(الشرق الاوسط)-27/03/2025
بلغ استحقاق تعيين الحاكم الجديد لمصرف لبنان المركزي محطته الأخيرة والحاسمة، عقب مبادرة وزير المال ياسين جابر، إلى طرح ثلاثة أسماء لتولي المنصب، على جدول أعمال مجلس الوزراء الذي ينعقد يوم الخميس، في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون.
ورغم الحسم المسبق للملف بترجيح صدور تعيين المحامي والمصرفي كريم سعيد (شقيق السياسي فارس سعيد) من بين ثلاثة أسماء مقترحة تضمه إلى جانب إدوارد الجميّل وجميل باز، حفلت الساعات الأخيرة قبيل انعقاد الجلسة بتسريب اعتراض ضمني بمرجعية حكومية وبحملة تشكيك بنيات وبتوجهات الوافد إلى مركز صانع القرار النقدي، لا سيما لجهة التعامل مع أزمة الودائع العالقة في البنوك، التي تناهز 84 مليار دولار.
ويُخشى في ضوء هذه الضغوط، حسب مسؤول معني، تأجيل البت بالتعيين توخياً لضم ترشيحات جديدة كانت في التداول قبل إحالة اقتراح الأسماء المحددّة من وزير المال، وفي مقدمها جهاد أزعور الذي يشغل منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وعصام أبو سليمان المدير الإقليمي للبنك الدولي لدول مجلس التعاون الخليجي، والمصرفي الدولي سمير عسّاف وسواهم.
وفي المقابل، بدا أن المراجع السياسية، كما المالية، أبلغت بحسم الملف بتعيين سعيد في جلسة الخميس، والشروع بطرح تعيينات لاحقة تخص نواب الحاكم الأربعة ورئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف قبل انتهاء الولاية القانونية للحاليين والممتدة حتى أوائل شهر يونيو (حزيران) المقبل.
رسالة مزدوجة
ويشكل التعيين في ذاته، للحاكم الأصيل وهيئات السلطة النقدية والرقابية، رسالة «رسمية» مزدوجة إلى الداخل والخارج بجدية عدم تأخير مهمة إعادة انتظام السلطات الدستورية والإدارية، بوصفها خطوات أساسية ونوعية للشروع بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية وصياغة خطة الإنقاذ والتعافي، وإنعاش ملف الاتفاق المنشود مع صندوق النقد.
وتمثل حاكمية البنك المركزي، بتشكيلاتها التي تضم أيضاً هيئة التحقيق الخاصة المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، السلطة المركزية المعنيّة بإدارة القطاع المالي والجهاز المصرفي، وبما يشمل الخطط والتدابير المنشودة لإصلاح الجهاز المصرفي ومعالجة أزمة المودعين المقيمين وغير المقيمين، وتحصين التواصل المالي عبر الحدود وحفظ شبكة العلاقات مع شبكة البنوك المراسلة. فضلاً عن المساهمة الفعالة في إعادة بناء الثقة بين المصارف والزبائن على خطوط الاستثمار والائتمان والوساطة المالية، والتي تعرضت لانتكاسات متعاظمة بعد انفجار الأزمتين المالية والنقدية في خريف عام 2019.
استحقاقات بالغة التعقيد
ويواجه الحاكم العتيد استحقاقات بالغة التعقيد والحساسية، تتصدرها التباسات الفجوة المالية المقدّرة حكومياً ودولياً بنحو 72 مليار دولار، والتي تُغرق البلاد في سلسلة مترابطة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للسنة السادسة على التوالي، لا سيما حسم التباينات المشهودة في توزيع المسؤوليات وتحديد ماهيتها المتناقضة بين مفهومي الخسائر غير القابلة للتعويض، أو تصنيفها على أنها ديون عامة تفرض موجبات على الدولة.
وفي واقع الأمر أن مصرف لبنان المركزي عمد إلى الإسراف في تمويل الدولة والقطاع العام (الكهرباء خصوصاً) عبر استقطاب توظيفات هائلة من الجهاز المصرفي تبقَّى منها، كما تُظهر ميزانيته، نحو 80 مليار دولار. وفي حين تتنصل الدولة من موجبات الوفاء بديونها بما يشمل سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) والبالغة أصولها نحو 31 مليار دولار حين صدور قرار حكومي بتعليق دفع مستحقاتها في ربيع عام 2020، يعجز البنك المركزي عن رد التوظيفات العائدة للبنوك، فتعجز بدورها عن سداد حقوق المودعين.
زيارة مرتقبة لصندوق النقد الدولي
وفي جدول الاستحقاقات الداهمة، ترقُّب زيارة جديدة إلى بيروت لبعثة صندوق النقد خلال النصف الأول من الشهر المقبل، استكمالاً لجولة أولى خلال الشهر الحالي، ضمن سياق إنعاش المفاوضات لإبرام اتفاق جديد بعد اتفاق الطرفين على انقضاء المهل الخاصة بالاتفاق الأولي الذي تم توقيعه في ربيع عام 2022، وفشل الحكومة السابقة في التزام حزمة الشروط المرفقة لبلوغ محطة الاتفاق النهائي الذي يتيح ضخ تمويل وتسهيلات بقيمة تبلغ 3 مليارات دولار لمدة 4 سنوات.
ومن المرتقب إجراء جولة ثالثة من المفاوضات بين الطرفين خلال الشهر المقبل في واشنطن على هامش الاجتماعات الدورية (نصف السنوية) لصندوق النقد والبنك الدوليين، حيث سيشارك لبنان بوفد على مستوى رفيع يضم خصوصاً وزيري المال ياسين جابر والاقتصاد عامر البساط، مما يشكل حافزاً إضافياً لتسريع تعيين الحاكم الأصيل وانضمامه إلى الوفد. فضلاً عن مستشارين أساسيين أعضاء في الفريق المفاوض.
مهمات البنك المركزي
ولا تقل المهام الرئيسية المحدّدة في قانون النقد والتسليف أهميةً عن الاستحقاقات الداهمة، وحساسيةً في المقاربات المطلوبة في مرحلة النهوض والتعافي، وفي أساسها المحافظة على النقد لتأمين أساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم، والمحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي وتطوير السوق النقدية والمالية، كذلك الاقتراح على الحكومة التدابير التي يرى «المركزي» أن من شأنها التأثير المفيد في ميزان المدفوعات وحركة الأسعار والمالية العامة، وعلى النمو الاقتصادي بصورة عامة، وإطلاعها على الأمور التي يعدها مضرّة بالاقتصاد وبالنقد، وتأمين علاقات الحكومة بالمؤسسات المالية الدولية.