(سي ان بي سي)-23/09/2025
يشهد الاقتصاد الجزائري انتعاشاً قوياً منذ جائحة كورونا؛ مدفوعاً بارتفاع أسعار المحروقات وزيادة الإنفاق العام، وبينما لا تزال التوقعات على المدى القريب إيجابية بوجه عام، إلا أن “ثمة حاجة ملحة إلى تعديل السياسات”، بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، لدى اختتام المجلس التنفيذي للصندوق مشاورات المادة الرابعة.
ووفق الصندوق، ستعتمد التوقعات الاقتصادية على المدى المتوسط على الاتجاهات العالمية ووتيرة الإصلاحات المحلية الرامية إلى تعزيز التنويع الاقتصادي وتعزيز الاستثمار الخاص.
أبرز أرقام العام 2024:
◾ انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 3.6% من 4.1% في العام 2023، بعد أن أدت تخفيضات أوبك+ إلى انكماش في قطاع الهيدروكربونات، بينما ظل النشاط غير الهيدروكربوني قوياً، مدعوماً بالاستثمار العام والطلب الاستهلاكي.
◾ تراجعت الضغوط التضخمية – التي غذتها صدمات عالمية مثل الحرب في أوكرانيا وموجات الجفاف المتكررة – بشكل ملحوظ في العام 2024، مع انخفاض التضخم إلى حد كبير نتيجة انخفاض أسعار المواد الغذائية.
◾ أدى انخفاض عائدات الهيدروكربونات، إلى جانب زيادة الإنفاق العام، إلى توسيع العجز المالي بشكل كبير واستنفاد الاحتياطيات المالية المتاحة.
◾ كذلك أدى انخفاض صادرات الطاقة وزيادة الواردات إلى تحويل فائض الحساب الجاري إلى عجز متواضع.
◾ ارتفعت قيمة الدينار مقابل اليورو، لكنها تراجعت مقابل الدولار. وظلت الاحتياطيات قوية.
توقعات العام الجاري:
◾ من المتوقع أن يؤدي تقليص تخفيضات إنتاج أوبك+ إلى استقرار نشاط الهيدروكربونات، مما يدعم نمواً بنسبة 3.4% في العام 2025.
◾ يلقي انخفاض أسعار الهيدروكربونات وعدم اليقين العالمي بظلاله على التوقعات، وقد يُقيد الاستثمار العام والصادرات ويضغط على الإيرادات المالية.
◾ من المتوقع أن يظل التضخم معتدلاً.
◾ من المتوقع أن ينخفض العجز المالي مقارنةً بعام 2024، ولكنه سيبقى مرتفعاً في حال عدم اتخاذ إجراءات سياسية حازمة. ومن المتوقع أن يتسع عجز الحساب الجاري أكثر.
ولجهة المخاطر الخارجية الرئيسية، فتشمل:
◾ أسعار السلع الأساسية، والتحولات في سياسة التجارة العالمية، وتصاعد الصراعات في الشرق الأوسط أو أوكرانيا.
◾ الظواهر المناخية المتطرفة، والالتزامات الطارئة الكبيرة، وارتفاع احتياجات التمويل، مما قد يُشكل مخاطر على استدامة المالية العامة واستدامة الدين.
◾ بينما على الجانب الإيجابي، فمن الممكن أن يُسهم نجاح تعديل السياسات والإصلاحات الهيكلية في خفض العجز المالي، ودعم تنويع الصادرات، وتحسين مناخ الأعمال، وتعميق الأسواق المالية.
ويضيف الصندوق في تقريره: “تُعدّ الآفاق الاقتصادية للجزائر على المدى القريب إيجابية بشكل عام، إلا أنها تُحيط بها شكوكٌ مُتزايدة بسبب تنامي نقاط الضعف المالية.. وقد دعمت الحوافز المالية لعام 2024 النمو حتى عام 2025، إلا أنها، إلى جانب انخفاض أسعار المحروقات، أدت إلى عجز مالي أوسع واستنفاد الاحتياطيات المالية”.
وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يتباطأ النمو بسبب تباطؤ إنتاج المحروقات، وقيود التمويل التي تُحدّ من الإنفاق، والاختناقات الهيكلية التي تُعيق نمو القطاع الخاص.
العجوزات المالية
ويضيف الصندوف: مع استنفاد الاحتياطيات المالية، تُشكّل العجوزات المالية الكبيرة تحدياتٍ كبيرة في التمويل والديون، مما يستدعي تعديلاً عاجلاً للسياسات.. ويُنذر عجز مالي مزدوج الرقم، متوقع في الفترة 2025-2026، بإجهاد القطاع المصرفي وإقصاء ائتمان القطاع الخاص، مما يزيد من خطر اللجوء إلى برامج التمويل النقدي غير التقليدية.
ويتابع: في غياب تعديل مُنسّق للسياسات، ستؤدي احتياجات التمويل الكبيرة والعجز إلى زيادة ملحوظة في الدين العام على المدى المتوسط.
وقد أدى التدهور الحاد في الوضع المالي في عام 2024 إلى تفاقم المخاطر على المدى القريب، ورفع مستوى المخاطر السيادية الإجمالية للجزائر إلى “مرتفع” بناءً على تقييم قدرة تحمل الدين على الوفاء بالالتزامات.
ويرى الصندوق أن استقرار مسار الدين بحلول عام 2028 يتطلب ضبطاً مالياً فورياً وأكثر طموحاً.
وتشير تحليلات الخبراء إلى أن استقرار الدين العام بحلول عام 2028 سيتطلب إجراءات ضبط مالي إضافية بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2025-2028 مقارنةً بخط الأساس.
وبالنظر إلى المستقبل، وتماشياً مع التوصيات السابقة الصادرة عن صندوق النقد الدولي، فإن اعتماد إطار عمل قائم على القواعد مع ركيزة مالية لتوجيه التوقعات المالية متوسطة الأجل من شأنه أن يجعل الميزانية أكثر مرونة في مواجهة الصدمات المستقبلية.
كما يتطلب ضمان الاستدامة المالية متوسطة الأجل “إصلاحات لترشيد الإنفاق غير الكفؤ، وتعزيز الإيرادات غير الهيدروكربونية، وتعزيز الإدارة المالية والاستثمارية العامة”، بحسب الصندوق.
ويمكن أن يُحقق إصلاح دعم الطاقة إيرادات سنوية إضافية كبيرة على المدى المتوسط، مما يفسح المجال لإنفاق أكثر استهدافاً.
ويشدد التقرير على أن سد فجوة الضرائب غير الهيدروكربونية، المقدرة بنسبة 2-4% من الناتج المحلي الإجمالي، يتيح إمكانات إضافية لزيادة الإيرادات.
السياسات الضريبية
وفي سياق آخر، أحرزت السلطات تقدماً في تحصيل الضرائب من خلال الرقمنة، وحسّنت إدارة المالية العامة من خلال إعداد موازنة البرامج، وعززت شفافية المشتريات مع قانون المشتريات الجديد المتوقع صدوره عام 2025.
ويوصي الخبراء بالمضي قدمًا في إصلاح السياسة الضريبية مسترشدين باستراتيجية الإيرادات متوسطة الأجل، ودمج خطة تمويل موثوقة في الميزانية لتعزيز إدارة النقد، وتعزيز الرقابة والحوكمة على المؤسسات المملوكة للدولة للتخفيف من المخاطر المالية.
السياسة النقدية
وفيما يتعلق بالسياسات النقدية، يشير التقرير إلى أنه مع انحسار التضخم، يُعدّ موقف السياسة النقدية التيسيرية الحالي لمواجهة شحّ السيولة في القطاع المصرفي كافياً “وفي المستقبل، ينبغي على البنك المركزي مواصلة الرصد اليقظ لسيولة البنوك، وتطورات التضخم الفعلية والمتوقعة، واستخدام جميع الأدوات المتاحة لتحقيق استقرار الأسعار”.
ويضيف: إن ترسيخ استقرار الأسعار بوضوح كهدف أساسي للسياسة النقدية في البنك المركزي الجزائري، وتحديد ركيزة اسمية، من شأنه أن يُسهم في ترسيخ التوقعات والمصداقية والشفافية.
كما من شأن تعزيز مرونة سعر الصرف أن يُسهّل دوره كعامل استقرار تلقائي. وفي ظلّ تزايد حالة عدم اليقين وتقلب أسعار السلع الأساسية، من شأن زيادة مرونة سعر الصرف أن تُعزّز قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات. كما أنها ستدعم جهود تنويع الاقتصاد، وتشجيع الصادرات غير الهيدروكربونية، وتعزيز فعالية السياسة النقدية. وسيكون توسيع نطاق سعر الصرف الاسمي الرسمي اليومي للشراء/البيع لدى البنك المركزي الجزائري خطوة أولى. وينبغي إعطاء الأولوية لتدابير خفض علاوة السوق الموازية، مثل زيادة بدل السفر بالعملة الأجنبية.
تنظيم القطاع المالي
وفي سياق متصل، يوضح التقرير أن التطبيق الدقيق لمتطلبات تنظيم القطاع المالي من شأنه أن يُسهم في ضمان الاستقرار المالي الكلي.
وأحرزت هيئة الرقابة المالية تقدمًا ملحوظًا في الرقابة القائمة على المخاطر، وإدارة الأزمات، وضمان استقلالية عمل الهيئات الرقابية.
ووفق الصندوق “يُعد استمرار اليقظة أمرًا بالغ الأهمية، لا سيما في ظل المخاطر الناجمة عن الروابط المتجذرة بين الحكومة والشركات المملوكة للدولة والشركات المملوكة للدولة”، مشيراً إلى أن السلطات أظهرت التزاماً جديراً بالملاحظة بمعالجة أوجه القصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي حددتها مجموعة العمل المالي. ويشدد على ضرورة استكمال التوصيات المتبقية لتسهيل الخروج من قائمة الولايات القضائية الخاضعة للمراقبة المشددة.
تحسين مناخ الأعمال
كما تُعدّ المبادرات الرامية إلى تحسين مناخ الأعمال، وتعزيز تنمية القطاع الخاص، وتنويع الاقتصاد، أمراً بالغ الأهمية لتحقيق كامل إمكانات الجزائر. ويُعد قانونا الاستثمار والأراضي للفترة 2022-2023، إلى جانب إطلاق منصة رقمية شاملة، خطوات مهمة نحو تخفيف البيروقراطية وتشجيع الاستثمار الخاص، وفق الصندوق.
ويستطرد: مع ذلك، لا بد من إصلاحات أعمق لسوقي المنتجات والعمل لتعزيز المرونة والحد من تشوهات الأسعار، وذلك من أجل تحقيق تكافؤ الفرص، وتعزيز المنافسة، وتحفيز الابتكار. كما يُعد توسيع وتعزيز التجارة الإقليمية أمرًا حيويًا، في ظل تزايد مخاطر التشرذم الجيواقتصادي.
مواجهة الفساد
وينبه الصندوق إلى أن “الإصلاحات الأخيرة لتعزيز الحوكمة والحد من مواطن الضعف في مواجهة الفساد جديرة بالثناء، وينبغي استمرارها”.
وتُعد الاستراتيجية الوطنية لمنع الفساد ومكافحته الصادرة في يوليو/ تموز 2023، وقانون الموازنة العامة الجديد الصادر في يونيو 2023، وقانون المشتريات الجديد، وإنشاء سجل مركزي للملكية الانتفاعية، ومبادرات الرقمنة لتعزيز الرقابة المالية وتحصيل الإيرادات، خطوات مهمة. وفي المستقبل، ينبغي على السلطات مضاعفة جهودها لزيادة الشفافية، لا سيما في قطاعي الهيدروكربونات والشركات المملوكة للدولة.