسهم في زيادة عدد الحسابات المصرفية والقروض المقدمة. كذلك أدت عملية توطين الرواتب، التي إنطلقت في العام 2016، إلى تعزيز إندماج الأفراد في النظام المصرفي.
وفي العام 2020، أطلق البنك المركزي مبادرة موجّهة إلى المصارف المختصة، ومن ثم في العام 2021 أطلق مبادرة لدعم الطاقة المتجددة، مما أضاف بُعداً بيئياً وإستدامة مالية ضمن سياساته. أما في العام 2023، فقد أعلن البنك المركزي عن إطلاق منصّة إلكترونية تهدف إلى تسهيل التحويلات الخارجية وبيع الدولار النقدي للمسافرين، حيث ساعدت هذه المنصة في تسهيل تمويل التجارة الخارجية وضمان توفير العملة الأجنبية للمستفيدين الحقيقيين، مما ساهم في تحقيق إستقرار أسعار الصرف.
وفي سياق تعزيز التحوُّل الرقمي، أتاح البنك المركزي فتح حسابات فرعية لمزودي خدمات الدفع الإلكتروني مرتبطة بالحساب الرئيسي للبنك لدى مصرف JPMorgan، كما طوّر البنية التحتية الأمنية لأنظمة الدفع بالتجزئة وأطلق منصّة لبيع السبائك والمسكوكات الذهبية، مما ساهم في تحسين كفاءة وأمان الخدمات المصرفية.
وفي مجال الأمن السيبراني، إعتمد البنك المركزي سياسات متقدمة لتعزيز الحماية الإلكترونية في القطاع المصرفي. وقد تضمّنت هذه الجهود إنشاء شعبة متخصّصة للمراقبة والإستجابة والتحليل السيبراني، وتطوير أدوات مركز إدارة الأمن السيبراني بهدف تعزيز الثقة بالنظام المصرفي، وتدعم إستقراره في مواجهة التحدّيات الرقمية الحديثة. تُبرز كل تلك الإجراءات إلتزام البنك المركزي تعزيز الشمول المالي، وتطوير البنية التحتية المالية، وتحقيق الإستقرار في النظام المصرفي العراقي.
مؤشرات السلامة المالية
تُعد نسبة كفاية رأس المال من أبرز المؤشرات المستخدمة لتقييم متانة النظام المصرفي، وهي تعكس مدى قدرة المصارف على إمتصاص الصدمات المالية المحتملة. وقد سجلت هذه النسبة في العراق مستوى مرتفعاً بلغ نحو 30 % في نهاية العام 2024، ما يشير إلى وجود هامش أمان جيد يفوق الحد الأدنى الموصى به من قبل بازل 3، والبالغ 8 %. هذه النسبة العالية توحي بأن المصارف العراقية تتمتع برأسمال كاف لمواجهة المخاطر المحتملة، لكنها قد تعكس أيضاً ضعفاً في توظيف الموارد في الأنشطة الإئتمانية والإستثمارية.
كما أن متوسط نسبة كفاية رأس المال الأساسي (Tier 1 Capital) بلغ 25.5 %، وهو ما يُظهر أن الجزء الأكبر من رأس المال يتمتع بجودة عالية ويأتي من مصادر مستقرّة، مثل رأس المال المدفوع والأرباح المحتجزة. هذه النسبة تُعزّز الثقة في متانة النظام، لكنها تستوجب مقاربة توازن بين الحيطة والتوظيف الفعّال لرأس المال.
أما بالنسبة إلى القروض المتعثّرة، فقد إرتفعت إلى 16.6 % من إجمالي القروض في نهاية العام 2024، مقارنة بـ14.6 % في نهاية العام 2023. ويعكس هذا الإرتفاع إستمرار الضغوط الإئتمانية وضعف جودة الأصول، مما يشير إلى تحدّيات في إدارة المحفظة الإئتمانية وضرورة تعزيز إجراءات التحصيل والمراجعة الإئتمانية.
من جهة أخرى، بلغ العائد على الأصول نحو 5.0 %، وهو معدّل مرتفع نسبياً مقارنة بالمتوسطات الإقليمية والدولية. هذا المؤشر يعكس قدرة القطاع المصرفي على تحقيق أرباح جيدة من أصوله، وقد يكون مرتبطاً بعوائد إستثمارية عالية أو إنخفاض حجم الأصول العام، ما يستدعي تحليل مكونات الربحية بشكل دقيق.
أما بالنسبة إلى مؤشر السيولة، فقد بلغ متوسط نسبة الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول حوالي 48.1 %، وهو مستوى مرتفع يدل على قدرة المصارف على الوفاء بإلتزاماتها قصيرة الأجل. إلاّ أن هذا المستوى العالي من السيولة قد يشير أيضاً إلى ضعف في التوظيف الإستثماري أو الإئتماني، مما قد يقلّل من فرص النمو والربحية إذا استمرت السيولة في البقاء غير موظفة بشكل فعّال.
تُظهر المؤشرات المالية في مجملها أن النظام المصرفي العراقي يتمتع بقدر عال من رأس المال والسيولة، ما يُوفر له قدرة جيدة على مواجهة الأزمات المحتملة. ومع ذلك، فإن بقاء نسب القروض المتعثّرة عند مستويات مرتفعة نسبياً، إلى جانب الحاجة لتحسين كفاءة استخدام الموارد، يشير إلى أن الإستقرار المالي لا يزال يتطلّب مزيداً من الجهود في مجالات الحوكمة، وإدارة المخاطر، وتوسيع الائتمان المنتج.
دور البنك المركزي العراقي في دعم التنمية المستدامة وتطوير القطاع المصرفي
يُواصل البنك المركزي العراقي أداء دور إستراتيجي في تعزيز مسار التنمية المستدامة في العراق، من خلال تبنّي سياسات ومبادرات متكاملة تهدف إلى تطوير القطاع المصرفي وتعزيز الإستقرار المالي والنمو الاقتصادي الشامل. وقد أظهر التقرير الطوعي الرابع للبنك جهوده المستمرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث ركّز على تعزيز الشمول المالي عبر توسيع نطاق الخدمات المصرفية للفئات الضعيفة والمهمشة، لا سيما النساء والشباب، من خلال مبادرات التثقيف المالي، والتوسُّع في خدمات الدفع الإلكتروني، وإطلاق برامج التمويل الصغير لدعم رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة.
وقد حقق العراق تقدماً ملحوظاً في مجال الشمول المالي، حيث إرتفعت نسبة الشمول المالي إلى 48.5 % في العام 2024، مع إستمرار المساعي للوصول إلى نسبة 60 % في حلول العام 2025. ويشير مفهوم الشمول المالي إلى قدرة الأفراد على الحصول بسهولة على خدمات ومنتجات مالية متنوّعة، مثل الإيداع والإقتراض ودفع الفواتير والإدخار وخدمات التأمين. وقد أسهم تطور البنوك الرقمية بشكل ملحوظ في تحقيق هذه الزيادة، من خلال توفير خدمات مالية مبسطة ومرنة عبر التطبيقات والمنصات الإلكترونية، مما أتاح لعدد أكبر من المواطنين فتح حسابات مصرفية والوصول إلى الخدمات المصرفية بسهولة. وقد تضاعف عدد الحسابات المصرفية في العراق من نحو 6 ملايين حساب في العام 2020 إلى أكثر من 13 مليون حساب في حلول العام 2023، مما يعكس نجاح السياسات المصرفية الحديثة في توسيع قاعدة المتعاملين مع القطاع المصرفي.
في الإطار ذاته، عمل البنك المركزي على تحفيز الإبتكار المالي من خلال دعم التكنولوجيا المالية وتشجيع التحول الرقمي في القطاع المصرفي، بما يُسهم في تحسين كفاءة المعاملات المصرفية وتقليل التكاليف التشغيلية وزيادة الشفافية ومكافحة الفساد. كما أطلق البنك عدداً من المبادرات لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بإعتبارها محركاً رئيسياً للتنمية الإقتصادية وتوفير فرص العمل، مما يعزّز النمو الإقتصادي ويحد من البطالة.
وفي مجال الإستقرار النقدي، اعتمد البنك سياسات نقدية تهدف إلى ضبط مستويات التضخم والحفاظ على إستقرار سعر الصرف ودعم القوة الشرائية للدينار العراقي، إلى جانب تعزيز الإحتياطات الأجنبية لمواجهة الأزمات الاقتصادية المحتملة. كما لعب البنك دوراً بارزاً في دعم التمويل المستدام عبر تشجيع الإستثمارات الصديقة للبيئة، بما يتماشى مع التوجهات العالمية نحو الإقتصاد الأخضر، وذلك من خلال وضع أطر عمل للتمويل الأخضر وإطلاق مبادرات لتمويل المشاريع التي تراعي الجوانب البيئية والإجتماعية.
المصدر: إدارة الأبحاث والدراسات – إتحاد المصارف العربية