د. جهاد أزعور عن إقتصادات المنطقة في ظل الحرب:
فريق صندوق النقد الدولي يعود إلى بيروت لتفعيل الدعم التقني
رغم الصورة القاتمة للحرب الدائرة في غزة وجنوب لبنان، والتوترات الإقليمية الناتجة عن التصعيد الإيراني – الإسرائيلي وحوادث الممرات البحرية والقلق في أسواق الطاقة، تنعكس قدرة الإقتصاد العالمي على الصمود وتراجع الضغوط التضخمية على إقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويبقى حال «عدم اليقين» عنصراً مشتركاً لمسار الأوضاع الإقتصادية وإمتداداً من حرب أوكرانيا إلى المنطقة.
ومواكبةً لتفاصيل خلاصات صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عقب إجتماعات الربيع للعام 2024، التي عقدها بالشراكة مع مجموعة البنك الدولي أخيراً، كان هذا الحوار الصحفي مع مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق الدكتور جهاد أزعور، والذي أكد «أن حرب غزة كانت مؤثرة بالدرجة الأولى على الإقتصاد الفلسطيني، والإقتصادات المجاورة في لبنان والأردن والعراق ومصر».
وقال د. أزعور: «لقد برز تأثُّر بيّن في القطاع السياحي الذي كان في الفصل الأول من العام 2024، أكبر منه في الفصل الرابع من العام 2023، وأخذ التأثير على القطاع التجاري منحى تصاعدياً، وخصوصاً مع إزدياد العمليات في البحر الأحمر، حيث تراجعت وتيرة النقل البحري بدرجة كبيرة جداً، ولا ننسى أن ثلث النقل البحري للحاويات يمرُّ في البحر الأحمر عالمياً. كما أن جزءاً أساسياً من التجارة النفطية والغازية يمرّ في هذه المعابر. من هنا، تتمحور التأثيرات التجارية حول 3 نتائج: أولاً، إرتفاع التكاليف، ثانياً، تحوُّل أو تحويل الحركة التجارية إلى معابر أخرى، إضافة الى التأثير المباشر على الدول التي تملك موانئ في هذه المنطقة المتوترة».
وتابع د. أزعور: «إن المحورين الأخيرين لتأثير الأزمة يتمثّلان في الأسواق المالية وأسواق النفط التي تأثرت بطريقة أقلّ، بحيث كان هناك تذبذب في الأسعار في المرحلة الأولى، ثم عادت الأسواق إلى الإستقرار. أما بالنسبة إلى القطاع النفطي، فيعود الأمر الى وجود إحتياطات فائضة اليوم في الأسواق، وبالنسبة إلى الأسواق المالية فقد كانت حركة رؤوس الأموال مستقرة خلال هذه المرحلة. لذلك، يمكن القول بعد ستة أشهر من إندلاع الحرب، إن تأثيرها سيتغيّر حسب وتيرة توسّع الأزمة أو تعمّقها. ويبقى أن العنوان الاساسي لهذا العام هو عدم اليقين والترقب».
وعن مستوى تحصّن اقتصادات المنطقة لمواجهة تعمّق الأزمة، وذلك بتجزئة المشهد بين الدول، أوضح د. أزعور «أن الوضع الإقتصادي في المنطقة يجب أن يكون على محاور عدة. فمن دون شك، إن الدول التي تعاني أزمات مثل السودان أو اليمن أو سوريا أو ليبيا، تأثرت أوضاعها نظراً إلى حال عدم الإستقرار. فالسودان يعيش واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية والإجتماعية، وأيضاً على الصعيد الإقتصادي تراجعت كل المؤشرات الإقتصادية، التضخم يفوق 150 %، و60 % من المواطنين باتوا بحاجة الى دعم إنساني.
أما أوضاع دول كالمغرب ومصر والأردن ولبنان فتختلف، إذ إن هناك مجموعة من الدول إستمرت بالمحافظة على الإستقرار وتعزيز الفرص بسبب الإجراءات التي أمّنت حماية الإقتصاد. كما أن دولاً مثل الأردن والمغرب حافظت على الإستقرار، وحالها تحسّنت».
وتابع د. أزعور: «هناك دول تشهد نسبة ديون مرتفعة مثل مصر وتونس، عليها الإستمرار في معالجة التحدّيات، ومنها التضخُّم الذي يؤدّي إرتفاعه الى تبعات إجتماعية، كذلك تبرز التحديات في إيران وباكستان. ويجب على الدول التي ترزح تحت وطأة ديون مرتفعة، أن تعالج الديون لأن ارتفاع الفوائد عالمياً يأخذ من مدّخرات الإقتصاد التي يُمكن أن تستخدم لدعم قضايا إجتماعية أو إقتصادية».
وعن مقاربته وضع إقتصاد لبنان اليوم على وقع حرب الجنوب، وإستمرار إعاقة الأزمة السياسية إقرار القوانين الإصلاحية، وماذا عن مصير التفاوض مع صندوق النقد الدولي، قال د. أزعور: «إن الوضع الإقتصادي تأثر بفعل حرب غزة، ولا سيما القطاع السياحي المهم للبنان، كذلك برز تضرّر قطاع الزراعة، وتأثيرات النزوح الداخلي لأهالي القرى. وقد أُضيف هذا الواقع إلى تحدّيات ومشاكل أخرى تراكمت خلال الأعوام الماضية، وأدّت إلى تراجع في حجم الإقتصاد وإلى إرتفاع في مستويات التضخُّم وتراجع الأوضاع الإجتماعية. يُضاف إلى ذلك أن لبنان يعاني مشكلة لجوء ونزوح تزيد الضغوط على الوضع الإقتصادي والإجتماعي فيه. ومعالجة هذه الأزمات تتطلب إصلاحات حتماً».
وأضاف د. أزعور: «لا يُمكن للدورة الإقتصادية أن تعالج كل هذه الأزمات، لذا لا بدّ من تسريع عملية الإصلاحات. وهذا عنوان التعاون الجاري بين صندوق النقد ولبنان، لجهة تحديد أولويات الاصلاح. ومن خلال المشاورات والدعم التقني، سيتم تأمين القدرة على بناء مشاريع إصلاحية أساسية. وأيضاً من خلال الإتفاق الذي جرى التوصل إليه قبل عامين. هدفنا تسريع وتيرة الإصلاح وتكبير حجم الدعم الدولي للبنان. ومن المتوقع وصول فريق عمل الصندوق الى لبنان الذي كان قد غادره بسبب المخاطر الأمنية، لإستكمال تفعيل المساعدة في تقديم الدعم التقني المطلوب، وهو الفريق الذي يعمل في المكتب الاقليمي لتقديم المعونة التقنية الذي إفتتحه الصندوق في لبنان».
مصر… مسار الإصلاح
عن الدينامية الأخيرة للإتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي والتعويل العملي على تطبيق الإصلاحات، قال د. أزعور: «إن العلاقة مع مصر قديمة ومبنية على دعم كبير قدمه الصندوق لمصر خلال مراحل عدة، ولا سيما أن القاهرة واجهت صدمات خارجية، وتأثرت بإرتفاع الأسعار العالمية وحرب أوكرانيا وجائحة كورونا التي فاقمت التضخُّم. وكانت هناك حاجة للقيام بمسارين، أولاً لحماية الإقتصاد الوطني، وهنا أهمية مرونة سعر الصرف الذي أتى حماية للإقتصاد، وكانت له إنعكاسات إيجابية سريعة، ولا سيما لجهة ردم الهوة في سعر الصرف، وإعادة ضخ العملات وتحويلات المغتربين وإعطاء ثقة للمستثمرين.
ثانياً، العمل من خلال السياسة النقدية لخفض مستوى التضخُّم. ونتحدث أيضاً عن توسيع حجم الإقتصاد وهندسة دور الدولة وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص، والمنافسة بين القطاعين الخاص والعام، وهي عناصر أساسية بُنيت الثقة على أساسها وتحرك الإقتصاد وحصل دعم إضافي لدعم الصندوق من دولة الإمارات العربية المتحدة والبنك الدولي والإتحاد الأوروبي. وقد إستجاب القطاع الخاص من خلال تدفق رؤوس الأموال. وفي محصلة هذا السيناريو، نتطلّع إلى النتائج، ومن أبرزها خلق فرص عمل للشباب والمرأة، وهو في صلب ما يركّز عليه الصندوق».
الخليج وتنويع المصادر
تحدث د. أزعور عن إثبات دول مجلس التعاون الخليجي قدرةً على التكيّف، متناولاً تسريع وتيرة تنويع مصادر دخل الدولة بمردوداته الايجابية، وقال: «في السنوات الماضية، إرتفع النمو من القطاع غير النفطي وأصبح قاطرة للإقتصادات الخليجية. ورغم تقلُّبات سعر النفط، بقيت الحركة الإقتصادية مستقرة، تُضاف إلى ذلك مجموعة من الإستثمارات التي وسّعت الأفق، مستندة إلى إصلاحات خلقت الفرص. وإذا أخذنا السعودية مثالاً، فقد إرتفعت نسبة مشاركة المرأة في الإقتصاد، وإنخفضت نسبة البطالة لدى الشباب. وينتج هذا التوازن أيضاً خليجياً عن الإنفتاح الإقتصادي من خلال توسيع رقعة التعاون مع الشرق، من الصين إلى أفريقيا. وقد برزت تأثيرات محدودة لإتفاق «أوبك بلس» لجهة عائدات سوق النفط، وأثبت الخليج قدرة على الإنفتاح والتنوّع وسط المتغيّرات الجيوإقتصادية».
أسواق الطاقة
وأوضح د. جهاد أزعور «لم تكن الأعوام الماضية سهلة على أسواق الطاقة، من أزمة كورونا إلى الحرب على أوكرانيا التي غيّرت المنطقة، نظراً إلى إيقاف الإمدادات من روسيا وإرتفاع المخاطر السياسية. وبسرعة مشهودة، تمكّنت أوروبا من تنويع مصادر الغاز من مصادر كالجزائر وأذربيجان وقطر والولايات المتحدة. هنا ثبت أن أسواق النفط قادرة على التكيّف بسرعة وتتفاعل مع مستويات التضخم وحركة العملات. ولا شك في أن هناك خطراً في تعميق التصعيد في حرب أوكرانيا أو غزة، لكننا حتى الآن نرى تكيّفاً واسعاً في إدارة القطاع».
عمل صندوق النقد
وعن ضرورة إعادة صندوق النقد الدولي النظر في آليّة عمله، وخصوصاً أنه يعلن عمله خدمةً للشعوب، والتي ترزح أحياناً تحت حكم سلطات واقعة في أزمات مفتوحة وتتحكم في مسارها، قال د. أزعور: «إن الصندوق في حالة مراجعة دائمة لعمله»، مذكّراً بأنه «خلال جائحة كورونا طوّر آلية جديدة لدعم الدول، وتم الإفراج عن مئة مليار دولار في غضون عام، وقد حصلت تونس بعد 3 أسابيع من «كورونا» على 750 مليون دولار، وفي الأردن جرى إعادة ترتيب البرنامج، وحصل المغرب على 3 مليارات بعد 3 أشهر، ومصر على 8 مليارات في العام 2020. كذلك فإن حجم تمويل الصندوق للمنطقة هو من أعلى المرات في العالم اليوم، وقد بلغ 40 مليار دولار كتمويل مباشر، أضف إلى 35 ملياراً وُزّعت كوحدات سحب خاصة لمعالجة مشكلة السوق».