منافع العصر الرقمي للجميع
(العربية)-25/03/2024
*أكسيل فان تروتسنبرج
تمثل التكنولوجيات الرقمية حقبة جديدة في العمل الإنمائي، من خلال إحداث أثر تحويلي في الاقتصادات، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى معيشة الجميع، بما فيها الفئات الأكثر احتياجا ومن يعيشون في المناطق النائية من السكان.
وكان لهذه التكنولوجيات أثر كبير في تغيير الطريقة التي نتواصل بها مع بعضنا بعضا، وكيف ندير أعمالنا، وأيضا كيف نتعامل مع البيئة. وأمام المجتمع الدولي فرصة غير مسبوقة لمساعدة البلدان النامية على الحصول على نصيبها من منافع الرقمنة مع التخفيف من حدة المخاطر وضمان أن نتمكن من سد الفجوة الرقمية بالعمل يدا بيد من خلال تسريع وتيرة الاستثمارات وإنجاز الإصلاحات على مستوى السياسات. ولم يعد تبني الرقمنة مجرد خيار، بل أصبح ضرورة، فالخدمات الحيوية التي تساند التنمية، مثل المستشفيات والمدارس والبنية التحتية للطاقة والزراعة، تعتمد جميعها على الاتصال الإلكتروني والبيانات. وبدون القدرة على الاتصال بالإنترنت أو توافر المهارات اللازمة للاستخدام الفعال للتقنيات الرقمية، فإن كثيرين، مع الأسف، لا يمكنهم اللحاق بالتطورات التي يشهدها عالمنا الحديث.
وبإمكان إتاحة منافع العصر الرقمي الجديد للجميع أن تسهم في تشكيل عالم أكثر شمولا واستدامة وقدرة على الصمود لمصلحة أجيال عديدة قادمة. ولا يمكن إنكار أهمية البيانات وسرعتها، فعندما يصبح الاتصال بالإنترنت سريعا، يزيد احتمال حصول الأشخاص على فرص العمل بنسبة 13 %، ويمكن لمؤسسات الأعمال أن تضاعف صادراتها إلى أربعة أمثالها تقريبا، كما أن ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت السريع يساعد على انكماش رقعة الفقر المدقع.
وتعود التكنولوجيات الرقمية أيضا بالنفع على الكوكب، فمن الممكن أن يؤدي استخدامها إلى خفض الانبعاثات بنسبة قد تصل إلى 20 % بحلول 2050 في القطاعات الثلاثة الأعلى كثافة، وهي الطاقة والمواد والنقل. وفي ظل هذه الظروف العالمية، كان هناك تفاوت في التقدم الرقمي، ما أدى إلى تفاقم الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون.
فلا يزال ثلث سكان العالم غير متصلين بالإنترنت، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع إتاحة الاتصال بالإنترنت لنسبة 90 % من سكان البلدان مرتفعة الدخل. وبينما تقوم مؤسسات الأعمال في البلدان المتقدمة بدمج تطورات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها وخدماتها، فإن أقل من نصف نظيرتها في كثير من البلدان النامية تستطيع الاتصال الأساسي بالإنترنت، كما أنها تعاني البطء الشديد في الخدمة عندما تنجح في الاتصال بالشبكة.
وتعد الفجوة الرقمية في الإنتاج أكثر وضوحا، ففي حين ينمو القطاع الرقمي بسرعة تعادل ضعف سرعة نمو الاقتصاد العالمي ويوجد عشرات الملايين من فرص العمل الجديدة، يستحوذ بلدان رائدان فقط على أكثر من نصف القيمة الناشئة عن هذا القطاع. وقد تضاعف استخدام المنتجات والخدمات الرقمية كمدخلات إنتاج في البلدان مرتفعة الدخل والشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل خلال العقدين الماضيين، لكنه زاد بشكل طفيف في البلدان منخفضة الدخل.
ويجب علينا أيضا أن نستعد لإدارة المخاطر الجديدة المرتبطة بالرقمنة، حيث يمكن أن يؤدي تسريع وتيرة التحول الرقمي إلى الاستغناء عن الأيدي العاملة، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي والخوارزميات بإمكانها نشر معلومات مضللة. أضف إلى ذلك أن كل جهاز ونظام إضافي يتصل بالإنترنت يمثل نقطة ضعف جديدة في الأمن السيبراني، علاوة على أن الرقمنة السريعة تؤدي إلى زيادة استهلاك الكهرباء وانبعاثات غازات الدفيئة.
إن التركيز على الأساسيات وسرعة العمل أمران أساسيان لتحقيق تلك المكاسب. ويعد تسريع وتيرة الاستثمار في مراكز البيانات واستخدام الاتصال الإلكتروني عالي السرعة أمرا لا بد منه لدفع عجلة الاقتصاد الرقمي. فلا يمكن لإفريقيا أن تزدهر في عصر الذكاء الاصطناعي ونصيبها من قدرة مراكز البيانات على مستوى العالم لا يتجاوز 2 %، بينما تبلغ نسبة سكانها 17 % من عدد سكان العالم.
إن التحول الرقمي العالمي يسير بسرعة البرق، لكن الفجوة الرقمية تحجب الفرص ذات الأثر التحويلي للحصول على الخدمات، وإيجاد القيمة، وخفض الانبعاثات عن كثير من الأشخاص ومؤسسات الأعمال. وحان الوقت للمجتمع الدولي لكي يبدأ في العمل الجماعي من أجل رسم مسار إنمائي جديد استعدادا لمزيد من التكنولوجيا الرقمية الإحلالية التي يتعين على جميع البلدان التعامل معها على مدى العقود المقبلة.