الدولار الرقمي يجب أن يحافظ على قيم الحرية الاقتصادية
(العربية)-28/05/2025
صوت مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي لصالح مشروع قانون بالغ الأهمية لتنظيم العملات المشفّرة، يُعرف باسم «قانون جينيوس»، وذلك بدعم كلا الحزبين.
ويُعد هذا المشروع خطوة أولى نحو وضع إطار تنظيمي شامل لمُصدري العملات المستقرة، وهي رموز رقمية مرتبطة بالعملات القانونية التقليدية، مثل الدولار الأمريكي.
وتكمن أهمية هذا القانون في أن الدولار لا يزال، رغم كل ما يقال، يمثل الأداة الرئيسية عالمياً في المدفوعات والتجارة، عبر منظومة واسعة من البنى التحتية والشبكات العالمية المترابطة.
وربما تكون هذه المنظومة الأوسع نطاقاً في تاريخ البشرية، كما أنها تعزز قيم اقتصاد السوق وحرية التعبير الاقتصادي في مواجهة الرقابة والسيطرة، سواء من قبل الحكومات أو الشركات.
ومع ذلك، ورغم أن شبكة الدولار التي نشهدها اليوم لا نظير لها، إلا أن التكنولوجيا التي تعتمد عليها هذه الشبكة تقترب سريعاً من مرحلة التقادم. ولا يزال نقل القيمة عبر الشبكة يعتمد على ممارسات وتكنولوجيا عتيقة تعود إلى القرن العشرين، وتتصف بأنها حصرية، وباهظة، وبطيئة.
وتواجه هذه الشبكة منافسة من شبكات جديدة رقمية. وعلى سبيل المثال، تعمل دول مجموعة «بريكس»، على تقليل اعتمادها على الدولار لصالح عملة رقمية جديدة.
وتزداد شعبية العملات المستقرة المدعومة بالدولار، وهي في واقع الأمر عبارة عن طبقات أسرع وأكثر كفاءة لشبكة الدولار ذاتها. ولك أن تتصور هذه الشبكة وكأنها قطارات فائقة السرعة تندفع بمحاذاة قطارات أبطأ كثيراً تعمل بالديزل.
ومع دخولنا الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين، أصبح من الواضح بصورة متزايدة أن المال (وأشكالاً أخرى من القيمة مثل الديون الحكومية وحتى ملكية السيارات) سيتم تسجيلها ونقلها عبر مجموعة متنوعة من أدوات الشبكة الرقمية.
بما في ذلك الودائع المُرمّزة التي تديرها البنوك، والعملات المستقرة التي تديرها الشركات، وكذلك العملات الرقمية للبنوك المركزية التي تديرها الحكومات.
لذلك، فقد حان الوقت لتجيب الولايات المتحدة عن ثلاثة أسئلة بسيطة لكنها صعبة، وهي: كيف يمكن حماية الدولار مستقبلاً في عالم تنتشر فيه شبكات رقمية متنافسة؟
وكيف يمكن الحفاظ على مكانة الدولار باعتباره عملة الاحتياطي العالمي؟ وربما يكون السؤال الأكثر أهمية هو: كيف يمكن الحفاظ على القيم الشاملة التي يمثلها الدولار؟
وإذا تم تصميمها بصورة لائقة، فستعمل الأدوات الرقمية المعتمدة على الدولار وعملات ديمقراطية أخرى وفق أنظمة تتمتع بشفافية على المستوى التشغيلي، ما يوفر ضماناً واستقلالاً بشأن الوظيفة التقنية والأمن.
كما ينبغي أن تعكس هذه الأدوات القيم المتمثلة في الابتعاد عن المراقبة غير المبررة، والتحكم، والسيطرة، سواء كان ذلك من جانب الحكومات أو الشركات.
لقد شهد العالم بروز الموجة الأولى من الإنترنت منذ ثلاثين عاماً. وحرص زعماء الولايات المتحدة والدول الديمقراطية الحليفة حينها على أن تعكس الإنترنت التي نستخدمها اليوم قيم المجتمعات المنفتحة.
وفي جهد رائع، عمل القطاعان العام والخاص معاً، لوضع معايير عالمية وإنشاء مؤسسات حاكمة، مثل جمعية الإنترنت، وشركة الإنترنت للأرقام والنطاقات «آيكان»، ومؤسسات أخرى. وجاء هذا بنتائج تحويلية شاملة، سواء اقتصادياً أو اجتماعياً. ولم تقتصر الفائدة على الولايات المتحدة فحسب، بل امتدت لتشمل العالم أيضاً.
واليوم، نمر بحقبة جديدة لا مفر منها ولا يمكن إيقافها، وهي إنترنت القيمة. ويجب علينا أن نعمل معاً من جديد لضمان أن يكون الدولار وشبكات أخرى للعملات الرقمية على أعلى درجات التطور من حيث السرعة، والموثوقية، وسهولة الوصول.
وكذلك الشمول. ويمثّل «قانون جينيوس» خطوة مهمة في سبيل تحديث الدولار. لكن يتعين على صانعي السياسة الأمريكيين أن يذهبوا إلى ما هو أبعد وأن يحرصوا على أن يعكس الدولار الرقمي قيم اقتصاد السوق والتعبير الاقتصادي الحر.
لأننا إذا أحسنّا تصميم التكنولوجيا الرقمية، فلن نحتاج إلى العصا للحفاظ على أدوات رقمية ديمقراطية. وإذا التزمنا بالقيم الصحيحة، فإن قيمة الدولار ستستمر لعقود قادمة.