(النهار)-21/04/2025
بدا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون واثقاً بتحقيق بلاده اكتفاءها من القمح الصلب هذا العام، وأكثر وثوقاً بتصدر اقتصاد الجزائر اقتصادات أفريقيا في غضون العامين المقبلين.
وأكد تبون في لقاء مع اقتصاديين جزائريين أن أرقامه ممكنة التجسيد، ضارباً مثالاً توفير خزينة البلاد ما لا يقل عن مليارين ونصف مليار دولار هي قيمة استيراد القمح الصلب من الخارج.
ويرى المستشار الدولي في التنمية الاقتصادية عبد الرحمن هادف أن “تصريح الرئيس تبون يعكس تحسناً ملموساً في السياسات الزراعية، بخاصة في ما يتعلق بتوسيع المساحات المزروعة ودعم المنتجين واستعمال تقنيات الري الحديثة في الهضاب والجنوب”.
ويؤكد هادف لـ”النهار” أن “الأرقام الإيجابية المرتقبة لموسم الحصاد 2025، تدل إلى أن الجزائر بدأت تجني ثمار الرؤية الجديدة المُراهِنة على تأمين حاجاتها الأساسية وتقليص فاتورة الاستيراد، خصوصاً في ظل الاضطرابات الدولية التي أثّرت على سلاسل التوريد وأسعار الغذاء”.
لكنه يستدرك بأن الجزائر، ورغم تقدّمها المحقق في إنتاج القمح الصلب، “تبقى من كبار مستوردي القمح اللين الضروري لصناعة الخبز، وهو ما يشكل تحدياً إضافياً”، مُشيرا إلى أن “الانتقال نحو الاكتفاء الذاتي الكامل يمر عبر تطوير منظومة زراعية مُتكاملة تشمل تحسين البذور وتقنيات الزراعة وتحويل المنتوج وتوزيعه”.
ويلفت إلى لعبة التوازنات الدولية والمنافسة الشديدة في السوق العالمية اللتين قد لا تسهِّلان مهمة الجزائر أمنها الغذائي بالكامل، مؤكداً أن “توجيه استثمارات استراتيجية نحو مناطق ذات مردودية عالية واستغلال قدرات جنوب البلاد قد يجعلان تحقيق هذا الهدف ممكناً خلال أعوام قليلة مقبلة، بخاصة إذا ترافقا مع إصلاحات في تسويق الحبوب وتحفيز المُزارعين”.
وهو ما يذهب إليه الخبير الاقتصادي سليمان ناصر في حديث إلى”النهار”، إذ يؤكد صعوبة الوصول إلى اكتفاء ذاتي في إنتاج الحبوب بكل أنواعها، موضحاً أن “الجزائر وإذا استطاعت تحقيق نسبٍ عاليةٍ من إنتاج القمح الصلب، فإن اكتفاءها ذاتياً من القمح اللين قد يحتاج إلى سنوات من العمل”.
تحقيق الأمن الغذائي
ويشير ناصر إلى عوامل عدة تقف عائقا أمام أمن الجزائر الغذائي بخاصة في ما تعلق بالقمح، أولها الاستهلاك الداخلي الواسع للخبز المُصنَّع من القمح اللين لأسباب كثيرة تتعلق أساساً بانخفاض سعره، ويضيف في هذا الخصوص: “طالبنا مراراً برفع سعر الخبز للقضاء على التبذير وتقليصاً لفاتورة استيراد القمح اللين”.
ويوضح ناصر أن رفع الدعم الحكومي عن الخبز وتوسيع المساحات الزراعية المروية وتخصيصها لزراعة القمح اللين، إجراءاتٌ ستمكِّن الجزائر من تحقيق وفرة في هذا النوع من القمح توصلها إلى اكتفاء محلي منه.
وحول تحقيق إنتاج من القمح الصلب يكفي البلد بنسبة 100 في المئة هذا العام، يعتقد ناصر أن الرئيس تبون أراد القول إن الجزائر بدأت تجني ثمار أعوام من العمل والاجتهاد من خلال التوسع الكبير في زراعة الحبوب، بخاصة في جنوب البلاد وبالشراكة مع أجانب.
ولئن كان حديث الرئيس الجزائري عن إنتاج الجزائر الوفير من القمح هذا العام أخذ حيِّزاً مهماً من النقاشات، غير أن تأكيده القفز باقتصاد البلاد نحو المرتبة الأولى أفريقيا في غضون العامين المقبلين، طغى على جل التحليلات الاقتصادية داخلياً وخارجياً.
وأجمع الاقتصاديون على أن تصريحات الرئيس تبون قوية وتنم عن طموح مشروع، وقد وصفها المستشار عبد الرحمن هادف، بالطموح الاستراتيجي الذي يتطلب تعبئة شاملة، مؤكداً أن “الرئيس أشار إلى وجود اختلالات ومُعوقات، ما يعني إدراكه أن الطريق ليس مفروشاً، لكنه يُعوّل على مجموعة من الميكانيزمات”.
وأبرز هذه الميكانيزمات، بحسب هادف، تتمثل في “استغلال الطاقات الطبيعية والموارد المنجمية بشكل أمثل، وتسريع الانتقال الطاقوي وتطوير الصناعات التحويلية وتحقيق رغبته بزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الخام الداخلي إلى ما بين 13 و14 في المائة، ودعم الرقمنة والاقتصاد المعرفي، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي عبر إزالة العراقيل الإدارية وتحسين مناخ الأعمال”.
تصدر الاقتصادات الأفريقية
ويوضح أن “تعزيز دور القطاع الخاص في خلق الثروة وتكثيف الشراكات الدولية، بخاصة في إطار الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي والدول الأفريقية، سيكون عنصراً حاسماً في تحسين أداء التجارة الخارجية”، وبالتالي إمكان تحقيق ما تصبو إليه الجزائر من تصدر لاقتصادات القارة الأفريقية في نهاية 2027.
أما الخبير ناصر فيرى أن تصدر المشهد الاقتصادي قارياً يتطلب تحقيق معدلات نمو تلامس الـ10 في المئة بناتجٍ داخلي خام لا يقل عن 400 مليار دولار، وهو ما يرتكز عليه الرئيس تبون في تأكيده إمكان تبوؤ الاقتصاد الجزائري المرتبة الأولى ضمن اقتصادات دول القارة الأفريقية.
ويوضح ناصر أن ذلك يُعد صعباً في ظل معدلات نمو لا تتعدى 4 و4.1 في المئة حالياً.
ويشير إلى حل آخر يمكن السلطات الجزائرية من تحقيق طموحاتها الاقتصادية، ويتمثل في القضاء أو التقليص من حجم الاقتصاد الموازي أو غير المُهيكَل والذي يشكل 40 في المئة أو أكثر من الاقتصاد الوطني، كاشفاً أن إعادة إدماجه (الاقتصاد الموازي) في الاقتصاد الرسمي أو تقليص نسبه إلى حدود 10 أو 15 في المئة مثلما هو موجود في كبريات الدول، سيرفع من نمو الاقتصاد وبوتيرة مُتسارعة وبالتالي تجسيد الطموحات والأرقام المعلنة.