ترامب وعمالقة التكنولوجيا.. لعبة المصالح المتغيرة
(البيان)-07/05/2025
عندما يُذكر اسم «ترامب» في سياق عالم «التكنولوجيا»، يتبادر إلى الذهن مشهد إيلون ماسك بمنشاره الشهير، إلى جانب صورة عمالقة وادي السيليكون في الصفوف الأمامية خلال حفل تنصيب الرئيس.
لكن الأمر يتجاوز هذه المشاهد البصرية، إذ تسعى وزارة العدل الأمريكية والهيئة الفيدرالية للتجارة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة ضد شركات التكنولوجيا العملاقة.
ومن المتوقع أن يوقع دونالد ترامب على تشريع يحظى بدعم الحزبين للتصدي لظاهرة التزييف العميق، في حين يواصل البيت الأبيض سياسته الرامية إلى فك الارتباط التكنولوجي مع الصين.
وهنا يبرز سؤال محوري: هل يمكن اعتبار ترامب داعماً للحرية التكنولوجية؟ أم أنه شعبوي مناهض لسيطرة عمالقة التقنية؟
وكما هي الحال في معظم القضايا، يرتبط موقف الرئيس الأمريكي بمصالحه الشخصية اللحظية، وقد ظهر ذلك جلياً منذ أيام عندما فكر قسم «هول» التابع لشركة أمازون – المتخصص ببيع المنتجات منخفضة التكلفة المشحونة مباشرة من المستودعات الصينية – في نشر بيانات توضح تأثير الرسوم الجمركية على أسعار المستهلكين، إذ سارع المتحدث الرسمي باسم ترامب لوصف هذه الخطوة بأنها «عمل عدائي وسياسي».
لقد مثلت فكرة أمازون فرصة لاستثمار البيانات الضخمة التي تمتلكها شركات التكنولوجيا العملاقة.
فهذه البيانات يمكن استخدامها لإطلاق ما يشبه «ملصق المعلومات الغذائية» لسلاسل التوريد، بحيث توضح للجمهور تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار، وكذلك نسبة الزيادة في التكاليف التي ستتحملها الشركات الكبرى من جيوبها – التي يرجح أن تكون ضئيلة جداً. غير أن أمازون اختارت مساراً مختلفاً، وأنهت الموضوع سريعاً بعد اتصال هاتفي بين مؤسسها ورئيس مجلسها التنفيذي جيف بيزوس والرئيس ترامب.
تكشف هذه الواقعة عن الإشارات المتضاربة الصادرة عن إدارة ترامب بشأن التكنولوجيا والتنظيم، وتظهر أن هذا مجال آخر من مجالات السياسة التي تفتقر للوضوح من البيت الأبيض، فنائب الرئيس جيه دي فانس يرتبط بعلاقة طويلة مع ملياردير التكنولوجيا بيتر ثيل، لكنه بالمقابل من المعجبين بالرئيسة السابقة للهيئة الفيدرالية للتجارة لينا خان وحملتها ضد الاحتكار.
ومن المتوقع إعلان الإجراءات التصحيحية في قضية احتكار غوغل خلال الأسابيع القليلة القادمة، حيث دعت غيل سليتر، رئيسة قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل، لإجراءات صارمة تشمل إنهاء اتفاقية محرك البحث الافتراضي مع آبل، وبيع متصفح كروم، وترخيص بيانات البحث للمنافسين.
ورغم أن سليتر تختلف عن خان، فإن موقفها المؤيد للسوق يعني رفضها لحجة «البطل الوطني» التي يروج لها وادي السيليكون بأن الأكبر هو الأفضل في معركة التفوق التكنولوجي مع الصين، وأكدت في مقابلة مؤخراً مع الخبير المحافظ سهراب أحمري: «نعتقد أنه يجب أن نثق أكثر في نظامنا ولا نظن أنه لمنافسة الصين، علينا أن نصبح أكثر شبهاً بها».
وتتبنى غيل سليتر، على غرار معظم المفكرين الليبراليين، موقفاً داعماً للتدخل التنظيمي الذي يهدف إلى حماية مناخ الابتكار من هيمنة شركات التكنولوجيا العملاقة، التي تسعى بدورها إما للقضاء على الشركات الناشئة المهددة لنموذج أعمالها الأساسي أو الاستحواذ عليها.
وتستشهد سليتر بقرار تفكيك شركة «إيه تي آند تي» إبان حقبة ريغان – الذي أدى إلى تسريع ابتكارات الهاتف المحمول – كنموذج يحتذى به.
وتتطلب حماية رواد الأعمال الذين قد يبتكرون «غوغل» أو «ميتا» الغد فهماً عميقاً للحصون المنيعة التي شيدها عمالقة التكنولوجيا حول أعمالهم.
وقد دفع هذا التصور الهيئة الفيدرالية للتجارة لمقاضاة «أوبر»، متهمة إياها بتعمد وضع عراقيل أمام المستخدمين الراغبين في إلغاء خدمات الاشتراك – وهي مزاعم تنفيها الشركة بشدة.
ويتقاطع هذا النهج التنظيمي، الذي يتصدى لاختلال توازن المعلومات وغموض نماذج الأعمال التقنية، مع مقاربة إدارة بايدن.
غير أن ترامب يختلف جذرياً عن سلفه، فقد أعادت الإدارة الديمقراطية السابقة مفهوم «القوة» إلى قلب الاقتصاد السياسي ووظفته لتقييم هيمنة الشركات التكنولوجية العملاقة.
وكان تجاوز نموذج «رفاهية المستهلك» التقليدي لتنظيم الاقتصاد الرقمي – القائم في جوهره على تبادل المعلومات – طرحاً جريئاً وابتكارياً وصائباً.
أما الرئيس السابع والأربعون فيتعامل مع مفهوم «القوة التنظيمية» بانتهازية مفرطة، ويتجلى ذلك في مقاربته لقضية «اشترِ أو ادفن» المرفوعة ضد «ميتا».
فقد كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مساعي الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ الحثيثة للضغط على ترامب شخصياً، أملاً في إلزام الهيئة بقبول تسوية بقيمة 450 مليون دولار – أي جزء بسيط من غرامة الـ30 مليار دولار التي طالبت بها الجهة التنظيمية.
ورغم أن زوكربيرغ كان واثقاً من كسب تأييد ترامب، إلا أن ذلك لم يتحقق، ربما لأن آخر من التقى بهم الرئيس كانوا من الهيئة الفيدرالية للتجارة وليس من «ميتا».
فهل يساور أحد أي شك في قدرة ترامب على إبرام صفقة مع زوكربيرغ أو «غوغل» لتخفيف الإجراءات المناهضة للاحتكار مقابل منافع شخصية أو سياسية؟
ويبرز فك الارتباط التكنولوجي مع الصين بصفته المجال الوحيد الذي يبدو أن ترامب لن يتزحزح بشأنه، ويتجلى ذلك في حظر تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي التي تنتجها شركة «إنفيديا».
غير أن نهجه الشمولي في فرض الرسوم الجمركية دفع الاتحاد الأوروبي للتلويح بضرائب رقمية ضخمة تستهدف شركات وادي السيليكون. وهكذا، فإن حقيقة خوض الولايات المتحدة معارك متزامنة مع أوروبا والصين ستقلص رغبة بقية دول العالم في الدوران ضمن فلك التكنولوجيا الأمريكية.
وتكمن المفارقة في أن هذه التعريفات ستلحق ضرراً أكبر بالشركات الصغيرة مقارنة بنظيراتها الكبرى، مما سيعزز هيمنة العمالقة ويزيد من حجمها. والمؤكد أنه طالما بدت هذه الشركات الكبرى في صف ترامب، فمن المستبعد أن يكترث لهذه النتائج.