أكد محمد الاتربى، رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية، والرئيس التنفيذى للبنك الأهلى المصرى، أن المنطقة العربية تعيش فى عالم مضطرب تسوده الضبابية، وحالة عدم اليقين، وتنعكس هذه الحالة على معظم الدول العربية، حيث إن الدول والشعوب مصابة مباشرة، وتمر فى فترة مخاض خطيرة، خصوصًا أن أصول اللعبة الدولية تتم على الأراضى العربية، وأصبح التهديد تهديدًا إستراتيجيا، يتناول النواحى الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وفى خضم هذه الظروف الاستثنائية لا بد من البحث عن الحلول التى تخفف من معاناة مجتمعاتنا، وتعالج أزماتنا الاقتصادية والمالية كمنطلق للدفع فى عجلة التنمية وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. جاء ذلك خلال المؤتمر المصرفى العربى تحت عنوان الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل الاقتصاد والذى عقد بالقاهرة، وأضاف أن التحديات الاقتصادية التى نواجهها تتطلب حلولًا مبتكرة، ولا شك في أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تشكل ركيزة أساسية لدفع عجلة النمو، وتحقيق التوازن بين الاستثمار الفعال والخدمات ذات الجودة العالية. هذه الشراكة ليست مجرد خيار، بل ضرورة تفرضها الحاجة إلى موارد تمويلية مستدامة، وإلى توظيف الخبرات والكفاءات لضمان تنفيذ المشاريع الكبرى بكفاءة وفعالية.
وقال، الاتربى، إننا اليوم، أمام فرصة ذهبية لتعزيز بيئة الأعمال، وتوفير مناخ استثمارى جاذب، من خلال أطر قانونية وتنظيمية واضحة تحفز مشاركة القطاع الخاص فى مشاريع البنية التحتية، والخدمات الأساسية، وغيرها من القطاعات الحيوية. فالتجارب العالمية أثبتت أن الشراكة الناجحة بين القطاعين تسهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية، وخلق فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة. موضحا أن التجارب العربية بشكل عام، والمصرية بشكل خاص، شكلت فى اعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص أداة إستراتيجية لتمويل الاقتصاد، من خلال مساهمتها فى تمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة، وأثبتت هذه التجارب فعالية هذه الشراكة فى تمويل وتنفيذ مشاريع اقتصادية وتنموية كبرى.
فعلى سبيل المثال، فإن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة فى جمهورية مصر العربية، يعتمد بشكل كبير على استثمارات القطاع الخاص فى بناء البنية التحتية والمرافق الحيوية، وهناك مشروع محطات الطاقة فى بنى سويف الذى تم تنفيذه بالشراكة مع شركة «سيمنز»، ما عزز إنتاج الكهرباء بشكل كبير، كذلك مشروع الموتوريل الذى يربط العاصمة الإدارية بالقاهرة الكبرى، وتم تنفيذه بالشراكة مع شركات عالمية مثل «السنوم».
وأوضح أن هذا النموذج المصرى يظهر أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن تكون أداة قوية لتحقيق التنمية المستدامة إذا تم تطبيقها بشكل سليم، خصوصًا، وأنها تتميز بمقدرتها على توفير التمويل اللازم لمشاريع البنى التحتية والخدمات العامة من دون أن تتحمل الحكومات الأعباء المالية بالكامل، ما يقلل من الضغط على الميزانية العامة. كما أنها تسهم فى تحسين جودة الخدمات من خلال استفادة القطاع العام من خبرات وكفاءة القطاع الخاص فى تنفيذ المشاريع وتشغيلها بفعالية أعلى، إضافة إلى مساهمتها فى تحفيز الاستثمار المحلى والأجنبى، حيث توفر هذه الشراكة بيئة استثمارية جاذبة وآمنة للمستثمرين، ما يشجع على تدفق رؤوس الأموال إلى الاقتصاد.
وقرار مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية (المؤلف من 20 دولة عربية) فى اجتماعه خلال ديسمبر الماضى باختيار بالإجماع منح محـافظ البنـك المركـزى المصـرى حسـن عبدالله جائزة «محافــظ العــام 2025» وستكون مراسم التكريم خلال افتتاح أعمال القمة المصرفية العربية الدولية لعام 2025 فى باريس، فى 20 يونيو 2025، تحت رعاية رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون.
وأعلن اتحاد المصارف العربية انتخاب محمد الأتربى الرئيس التنفيذى للبنك الأهلى المصرى، واتحاد بنوك مصر رئيسا لمجلس إدارة الاتحاد لولاية ثانية لمدة 3 سنوات وبالإجماع، وانتخاب الدكتور زياد خلف، رئيس بنك التنمية الدولى ممثل العراق وعبدالمحسن الفارس ممثل السعودية نائبين لرئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية.
تتشارك مؤسسات مالية وإنمائية دولية في رفع منسوب الترقبات الإيجابية الخاصة بالاقتصاد اللبناني، من دون التخلي عن موجبات التحوّط والحذر، ربطاً بفاعلية واستهدافات التغييرات السياسية الكبيرة بعد انتهاء الحرب، وشروع السلطات التنفيذية والتشريعية في ترجمة التعهدات بتنفيذ إصلاحات بنيوية واسعة النطاق، إلى جانب إنعاش التواصل والمفاوضات الهادفة إلى عقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.
نمو للمرة الأولى منذ 2017
وتوقّع البنك الدولي، في تقرير محدث، أن يسجّل لبنان، وللمرة الأولى منذ عام 2017، نموّاً اقتصادياً نسبته 4.7 في المائة خلال العام الحالي، مدعوماً برزمة من الإصلاحات وتعافي القطاع السياحي والتحسّن في الاستهلاك وتدفّقات محدودة لإعادة الإعمار، ومحفزاً بتشكيل حكومة جديدة ملتزمة بالإصلاحات، مما شكّل فرصة مهمّة لمعالجة أزماته من خلال خطة تعافٍ شاملة.
بدوره، وضع صندوق النقد الدولي حداً فاصلاً لتباين التقديرات بشأن حجم الناتج المحلي اللبناني، ليحددها عند مستوى 28.28 مليار دولار بنهاية العام الماضي، عقب احتساب حصيلة رحلة الانكماش المتواصلة خلال خمس سنوات متتالية، التي أفضت إلى هبوط حاد من سقف 50.93 مليار دولار عشية انفجار الأزمات المالية والنقدية، أي ما يوازي خسارة 22.65 مليار دولار.
ويمثّل صدور التقدير عن المرجعية الدولية مؤشراً موثوقاً لدى المؤسسات المالية ووكالات التقييم الائتماني، كما لدى السلطات المحلية والقطاع المالي، بخلاف الاعتماد على تحليلات متعارضة استنتج بعضها انحدار حجم الاقتصاد الوطني إلى عتبة قريبة من 20 مليار دولار، في حين قلّل بعضها الآخر من حدّة نسب الانكماش الفعلي، استناداً إلى صعوبات تتبع بيانات نمو الاقتصاد النقدي الذي يتعدى مستوى 10 مليارات دولار، وسيطرة الاقتصاد الموازي على حصة وازنة من الأنشطة وتدفق الأموال والمعاملات التجارية من خارج القطاع المالي الشرعي.
«الإسكوا»
بالتوازي، تم تحديث الترقبات الخاصة بالاقتصاد اللبناني ضمن التقارير الدورية الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغربي آسيا (الإسكوا)، لتحمل توقعات بنموّ الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 1.4 في المائة خلال العام الحالي، يتبعه نمو أعلى يبلغ 2.1 في المائة للعام المقبل، ضمن سيناريو متمحور حول انتهاء العدوان الإسرائيلي على البلاد، مع توقّعات بانخفاض معدّلات التضخّم من 52.5 في المائة خلال العام الماضي إلى 10 في المائة خلال العام الحالي، و5 في المائة للعام المقبل.
ومن المتوقّع، وفق تقرير «الإسكوا»، أن ينخفض العجز المالي إلى نسبة 9.2 في المائة من الناتج المحلي خلال العام الحالي، ثم إلى نسبة 7.4 في المائة في العام المقبل، بعدما بلغ نسبة 12في المائة خلال العام الماضي قبل التحسّن الطارئ على الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني بعد الحرب. في حين قدّر صندوق النقد الدولي بأن يكون العجز في الحساب الجاري قد تحسّن من نسبة 23.9 في المائة من الناتج المحلّي في عام 2023، إلى ما نسبته 18.2في المائة بنهاية العام الماضي.
وفي المقابل، تستمر توقعات نمو الناتج للسنوات المقبلة رهينة التطورات الداخلية ومدى نجاح العهد الجديد وحكومته الأولى، بعدما أشار البنك الدولي إلى توسع نسبة انكماش الناتج المحلي إلى 7.1 في المائة خلال العام الماضي، بفعل اندلاع الحرب ونتائجها، لترتفع حصيلة التراجع التراكمي للاقتصاد منذ عام 2019، إلى ما يقارب 40 في المائة، ممّا زاد من حجم الأزمة المتعددّة الأبعاد التي تعاني منها البلاد.
وتظل نقطة الضعف في مقاربات المؤسسات الدولية كامنة في توصيف حال «عدم اليقين»، الذي لا يزال طاغياً على النظرة المستقبلية الخاصة بلبنان واقتصاده، حسب مسؤول مالي معني، ولا سيما مع تواصل العوامل المربكة على الصعيدَيْن السيادي والسياسي وزحمة الاستحقاقات التي تنكب السلطة التنفيذية على مواكبتها تحت وطأة ضغوط ملفات شائكة، وفي مقدمها «حصرية السلاح» ومكافحة الأنشطة الاقتصادية والمالية غير المشروعة ووضع مقاربة فعّالة وعادلة لاحتواء الفجوة المالية البالغة نحو 72 مليار دولار، تُضاف إليها مبالغ تناهز 11 مليار دولار لاحتياجات الإعمار بعد الحرب الأخيرة.
وبالفعل، حجب صندوق النقد الدولي تقديراته لنمو الناتج المحلي اللبناني للأعوام المقبلة وحتى سنة 2030، متذرعاً باستمرار «الضبابية الشديدة» حول الأوضاع الاقتصادية. في حين قدّر نسبة الانكماش المحقّقة خلال العام الماضي عند مستوى 7.5 في المائة، بعد انكماش جزئي بنسبة 0.7 في المائة للعام 2023، وتسجيل نمو متواضع في العامَيْن 2021 و2022 بنسبة 2 و1 في المائة على التوالي.
فائض محدود في الموازنة
وفي سياق متصل، توقّع البنك الدولي تسجيل فائض محدود في الموازنة العامة بنسبة 0.5 في المائة خلال العام الماضي، نتيجة تحصيل إيرادات أكثر من المتوقّع ووضع قيود على الإنفاق، حيث بلغت الإيرادات الحكوميّة، والمكونة بنسبة 77 في المائة من الإيرادات الضريبية، نسبة 15.3 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي، متخطّيةً بذلك الأهداف الموضوعة في قانون الموازنة بفضل التحسّن في الجباية.
كما أشار إلى أنّ متوسّط التضخّم السنويّ تراجع إلى 45.2 في المائة خلال العام الماضي، بعدما بلغ حدود 221.3 في المائة في عام 2023، و171.2 في المائة في عام 2022، وذلك بفضل استقرار سعر الصرف. في حين يستمر معدّل العمالة بالتراجع قياساً بعدد المؤهلين للعمل من السكان، حيث يُرتقب أن يصل إلى 37.6 في المائة خلال العام الحالي، مكرساً مسار الهبوط المتدرج من مستواه الضعيف أساساً، والبالغ 40.5 في المائة بنهاية عام 2022.
الواقع والآفاق الإقتصاد الفلسطيني تحت ضغوط كبيرة خلال العام 2025
في ظل إستمرار التحدّيات المرتبطة بالتوترات السياسية والقيود الاقتصادية
شهد الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2024 بأكمله، وتحديداً خلال الربع الثالث منه، تراجعاً حاداً في الأداء نتيجة إستمرار العدوان الإسرائيلي وما نتج عنه من أضرار مباشرة وغير مباشرة على القطاعات الاقتصادية المختلفة، فقد إنخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 30.9% على أساس سنوي، مع تراجع إقتصاد الضفة الغربية بنسبة 19.5% وإقتصاد قطاع غزة بنسبة 86.8%، مما يعكس التأثير الكارثي للأحداث الجارية. ورافق هذا الإنكماش الإقتصادي إرتفاع كبير في معدّلات التضخُّم، حيث وصل إلى 55% على المستوى الوطني، مع تسجيل الضفة الغربية معدل تضخم بلغ 2.7%، بينما شهد قطاع غزة إرتفاعاً حاداً بنسبة 258.4%، متأثراً بشح الإمدادات والقيود المفروضة على دخول السلع الأساسية.
وفي ما يتعلق بسوق العمل، فقد إرتفع معدّل البطالة إلى 48% على المستوى الوطني، حيث بلغ في الضفة الغربية 30.7%، في حين وصلت البطالة في غزة إلى قرابة 80%، وهو ما يعكس توقف معظم الأنشطة الإقتصادية وإنعدام فرص العمل. كما شهدت الأجور تفاوتاً ملحوظاً، حيث إرتفع متوسط الأجر اليومي في الضفة الغربية بنسبة 2.4%، في حين ظل معدّل الأجور في غزة غير متوفر بسبب توقف غالبية النشاط الإقتصادي.
وعلى صعيد المالية العامة، سجّلت الإيرادات العامة والمنح تراجعاً بنسبة 16%، وذلك بسبب تراجع إيرادات الجباية المحلية بنسبة 39.8%، إضافة إلى إستمرار الإقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة. في المقابل، إرتفع رصيد الدين الحكومي بنسبة 30.7% ليصل إلى 4.1 مليار دولار، مما يعكس الضغوط المالية المتزايدة على السلطة الفلسطينية. أما في ما يتعلق بالتجارة الخارجية، فقد سجّل العجز في الحساب الجاري إرتفاعاً حاداً ليصل إلى 6.24% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة إنخفاض تعويضات العمال الفلسطينيين في إسرائيل وصافي الدخل المحوّل من الخارج، حيث إنخفض الأخير بنسبة 79.3% ليبلغ 275 مليون دولار، كما تراجع إجمالي الصادرات والواردات، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري بنسبة 45.2%.
ويُتوقع أن يظل الإقتصاد الفلسطيني تحت ضغوط كبيرة خلال العام 2025، حيث تشير التقديرات إلى إستمرار التحدّيات المرتبطة بالتوترات السياسية والقيود الإقتصادية، فمن المرجّح أن يستمر النمو الإقتصادي في الإنكماش، خصوصاً في ظل غياب إستثمارات جديدة وعدم إستقرار سوق العمل، كما يُتوقع إستمرار معدّلات التضخُّم المرتفعة، خصوصاً في قطاع غزة، نتيجة إستمرار شح الإمدادات.
واقع الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في فلسطين
تُعتبر الحوكمة البيئية والإجتماعية والمؤسسية إطاراً مهماً لضمان إستدامة القطاع المصرفي، حيث تُركز على الإلتزامات البيئية، والمسؤوليات الإجتماعية، ومعايير الحوكمة الرشيدة. وفي فلسطين، أُجريت دراسات لتقييم مدى تطبيق هذه المبادئ في المصارف المحلية، حيث أشارت دراسة بعنوان «مدى تطبيق مبادئ الحوكمة المؤسسية في المصارف الفلسطينية» وفق مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومبادئ لجنة
في خطوة نوعية جديدة لتعزيز مكافحة الجرائم المالية، أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إنشاء غرفة عمليات لاستقبال ومعالجة بلاغات الاحتيال المالي. ويُنظر إلى هذه الخطوة كأداة متقدمة لتعزيز حماية النظام الوطني، ورفع كفاءة الاستجابة للمخاطر المالية، بما يدعم ثقة المستثمرين ويعزز جاذبية السوق السعودية.
وتأتي هذه المبادرة في إطار جهود المملكة المستمرة لمكافحة جرائم الاحتيال المالي على جميع الأصعدة الوطنية والدولية، وفق أفضل المعايير والممارسات العالمية.
وتعدّ السعودية أقل الدول في جرائم الاحتيال المالي التي تزداد وسط توقعات بأن تصل عالمياً إلى 10.5 تريليون دولار هذا العام، بحسب تصريحات لمسؤول بالنيابة العامة نقلتها «وكالة الأنباء السعودية»، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ووفق تعريف البنك المركزي السعودي، فإن الاحتيال عموماً هو «فعل مقصود يهدف إلى الحصول على منفعة غير مشروعة، أو التسبب في خسارة لطرف آخر. ويمكن أن يكون ذلك بسبب استغلال الوسائل الفنية أو الوثائقية، أو العلاقات أو الوسائل الاجتماعية، أو استخدام القوى الوظيفية، أو الإهمال المتعمد، أو استغلال نقاط الضعف في الأنظمة أو المعايير، بشكل مباشر أو غير مباشر».
وأكد مختصون لـ«الشرق الأوسط» أن إنشاء غرفة عمليات لمعالجة بلاغات الاحتيال المالي يشكل تحولاً نوعياً في البنية المؤسسية لمكافحة هذا النوع من الجرائم؛ لما تحمله من دور تنفيذي مباشر يعزز من سرعة التفاعل مع البلاغات، ويرفع من كفاءة التحقيق والتتبع الجنائي. ورأوا أن هذه الخطوة تدعم بيئة الاستثمار في المملكة عبر زيادة الشفافية وتعزيز الثقة في النظام المالي، مما يسهم في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، ويكرّس مكانة السعودية كوجهة اقتصادية آمنة.
تعزيز الأمن المالي
وقال العضو الأساسي لدى الهيئة السعودية للمحامين، المحامي عبد الله السهلي، إن قرار مجلس الوزراء يُعد خطوة محورية في تطوير منظومة الحماية المالية بالمملكة، ويمثل توجهاً عملياً نحو تعزيز الأمن المالي، وتحصين الاقتصاد الوطني من الجرائم المالية العابرة للقطاعات.
وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هذه الغرفة – التي من المزمع تشكيلها وبدء أعمالها قريباً – لن تكون مجرد قناة بديلة لتلقي البلاغات، بل ستكون ذراعاً تنفيذية عليا، تعمل بالتكامل مع الجهات الرقابية، وعلى رأسها البنك المركزي السعودي».
وشرح السهلي أن «ما يميز هذه الغرفة أنها ستتولى استقبال البلاغات الاحتيالية من مصادرها الأولية؛ أي من الأفراد المتضررين، مما يلغي الحاجة إلى المرور بمراحل مطولة لدى البنوك أو المؤسسات المالية، ويضمن سرعة التفاعل مع الحوادث فور وقوعها».
وتابع: «تكمن أهميتها في أنها ستكون مرتبطة بجهاز تنفيذي يملك صلاحيات التحقيق والتتبع الجنائي، مما يعزز من فعالية الإجراءات ويتيح التعامل مع الجريمة المالية من منطلق أمني وقضائي، لا فقط تنظيمي أو إداري».
ومن الناحية القانونية، بيّن السهلي أن إنشاء هذه الغرفة يشكل نقلة نوعية في البنية المؤسسية لمكافحة الاحتيال المالي؛ إذ يُضاف مسار موازٍ للعمل الرقابي الذي يتولاه البنك المركزي والجهات المصرفية. إلا أن هذا المسار يحمل طابعاً جنائياً وتحقيقياً، بما يعني انتقال البلاغات من مجرد إجراءات تسوية مالية داخلية إلى تعامل مباشر مع الجهات المختصة بالتحقيق والرصد والتحليل الجنائي، و«هذا التوجه يعزز الردع ويقلل من التراخي في معالجة قضايا الاحتيال».
وأضاف السهلي أن «هذه الغرفة لا تضعف من صلاحيات البنك المركزي، بل تدعمه وتكمله، من خلال تخفيف العبء عنه في جانب المتابعة الجنائية، والسماح له بالتركيز على دوره الرقابي والتنظيمي». كما أوضح أنها «تتيح للدولة تتبع أنماط الاحتيال، وربطها بجهات داخلية أو خارجية، وهو ما يصعب تحقيقه في الإطار التقليدي للبلاغات عبر البنوك».
وأفاد بأن هذه الخطوة «تعكس وعي الدولة بأن الاحتيال المالي لم يعد مجرد مخالفة داخلية في نظام مصرفي، بل أصبح جريمة تمس الأمن الوطني والاقتصادي، وتتطلب أدوات تدخل ذات طابع قضائي وتنفيذي عالي المستوى»؛ لذا فإن «تشكيل هذه الغرفة يمثل دعامة قانونية ومؤسسية جديدة في سياق أوسع لحماية الأموال، وصون الحقوق، وملاحقة كل من تسوّل له نفسه المساس باستقرار القطاع المالي».
جذب الاستثمارات
بدوره، أبان الرئيس الأول لإدارة الأصول في «أرباح كابيتال»، محمد الفراج، لـ«الشرق الأوسط»، أن قرار مجلس الوزراء يمثل خطوة نوعية ومهمة؛ «نظراً لأهميتها الحيوية في حماية مدخرات الأفراد واستثمارات الشركات من جرائم الاحتيال المالي التي تهدد الثقة في النظام المالي، وتؤدي إلى خسائر فادحة». كما قال إن هذا القرار يعزز كفاءة مكافحة الجريمة المالية من خلال توحيد جهود الجهات المعنية وتسريع وتيرة التحقيقات واسترداد الأموال وتقديم الجناة للعدالة، بالإضافة إلى ردع المحتالين وتقليل حالات الاحتيال في المستقبل.
ولفت الفراج إلى أن هذا القرار ينعكس إيجاباً على البيئة الاستثمارية في المملكة؛ إذ يعزز جاذبيتها كوجهة آمنة وموثوقة للمستثمرين المحليين والدوليين الذين يولون أهمية قصوى لحماية أصولهم، فـ«توفير جهة متخصصة يعزز شعورهم بالأمان والاطمئنان، ويجذب المزيد من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، ويعزز مبادئ الشفافية والنزاهة في السوق المالية، ويقلل من المخاطر المرتبطة بالاستثمار، مما يشجع على ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد الوطني».
وختم الفراج حديثه بأن هذه الخطوة تُعدّ إجراءً مهماً لإعادة توجيه الأموال والسيولة نحو السوق المالية السعودية، مما يعزز ثقة المستثمرين فيها. كما تنعكس إيجاباً على الاقتصاد بشكل عام؛ إذ «ستسهم في كشف الجهات التي تضلل المستثمرين بعوائد زائفة بهدف الاحتيال وتبديد رؤوس الأموال من خلال استغلال الثغرات القانونية».
وكان تقرير لـ«ناسداك» حول الجرائم المالية العالمية لعام 2024، أظهر تدفق أموال غير مشروعة في عام 2023، بقيمة قُدرت بـ3.1 تريليون دولار عبر النظام المالي العالمي، في حين أسهمت عمليات غسل الأموال في تمويل جرائم مدمرة، من بينها نحو 346.7 مليار دولار في الاتجار بالبشر، و782.9 مليار دولار في أنشطة الاتجار بالمخدرات، إلى جانب 11.5 مليار دولار في تمويل الإرهاب. كما بلغت الخسائر المقدّرة في العام ذاته لعمليات ومخططات الاحتيال المصرفي عالمياً نحو 485.6 مليار دولار.
قال الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إنه لن يُقيل جيروم باول من منصبه رئيساً لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» قبل انتهاء ولايته في مايو (أيار) 2026، واصفاً إياه بأنه «متشدد للغاية»، ومُكرّراً دعواته لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» لخفض أسعار الفائدة.
وجاء موقف ترمب قبل أيام من انعقاد اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في «الاحتياطي الفيدرالي»، التي يُتوقَّع أن تبقي سعر الفائدة الرئيسي على الأموال الفيدرالية عند نطاق يتراوح بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وهو المستوى نفسه الذي كان عليه منذ يناير (كانون الثاني).
وقال ترمب في مقابلة مع برنامج «لقاء الصحافة مع كريستين ويلكر» على قناة «إن بي سي نيوز»، عُرضت يوم الأحد، إن باول ليس من مُحبيه، لكنه توقَّع أن يُخفّض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة في وقت ما. وقال في المقابلة التي سُجِّلت في فلوريدا يوم الجمعة: «حسناً، عليه أن يُخفِّضها. وفي مرحلة ما، سيفعل. يُفضِّل عدم القيام بذلك لأنه ليس من مُعجبيّ. كما تعلمون، هو ببساطة لا يُحبني لأني أعتقد أنه مُتزمِّت تماماً».
وعندما سُئِلَ عمَّا إذا كان سيُقيل باول قبل انتهاء ولايته رئيساً للبنك المركزي في عام 2026، أصدر ترمب نفيه القاطع، قائلاً: «لا، لا، لا. كان ذلك مُجرَّد إقالة – لماذا أفعل ذلك؟ سأُغيِّر الشخص المُكلَّف بذلك خلال فترة قصيرة أخرى».
وانخفضت أسهم «وول ستريت» انخفاضاً حاداً الشهر الماضي بعد أن كثَّف ترمب هجماته على باول، مما زاد من المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي، وأثار اهتزازات في الأسواق. بعد هذا الانخفاض الحاد، تراجع ترمب بعض الشيء. كانت التعليقات التي بُثّت يوم الأحد أوضح مؤشر حتى الآن على أن الرئيس الأميركي سيُبقي باول في منصبه، مما قد يُطمئن الأسواق التي تشعر بقلق بالغ إزاء تحركات ترمب لقلب نظام التجارة العالمي رأساً على عقب بموجة من الرسوم الجمركية.
في 2 أبريل (نيسان)، فرض ترمب رسوماً جمركية بنسبة 10 في المائة على معظم الدول، إلى جانب رسوم جمركية أعلى على كثير من الشركاء التجاريين، التي عُلّقت بعد ذلك لمدة 90 يوماً. كما فرض رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على السيارات والصلب والألمنيوم، و25 في المائة على كندا والمكسيك، و145 في المائة على الصين.
وتتفاوض إدارة ترمب مع أكثر من 15 دولة بشأن صفقات تجارية قد تُجنّبها الرسوم الجمركية الأعلى، ويقول المسؤولون إن أول صفقة قد تُعلن قريباً.
خلال المقابلة مع شبكة «إن بي سي نيوز»، رفض ترمب استبعاد جعل بعض الرسوم الجمركية دائمة. وقال: «لا، لن أفعل ذلك، لأنه إذا اعتقد أحدهم أنه سيُلغى، فلماذا يُنشئ في الولايات المتحدة؟». وأقرَّ بأنه كان «صارماً للغاية مع الصين»، مما أدى إلى قطع التجارة بين أكبر اقتصادَين في العالم، لكنه قال إن بكين تريد الآن التوصُّل إلى اتفاق. وقال: «لقد انسحبنا فجأةً. هذا يعني أننا لن نخسر تريليون دولار… لأننا لا نتعامل معهم تجارياً في الوقت الحالي. وهم يريدون إبرام صفقة. يريدون إبرام صفقة بشدة. سنرى كيف ستسير الأمور، ولكن يجب أن تكون صفقة عادلة».
صفقة «تيك توك»
إلى ذلك، قال ترمب إنه سيمدد الموعد النهائي المحدد في 19 يونيو (حزيران) لشركة «بايت دانس» الصينية لبيع أصول «تيك توك» الأميركية، تطبيق الفيديوهات القصيرة الذي يستخدمه 170 مليون أميركي، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول ذلك الوقت.
أضاف: «أود أن أرى ذلك يتحقق»، موضحاً أنه وجد في التطبيق «نقطة جذب» بعد أن ساعده في كسب أصوات الناخبين الشباب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، قائلاً: «تيك توك – إنه مثير للاهتمام للغاية، ولكنه سيحظى بالحماية».
المدير العام للبنك الإسلامي الفلسطيني الدكتور عماد السعدي:
المصارف الفلسطينية المكوّن الرئيسي للنظام المالي في فلسطين
وعصب الإقتصاد الوطني والمحرّك الأساسي للدورة الإقتصادية
“جهودٌ كبيرة تبذلها سلطة النقد في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي”
يُعتبر القطاع المصرفي الفلسطيني المكوّن الرئيسي للنظام المالي في فلسطين، وهو عصب الإقتصاد الوطني والمحرّك الأساسي للدورة الإقتصادية، حيث إن المصارف هي شريان التمويل الرئيسي، أي إنها مصدر التمويل للقطاعات الإقتصادية الأخرى، وبالتالي هي مَن تُساهم في تعزيز الإستثمار المحلي من خلال إنشاء المشاريع الجديدة وتطوير القائمة منها، وهو ما ينعكس إيجاباً على الوضع الإقتصادي وتحريك عجلة التنمية في مختلف المجالات.
ويقول المدير العام للبنك الإسلامي الفلسطيني الدكتور عماد السعدي: «تساعد المصارف أيضاً في الحفاظ على الإستقرار المالي من خلال توفير السيولة النقدية وتنظيم التعاملات المالية للمواطنين محلياً وخارجياً، كما تعمل المصارف على التشجيع على الإدخار والإستثمار من خلال تقديم منتجات مصرفية حديثة ومبتكرة، بما يساعد على توفير رأس المال محلياً الذي يُسهم في الإستثمار في العديد من المجالات.
بالإضافة إلى ذلك تتضاعف أهمية المصارف في ظل الوضع الإقتصادي الصعب الذي تعيشه الحكومة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، حيث تقوم المصارف بإقراض الحكومة لتمكينها من الإيفاء بإلتزاماتها تجاه الموظفين والموردين».
وعن توجُّه المصارف حيال الشمول المالي لا سيما المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يوضح الدكتور عماد السعدي «يُعتبر الشمول المالي أحد الأهداف الإستراتيجية للقطاع المصرفي الفلسطيني، وفي صلب ذلك يـأتي دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة كونها عنصراً أساسياً في دفع عجلة التنمية من خلال تسهيل وصولها للخدمات المالية، وتقديم تسهيلات إئتمانية ومنتجات مصرفية مبتكرة تلبّي إحتياجاتها المتغيّرة بإستمرار، وفي سياق ذلك، عملت المصارف على تعزيز الإستثمار في التقنيات الرقمية، من خلال تطوير قنواتها الإلكترونية وتوفير الإمكانية للعملاء للوصول إلى حساباتهم في أي وقت وأي مكان وبكل سهولة، من دون الحاجة للوصول إلى فروع المصارف. وهنا أود أن أشيد بالجهود الكبيرة التي تبذلها سلطة النقد بقيادة معالي المحافظ يحيى شنار في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للشمول المالي، من خلال تعزيز القدرات المالية لكافة فئات المجتمع، وتطوير البنية التحتية والأنظمة والأطر الرقابية، والتنظيم والإشراف على العديد من الحملات والأنشطة التوعوية لزيادة الثقافة المالية ولا سيما لفئات الأطفال والشباب، ودعم الرياديين والمشاريع الصغيرة من خلال العديد من التدخلات مثل «المختبر التنظيمي لدعم إبتكارات التكنولوجيا المالية»، ومنصّة «منشأتي» لدعم وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر.
بالإضافة إلى ذلك عملت المصارف وبالشراكة مع سلطة النقد على تعزيز الشراكات على المستويين المحلي والدولي لتوفير برامج تمويلية للمشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر بأرباح قليلة أو صفرية في بعض الأحيان، لتمكينها من تطوير أعمالها وتوسيعها وتجاوز التحديات التي قد تواجهها نتيجة الظروف غير المستقرة في فلسطين.
وفي سياق تعزيز مستويات الشمول المالي تعمل المصارف على إستهداف الفئات المهمّشة والمناطق النائية عبر توفير الخدمات الإلكترونية مثل الصرّافات الآلية بالإضافة للتوعية والتثقيف والإرشاد سواء بشكل فردي من كل مصرف على حدة، أو بشكل جماعي من خلال جمعية البنوك وسلطة النقد».
وعن المشاريع المطروحة لإعادة الإعمار والإنماء في دولة فلسطين، ودور المصارف العربية وخصوصاً الفلسطينية في دعم مسيرة الصمود الإقتصادي والإجتماعي، يقول الدكتور عماد السعدي «تُعتبر عملية إعادة الإعمار والإنماء في دولة فلسطين سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، من أبرز التحدّيات التي تواجه الفلسطينيين وهي محل نقاش عربي وإقليمي ودولي للوصول إلى صيغة معينة تُسهم في التغلُّب على هذا التحدّي، ولكن على مستوى المصارف العربية والفلسطينية، فالمطلوب منها هو الإستمرار بدورها الريادي في توفير التمويل للمشاريع ولا سيما الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الإستثمارات في القطاعات الإستراتيجية وذلك من خلال تطوير الشراكات مع المؤسسات الدولية والحكومية.
بالإضافة إلى ذلك تلعب المصارف الفلسطينية دوراً مهماً من خلال مساهماتها في مجال المسؤولية المجتمعية المستدامة عبر توفير مساهمات وشراكات لدعم القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية».
البيانات المالية للقطاع المصرفي الفلسطيني حتى نهاية العام 2024
تُظهر مدى قوته وتحمّله للصدمات وقدرته على مواصلة تقديم خدماته دون إنقطاع
يُعد القطاع المصرفي الفلسطيني أحد الأعمدة الأساسية للإقتصاد، وتكمن أهميته في المقام الأول في تحريك عجلة الإقتصاد وخلق فرص للتنمية الإقتصادية المستدامة، بالتزامن مع حماية أموال ومدّخرات المودعين، والعمل ضمن ضوابط رقابية ونِسب سيولة وكفاية رأسمال مريحة تحقق هذه الغاية وتعزّز الإستقرار المالي. ويُعوَّل على هذا القطاع في خطط التنمية كمصدر أساسي للتمويل، سواء للقطاعين الخاص أو العام.
دور المصارف في دعم الإقتصاد الفلسطيني ورفده بالنمو
يقول بشار ياسين المدير العام لجمعية البنوك في فلسطين إنه «بعد مرور أكثر من عام ونصف عام على الحرب الأكثر دموية التي إستهدفت جميع مكوّنات الإقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تسبّبت بتدمير شبه كامل لقطاع غزة، بما في ذلك البنية التحتية والمرافق العامة، لم تسلم المصارف العاملة هناك من آثار هذا التدمير، حيث تم تدمير جميع الفروع، مما أدّى الى عدم قدرة البنوك على تقديم الخدمات المصرفية الأساسية للمواطنين، حيث فاقمت الحرب من التحدّيات التي يُواجهها القطاع المصرفي، لا سيما إرتفاع مستويات عدم اليقين، وقيود الوصول إلى الأسواق العالمية، وتكاليف النقد الفائض من الشيقل الإسرائيلي. وكان لهذه العوامل أثرٌ واضح على المؤشرات المصرفية الكلية، والعمليات التشغيلية للمصارف، وأرباحها، ومخصّصات المخاطر، ونسبة القروض المتعثّرة، ومستويات الإنكشاف لأزمة المالية العامة، فضلاً عن الخسائر الناجمة عن تدمير المنشآت المصرفية. كما خسر القطاع المصرفي معظم أصوله الثابتة في قطاع غزة، والتي يتم إحتسابها كخسائر في المراكز المالية للبنوك، بالإضافة إلى الخسائر المرتبطة بالمحفظة الإئتمانية، حيث تُقدّر قيمة المحفظة المتعثّرة في قطاع غزة بنحو مليار دولار.
ورغم هذه الظروف الصعبة، إستمرت المصارف في تحمّل المصاريف التشغيلية، كرواتب وأجور الموظفين، منذ بدء الحرب، كما عملت على تأجيل أقساط المقترضين، وإعادة جدولة حساباتهم، وتعاملت مع الحكومة عبر وزارة المالية لتنظيم الدفعات الحكومية المستحقة، وتم ذلك بالتنسيق والتعاون مع سلطة النقد، والإلتزام بتعليماتها، تحقيقاً للمصلحة العامة.
ورغم هذا الواقع، أظهرت البيانات المالية للقطاع المصرفي الفلسطيني حتى نهاية العام 2024 مدى قوة هذا القطاع وتحمّله للصدمات، وقدرته على مواصلة تقديم خدماته دون إنقطاع. وتشير هذه البيانات إلى أن القطاع حافظ على قوة مؤشرات السلامة المالية، من حيث ملاءة رأس المال وتوفر السيولة النقدية، حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال في نهاية العام 2024 حوالي 16.6%، وهي أعلى من الحد الأدنى المحدّد في المعايير الدولية ولجنة بازل وسلطة النقد الفلسطينية بنسبة 13%. كما بلغت نسبة النمو في إجمالي الموجودات 6% حتى نهاية العام 2024 مقارنة مع نهاية العام 2023.
كما تمكّن القطاع المصرفي من الإستمرار في تقديم التسهيلات الإئتمانية للقطاع الخاص، إلى جانب تقديم الإئتمان للحكومة لتمكينها من الوفاء بإلتزاماتها المالية والحفاظ على الدورة الإقتصادية، رغم الظروف الإستثنائية. إلاّ أن قيمة التسهيلات الإئتمانية إنخفضت بنسبة 3% حتى نهاية العام 2024 مقارنة بنهاية العام 2023.
وتؤكد المؤشرات المصرفية إستمرار ثقة المواطن الفلسطيني في القطاع المصرفي، وإستقراره ومتانته، لا سيما خلال هذه الفترة العصيبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني. فقد نمت ودائع العملاء في المصارف بنسبة 7%، وبلغت 18.8 مليار دولار في نهاية العام 2024، أي بزيادة قدرها نحو 1.2 مليار دولار عن العام السابق، وتوزعت جغرافيًا بنسبة 82% في الضفة الغربية، و18% في قطاع غزة.
ويعمل في القطاع المصرفي الفلسطيني 13 بنكاً، منها 10 بنوك تقليدية و3 بنوك إسلامية، من خلال شبكة من الفروع والمكاتب المنتشرة في مختلف محافظات الوطن، حيث بلغ عددها 384 فرعاً ومكتباً مع نهاية العام 2024.
في الختام، يُعدّ دور المصارف في دعم الإقتصاد الفلسطيني ورفده بالنمو من الأدوار الحيوية والمفصلية، خصوصاً في ظل التحدّيات السياسية والإقتصادية التي تواجه فلسطين».
ما هو توجّه المصارف في دعم الشمول المالي في فلسطين؟
يوضح بشار ياسين «تُعدّ التكنولوجيا المالية من أهم العوامل التي تُحفّز العجلة الإقتصادية وتُعزّز التنمية المستدامة. ففي السنوات الأخيرة، إتّجه العالم نحو التحوُّل الرقمي في مجال الخدمات المصرفية والمالية، حيث واجه القطاع المصرفي الفلسطيني العديد من التحدّيات الرقمية والتكنولوجية التي فرضت واقعاً جديداً، ما إستدعى ضرورة مواكبة جميع التطوّرات التكنولوجية وتهيئة البيئة المناسبة لتقبّلها مجتمعياً.
تتبنّى البنوك العاملة في فلسطين، بالتعاون مع سلطة النقد الفلسطينية وجمعية البنوك في فلسطين، توجّهاً إستراتيجياً نحو تعزيز الشمول المالي بإعتباره أداة رئيسية لتحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة. ويُقصد بالشمول المالي تمكين جميع فئات المجتمع، ولا سيّما الفئات المهمّشة والمحرومة، من الوصول إلى الخدمات والمنتجات المالية وإستخدامها بفعالية، بما يُسهم في تحسين مستويات المعيشة والحد من الفقر والبطالة.
وفي هذا السياق، أطلقت سلطة النقد الفلسطينية الإستراتيجية الوطنية للشمول المالي، التي ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: تعزيز الوصول إلى الخدمات المالية، وتشجيع إستخدامها بفعّالية، وبناء القدرات المالية لدى المواطنين. وقد كانت جمعية البنوك شريكاً رئيسياً في هذه الإستراتيجية، وتسعى إلى ضمان تنفيذها بفعّالية.
وتقوم جمعية البنوك في فلسطين بدور تنسيقي مهم بين المصارف وسلطة النقد، كما تسعى إلى خلق بيئة داعمة لتطبيق الشمول المالي من خلال تنظيم الندوات وورش العمل المتخصّصة، والمساهمة في تطوير السياسات الوطنية ذات الصلة، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الإقليمية والدولية لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات. كما تُساهم الجمعية بفعالية في أعمال اللجان الوطنية، وعلى رأسها اللجنة الفنية والوطنية للشمول المالي، التي تتابع تنفيذ الإستراتيجية الوطنية وتعمل على مواءمتها مع التطورات العالمية في هذا المجال.
وإضافة إلى ذلك، تضع الجمعية تعزيز الثقافة المالية ضمن أولوياتها، من خلال إطلاق برامج توعوية ومبادرات تثقيفية وحملات إعلامية تهدف إلى رفع مستوى الوعي المالي لدى المواطنين، وتمكينهم من إتخاذ قرارات مالية مدروسة، بما يُعزّز إستخدام الخدمات المالية بشكل مستدام.
ومن هذه المبادرات، الفعّاليات السنوية للأسبوع المصرفي للأطفال والشباب، حيث حرصت الجمعية، بالتعاون مع سلطة النقد ووزارة التربية والتعليم العالي، على التوجُّه نحو التحوُّل الرقمي إنسجاماً مع الإستراتيجية الوطنية للشمول المالي. وفي هذا الإطار، أُطلِق تطبيق «مصرفي» في العام 2022 في نُسخته الأولى، وهو تطبيق إلكتروني يضم فرعاً مصرفياً إفتراضياً، يُقدّم جميع المعلومات الأساسية حول الخدمات المصرفية بطريقة تفاعلية وتشويقية تهدف إلى تعزيز الثقافة المصرفية والتوعوية لدى الجيل الناشئ. ويتضمّن التطبيق مسابقة تحتوي على ألعاب وأسئلة تتعلق بالخدمات المصرفية، تتيح للطلبة المشاركة والمنافسة على جوائز متعدّدة.
وفي مارس/ آذار 2025، إنطلقت فعّاليات الأسبوع المصرفي للأطفال والشباب بالإعلان عن مسابقة تطبيق «مصرفي»، بعد تحديث محتواه بما يتناسب مع إحتياجات الجيل الناشئ. وقد كان للتطبيق دور جوهري وأثر واضح في ترسيخ المفاهيم والمبادئ المالية والمصرفية لدى الأطفال والشباب، وتأهيلهم مستقبلاً للتعامل مع قطاع المال والمصارف، بما ينسجم مع التوجّه نحو التحوُّل الرقمي.
وخلال عام 2024، أطلقت جمعية البنوك في فلسطين، بالتعاون مع سلطة النقد الفلسطينية، حملة توعوية لتشجيع المواطنين على الدفع الإلكتروني باستخدام البطاقات البنكية. وتأتي هذه الحملة في إطار الجهود الوطنية لتوسيع نطاق الدفع الإلكتروني كبديل عملي وآمن للنقد، وهدفت إلى رفع مستوى وعي المواطنين بمزايا التكنولوجيا المالية، مثل توفير الوقت والجهد، وتقليل التكاليف على المستهلكين.
كما أُطلِقت حملة للتوعية من الإحتيال الإلكتروني، ففي ظل التحول الرقمي والخدمات المصرفية الإلكترونية، ظهرت العديد من صفحات النصب والإحتيال على مواقع التواصل الإجتماعي. لذا، أطلقت الجمعية حملة توعوية تهدف إلى حماية المواطنين من الوقوع ضحايا للإحتيال الإلكتروني.
وتركّز الحملة على نشر التوعية المالية والمصرفية، لتعريف المواطنين بأساليب الاحتيال وحمايتهم من الوقوع في فخ هذه الأساليب، سواء عبر حملات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي أو روابط إلكترونية تهدف إلى سرقة البيانات البنكية.
من جانبها، تعمل البنوك العاملة في فلسطين على تطوير منتجات وخدمات مالية مبتكرة تُلبّي إحتياجات الفئات التي كانت سابقاً غير مشمولة بالنظام المصرفي. ففي السنوات الأخيرة، تم إطلاق خدمات مثل المحافظ الإلكترونية، وبطاقات الدفع المسبق، والحلول الرقمية المتنوعة، التي سهّلت عمليات الدفع والتحويل المالي، خصوصاً في المناطق النائية التي تفتقر إلى البنية التحتية المصرفية التقليدية.
ويكتسب هذا التحوُّل الرقمي أهمية خاصة في قطاع غزة، لا سيّما في ظل العدوان الأخير وما خلّفه من دمار واسع في البنية التحتية، بما في ذلك المباني والطرق وشبكات الإتصال. وفي هذه الظروف الصعبة، شكّلت الحلول الرقمية، مثل خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول والتحويلات الإلكترونية، شريان حياة حقيقياً، إذ مكّنت المواطنين من تنفيذ معاملاتهم المالية، من دون الحاجة إلى التنقل أو الوقوف في طوابير طويلة أمام أجهزة الصرّاف الآلي – في حال توافرت.
كما تُشارك البنوك في حملات التوعية المالية، وتحرص على توفير خدمات مصرفية بأسعار مناسبة وإجراءات مبسّطة، بما يشجّع الأفراد وأصحاب المشاريع الصغيرة على الإندماج في النظام المصرفي.
ورغم التقدّم الملحوظ، لا تزال هناك تحدّيات تُعيق تحقيق الشمول المالي الكامل في فلسطين، من أبرزها غياب عملة وطنية، والقيود الجغرافية والسياسية التي تحدّ من القدرة على إيصال الخدمات المالية إلى بعض المناطق، إضافة إلى ضعف الثقافة المالية لدى بعض شرائح المجتمع. ولمواجهة هذه التحدّيات، تواصل الجهات المعنية العمل على تطوير البنية التحتية المالية، وتحفيز الإبتكار في تقديم الخدمات، وتعزيز التثقيف المالي، بهدف بناء قطاع مالي أكثر شمولاً وإستدامة.
وفي الختام، يُشكّل الشمول المالي في فلسطين هدفاً وطنياً مشتركاً تسعى إلى تحقيقه سلطة النقد والمصارف وجمعية البنوك، من خلال تكامل الجهود، وتطوير الخدمات المالية، وتهيئة البيئة القانونية والمؤسسية المناسبة، بما يُعزّز مناعة الإقتصاد الوطني ويفتح آفاقاً أوسع للتنمية المستدامة».
حزمة من المشاريع والمبادرات التنموية المطلوبة لإعادة بناء
المرافق الأساسية وتلبية الإحتياجات العاجلة في قطاعات حيوية
في دولة تُواجه تحدّيات سياسية وإقتصادية متعدّدة، تقف المصارف الفلسطينية كأحد أعمدة الصمود والتنمية، ودعم مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، بما يُسهم في تعزيز الإستقرار المالي والإجتماعي، وتحريك عجلة التنمية المستدامة، فلا تعد المصارف الفلسطينية مجرد مؤسسات مالية، بل هي شريك أساسي في بناء إقتصاد وطني قوي ومستقل. وبين دعم المشاريع الصغيرة وتعزيز الشمول المالي، وتطوير البنية التحتية للأنظمة المصرفية الإلكترونية، يقود القطاع المصرفي الفلسطيني رحلة مستمرة نحو إقتصاد أكثر إستدامة وقدرة على مواجهة التحدّيات.
دور المصارف في دعم الاقتصاد الفلسطيني ورفده بالنمو.. شراكة إستراتيجية من أجل تنمية مستدامة وإقتصاد قوي..
يقول محافظ سلطة النقد الفلسطينية يحيى شنار: «تضطلع المصارف الفلسطينية بدور حيوي في توفير التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل حوالي 90% من إجمالي المنشآت الإقتصادية في فلسطين، وتكمن أهمية هذه المشاريع في كونها المحرّك الأساسي لخلق فرص العمل، والتخفيف من معدّلات البطالة المرتفعة، فضلاً عن دورها في تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الإعتماد على الإستيراد، ومن خلال توجيه الإئتمان نحو قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، تدعم المصارف جهود التنمية، وتُحفّز الإستثمارات في قطاعات قادرة على تحقيق قيمة مضافة حقيقية، مما يُسهم في تقوية الإقتصاد الوطني وتعزيز صموده أمام التحدّيات.
كما أولت المصارف الفلسطينية إهتماماً كبيراً بتوسيع قاعدة الشمول المالي، إدراكاً منها لأهمية إشراك جميع فئات المجتمع في المنظومة المالية الرسمية، وقد شهدت هذه الجهود إطلاق منتجات وخدمات تستهدف الشباب والنساء والرياديين، إلى جانب تسهيل وصول الأفراد في المناطق المهمّشة إلى الخدمات البنكية. كما ساهم التحوُّل الرقمي في هذا التوسع، من خلال توفير خدمات الدفع الإلكتروني، والمحافظ الرقمية، والتطبيقات المصرفية الذكية، مما جعل الخدمات البنكية في متناول اليد، وساعد على خلق بيئة مالية أكثر شمولاً وإستدامة.
ولا يقتصر دور المصارف على التمويل فقط، بل يشمل إدارة السيولة داخل السوق الفلسطينية، عبر جمع المدّخرات وإعادة ضخها في الإقتصاد من خلال القروض والتسهيلات الإستثمارية، ويُعزّز هذا التوازن من قدرة النظام المالي الفلسطيني على مواجهة الأزمات ويضمن إستمرارية الحركة الإقتصادية، إضافة إلى ذلك، تساهم المصارف بشكل مباشر في دعم المالية العامة لمساعدة الحكومة للتغلُّب على الضغوط المتفاقمة، وتغطية جزء من إلتزاماتها المختلفة، خصوصاً ما يتعلق بنفقات الأجور ومتأخرات القطاع الخاص.
كما لا يُمكن إغفال دور المصارف الفلسطينية في خدمة المجتمع عند تقديم الخدمات المالية، فقد أولت إهتماماً خاصاً بتنفيذ برامج المسؤولية المجتمعية التي تدعم قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية، إلى جانب المبادرات الشبابية والريادية. ومن خلال هذه البرامج، تساهم المصارف في تعزيز قدرات الأفراد وتأهيل الكوادر البشرية لدخول سوق العمل بكفاءة، بما يسهم في تقليل نسب البطالة ودفع عجلة الإقتصاد نحو الأمام.
ورغم ما يُواجه الإقتصاد الفلسطيني من قيود وتحدّيات، أثبت القطاع المصرفي الفلسطيني قدرته على التكيُّف والصمود، مستنداً إلى سياسات رقابية حكيمة تقودها سلطة النقد الفلسطينية، والتي تحرص بشكل دائم على تعزيز متانة القطاع المصرفي وتطوير بنيته التحتية.
وبينما يُواصل القطاع المصرفي تطوير خدماته والإرتقاء بأدواته الرقمية، يزداد دوره أهمية في دعم خطط التنمية الوطنية، وبناء اقتصاد فلسطيني أكثر إستقلالية وقوة، قادر على مواجهة التحدّيات وتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني نحو مستقبل أكثر استدامة وإزدهاراً».
توجُّه المصارف لدعم الشمول المالي ولا سيما حيال المشروعات الصغيرة والمتوسطة..
يوضح المحافظ يحيى شنار «تُسهم المصارف الفلسطينية بشكل متزايد في تعزيز الشمول المالي، ولا سيما ما يتعلق بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للإقتصاد الوطني. في إطار جهود سلطة النقد والمصارف لتعزيز الشمول المالي، تم وضع إستراتيجية وطنية تهدف إلى زيادة نسبة القدرات المالية لدى الشرائح المستهدفة في المجتمع، وتعزيز الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية وإستخدامها من قبل الشرائح التي تعاني نسباً متدنية من الشمول المالي. كما تتضمّن الإستراتيجية الوطنية للشمول المالي للعام 2023-2025 العمل على بناء قدرات أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة والناشئة على تحديد إحتياجاتهم من الخدمات المالية، من خلال تقديم التعليم والتوعية المالية بمواضيع تتعلق بالإدارة المالية، والتخطيط، والتسويق، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية للأنظمة المصرفية الإلكترونية.
وفي إطار دعم هذه المشروعات، قامت المصارف الفلسطينية بتطوير مجموعة من المنتجات المالية المبتكرة، مثل القروض المخصّصة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة بأسعار فائدة صفرية وأوقات سداد مرنة.
كما تم إطلاق «حساب الشمول المالي» الذي يهدف إلى توفير الخدمات المصرفية الأساسية للفئات غير المشمولة، حيث يتميّز هذا الحساب بإمكانية فتحه من دون حد أدنى للرصيد، والإعفاء من الرسوم والعمولات. إلى جانب ذلك، تم إطلاق برامج تدريبية لتمكين أصحاب هذه المشاريع من إدارة شؤونهم المالية بشكل أكثر كفاءة.
أما بالنسبة إلى المبادرات التي تقودها سلطة النقد لتعزيز قدرة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فقد قامت بإجراءات هامة عدة، من أبرزها إعتماد التعريف الوطني الموحّد للمنشآت الإقتصادية المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والكبيرة الحجم، وإنشاء قاعدة بيانات شاملة لتسهيلات المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تساهم في تسهيل الوصول إلى التمويل، كما تم تحفيز المؤسسات المصرفية لتمويل هذه المنشآت عبر إصدار تعاميم للتسهيل من شروط الإقراض ومنح محفّزات للمصارف.
من جهة أخرى، قامت سلطة النقد بالربط مع وزارة الإقتصاد للإستعلام عن المنشآت المسجّلة لديها، مما يُسهم في تسهيل حصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة على التسهيلات المناسبة، كما تم تأسيس صندوق «إستدامة» في العام 2021 بحجم 235 مليون دولار، بهدف تمويل القطاعات الإقتصادية المختلفة وتمكين المشاريع الإقتصادية من التعافي وزيادة دورة الإنتاج وتوفير فرص العمل.
وفي إطار دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أطلقت سلطة النقد منصة «منشأتي» في العام 2021، التي تُعتبر المنصّة الإلكترونية الأولى في فلسطين. تهدف هذه المنصّة إلى تقديم خدمات الإرشاد والدعم الفني والإداري المتخصّص، وتسهيل الوصول لمصادر التمويل المتاحة.
تُسهم هذه الجهود والمبادرات بشكل كبير في تعزيز الشمول المالي ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في فلسطين، مما يُساهم في تنمية الإقتصاد الفلسطيني ورفع قدرة هذه المشاريع على مواجهة التحدّيات الإقتصادية».
ما هي المشاريع المطروحة لإعادة الإعمار والإنماء في دولة فلسطين؟ وما هو دور المصارف العربية والفلسطينية في دعم مسيرة الصمود الإقتصادي والإجتماعي؟
يؤكد محافظ سلطة النقد الفلسطينية يحيى شنار أنه «في إطار الجهود الرامية لإعادة الإعمار والتنمية في فلسطين وتعزيز صمود شعبها، هناك حزمة من المشاريع والمبادرات التنموية المطلوبة لإعادة بناء المرافق الأساسية وتلبية الإحتياجات العاجلة في قطاعات حيوية مثل التعليم، الصحة، الزراعة، والإسكان، إلى جانب تطوير البنية التحتية. وتشمل أبرز المشاريع المطروحة: إعادة إعمار قطاع غزة ومناطق شمال الضفة الغربية، من خلال إعادة بناء المنازل والمرافق العامة ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى مشاريع تنموية في الريف الفلسطيني، وتحسين شبكات الطرق والمياه والكهرباء، إلى جانب دعم الزراعة والصناعات المحلية. كما تحظى المشاريع الصحية والتعليمية والطاقة المتجددة بإهتمام كبير ضمن خطة التنمية المستدامة، غير أن عملية إعادة الإعمار تتطلب توفير الموارد المالية اللازمة للمباشرة بالإعمار، حيث إن الموارد المالية للحكومة الفلسطينية لا تُمكّنها من القيام بهذا الدور.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية دور المصارف العربية في توفير التمويل والدعم اللازم، من خلال التعاون مع الصناديق العربية والدولية، وتقديم تسهيلات ائتمانية ميسّرة، ودعم رواد الأعمال، وتعزيز المساهمات المجتمعية، والإستثمار في الطاقة النظيفة وتمويل التجارة المحلية. وتؤكد هذه الجهود التكامل بين العمل التنموي والمالي لتعزيز الصمود الإقتصادي والإجتماعي في فلسطين، بما يُسهم في بناء مستقبل أكثر إستقراراً وإزدهاراً.
في الخلاصة، تتمثل أهمية هذا التكامل بين المؤسسات المالية والتنموية في أن المصارف العربية والفلسطينية تلعب دوراً محورياً في مساعدة دولة فلسطين على الصمود الإقتصادي والإجتماعي، من خلال تمويل مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، دعم القطاع الخاص، وتشجيع الإبتكار والنمو في مختلف المجالات. كل هذه المبادرات، بالإضافة إلى تضافر جهود المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، يُسهم في تعزيز قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود في مواجهة التحدّيات الإقتصادية والسياسية».
البنك الدولي يؤكد صلابة الإقتصاد الأردني رغم تداعيات الإقليم
كشفت الوثائق الرسمية للمشاريع التي تضمنتها حزمة التمويل التي أعلنت عنها مجموعة البنك الدولي لصالح المملكة الأردنية، أن الأردن أظهر قدراً كبيراً من الصلابة والقدرة على الصمود والحفاظ على إستقراره ونموّه في مواجهة الصدمات والأزمات الإقليمية والعالمية، حيث حافظت المملكة على متوسط معدل نمو ثابت قدره 2.5% على مدار العقد الماضي، إضافة الى إطلاق رؤية التحديث الإقتصادي في العام 2021.
وكانت مجموعة البنك الدولي قد أعلنت عن حزمة تمويلية جديدة بقيمة 1.1 مليار دولار للأردن في إطار الشراكة الإستراتيجية بين المملكة ومجموعة البنك لدعم مسيرة الإصلاح الاقتصادي. وتهدف حزمة التمويل الجديدة إلى حشد إستثمارات بقيمة 58.4 مليار دولار، ومضاعفة النمو الإقتصادي، وإستحداث مليون وظيفة جديدة، لتعزيز الإنتاجية وزيادة الصادرات وتعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص.
وبحسب وثيقة البنك الدولي، ستدعم حزمة التمويل سياسات التنمية لتحقيق النمو والتنافسية في الأردن بقيمة 400 مليون دولار لدعم الإصلاحات الرئيسية التي تشملها رؤية التحديث الإقتصادي.
كما يستهدف المشروع تحسين الإجراءات الجمركية، وإستفادة المرأة من الإجراءات التي توفر حماية أقوى في سوق العمل، وزيادة قيمة المشتريات العامة الممنوحة لمنشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة، وجمع تمويل إضافي من خلال حلول المختبرات التنظيمية لتطبيقات التكنولوجيا المالية.
كما يهدف برنامج سياسات التنمية تحقيق النمو والتنافسية في الأردن إلى تحسين القدرة التنافسية وجذب الاستثمار في القطاعات ذات الإمكانات العالية، ودعم الإصلاحات الرئيسية المشمولة بإطار رؤية التحديث الإقتصادي في الأردن.
وفي مجال الطاقة تفيد وثيقة البنك الدولي، بأن الأردن حقق قفزة نوعية في مجال الطاقة المتجددة، ورغم هذا التقدم، لا يزال قطاع الطاقة يواجه تحدّيات، أبرزها الأعباء المالية لشركة الكهرباء الوطنية.
وفي إطار مواجهة هذه التحدّيات، أطلقت الحكومة بالتعاون مع البنك الدولي «برنامج كفاءة قطاع الكهرباء وموثوقية إمداداته» بتمويل يصل إلى 500 مليون دولار، بهدف تحقيق خفض خسائر قطاع الكهرباء بأكثر من مليار دولار في حلول العام 2027، ورفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 31% في حلول العام 2030.
وفي مجال الريادة والإبتكار، أظهرت وثيقة البنك الدولي، أن الأردن أثبت أنه واحد من أبرز أسواق رأس المال الإستثماري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث حلّ في المرتبة الرابعة بين عامي 2018 و2022.
ومع وجود أكثر من 8 آلاف خريج سنوياً في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، عزّزت المملكة بيئتها الريادية، ما أسهم في تأسيس شركات ناشئة وناجحة وجذب إستثمارات دولية. ولتعزيز البيئة الريادية، أطلق الأردن المرحلة الثانية من الصندوق الأردني للريادة بدعم من البنك الدولي بقيمة 50 مليون دولار، بهدف جذب استثمارات إضافية تصل إلى 150 مليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
وفي ما يخص الحماية الاجتماعية شهد الأردن تطوراً نوعياً في نظام الحماية الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، حيث تضاعفت مخصّصات برنامج التحويلات النقدية منذ العام 2018 لتبلغ 190 ألف أسرة مستفيدة، في إطار جهود الحكومة لحماية الفئات الأكثر إحتياجاً من الصدمات الإقتصادية وتحدّيات تغيُّر المناخ.
وبالتعاون مع البنك الدولي أطلق الأردن «برنامج الحماية الاجتماعية القادرة على الصمود والإستدامة»، بتمويل 400 مليون دولار والذي يهدف إلى تحسين فرص التعليم والصحة وفرص العمل، وتعزيز الإستدامة المؤسسية عبر تحديث السجل الاجتماعي ليشمل 75% من السكان.
ويسعى البرنامج إلى تحقيق أهداف نوعية حتى العام 2027، تتمثل بوصول 1.2 مليون شخص للتحويلات النقدية، وإستفادة مليون شخص من برامج التكيُّف مع تغيُّر المناخ، وتوفير تأمين صحي لـ 150 ألف مواطن، وتدريب 1000 أخصائي إجتماعي معتمد، ودعم 10 آلاف شخص عبر برامج القطاع الخاص.
وأوضحت الوثيقة، أنه رغم هذه الإنجازات، يُواجه الأردن ضغوطاً متزايدة بسبب الأزمات الإقليمية وتدفق اللاجئين، الآثار السلبية لتغيُّر المناخ، الحاجة لتعزيز الشمول المالي والتمكين الإقتصادي.