رسوم ترامب وخارطة الطريق للدول العربية
(اخبار الخليج)-14/04/2024
نتابع باهتمام التطورات الاقتصادية والمالية المتسارعة بعد إعلان الرئيس ترامب فرض ضرائب إضافية على دول العالم، وما أشعلته من حروب خاصة بعد قيام عدد من الدول وخاصة الصين باتخاذ إجراءات مماثلة.
لقد أحدثت هذه التطورات اضطرابات كبيرة في العلاقات التجارية الدولية بالإضافة إلى زيادة التكاليف على الشركات والمستهلكين حول العالم، حيث واجهت بعض الصناعات صعوبةً في التكيّف مع التحديات الجديدة على صعيد التجارة العالمية.
كما أسهمت الرسوم الجمركية أيضاً في تقلبات السوق، مع خسائر فادحة في قيمة الأسهم العالمية ومخاوف من ركود محتمل. وبينما تتفاوض بعض الدول على إعفاءات أو تخفيضات للرسوم الجمركية، كان التأثير الإجمالي مزيجاً من الضغوط الاقتصادية وإعادة تقييم الاستراتيجيات. وتؤدي هذه التأثيرات المتتالية إلى إعادة تشكيل ديناميكيات التجارة الدولية، حيث تقوم البلدان بإعادة تقييم سياساتها الاقتصادية وتحالفاتها.
وما يهمنا في هذه المقالة إلقاء نظرة أولية على تأثير هذه التطورات على الاقتصادات العربية. فقد تم فُرض على رسوم جمركية على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين بنسبة 10% على صادراتها إلى الولايات المتحدة، وهي رسوم منخفضة نسبياً مقارنةً بالمناطق الأخرى. في المقابل، فُرضت على دول مثل سوريا والعراق والجزائر رسوما جمركية أعلى بكثير، تراوحت بين 30% و41%، بسبب اختلالات تجارية ملحوظة.
بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وفّر إعفاء صادرات النفط والغاز من الرسوم الجمركية ارتياحا لها، لما لهذه القطاعات من أهمية حيوية لاقتصاداتها. ومع ذلك، واجهت القطاعات غير المرتبطة بالطاقة، مثل الالمنيوم والبتروكيماويات والإلكترونيات والسيارات والسلع الاستهلاكية، ارتفاعاً في التكاليف، مما قد يُضعف قدرتها التنافسية. في المقابل، عانت الدول التي فُرض عليها رسوم جمركية مرتفعة، مثل الأردن وتونس، من ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي.
واستجابت الدول العربية للرسوم الجمركية الجديدة بمزيج من التفاوض والتكيّف الاستراتيجي. ولكون دول مجلس التعاون الخليجي واجهت رسوماً جمركية منخفضة نسبياً، فقد قلل ذلك التأثير الاقتصادي المباشر. ومع ذلك، ركزت هذه الدول على الحفاظ على علاقات تجارية قوية مع الولايات المتحدة، مستفيدة من صادراتها من النفط والغاز، التي كانت معفاة من الرسوم الجمركية، لكن التأثير الأكبر سيكون فيما سوف ينجم عن انخفاض أسعار النفط وانخفاض قيمة الدولار من تأثير مباشر على الإيرادات النفطية المقومة بالدولار. واجهت دول عربية أخرى، مثل الأردن وتونس، رسوماً جمركية أعلى، على سلع معينة، ما أدى إلى ضغوط اقتصادية وتضخمية. وتسعى الدول العربية الى تنويع الشراكات التجارية وتعزيز التعاون الإقليمي للتخفيف من الآثار. بشكل عام، كانت الاستجابة عملية، حيث وازنت الدول العربية بين المصالح الاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية.
ويضع اتحاد المصرف العربية في دراسة أصدرها حديثا خارطة طريق لمواجهة تحديات الرسومات الجمركية الجديدة، تشمل مزيجاً من التعديلات الاستراتيجية والتدابير الاستباقية كما يلي:
- تنويع سلاسل التوريد: يجب على الشركات في الدول العربية تحويل مصادرها من المناطق ذات التعريفات الجمركية المرتفعة مثل الصين إلى أسواق بديلة في جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية مما يُقلل الاعتماد على منطقة واحدة ويُخفف المخاطر.
- نقل الإنتاج إلى مناطق قريبة وداخلية: ينبغي على الشركات في الوطن العربي نقل إنتاجها إلى مناطق أقرب إلى موطنها أو داخل بلدانها مما يُقصّر سلاسل التوريد، ويُخفّض تكاليف النقل، ويُحسّن الامتثال للوائح التنظيمية.
- إدارة التكاليف: ينبغي على الشركات في العالم العربي استكشاف سبل استيعاب أو تعويض ارتفاع التكاليف. ويشمل ذلك إعادة تصنيف المنتجات لتأهيلها لتخفيض التعريفات الجمركية، أو تحميل المستهلكين التكاليف عند الإمكان، أو استخدام الأدوات المالية للتحوط من ارتفاع الأسعار.
- التفاوض على اتفاقيات التجارة: ينبغي على الدول العربية الدخول في مفاوضات ثنائية للحصول على إعفاءات أو خفض الرسوم الجمركية. يُسهم هذا النهج الدبلوماسي في الحفاظ على العلاقات التجارية مع الحد من الآثار الاقتصادية.
- الاستثمار في الإنتاج المحلي: تعمل بعض الصناعات على تكثيف التصنيع المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات. هذا لا يُجنّب الرسوم الجمركية فحسب، بل يدعم أيضاً الاقتصادات المحلية.
- استكشاف أسواق جديدة: ينبغي على الشركات في العالم العربي التوسع في أسواق جديدة لتعويض الخسائر في المناطق المتأثرة بالرسوم الجمركية. يُسهم هذا التنوع في الحفاظ على تدفقات الإيرادات.
وتمثل هذه الاستراتيجيات محكا للدول العربية لإظهار قدرتها على التكيف والابتكار في التعامل مع التحديات التي تفرضها الرسوم الجمركية الجديدة.