عرضت شركة «إس إيه بي كونكر»، وفق جواو كارفاليو، المدير التنفيذي للشركة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب أوروبا وإفريقيا، مجموعة من النصائح التي تساعد المؤسسات على الإستفادة من الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال.
وأشار تقرير جديد صدر مؤخراً عن جارتنر إلى «أن نحو ثلث مشاريع الذكاء الإصطناعي قد يتم إلغاؤها في حلول العام 2025 نتيجة تخطي تكلفتها القيّمة المرجوة منها. ودفع هذا التحدّي العديد من الرؤساء التنفيذيين إلى الإعتماد على المدراء الماليين لإتخاذ القرار حيال ما إذا كانت مبادرات الذكاء الإصطناعي تستحق هذا الإستثمار».
وعرضت «إس إيه بي كونكر» مجموعة من النصائح للإدارات المالية التي تواجه هذه العقبات لمساعدة المؤسسات على الإستفادة من الذكاء الإصطناعي بشكل فعّال، وهذه النصائح هي:
1- إعتماد معايير نجاح متعدّدة التخصُّصات: يتطلب تحقيق عائدات ملموسة على الإستثمار إعتماد معايير عالية في عدد من المجالات، على نحو مشابه للنهج العشاري الأولمبي متعدّد الفعّاليات.
2- تحقيق نجاحات مبكرة وتوظيف الأفكار الأولية: بالنظر إلى الأثر المحتمل للذكاء الإصطناعي على الأعمال، فمن السهل التركيز على الصورة الأكبر وتجاهل التفاصيل الإجرائية. ويمكن للتركيز على النجاحات المبكرة، أن يقدم أدلة أساسية خلال رحلة المؤسسات في مجال الذكاء الاصطناعي، وبالتالي توفير المبرّرات اللازمة لمواصلة الإستثمار والمحافظة على إهتمام ومشاركة الأطراف المعنيين.
3- تخصيص معايير القياس لتتناسب مع أهداف المؤسسات: تتفاوت الفوائد المرجوة من الذكاء الإصطناعي، وقد لا يكون تطبيق قياسات معيارية للعائد على الإستثمار ممكناً دائماً، إذ إن بعضها قد لا يظهر بشكل واضح في بيانات الميزانية أو في مؤشرات الأداء الرئيسية، ما يجعل عملية تقييم العائد على الإستثمار معقدة بالنسبة إلى فرق المالية.
4- الإعتراف بأثر الجانب البشري في العائد على الإستثمار للذكاء الإصطناعي: قد يكون تعريف العائد على الإستثمار في الذكاء الإصطناعي صعباً وخصوصاً بالنظر إلى الفجوة المهارية الموجودة. ومع إشارة 52 % من الشركات إلى النقص في القوى العاملة الماهرة، فإن مشاريع الذكاء الإصطناعي تحتاج إلى الإستثمار في مجالات التكنولوجيا وتدريب القوى العاملة.
إبسون: 4 إستراتيجيات هامّة عند التحوُّل إلى مصادر الطاقة المتجدّدة
أعربت شركة «سيكو إبسون» (Epson) شركة التكنولوجيا العالمية الرائدة في حلول الطباعة المبتكرة الخاصة بالمنازل والمكاتب والقطاعات التجارية والصناعية وقطاع التصنيع وقطاعات الفنون البصرية وأسلوب الحياة، عن أملها في أن تكون مصدر إلهام للشركات الأخرى في مجال الانتقال الكامل بنسبة 100 % إلى الطاقة المتجدّدة، وذلك من خلال عرضها للأفكار التي تعلمتها خلال رحلتها الذاتية في هذا السياق.
وتشير إحصاءات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن حصة المستخدمين في قطاعات التصنيع وغيرها من القطاعات تقدر بنحو الثلث من إستهلاك العالم للطاقة، حيث تُعد الطاقة الكهربائية عنصراً رئيسياً من ذلك. وكانت «إبسون» قد إستكملت إنتقالها إلى الطاقة المتجددة في اليابان في العام 2021، وعالمياً في المواقع المملوكة لها في العام 2023، لترسم بذلك طريقاً مبتكراً للتصنيع باستخدام الطاقة المتجددة يُمكن للشركات الأخرى أن تحذو حذوه.
وقال نيل كولكوهون، رئيس إبسون الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا ووسط وغرب آسيا: «لو كانت كل الطاقة الكهربائية المستهلكة في المصانع والمرافق الصناعية مصدرها الطاقة المتجددة، فإن هذا الأمر سيُسهم إلى حد كبير في إيجاد حلول لتحدي تغيُّر المناخ».
أربع إستراتيجيات مقترحة للشركة
ترى «إبسون» أن هناك طرقاً عملية عدّة يُمكن للشركات أخذها في الإعتبار عند تحوُّلها إلى مصادر الطاقة المتجددة:
1- الحصول على الطاقة الكهربائية من مصادر متجدّدة: وذلك من الموردين المحليين من خلال عقود مع موردي الكهرباء.
2- توليد الطاقة الكهربائية ميدانياً: من خلال لوحات الطاقة الشمسية على الأسطح أو من خلال توربينات الهواء في حال كانت المساحة تسمح بذلك.
3- تطوير مرافق تخزين البطاريات: تشمل المخاوف المتعلقة بالطاقة الكهربائية من مصادر متجدّدة، على مخاطر إنقطاع إمداداتها في حال عدم وجود رياح أو في حال كان نور الشمس محجوباً، لكن تقنيات تخزين الطاقة الكهربائية توفر حلاً قابلاً للتطبيق لمعالجة ذلك.
4- إتخاذ قرار في خصوص توليد الطاقة الشمسية: عندما يتعلق الأمر بأنظمة توليد الطاقة الشمسية، فإن المواقع الميدانية التابعة لشركة إبسون هي التي تقرر ما إذا كانت ستتبنّى أسلوب الإستثمار الذاتي، أو إتفاقيات شراء الطاقة (PPA) وذلك بناءً على الظروف الفردية لكل دولة أو منطقة.
تمكّنت السلطات الأميركية من إختراق محمول مهاجم دونالد ترامب (الرئيس الأميركي والمرشح الرئاسي لعام 2024) في أقل من 48 ساعة، وذلك رغم أنه من جوالات «سامسونغ» الحديثة التي حصلت على تحديثات «أندرويدݕ» الأخيرة، ورغم أن الإختراق تم ضمن حيثيات قضائية تتطلّب معرفة المهاجم ونواياه وإن كان فرداً في تشكيل إجرامي أم لا، فإن ما حدث تسبّب في ضجة بعالم الأمن السيبراني، إذ سلّطت الضوء على هشاشة أنظمة تأمين الجوالات في مختلف إصداراتها وأنواعها.
ما حدث مع محمول توماس كروكس مهاجم دونالد ترامب ليس حالة فريدة من نوعها يصعب تكرارها، بل هو نموذج آخر لسيناريو يحدث بشكل شبه يومي في مختلف مكاتب الهيئات الفدرالية والسلطات القانونية الأميركية، فضلاً عن بقية دول العالم، ورغم أن هذه الأدوات تختلف عن أدوات التجسس والهجمات السيبرانية الخبيثة على الجوالات، فإنها تيسّر الفعل ذاته، وهو إختراق الهاتف والوصول إلى بياناته دون الحصول على إذن المالك.
وتزعم جميع شركات المحمول (الجوالات) أنها تصنع هواتف ذكية «آمنة» لا خوف منها ولا يمكن اختراقها بسهولة، وهو الأمر الذي تروج له «آبل» و«سامسونغ» وغيرها من الشركات، ولكن هل يُمكن القول إن هذا الإدعاء حقيقي، أم أنه مجرد خطوة تسويقية لإقناع المستخدمين باقتناء جوالاتهم؟ علماً أن جميع شركات الجوال تفيد أنها تصنع هواتف ذكية «آمنة» ولا يُمكن إختراقها بسهولة.
تقنية يسهل الوصول إليها
في العام 2020، نشرت مؤسسة «آب تيرن» تقريراً عن أدوات إختراق الجوالات المستخدمة في السلطات القانونية الأميركية، وفق هذا التقرير، فإن أكثر من ألفي مكتب تحقيقات وهيئة قانونية أميركية منتشرة في 50 ولاية تمتلك أدوات خارجية تساعدها في إختراق حماية أعتى الجوالات مهما كان طرازها، وهي أدوات تصل تكلفتها في بعض الأحيان إلى 30 ألف دولار.
ويمكن القول إن الحاجز الوحيد الذي يقف أمام إنتشار هذه التقنيات بشكل واسع هو تكلفة الجهاز والحصول على التحديثات الخاصة به، مما لن يُشكل أي تحدٍ أو صعوبة أمام العصابات الإجرامية سواء كانت سيبرانية أو معتادة.
تقنية يُمكن الوصول إليها في كل سهولة
في سبتمبر/أيلول 2023 وقبيل الإنتخابات الرئاسية المصرية تم إختراق هاتف المرشح الرئاسي أحمد طنطاوي من قبل برمجية خبيثة تدعى «سيتروكس» (Cytrox)، ولولا تعاونه مع منظمة «سيتيزنلاب» (Citizenlab) الأمنية كان الأمر سيمر مرور الكرام.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، إستهدفت الحكومة الهندية مجموعة من الصحفيين المعارضين عبر برمجية «بيغاسوس» الخبيثة من أجل التجسُّس على هواتفهم ومراقبتهم، وذلك فضلاً عن مجموعة بارزة من المعارضين في مختلف دول العالم إلى جانب شخصيات بارزة في بولندا وأوكرانيا وغيرها من الدول التي تكثر فيها النزاعات السياسية.
وتثير سهولة الوصول إلى تقنيات الإختراق والتجسس المماثلة لتقنية «بيغاسوس» أسئلة متنوّعة عن دور الشركات المطورة لها وقانونية عملها، إذ تمتلك هذه الشركات مقرات في مختلف دول العالم، وفي حالة «بيغاسوس»، فإن الشركة تستقبل العملاء في مكاتبها وتبيع لهم هذا البرنامج الخبيث للتجسُّس على الأهداف المختلفة، فضلاً عن البرمجيات التي تُباع بشكل قانوني وتسهل إختراق الجوالات مثل «سيليبريت».
في وقت قصير وُجد العديد من الشركات التي تعمل في إختراق الجوالات في مختلف أنواعها، مما يساهم في تنمية المخاوف الأمنية ضد الهواتف والجوالات الذكية، ويجعلنا نتساءل إن كان إدوارد سنودن محقاً. وللتذكير سنودن مواطن أميركي (مواليد العام 1983) ومتعاقد تقني وعميل موظف لدى وكالة المخابرات المركزية، وقد عمل كمتعاقد مع وكالة الأمن القومي قبل أن يسرّب تفاصيل برنامج تجسس إلى الصحافة. وفي يونيو/ حزيران 2013 سرّب سنودن مواد مصنّفة على أنها سرّية للغاية من وكالة الأمن القومي إلى صحيفتي «الغارديان» و«الواشنطن».
لا أحد آمن
تُطلق «آبل» دوماً إعلانات متلفزة تهاجم هواتف «أندرويد» كونها أقل أمناً من جوّالات «آيفون»، ورغم أن هذا الأمر كان صحيحاً في الماضي، فإنه تغيّر كثيراً في السنوات الأخيرة، إذ لم يعد مالكو «آيفون» في أمان.
لا شك في أن جوالات «آيفون» تتمتع بمستوى أمني أعلى قليلاً من المنافسين، كما تُعد جوالات «سامسونغ» أكثر أمنا من الجوّالات الصينية، ولكنها ليست منيعة ضد الإختراق بشكل كامل، إذ يُمكن إختراقها بكل سهولة ويسر، وهو الأمر الواضح من بيان نشرته «سيليبرايت» حول قدرة التحديث الأخير من برمجياتها على إختراق هواتف «آيفون 14» والهواتف التي تعمل بنظام «آي أو إس 17».
كما يجب ألاّ ننسى حملة الهجوم المنظمة التي تمت ضد جوالات «آيفون» في العام 2017 وإستمرت لمدة عامين، إذ تم تكوين عصابات منظمة لمهاجمة وإختراق وسرقة بيانات جوالات «آيفون» وتم تسريب العديد من المقاطع والصور لمختلف مشاهير العالم ضمن هذه الحملة.
بالطبع يُمكن العثور على كثير من الأمثلة لإختراق جوّالات «أندرويد» وتحديداً الجوّالات الصينية التي تأتي محمّلة ببرمجيات خبيثة من بعض الشركات بشكل أساسي، وهي برمجيات تهدف إلى عرض الإعلانات أو حتى سرقة البيانات والصور السرية.
سنودن كان محقاً
في العام 2013، أجرى الخبير الأمني إدوارد سنودن مقابلة مع صحيفة «ذا غارديان» The Guardian كشف خلالها عن أساليب التجسُّس الحديثة التي تتبعها الهيئات السرية في الولايات المتحدة، وكيف أن المعدّات الذكية ما هي إلاّ أدوات تجسُّس متطوّرة، مما أثار جدلاً واسعاً عالمياً لدرجة أن قصة حياته تحوّلت إلى فيلم سينمائي ناجح.
وأكد سنودن أن جميع الأجهزة التقنية الذكية هي أدوات تجسُّس خفية مهما حاولت الشركات إثبات عكس ذلك أو حاول المستخدم تفادي هذه العيوب، وكان دائماً ينصح بالتخلُّص من الأجهزة الذكية والعودة إلى الأجهزة التقليدية.
ويدفعنا تطوُّر أدوات إختراق الجوالات والتجسس للإيمان بأن نظريات سنودن كانت صحيحة، وأن مخاوفه من الأجهزة التقنية لم تكن مجرّد هلوسات مريض بالفصام، مما يقودنا إلى السؤال النهائي: هل يُمكننا أن نثق في جوالاتنا بالشكل الذي نقوم به الآن؟
«الأمن السيبراني» يحذّر من إختراق الهواتف المحمولة
في السياق عينه، حذّر مجلس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات من تصاعد الهجمات السيبرانية على الهواتف المحمولة عالمياً، إذ تُؤكد الأرقام أهمية تأمين الهاتف وتحديثه بإستمرار، داعياً المستخدمين إلى إجراء تحديثات دورية لبرمجيات هواتفهم المحمولة، لحمايتها من الإختراق، لافتاً إلى ما كشفه بحث شركة «ماكافي»، الصادر أخيراً عن إتجاهات مقلقة في مجال الثغرات الأمنية للهواتف، ما يُشدّد على ضرورة التحديثات الدورية للبرمجيات لحماية معلوماتك الشخصية.
ونبّه مجلس الأمن السيبراني عينه، إلى أن التهديدات السيبرانية تُشكل خطراً على بيانات الشخص وهويته وأمواله وخصوصيته، مشيراً إلى أن هناك ثلاثة أنواع من المخاطر مترتبة على إختراق الهاتف تتمثل أولاً في سرقة الهوية، إذ يُمكن للمخترقين سرقة هوية الفرد، ما يسبب ضرراً خطيراً، وثانياً الإنتهاكات المالية إذ تتعرّض بطاقات الإئتمان الخاصة بالمستخدم والخدمات المصرفية عبر الإنترنت للخطر، ثالثاً إنتهاكات الخصوصية.
وأوضح المجلس مجموعة من الخطوات التي تساعد المستخدم على تعزيز أمن هاتفه، منها أن يظل مطّلعاً من خلال التحقق بإنتظام من التحديثات والقيام بتحميلها بسرعة، وتعزيز قفل الوصول من خلال تأمين الهاتف والتطبيقات بكلمات مرور قوية أو تقنية التحقق البيومتري، وتفعيل ميزة العثور على الهاتف لزيادة الأمان.
في السياق ذاته، دعا المجلس الأفراد إلى أخذ الحذر من التهديدات المخفية في تفاعلاتهم الرقمية اليومية، ومنها الرسائل، والروابط، والمواقع، والمشاركات، وأجهزة التخزين، مؤكداً أهمية التحقق من صحة كل رابط وملف قبل التفاعل معه لحماية الأمان الرقمي.
ووجّه المجلس بأخذ الحيطة من خمسة ممرّات سرّية للبرامج الضارة على الهواتف المحمولة، هي المواقع المخترقة، إذ إن زيارتها قد تصيب الأجهزة بالبرامج الضارة تلقائياً، والشيفرات المشبوهة، التي قد تكون كامنة في برامج أو مستندات أو ملفات وسائط منزلة، والمرفقات البريدية، إذ تختبئ البرامج الضارة في ملفات بريد إلكتروني تبدو آمنة، وروابط الوسائط الإجتماعية، حيث تنقلها الروابط الجذابة عبر مواقع التواصل، وأخيراً مداخل «usb» لأن توصيل أقراص ملوثة يسمح للبرامج الضارة بالوصول المباشر. والجدير بالذكر، أن مجلس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات، أطلق أخيراً تحذيراً من تزايد مخاطر الهجمات السيبرانية في فترة المناسبات العامة، داعياً الأفراد والمؤسسات إلى أخذ الحذر جرّاء إرتفاع التهديدات السيبرانية المحتملة خلال العطلات والأعياد، وتكثيف الجهود للتوعية، وإتخاذ التدابير الإحترازية اللازمة لحماية أنفسهم ومؤسساتهم وبياناتهم دعماً وحفظاً لمنظومة الأمن السيبراني الوطني.
وخلص المجلس إلى ضرورة تحديث برامج الحماية وأنظمة التشغيل بإستمرار، وإجراء عمليات الفحص الدوري للأجهزة، وتوخي الحذر عند فتح الروابط والمرفقات المشبوهة، أو غير المرسلة من مصادر موثوقة، وإستخدام كلمات مرور قوية ومعقّدة، وتفعيل خاصية المصادقة الثنائية للحسابات، مؤكداً أهمية نشر الوعي وتعزيز ثقافة الأمن السيبراني لدى الأفراد والمؤسسات للحدّ من مخاطر التهديدات، داعياً إلى تحري الدقة والحذر في التعامل مع البريد الإلكتروني والتحقق من صدقية أي طلبات غير معتادة لتجنب محاولات التصيُّد الإحتيالي، وإستخدام كلمات مرور قوية ومعقّدة وتفعيل خاصية المصادقة الثنائية.
وأطلق المجلس في مارس/ آذار 2024، حملة توعوية، تستهدف المؤسسات الحكومية والخاصة، وجميع أفراد المجتمع، تحت عنوان «الحملة الوطنية للأمن السيبراني.. عام من الوعي والتثقيف الرقمي»، لتعزيز الوعي بمخاطر الفضاء الإلكتروني، والسبل المختلفة للحماية من الهجمات السيبرانية، والدعوة إلى أخذ الحيطة لتفادي الوقوع ضحية لهجمات التصيُّد والإحتيال الإلكتروني، التي تستخدم التكنولوجيا لخداع المستخدمين الرقميين للحصول على معلوماتهم وبياناتهم الشخصية. وتضمنت الحملة 52 موضوعاً، بواقع موضوع جديد كل أسبوع.
تُواجه المصارف حول العالم ومنها المصارف العربية، معضلة تحقيق التوازن بين الحفاظ على علاقاتها المالية من جهة، وتلبية متطلبات العناية الواجبة وإرتفاع تكاليف الإمتثال من جهة أخرى. من هنا تأتي أهمية علاقة المصارف، ومنها المصارف العربية، مع البنوك المُراسلة، حيث يقوم البنك المُراسل (Correspondent Bank) بتقديم الخدمات المصرفية إلى البنك المحلي (Respondent Bank)، وتُستخدم لتنفيذ مجموعة من العمليات لطرف ثالث، قد يكون عميلاً مباشراً للبنك المجيب أو عميلاً وسيطاً (مثل البنوك والمؤسسات المالية)، كما تلعب العلاقة مع البنوك المراسلة دوراً رئيسياً في دعم النمو والنشاط الإقتصادي، عبر تسهيل التجارة الدولية والنشاطات المالية عبر الحدود، كما تُوفّر الإحتياجات الأساسية للعملاء والشركات والأفراد.
تكمن أهمية إستخدام البنوك المراسلة أيضاً، في قدرة المؤسسات المالية على تقديم خدماتها إلى عملاء أكثر دون الحاجة إلى فتح فروع، بمعنى آخر البنوك المراسلة هي مجموعة من البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية، التي يتعامل معها البنك المحلي لتقديم خدمات تحويل الأموال وتمويل التجارة الخارجية، والإعتمادات المستندية وغيرها من الخدمات المالية لصالح عُملائه المحليين، وتقوم العلاقة مع البنوك المراسلة على أساس إتفاقية ثنائية، تعتمد على علاقات متبادلة عبر الحدود. كما تُستخدم كطريقة للتواصل مع كبار المستثمرين الذين يعملون في بلدان وقارات أخرى، بالإضافة إلى إتاحة إجراء العمليات المالية للأشخاص بسهولة في أجزاء مختلفة من العالم. وتلعب العلاقات مع البنوك المراسلة العالمية أيضاً، دوراً مهماً في إقتصادات الدول العربية، لأنها الحلقة التي يُمكن من خلالها الحصول على الخدمات والمنتجات المالية العالمية، وإجراء معاملات بالعملات الأجنبية.
ويُوصي الخبراء بـ «تكثيف التعاون والتواصل من قبل جميع المصارف في منطقتنا العربية، مع البنوك المراسلة لتعزيز الشفافية وتوطيد العلاقات معها، كما أن وضع سياسات وإجراءات شاملة تُلبّي متطلّبات القوانين، وقواعد العمل والتوصيات الدولية والحرص على تطبيقها بشكل فعّال، تُعتبر شروطاً أساسية لبناء جسور الثقة وتخفيف آثار سياسات تقليص المخاطر وحماية نظامنا المالي».
تجربة المصارف العربية مع المصارف المراسلة
في السنوات الأخيرة، تعرّضت المصارف العربية (ومنها لبنان بعد الإنهيار في العام 2019)، لضغوطات، بإعتبار أنّ العلاقات مع البنوك المراسلة باتت أكثر عرضة لإستخدامها في المعاملات غير المشروعة المرتبطة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ويُشير الخبراء إلى أن «عدم الإمتثال للقوانين والتشريعات الدولية المرعية والصادرة عن الهيئات الرقابية، ولا سيما الأميركية منها والمتعلّقة بقوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومحاربة الفساد، ينتج عنها مخاطر سمعة كبرى للدول بشكل عام، وللمصارف والمؤسسات المالية بشكل خاص، قد تؤدي إلى قطع علاقاتها مع المصارف المراسلة أو حتى إلى زوالها من الوجود. وقد تتسبّب العقوبات على المصارف والمؤسسات المالية بتنامي ظاهرة صيرفة الظل (Shadow Banking)، حيث تبرز مشكلة جديدة تتجلّى في ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة».
ويرى هؤلاء الخبراء أن «الحل الموضوعي في هذا المجال يتطلّب تشدُّداً أكثر في الرقابة الداخلية، والتوسُّع في المعلومات والمعطيات الهادفة إلى تطبيق أشمل لقاعدة «إعرف عميلك»، وتوسيع آليات التنسيق والتعاون ما بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنية، كما يؤدي الخروج من المنظومة المالية والمصرفية الدولية، أو التعرُّض للعقوبات الى ما يُعرف بالتهميش المالي (Financial Exclusion) لفئات كثيرة من المجتمع ما يعوّق تقدّمها وإزدهارها»، مشدّدين على أن «عالمنا العربي يقع في عين اللعبة الدولية، حيث تتفجر فيه وحوله الصراعات الجيو-سياسية، فمن تصعيد العقوبات على بعض الأفراد والمنظمات، إلى الحروب والصراعات في بعض الدول العربية (لبنان وغزة). هنا تجد المصارف والمؤسسات المالية العربية نفسها في قلب الحدث، وفي ساحة المعركة، وهنا تجد السلطات الرقابية والسلطات الامنية والقضائية نفسها في مواجهة مع المنظمات والأفراد الذين يُحاولون إستخدام القنوات المالية للوصول إلى أهدافهم».
يُشدّد الخبراء على أنه «إتضح للجميع في المؤسسات المالية والمصرفية، بأنه لا بد من المضي في تجسيد العمل المالي والمصرفي، من خلال تطبيق المعايير اللازمة بل وتطويرها وإستحداث البرامج التكنولوجية، بهدف فرض رقابة محكمة، من خلال منظومة متكاملة تخدم العمل الرقابي على هذه المؤسسات وتحسين أدائها، وأن كل هذا في المقابل، يُعزّز ثقة العملاء بالمؤسسات المالية والمصرفية. لذلك، كان لمجموعة العمل المالي الدولية FATF إصرارها على تطبيق معاييرها لما له من أثر إيجابي، وجعلت من هذا الإلزام ورشة عمل مستمرة، وتتوسع مع مرور الزمن، وقد شهدت فعّاليات مختلفة هادفة إلى تعزيز التدابير المتخذة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي تم تطويرها بشكل تدريجي وها هي تطبق وبشكل فعّال».
ويرى الخبراء «أن الحروب القائمة في المنطقة والعقوبات المالية المفروضة على بعض الدول والمنظمات، تدفع بالمصارف العالمية إلى التمادي في سياسة تقليص المخاطر في المنطقة العربية، ولا شك في أن هذا التشدُّد الذي يشهده العالم في مجال تطبيق نظم الإمتثال وظاهرة تجنُّب المخاطر، De-Risking هو من العوامل الأساسية التي ينبغي التنبُّه إليها لحماية النظام المالي والمصرفي في منطقتنا»، محذّرين من أن «سياسة تقليص المخاطر إن طبقت بطريقة عشوائية، تؤدي حتماً إلى حرمان فئات كاملة من العملاء أفراداً ومؤسسات وشركات وجمعيات وغيرها، من الإستفادة من الخدمات المالية الأساسية، ما يدفعها الى التعامل النقدي والبحث عن خدمات مالية بديلة ذات رقابة محدودة، والذي يُشجّع تلقائياً على ما يُسمّى بـ «صيرفة الظل» أي ـshadow banking.
إجراءات مصرف لبنان
في لبنان، يُشدّد مصرف لبنان على ضرورة الحفاظ على دور القطاع المصرفي اللبناني، في المنظومة المصرفية العالمية، ويؤمن بأن الإلتزام بالمعايير الدولية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، يحمي المجتمعات والإقتصادات والمصارف من مخاطر هذه الأعمال، ويؤكد المعنيون أن «المركزي» لديه أولوية، كونه يُعزّز سلامة القطاع المالي والمصرفي، ويحميه من المخاطر لا سيما مخاطر السمعة. علماً أن لبنان شريك في الجهود الدولية المبذولة في هذا المجال، من خلال مشاركة هيئة التحقيق الخاصة بأعمال المنظمات الدولية والتعاون مع المصارف المركزية والهيئات الرقابية الأجنبية».
ويُشار إلى أنه «تعزيزاً للشفافية ولتفعيل الإدارة الرشيدة لدى المصارف في لبنان، طوّر مصرف لبنان، من خلال سلسلة من التعاميم، الإطار التنظيمي للقطاع المصرفي والهيكلية الإدارية للمصارف ما يضمن التطبيق السليم لمبادىء الحوكمة، فبعد تنظيم عمل دائرة الإمتثال في المصارف، طلب إنشاء لجنة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، منبثقة عن مجلس الإدارة برئاسة عضو مجلس إدارة مستقل، مهمّتُها مساندة مجلس الإدارة في ممارسة دوره الإشرافي، في إطار مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وفهم المخاطر ذات الصلة ومساعدته على إتخاذ القرارات المناسبة في هذا الشأن. كما أنشأ مصرف لبنان وحدة إمتثال، بهدف التأكد من مطابقة العمليات التي تمر من خلاله للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، ومن إمتثال المصارف والمؤسسات الخاضعة لرقابته للقوانين والأنظمة».
غبريل: دوائر الإمتثال تملك الكلمة الاخيرة
يرى رئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل في حديث لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أنه «لا يُمكن تصنيف كل الدول العربية في الخانة نفسها، لجهة علاقة المصارف المراسلة مع القطاعات المصرفية في المنطقة، فهناك بلدان لديها علاقات جيدة بين مصارفها والمصارف المراسلة، وهذه الأخيرة تتهافت للتعامل معها، ولا سيما مصارف دول الخليج ومجلس التعاون الخليجي، وهناك بلدان أخرى لدى مصارفها علاقات مع مصارف مراسلة، ولكن بسبب أوضاع هذه البلدان المحلية، تراقب المصارف المراسلة الأوضاع فيها مثل العراق ولبنان، كما تراقب مصر بدرجة أقل»، لافتاً الى أن «المصارف المراسلة تعلم تماماً أن المنطقة العربية غير مستقرّة، وتشهد خضّات أمنية وظروفاً تدفع المصارف المراسلة إلى الحذر، فيما دوائر الإمتثال في هذه المصارف المراسلة، لديها الكلمة الأخيرة للإبقاء على العلاقات مع المصارف، في أي منطقة في العالم وليس في منطقتنا العربية فقط».
يضيف غبريل: «بالإجمال، يُمكن القول، إن العلاقات جيدة بين المصارف المراسلة الأوروبية والأميركية، ومع القطاعات المصرفية في الدول العربية، ولكن هناك علاقات مميّزة لدى بعضها، لأن حجم التداول بينها وبين المصارف المحلية مرتفع».
ويتابع غبريل: «في لبنان، قبل الأزمة المالية والنقدية في العام 2019، كان حجم التداول مرتفعاً مع المصارف المراسلة، ثم إنخفض، وقد تمّت مراعاة وضع لبنان بعد الأزمة، وإستمر هذا الأمر مع أزمة كورونا. وبعد إنتهائها، عادت المداولات الى طبيعتها بين هذه البلدان والمصارف المراسلة»، لافتاً إلى «أن التهويل باللائحة الرمادية لبلدان عربية لم يؤثر على العلاقة بين مصارفها والمصارف المراسلة، كدولة الامارات العربية المتحدة مثلاً والتي بقيت على اللائحة الرمادية لمدة عام، بناء على تصنيف مجموعة العمل الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ولم تتغيّر العلاقات بين الجانبين».
ويشرح غبريل بأن «زيادة الكلفة تتعلق بالرسوم على الحسابات المصرفية، وكلّما كان عدد الحسابات الخاص بالعملات كبيراً، كلّما زادت الكلفة، لذلك عمد العديد من المصارف اللبنانية إلى تقليصها بعد الأزمة، توفيراً لها وهي كلفة مرتفعة شهرياً»، مشدّداً على أنه «من صالح المصارف المراسلة إستمرار علاقتها مع المصارف المحلية، بسبب حجم التداول والأرباح، ولكن هذه العلاقة والتعاون يخضعان لرأي دوائر الإمتثال في المصارف المراسلة. وتجدر الإشارة إلى أنه لا علاقة بين المصارف المراسلة والمصارف الإيرانية والليبية، لكن العلاقات بين المصارف المراسلة ومصارف الدول العربية مقبولة، مع خصوصية كل بلد». ويختم غبريل:«إن حجم التداول بين الدول الخليجية والمصارف المراسلة ضخم، بسبب حجم إقتصادات هذه الدول ومستوى الإستيراد والتصدير (كمصدر كسب أساسي)، كما في مصر ولبنان قبل الأزمة المالية والنقدية المتعلقة بلبنان تحديداً».
سرُّوع: علاقة المصارف مع البنوك المراسلة نبضُ العمل المصرفي
من جهته، يشرح الخبير الإقتصادي جو سرّوع أن «علاقة المصارف عادة مع البنوك المراسلة، يشكل نبض العمل المصرفي والأساس للمصارف، للقيام بدورها في النمو الإقتصادي، كون هذه العلاقة ترتبط بالنشاط الإقتصادي الخارجي، أي التحاويل وإعتمادات مستندية، ولا بد من لفت النظر إلى أن هذه التحاويل تتم بكل العملات (دولار ويورو عبر المقاصة، أي أثناء عملية الدفع والقبض)، علماً أن أحد أبرز الأمثلة على أهمية هذه العلاقة، العقوبات على روسيا بعد إندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، نظراً إلى المعوّقات التي واجهتها روسيا في التحاويل عبر بنوكها بالدولار، ولم تنجح بتخطّي الأمر إلى اليوم، وهذا يدلُّ على أهمية المصارف المراسلة».
يضيف سرُّوع: «عندما يوضع بلد ما على اللوائح الرمادية من قبل مؤسسات التصنيف الإئتمانية، فإنها لا تُقارب وضع المصارف بل مخاطر البلد المعني، أي مدى تطبيقه لمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب، والإستقرار السياسي والأمني والقضاء الفعّال والناشط»، معتبراً أن «علاقات المصارف بالبنوك المراسلة، يحكمها أمران أساسيان، الأول، العلاقات التاريخية بين المصارف المراسلة والمصارف المحلية، والثاني، المصلحة المشتركة وجني الأرباح».
ويتابع سرُّوع قائلاً: «بما أن هناك مخاطر تبييض الأموال في أسواق مثل لبنان والعراق وليبيا والامارات في فترة محدّدة، فالمعيار الذي يحكم هذه العلاقة، يبقى التواصل بين المصرف المراسل والمصرف المحلي، والتأكد بأن الجانبين يمتثلون للقوانين التي تكافح تبييض الأموال وتمويل الارهاب وتُطبّقها. علماً أن المصارف اللبنانية تمتثل تماماً لهذه القوانين، كما هي الحال في دولة الامارات»، مؤكداً أن «مسؤولية تطبيق الإمتثال لقوانين تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، تُعتبر مسؤولية مشتركة بين المصرف المراسل والمصرف المركزي، لذا فإن أي خطأ يحصل سينعكس على المصرفين، من هنا تلعب متانة العلاقة والتنسيق الدائم بين الجانبين دوراً مهماً في إستمرار العلاقة.
(نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، حين وُضعت إمارة دبي على اللائحة الرمادية، إذ غُرّمت البنوك المراسلة الأوروبية بمبالغ طائلة، لأنها لم تتحقق كما يجب من إجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب هناك)».
آثار متعدّدة لتصنيف لبنان على اللائحة الرمادية…هل نصل الى السوداء؟
أدرجت مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف) لبنان في تشرين الأول (أوكتوبر) 2024، ضمن «القائمة الرمادية» الخاضعة للمراقبة المكثّفة، وهو تصنيف يُفاقم معاناة بلاد الأرز إقتصادياً، في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ العام 2019، من دون أن تعمد الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ، إلى تطبيق الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي لحل الأزمة، علماً أنه مما زاد الطين بلّة، تزامن هذا التصنيف، مع تصاعُد الضربات الجوية الإسرائيلية والعمليات البريّة على لبنان. ويُشار إلى أن ظروف الحرب الحالية وتداعياتها اللاحقة، دفعت مجموعة العمل المالي إلى منح لبنان مهلة حتى العام 2026 بدلاً من العام 2025، إفساحاً في المجال لمعالجة القضايا التي أدّت إلى إدراجه في القائمة الرمادية، بما في ذلك المخاوف حيال تمويل الإرهاب وعدم إستقلال القضاء.
خسائر وتداعيات
في ميزان الخسائر التي سيتكبّدها لبنان نتيجة هذا التصنيف، يُرجّح الخبراء «أن يؤدي إدراج لبنان في القائمة الرمادية إلى ردع الإستثمار فيه بشكل أكبر، وقد يُؤثر على العلاقة بين بعض البنوك اللبنانية والنظام المالي العالمي»، لافتين الى أنّ «إدراج لبنان على القائمة الرمادية يُمكن أن يُغيّر ديناميكيات المخاطر لدى المصارف المراسلة، لا سيما في ما يتعلّق بالإمتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما يُجبر المصارف اللبنانية على التكيّف بسرعة للحفاظ على هذه العلاقات الدولية الحيوية».
ويشرح أحد الخبراء، الإجراءات التفصيلية التي ستترتب على هذه الخطوة، سواء في ما يخصّ التأثير عىل العملاء أو المصارف اللبنانية، قائلاً: «سيؤدي هذا الادراج إلى بيئة مصرفية أكثر تقييداً، وسيُواجه العملاء عقبات أكبر في إجراء المعاملات الدولية، في حين ستتعرّض البنوك لضغوط لتعزيز الإمتثال للإحتفاظ بالعلاقات المصرفية الدولية الحيوية».
يضيف هؤلاء الخبراء: «سيُطبّق التدقيق المعزّز، نتيجة قرار مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية، على نطاق واسع على جميع المعاملات المالية عبر الحدود، فيما يزيد الإدراج على القائمة الرمادية من متطلّبات إمتثال المصارف اللبنانية في جميع المعاملات الدولية، ما يدفعها إلى تطبيق ضوابط أكثر صرامة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في جميع المجالات. هذا يعني أنه سيحتاج جميع العملاء، سواء كانوا أفراداً أو شركات أو مستوردين أو مصدّرين، إلى تقديم وثائق جوهرية تُوضح مصدر الأموال للمعاملات الدولية بدلاً عن الإكتفاء بالتصريح».
وييلفت الخبراء أيضاً إلى «زيادة تكاليف المعاملات، إذ من المرجّح أن تؤدي عمليات الإمتثال الإضافية إلى زيادة تكاليف المعاملات، ما يؤثر على جميع المدفوعات عبر الحدود، وليس فقط تلك التي يقوم بها الأفراد، بالاضافة إلى التأخير وأوقات المعالجة. وستؤدي العناية الواجبة الأكثر صرامة إلى إطالة مهلة المعالجة لجميع التحويلات الدولية، ما يؤثّر على كل من المعاملات الشخصية الروتينية والمعاملات الأكبر المتعلقة بالتجارة، وقد يُبطئ أو يقيّد معاملات البطاقات الصادرة عن لبنان، لا سيما في السياقات العابرة للحدود».
التصنيف والمصارف اللبنانية
والسؤال الذي يُطرح هنا، ما هو التأثير على عملاء المصارف اللبنانية؟ يجيب الخبراء: «بالنسبة إلى العملاء الأفراد، من المرجّح أن تقدم القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الشخصية، خصوصاً التحويلات الدولية، كما وسيُطلب من المصارف اللبنانية تعزيز تدقيقها في المعاملات وتطبيق تدابير شاملة لمكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب. وقد يُواجه العملاء تأخيراً في التحويلات ومتطلّبات توثيق متزايدة (سينتقل فحص العملاء من مجرد التصريح إلى إظهار مصدر التمويل)، وإرتفاع تكلفة المعاملات خصوصاً بالنسبة إلى المدفوعات عبر الحدود. وقد يُؤثر ذلك على المغتربين اللبنانيين الذين يدعمون أسرهم، أو أولئك الذين يحتاجون إلى إرسال الأموال إلى الخارج لتغطية النفقات الأساسية».
ويوضح الخبراء أنه «بالنسبة إلى المستوردين والمصدّرين، ستُواجه الشركات المشاركة في الواردات والصادرات تحدّيات متزايدة بسبب متطلّبات المراقبة المتزايدة المرتبطة بالقائمة الرمادية، وقد تخضع المعاملات المالية مع الشركاء الدوليين للتأخير، والعناية الواجبة المعزّزة، وربما الرسوم الإضافية. وقد يجد المستوردون والمصدّرون صعوبة أكبر في إقامة علاقات دولية والحفاظ عليها، لأنّ المصارف المراسلة في بلدان أخرى قد تنظر إلى المعاملات المصرفية اللبنانية على أنها عالية المخاطر. وقد يؤدي هذا التدقيق الإضافي إلى إرتفاع تكاليف التشغيل، وإطالة أوقات معالجة المدفوعات التجارية، والقيود المفروضة على أنواع المعاملات المسموح بها».
في المقابل تتنوّع آراء الخبراء حول تأثير التصنيف على علاقة المصارف اللبنانية مع البنوك المراسلة، إذ يلفت أحد الخبراء إلى أنه «يُثير الإدراج على القائمة الرمادية مخاوف كبيرة للمصارف اللبنانية، لا سيما في الحفاظ على علاقات المراسلة المصرفية وتأمينها. وفي حين نجحت بعض المصارف اللبنانية في الحفاظ على علاقات قوية مع المصارف المراسلة الدولية بعد التخلف عن السداد في آذار/ مارس 2020، يضيف قرار مجموعة العمل المالية (فاتف) ضغوطاً على هذه العلاقات. ويُمكن للبنوك التي تنجح في الإمتثال الصارم لمعايير المجموعة (فاتف) المحدثة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أن تتجنّب قطع علاقات المراسلة، ولكن فقط إذا حافظت على أُطُر إمتثال قوية تطمئن نظيراتها الأجنبية. ومع ذلك، بالنسبة إلى البنوك التي تكافح بالفعل مع الإمتثال، قد يؤدي قرار مجموعة العمل المالي إلى تكثيف خطر فقدان خدمات المراسلة المصرفية، والحدّ من الوصول إلى تسويات العملات الأجنبية، وإعاقة المعاملات عبر الحدود الضرورية لعملائها».
يضيف أحد الخبراء: «سيُؤثر إدراج لبنان على القائمة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي بالفعل على إستخدام بطاقات الإئتمان والخصم الصادرة عن البنوك اللبنانية، ومن المرجّح أن تُواجه المصارف اللبنانية التي تُودع ودائع أو تدير حسابات لدى مصارف غير مقيمة، تدقيقاً متزايداً في ما يتعلق بشرعية الأموال ومصدرها. وقد تفرض المصارف غير المقيمة عناية واجبة أكثر صرامة، ومراقبة مستمرّة على الأموال الواردة من المؤسسات المالية اللبنانية. وقد يؤدي ذلك إلى خيارات أقل للمصارف اللبنانية لإجراء معاملات في الخارج، ما قد يؤثر على السيولة ويزيد من إنخفاض إحتياطات العملات الأجنبية»، مشدّداً على أنه «قد تحتفظ البنوك التي لديها تدابير إمتثال قوية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ببعض هذه الإيداعات، لكنها ستحتاج إلى إظهار تحسينات مستمرة لتتماشى مع توصيات مجموعة العمل المالي، وسيُؤثر إدراج لبنان على القائمة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي بالفعل، على إستخدام بطاقات الإئتمان والخصم الصادرة عن البنوك اللبنانية، ما يؤثر على المعاملات المحلية وعبر الحدود على حد سواء، وقد يؤثر الإدراج في القائمة الرمادية على سياسات إصدار البطاقات في المصارف اللبنانية، لا سيما إذا أعادت بعض المصارف المراسلة أو شبكات الدفع تقييم شراكاتها».
وينَبّه الخبراء عموماً إلى أنَّ «الخطورة تكمن في أن تَمُرّ هذه المهلة من دون إحداث أي خَرق إيجابي، لناحية الإلتزام بتَنفيذ الإصلاحات الوارِدة في خُطة العَمَل، مما يزيد خَطَر تَخفيض تَصنيف لُبنان، أو فَرض عقوبات سياسية تتَّخِذُ أشكالاً مالية، عِندَهَا يُصبح الوضع أصعَب خُصوصاً أنَّ البَلَد يَعيش اليوم على التحويلات الخارجيَّة».
وفي تحليلهم لِتَبِعات إدراج لبنان على «اللائحة الرَّماديَّة» يرى الخبراء أنَّ «هذا التَّصنيف لَهُ قيمة معنويَّة أكثر منها إجرائيَّة، لأنه لا يَعني فَرض عقوبات على النظام المَصرفي للبلد المَعني أو مَنع التَّحويلات الماليَّة عَبرَهُ، بل يَنتُج عنه تَشَدُّد المَصارف المُراسِلة لِجِهَة إتمام التَّحويلات الدَّاخلة والخَارجة، كما تتأثر سُمعة البلد وبالتالي قدرته على إستقطاب الإستثمارات وهي غير الموجودة أصلاً في لبنان حالياً».
ويختم الخبراء بالقول: «تعرف المصارف المراسِلة الوضع اللبناني جيداً، فيما تشدّدها في تعاملها مع المصارف اللبنانية قد يكون مُخففاً، بسبب معرفتها الوثيقة للتطوّرات السياسية والإقتصادية الجارية على الساحة اللبنانية منذ 5 سنوات إلى اليوم، وبسبب تَدَنّي حَجم العَمليات التي تَمرّ عبر المصارف كنتيجة لِتَنامي الإقتصاد النَّقدي. وفي مُطلق الأحوال، لبنان بحاجة إلى حُلول ولَيس إلى المزيد من المُشكلات».
قزح: لا إجراءات للخروج من الأزمة الحالية
يرى الخبير المصرفي ميشال قزح في حديث لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «وضع أي بلد على اللائحة الرمادية هي مقدمة لوضعه لاحقاً على اللائحة السوداء، عبر إعطائه مهلة لا تزيد عن العامين لترتيب أموره المالية والنقدية، وتنظيم قطاعه المصرفي والقيام بإجراءات لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب والخروج من الإقتصاد النقدي»، لافتاً إلى أن «تداعيات هذا التصنيف على الناس العاديين سيكون مزيداً من التدقيق على التحويلات المالية وشروط أصعب للتحويل، وهذا سينطبق أيضاً على التحويلات الخارجية التي ستصل الى لبنان، حيث سيكون التدقيق بالمعاملات وهوية المرسل والمرسل إليه أكبر، وخصوصاً المعاملات التي تتخطى قيمتها 10 آلاف دولار، حيث سيتم تفنيدها بشكل دقيق».
يختم قزح قائلاً: «إن الادارة الجديدة لمصرف لبنان لم تقم إلى اليوم بأي إجراءات للخروج من الازمة الحالية، بل تُكمل بسياسة التعاميم والترقيع، من دون أن نجد خطة حقيقية للخروج من الإقتصاد النقدي. لا شك في أن لبنان يملك فرصة للخروج من إقتصاد الكاش، وإلا سنجد أنفسنا على اللائحة السوداء، أي أنه سيُصبح بلداً خارج النظام المصرفي العالمي».
راشد: مزيد من التشدُّد الدولي
من جهته، يؤكد الخبير المالي الدكتور منير راشد أن «وضع لبنان على اللائحة الرمادية، يعني أن مؤشرات مكافحة لبنان لجرائم تمويل الإرهاب وتبييض الأموال باتت أسوأ مما كانت عليه، بدل تحسين سمعتنا في مكافحة هذه الجرائم، وهذا يعني أننا لم نقم بخطوات معاكسة لهذا التصنيف، خصوصاً أنه تم تنبيه لبنان من خطورة هذا التصنيف».
ويضيف راشد: «لقد تم إعطاء لبنان حالياً، فرصة حتى العام 2026 (بسبب الحرب)، كي نقوم بإجراءات تُخوّلنا الخروج من المنطقة الرمادية، وتفادي التصنيف المرّ على اللائحة السوداء، وتالياً لدى لبنان فرصة مدتها سنتان، وفي حال لم تنفذ الدولة أي إجراءات إصلاحية، فسيكون على اللائحة السوداء بشكل تلقائي»، مشدّداً على أن «من تداعيات اللائحة الرمادية، التدقيق بالتحويلات بشكل أكبر، وطلب إستفسارات أكثر، خصوصاً التحويلات الكبيرة، ويُمكن أن تزيد فترة وصول التحويلات وزيادة الرسوم والحذر من التعامل مع السوق اللبنانية».
ويختم راشد قائلاً: «إن هذه الخطوة تعني أن كل المؤسسات المالية الدولية ولا سيما (فاتف)، ستتشدد في المراقبة والإنتباه حيال أي إجراء يقوم به كل من المصرف المركزي والحكومة، كما أن هذه الخطوة ستزيد الرقابة على «المركزي» من قبل المؤسسات المالية العالمية، لمعرفة إذا كان يقوم بالاجراءات اللازمة، بالإضافة إلى صعوبة حصول المؤسسات الرسمية اللبنانية على قروض من المؤسسات المالية الدولية، ومن صندوق النقد الدولي بسبب فقدان الثقة بها حيال قيامها بالإصلاحات اللازمة».
وتحوز على مستويات مرتفعة من رأس المال تُعد من أعلى النسب في المنطقة العربية
بلغت موجودات القطاع المصرفي الأردني قرابة 190.8 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي، ما يدلّ على الأهمية النسبية الكبيرة لهذا القطاع في الاقتصاد الوطني الأردني. وفي هذا السياق، يتمتع القطاع المصرفي الأردني بمؤشرات متانة عالية جداً، ولا سيما بالنسبة إلى حيازته على مستويات مرتفعة من رأس المال تُعد من أعلى النسب في المنطقة العربية. وقد إرتفعت نسبة كفاية رأس المال للقطاع الى 17.9 % في نهاية العام 2023 مقابل 17.3 % في نهاية العام 2022، وهي أعلى بهامش مريح من النسبة المحدّدة من قبل البنك المركزي الأردني والبالغة 12 %، كذلك من النسبة المحددة من قبل لجنة بازل والبالغة 10.5 %.
هيكل القطاع المصرفي الأردني
يبلغ عدد المصارف العاملة في الأردن 20 مصرفاً، تشمل 15 مصرفاً محلياً أردنياً (وهي تنقسم إلى 12 مصرفاً تجارياً و3 مصارف إسلامية)، بالإضافة الى 5 مصارف أجنبية، وهي تشمل 4 مصارف تجارية، ومصرفاً إسلامياً واحداً. وبحسب آخر بيانات البنك المركزي الأردني، أدارت المصارف الاردنية شبكة فروع بلغت 870 فرعاً في نهاية العام 2023، مقارنة مع 865 فرعاً في نهاية العام 2022. وقد ترافق إرتفاع عدد الفروع المصرفية مع توسع في عدد أجهزة الصراف الآلي لترتفع من 2202 جهازاً في نهاية العام 2022 إلى 2321 جهازاً في نهاية العام 2023. أخيراً، تخطّى عدد موظفي المصارف الأردنية عتبة 22 ألفاً في نهاية العام 2023.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلن إعتماد «إعلان قازان» الختامي لقمة «بريكس»
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن المشاركين في قمّة «بريكس» إعتمدوا «إعلان قازان» كوثيقة ختامية للقمة.
وقال بوتين إنه «تم إعداد إعلان ختامي تضمّن تقييمات عامة للوضع في العالم»، ملخصاً نتائج الرئاسة الروسية لمجموعة «بريكس»، ومحدّداً المبادئ التوجيهية للتعاون على المدى الطويل، مشيراً إلى أنه من المقرّر توزيع الإعلان على الأمم المتحدة كوثيقة مشتركة.
مفاجأة بوتين… العملة الموحّدة
من جهته، فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم خلال إجتماعات قمّة «بريكس» الـ 16، بحمله نسخة من عملة أطلق عليها عملة «بريكس»، وهو ما أثار ضجة إعلامية كبيرة في الغرب (دول أوروبا الغربية وأميركا)، رغم أن هذا الإعلان يُعدّ مبكراً جداً، حيث إن المجموعة الإقتصادية الجديدة لا تزال في بدايتها، ولا تزال تتفاوض على إستخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية بينها، ولم تنفذ ذلك حتى تاريخه، ولم يُعلن عن «عملة موحدة للمجموعة».
كما أن مثل هذا الإجراء (طرح عملة موحّدة) يتطلّب إنشاء بنك مركزي للمجموعة، والذي سيقوم بدوره بطرح هذه العملة للدول الأعضاء، وما يتضمّنه ذلك من إتفاقات بين الدول الأعضاء وإجراءات مالية معقدة، لم تحدث حتى تاريخه.
صور متداولة لتصميم متوقع لعملة «بريكس»
وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه حين قال: «إن دول مجموعة «بريكس» في صدد الكشف عن عملتها الموحّدة، لكن لن يتم تطبيقها خلال القريب العاجل نظراً إلى أن هناك مفاوضات بين دول مجموعة «بريكس» حيال الإنتهاء من توحيد الإطار القانوني في المقام الأول، بعدما أعلنت المجموعة توسيع عضويتها بالموافقة على إنضمام 10 «دول شريكة» جديدة في البيان الختامي للقمة في قازان».
كما جاء إقتراح الرئيس الروسي بوتين بتدشين منصّة مالية جديدة للمجموعة، هدفها معالجة التضخُّم وزيادة الأسعار ودعم الإقتصاد الوطني لكل دولة من دول تجمُّع «بريكس» وتأمين المواد للدول، ليؤكد أن هناك سعياً حثيثاً للمجموعة لتوحيد تعاملاتها المالية والتخلّي عن الدولار في التعاملات البينية لها بشكل تدريجي.
لم تتبنّ القمّة العملة الموحّدة لإسقاط الدولار عن عرش التسويات المالية والإقتصادية
قمّة بريكس 2024 في روسيا واجهت تحدّيات
عدم إمتلاك برامج للنهوض الجماعي للأعضاء أو لتحسين أوضاع الإقتصاد
خلاصات قمّة «بريكس» 2024 تعكس الرغبة في تعزيز
التعدُّدية الجانبية وإقامة نظام دولي أكثر عدلاً
لم تختلف أجواء الإقتصاد العالمي في خريف 2024 عمّا كانت عليه في أغسطس/آب 2023 عندما عُقدت قمة بريكس في جنوب أفريقيا، لكن الجديد في قمّة روسيا2024 ، إعتمادُ الولايات المتحدة خفض الفائدة وتوقعات بإستمرار التيسير النقدي، إلى جانب تراجع أسعار النفط مؤخراً، وإن كانت قد إرتفعت بصورة طفيفة في وقت لاحق، بسبب الحرب على غزة ولبنان والتداعيات المحتملة لضرب إيران.
وقد أعاد إعلان قازان المنبثق عن قمّة «بريكس»، التأكيد على الرغبة الجماعية لدول «بريكس» في تعزيز التعدُّدية ودعم السلام وخلق نظام دولي أكثر عدالة، مجدّداً إلتزام القادة «التعدُّدية وتعزيز القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة كحجر زاوية»، مؤكدين أنه «يتعيّن على الدول السيادية أن تتعاون من أجل الحفاظ على السلام والأمن والتنمية المستدامة على الصعيد الدولي».
ورغم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد فاجأ العالم خلال إجتماعات قمّة «بريكس» الـ 16، بحمله نسخة من عُملة أطلق عليها «عملة بريكس»، وهو ما أثار ضجة إعلامية كبيرة في الغرب (دول أوروبا الغربية وأميركا)، إلاّ أن هذا الإعلان عُدّ مبكراً جداً، حيث إن المجموعة الإقتصادية الجديدة لا تزال في بدايتها، ولا تزال تتفاوض على إستخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية بينها، ولم تُنفذ ذلك حتى تاريخه، فضلاً عن تأخرها في إعلان عملة موحّدة للمجموعة.
ورغم الحرب الروسية – الأوكرانية التي لا تزال مستمرة حتى تاريخه، توافد إلى هذا الإجتماع الـ 16 في روسيا، نحو أكثر من 32 وفداً دولياً على مستوى رفيع جداً، مما يُظهر قوته. ومن بين هذه الوفود، لوحظ حضور الوفد التركي، والذي طلب الإنضمام إلى «بريكس»، بصفته ذلك التجمُّع الإقتصادي العالمي.
ومن نقاط جدول أعمال هذا الإجتماع، برز الحدّ من الدولرة الدولية ومواجهتها، وهذا الأمر ليس بسيطاً، إضافة إلى تبادل المعلومات المالية والنقدية، ما بين بلدان «بريكس»، إلاّ أن النقطة الأهم في هذا الإجتماع، كانت إقامة نظام مالي ونقدي ما بين بلدان «بريكس»، وصولاً إلى إقامة نظام سويفتSWIFT دولي جديد يتعلق بالدفع ما بين هذه البلدان، حيث يُسمّى بالـ «BRICS Pay»، ورغم أن هذه النقاط لم يتحقق شيء منها، إلاّ أن هذا النظام الجديد سيؤدي إلى الخروج من نظام السويفت الدولي، معتمداً نظاماً جديداً، ما بين بلدان «بريكس». وهذا يعني أيضاً أننا نتّجه اليوم نحو تجمُّعات إقتصادية على نحو أكبر وأقوى مما كانت سابقاً، لكن في الوقت عينه نتّجه نحو إنقسامات سياسية، مالية، نقدية وإقتصادية ما بين الشرق والغرب.
الإنتقادات للتدابير الأحادية والعقوبات
وقد كانت إحدى الأولويات المطروحة في إعلان قازان هو الإدانة للتدابير القسرية الأحادية غير القانونية، بما في ذلك العقوبات الإقتصادية، ووصف الإعلان هذه التدابير، التي غالباً ما يُفرض بعضها خارج إطار الأمم المتحدة، بأنها تتسبّب في تعطيل الإقتصاد العالمي والتجارة الدولية، وقال القادة بحسب الإعلان: «تُقوّض هذه التدابير ميثاق الأمم المتحدة ونظام التجارة متعدّد الأطراف، وتعوّق تحقيق الأهداف الإنمائية المستدامة».
وأكد قادة «بريكس» ضرورة وجود نظام إقتصادي عالمي عادل وشامل، ودعوا إلى إجراء إصلاحات في مؤسسات بريتون وودز، مثل صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي، كما دعوا إلى زيادة تمثيل الأسواق الناشئة والدول النامية في عمليات إتخاذ القرار العالمية.
إلتزام النظم الإقتصادية متعدّدة الأطراف
أعادت دول «بريكس» تأكيد دعمها لنظام تجاري متعدّد الأطراف قائم على قواعد مفتوحة، شفّافة وعادلة، بحيث يتركّز هذا النظام التجاري على منظمة التجارة العالمية WTO، كما رفضت هذه الدول القيود التجارية الأحادية التي لا تتوافق مع قواعد WTO، معتبرين أنه من الضروري تعزيز الحوار والتعاون للإصلاحات في النظام المالي الدولي.
وبما يتوافق مع هذه الرؤية، أشاد إعلان قازان بنتائج المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية الذي عُقِدَ في أبو ظبي (الإمارات العربية المتحدة)، وأعاد تأكيد الإلتزام بإصلاح منظمة التجارة العالمية لجعلها أكثر مرونة وشمولية: «نتفق على تعزيز حوارنا حول النظم التجارية متعدّدة الأطراف ونرحب بإنشاء «بريكس» للإطار التشاوري غير الرسمي حول قضايا منظمة التجارة العالمية»، وفق ملاحظات القادة.
دور «بريكس» في الأمن المالي العالمي
أبرز الإعلان أيضاً أهمية الحفاظ على شبكة أمان مالي عالمي قوي وفعّال في صندوق النقد الدولي، القائم على الحصص النسبية والمستوى الكافي من الموارد في صميمه، ودعا قادة «بريكس» إلى إصلاح الصندوق لتعزيز تمثيل الدول النامية، وضمان عملية إختيار تعتمد على الجدارة وتكون شاملة لمناصب القيادة. بالإضافة إلى ذلك، أقرّت دول «بريكس» بأهمية الدور الذي يلعبه البنك الجديد للتنمية (NDB) في تعزيز تنمية البنى التحتية والنمو المستدام في الدول الأعضاء. وتعهد القادة في توسيع تمويل البنك بالعملات المحلية ودعم آليات التمويل المبتكرة لتعزيز التنمية في الأسواق الناشئة.
وختم قادة «بريكس» إعلان قازان بإعادة تأكيد إلتزامهم تعزيز الإستقرار العالمي والتنمية الشاملة وإصلاح المؤسسات متعدّدة الأطراف، لتعكس بشكل أفضل واقع القرن الحادي والعشرين، طارحين رؤية طموحة لنظام عالمي متعدّد الأقطاب، حيث تلعب الإقتصادات الناشئة والنامية دوراً أكبر في تشكيل الحوكمة العالمية والسياسات الإقتصادية، مجدّدين إعادة التأكيد على أهمية الجماعة الإستراتيجية في التعامل مع التحدّيات العالمية، وتعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي. وستُعقد القمّة المقبلة لدول «بريكس» في البرازيل في العام 2025، مع جدول أعمال يُركّز على تعميق التعاون الإقتصادي والسياسي والثقافي بين الدول الأعضاء.
تحدّي وجود إتفاقيات موحّدة
يضم تجمّع «بريكس» خليطاً من الإقتصادات ذات المستويات المختلفة، فالصين تتقدم كافة إقتصادات الدول الأعضاء بفارق كبير، وتشكل قمّة أداء هذه الدول، فضلاً عن وجود أعضاء الدول الصاعدة مثل الهند والبرازيل وروسيا.
في المقابل، ثمّة دول أخرى، إنضمت إلى الـ «بريكس»، تتميّز إقتصاداتها بالمتواضعة مقارنة بالصين أو الدول المتقدمة، مثل مصر وإثيوبيا وإيران، كما يضم التجمّع من الدول النفطية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتتلخص مصادر القوة الإقتصادية لهما فقط في الموارد النفطية.
وقد أُنشئت مجموعة «بريكس» في العام 2006 من قبل روسيا والبرازيل والهند والصين، وإنضمّت جنوب أفريقيا إلى المجموعة في العام 2011. وفي بداية العام 2024 إنضمّت 5 دول إلى «بريكس» هي مصر والإمارات والسعودية وإيران وإثيوبيا، ويبلغ تعداد سكان دول «بريكس» حوالي 45.2 % من تعداد سكان العالم، وتبلغ قوة التجمع الإقتصادية نحو 23 % من الناتج المحلي العالمي.
وتُشير أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي للصين (صاحبة أكبر إقتصاد في «بريكس») قد بلغ 17.7 تريليون دولار، في حين أن إثيوبيا، وهي أفقر دول التجمُّع، لديها ناتج محلي إجمالي في حدود 163 مليار دولار فقط.
ومنذ إنشاء تجمّع «بريكس» أو توسعة عضويته في العام 2023 لم يلحظ «إتفاق بريكس»، أيّ إتفاقيات منظمة للتجارة البينية لأعضاء التجمُّع، أو وجود برامج تعمل على تقوية الأوضاع الإقتصادية لأعضائه، فما تمّ في معظمه إن لم يكن كلّه، هو نتاج علاقات بينية بين كل دولتين وبعضهما بعضاً، من دون وجود آلية جماعية لأعضاء «بريكس».
كما لم يُشرع في تكوين مؤسسات يُمكن إعتبارها في إطار «كونفدرالي» تنسيقي على مستوى القطاعات أو السياسات لدول «بريكس»، سواء في ما يتعلق بالسياسات الإقتصادية أو التنموية أو القطاعية، وما وُجد حيال بنك البنية الأساسية في الأصل هو مشروع صيني بإمتياز، وإن كانت الصين قد وظّفت أعضاء تجمّع «بريكس» بشكل جيد في إطلاقه، وكأنه نابع عن رغبة جماعية لأعضاء «بريكس»، بينما الواقع خلاف ذلك من خلال حصص رأس المال، التي تسيطر عليها الصين بنسبة 26 %. علماً أن بقية الدول الأعضاء (نحو 56 دولة) تمتلك بقية حصص رأس المال.
العملةالموحّدة
لطالما حلم البعض بإصدار عملة موحّدة لـ «بريكس» منذ إنعقاد قمّة جنوب أفريقيا في العام 2023، وكان البعض يتمنّى أن تتبنّى قمّة روسيا 2024 أمر العملة الموحّدة، ليبدأ تجمع «بريكس» أولى خطواته لإسقاط الدولار من عرش التسويات المالية والإقتصادية أو تراجع مكانته، إلاّ أن العملة الموحّدة قد تم الترويج لها منذ شهور من قبل وسائل إعلام روسية بأنها ستُطرح للدراسة في قمّة روسيا 2024، لكن الأمر إتخذ إتجاهاً آخر بنفي المصادر الروسية نفسها أن يكون الأمر مُدرجاً في أجندة القمّة.
مقارنات غير حقيقية
يحلو للبعض أن يعرض مقارنات بين أداء دول «بريكس» ومنظّمات أخرى مثل مجموعة السبع الصناعية أو الإتحاد الأوروبي، وهي في الحقيقة مقارنات لم تُبن على أسس صحيحة، ففي حالة «بريكس» لا يعدو الأمر تجميع إحصاءات، علماً أن الواقع في مجموعة السبع الصناعية والإتحاد الأوروبي مختلف، فهما قائمان على وحدة السياسات، كما هي الحال في الإتحاد الأوروبي، أو على الأقل وجود درجة عالية من التنسيق كما هي الحال في مجموعة السبع الصناعية.
المعضلة الكبرى التي تواجه تجمّع «بريكس» أنه لا يمتلك حتى تاريخه، برامج للنهوض الجماعي للأعضاء أو لتحسين أوضاع الإقتصاد.
لا تشكّل تحدّياً
لكل شيء ثمن، وإن كانت الأمور في ما يتعلق بالمال والإقتصاد ينبغي أن تؤخذ في إطار الدراسة والقدرة على تحمُّل المخاطر. علماً أن ثمّة خطوات إتُخذت على صعيد بنك البنية الأساسية أو تسوية قدر قليل من التجارة البينية عبر العملات المحلية، لكن كل ذلك لا يرقى إلى مطالب «بريكس» بوجود بديل لنظام التسويات المالية (سويفت) الذي تتحكّم به أميركا.
كما أن الحديث عن البحث لبديل للدولار لتسوية المعاملات التجارية والمالية على مستوى العالم، لم يُبنَ عليه عمل جدي منذ سنوات، وبالتالي فأميركا والغرب لديهما شعور بأن تجمّع «بريكس» لا يُمثل تهديداً كبيراً في ضوء أدائه الإقتصادي التعاوني، فضلاً عن غياب أي صورة للتكامل الإقتصادي.
وترأست روسيا مجموعة «بريكس» هذا العام (2024)، وخلال هذه الفترة حددت موسكو 3 أولويات وهي: السياسة والأمن، والتعاون في الإقتصاد والتمويل، والتبادلات الإنسانية والثقافية، كما نظّمت أكثر من 200 حدث سياسي وإقتصادي وإجتماعي، لتعزيز سبل تنفيذ المزيد من التعاون بين دول «بريكس».
بقلم الدكتور وسام فتوح الأمين العام لإتحاد المصارف العربية
يُتوقع أن ينشأ نظام عالمي جديد عقب قمة البريكس وقمة الاتحاد الاوروبي ومجلس التعاون الخليجي التي تم عقدهما مؤخراً خلال العام 2024، وتعكس هذه القمم إتجاهاً متزايداً نحو نظام عالمي أكثر شمولاً ومتعدّد الأقطاب، حيث تلعب الأسواق الناشئة والبلدان النامية دوراً أكثر أهمية في الحوكمة العالمية.
إن توسع مجموعة البريكس وتوطيد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي يعززان تحوُّل مراكز القوى العالمية ويجعلها أكثر توازناً، مع إكتساب الأسواق الناشئة والبلدان النامية نفوذاً أكبر.
وقد دعت هذه القمم الى دعم أمن الطاقة والتعاون المشترك وتطوير مصادر الطاقة البديلة، وتناولت قضايا الأمن العالمي، حيث ركزت مجموعة البريكس على منع الصراعات وحل الأزمات بواسطة الحوار والدبلوماسية، بينما ركّزت قمة الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي على الأمن الإقليمي ودعم الجهود الإنسانية. دعت قمّة الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي إلى وقف فوري لإطلاق النار وإتاحة وصول الجهود الإنسانية الى مناطق الصراع، في حين أعربت مجموعة البريكس عن قلقها إزاء الأزمات الإنسانية وأكدت الحاجة إلى التعاون المتعدّد الأطراف.
وقد أدى توسع مجموعة البريكس إلى تقارب مجموعة متنوعة من البلدان ذات الأنظمة السياسية والمصالح الاقتصادية المختلفة.
ويمثل هذا التنوع فرصاً وتحديات للكتلة في سعيها إلى الحفاظ على الوحدة والتماسك الإستراتيجي، حيث تعكس الجغرافيا السياسية لمجموعة البريكس جهود الكتلة لإعادة تشكيل النظام العالمي وتعزيز نظام دولي أكثر شمولاً وعدالة.
وفي ظل النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب وليد قمّة البريكس وقمّة الإتحاد الاوروبي ومجلس التعاون الخليجي، يضع إتحاد المصارف العربية خارطة طريق جديدة للمصارف العربية للقيام بدور ريادي في ظل نظام مالي عالمي متعدّد الأقطاب وأكثر قدرة على الصمود، وذلك من خلال:
أولاً. تعزيز الإستقلال المالي وتقليل الإعتماد على الأنظمة المالية الغربية، بما في ذلك إستكشاف العملات البديلة وأنظمة الدفع المبتكرة.
ثانياً. التعاون في مبادرات أمن الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة وتدابير كفاءة الطاقة لتحقيق الاستدامة على المدى الطويل.
ثالثاً. القيام بدور ريادي في دعم الجهود الإنسانية، وخاصة في مناطق الصراع، من خلال تسهيل المساعدات المالية ومشاريع التنمية.
رابعاً. إعتماد ممارسات مالية مستدامة تتوافق مع المعايير العالمية للإستدامة البيئية والإجتماعية.
خامساً. تعزيز التعاون الإقليمي والعلاقات الإقتصادية والتجارية داخل المنطقة ومع دول مجموعة البريكس، ويشمل ذلك إستكشاف إتفاقيات تجارية وفرص إستثمارية جديدة.
سادساً. دعم مساعي التنويع الإقتصادي وتقليل الإعتماد على عائدات النفط.
سابعاً. دعم التحوُّل الرقمي المالي وإنشاء هيئة رقابية عليا لتطوير التكنولوجيا المالية ومنع تعرُّضها للكوارث الكبرى والهجمات السيبرانية والحربية.
آثار قمّة الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي
لقد إنعقدت أول قمّة للإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 في بروكسل، وقد جمعت هذه القمّة قادة من الإتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي لمناقشة مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك التجارة والطاقة وتغيّر المناخ والأمن الإقليمي. وقد هدفت القمّة إلى تعزيز التعاون وبناء شراكة إستراتيجية من أجل السلام والإزدهار، وترأس القمّة رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واعتُبرت خطوة مهمة نحو تعميق الشراكة بين الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.
وقد ركّز البيان الختامي للقمّة على بناء شراكة إستراتيجية من أجل السلام والإزدهار، وتشمل النقاط الرئيسية في البيان التالي:
التعاون التجاري والإقتصادي: أكد الطرفان إلتزامهما تعزيز الشراكات التجارية والإستثمارية، وقد ناقشا إمكانية إبرام إتفاقية تجارة حرة إقليمية بين الإتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وإتفاقيات تجارة وإستثمار متخصصة.
التعاون في مجال الطاقة: إلتزم الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي تكثيف تعاونهما في مجال أمن الطاقة، بما في ذلك كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة.
الأمن الإقليمي: أكد القادة أهمية تعزيز الأمن العالمي والإقليمي، ومنع الصراعات، وحلّ الأزمات من خلال تعزيز الحوار والتنسيق.
الجهود الإنسانية: دعت القمّة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان، وشدّدت على ضرورة إتاحة الوصول الإنساني.
التعاون المتعدّد الأطراف: سلّطت القمّة الضوء على الحاجة إلى العمل المشترك لمواجهة التحديات العالمية.
إن الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي يعدّان حالياً من بين أهم الكتل العالمية، نظراً إلى قدراتهما ومواردهما الهائلة، فهما معاً يشكلان قوة إقتصادية هائلة، حيث يمثلان أكثر من 20 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن منظور جيوستراتيجي، يُعد الإتحاد الأوروبي قوة دولية مهمة ومؤثرة على الصعيد العالمي، بالنظر إلى قدراته العسكرية الكبيرة ومستوى التطور التكنولوجي والإقتصادي لدوله الأعضاء البالغ عددها 27 دولة، فضلاً عن عدد سكانه الكبير الذي يتجاوز 450 مليون شخص، مما يجعله ثالث أكبر كتلة في العالم. وتمكن هذه القدرات الاتحاد الأوروبي من لعب دور قيادي في معالجة التحدّيات الأمنية والعسكرية والسياسية والإقتصادية والمناخية التي تواجه العالم.
كما وتكتسب دول مجلس التعاون الخليجي أهمية دولية متزايدة، ليس فقط بسبب إمكاناتها الإقتصادية الكبيرة ومكانتها كمصدر رئيسي للوقود الأحفوري على مستوى العالم، بل وأيضاً بسبب دورها السياسي المتنامي على المستويين الإقليمي والدولي، حيث أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي لاعباً فاعلاً وشريكاً موثوقاً به لكافة القوى الدولية في مواجهة التحديات والأزمات العالمية الكبرى.
إن القمة الأوروبية الخليجية 2024 خطوة مهمة نحو تعميق الشراكة بين الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، مع التركيز على السلام والإزدهار ومعالجة التحديات العالمية.
التحدّيات التي تواجه قمة الإتحاد الاوروبي ومجلس التعاون الخليجي
إن قمة الإتحاد الاوروبي ومجلس التعاون الخليجي واجهت بعض الإنتقادات منها:
– المعايير المزدوجة: في حين عاقبت دول الإتحاد الأوروبي روسيا مراراً وتكراراً بسبب إنتهاكات القانون الدولي في الصراع مع أوكرانيا، فإنها فشلت في تطبيق المعايير عينها في الحرب على غزة، وقد أدى ذلك إلى إتهامات بإتباع معايير مزدوجة في نهج الإتحاد الأوروبي تجاه الصراعات الدولية.
– أزمة الشرق الأوسط: إنعقدت القمّة في ظل تصعيد خطير للغاية في الشرق الأوسط، حيث تهيمن الصراعات في غزة ولبنان على جدول الأعمال. وفي حين دعا زعماء الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي إلى وقف فوري لإطلاق النار وتوفير الوصول الإنساني للمساعدات، إلاّ أن القمّة لم تذهب إلى حد كاف في معالجة الأسباب الجذرية لهذه الصراعات.
– فعّالية التدابير: هناك مخاوف حيال فعّالية التدابير الإنسانية ومساعي السلام، وما إذا كان سيتم تنفيذها على أرض الواقع.
– التضارب الجيوسياسي: هناك تضاربات جيوسياسية بين الإتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً في ما يتعلق بحرب روسيا ضد أوكرانيا وقضايا الأمن الإقليمي على النطاق الواسع.
وتسلّط هذه الخلافات الضوء على التعقيدات والتحدّيات المرتبطة بتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الإتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.
آثار قمّة البريكس 2024
إنعقدت القمة السادسة عشرة لمجموعة البريكس في مدينة قازان الروسية (ما بين 22 و24 أكتوبر/ تشرين الأول 2024)، تحت شعار «تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين». وقد جمعت القمة زعماء من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا (مجموعة البريكس) لمناقشة القضايا العالمية الرئيسية وتعزيز شراكاتها الإستراتيجية.
والنقاط الرئيسية من البيان الختامي لقمة البريكس 2024 تشمل:
– التعددية والقانون الدولي: أكد زعماء مجموعة البريكس إلتزامها بالتعدّدية وإحترام القانون الدولي، بما في ذلك المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
– الأمن العالمي: أكدت القمة أهمية تعزيز الأمن العالمي والإقليمي، ومنع الصراعات، وحل الأزمات من خلال الحوار والدبلوماسية.
– التعاون الإقتصادي: سلّطت القمة الضوء على الحاجة إلى إصلاح البنية المالية الدولية لجعلها أكثر شمولاً وعدالة، ويشمل ذلك مبادرات مثل بورصة الحبوب لدول البريكس ونظام الدفع عبر الحدود لدول البريكس.
– الجهود الإنسانية: أعرب القادة عن قلقهم البالغ إزاء الأزمة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وجنوب لبنان، ودعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار وإتاحة الوصول الإنساني.
-بريكس بلس: تضمّنت القمة حواراً حول الأسواق الناشئة والدول النامية من أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، تحت عنوان «البريكس والجنوب العالمي: بناء عالم أفضل معاً».
واعتُبرت القمة خطوة مهمة نحو تعميق الشراكة بين دول مجموعة البريكس وتعزيز نظام دولي أكثر شمولية وعدالة.
وقد كان لقمة البريكس 2024 العديد من التأثيرات المهمة على كل من الدول الأعضاء وعلى الصعيد العالمي:
النفوذ الإقتصادي: مع إنضمام أعضاء جدد مثل مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أصبحت مجموعة البريكس تمثل الآن ما يقرب من نصف سكان العالم، وتشكل حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويُعزز هذا التوسع من مكانة مجموعة البريكس كقوة موازنة للهيمنة الاقتصادية الغربية.
أمن الطاقة: أكدت القمّة أهمية أمن الطاقة والتعاون بين الدول الأعضاء، ويشمل ذلك المبادرات الرامية إلى تطوير مصادر الطاقة البديلة والحدّ من الإعتماد على أسواق الطاقة الغربية.
الإستقلال المالي: ناقشت بلدان مجموعة البريكس الحد من الإعتماد على الأنظمة المالية الغربية، مثل الدولار الأميركي وشبكة المدفوعات التابعة لجمعية الإتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT). ويشمل ذلك تعزيز إستخدام العملات الوطنية في المعاملات التجارية وتطوير مؤسسات مالية جديدة.
الأمن العالمي: سلّطت القمة الضوء على الحاجة إلى الأمن العالمي والإقليمي، مع التركيز على منع الصراعات وحل الأزمات من خلال الحوار والدبلوماسية، ويشمل ذلك معالجة الأزمات الإنسانية في مناطق مثل غزة ولبنان.
التعاون المتعدد الأطراف: أكدت مجموعة البريكس أهمية التعدُّدية والتعاون بين الأسواق الناشئة والبلدان النامية، ويشمل ذلك بناء مؤسسات وآليات جديدة لدعم التنمية والأمن العالميين.
وقد أظهرت قمة البريكس 2024 النفوذ المتزايد للمجموعة وإلتزامها تمكين نظام عالمي أكثر تعدُّداً للأقطاب وأكثر عدالة.
توسع البريكس
وقد شهدت قمة البريكس 2024 توسعاً كبيراً للمجموعة، فقد رحّبت القمة بستة أعضاء جدد هي مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين. وبهذا التوسع، يصل إجمالي عضوية البريكس إلى 13 دولة جديدة، بما في ذلك الجزائر وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإندونيسيا وكازاخستان وماليزيا ونيجيريا وتايلاند وتركيا وأوغندا وفيتنام.
ويُنظَر إلى هذا التوسع بإعتباره خطوة لتعزيز نفوذ مجموعة البريكس وإنشاء نظام عالمي أكثر تمثيلاً وشمولاً، ويُتوقع أن يُساهم الأعضاء الجدد في تحقيق الأهداف الإقتصادية والسياسية والإستراتيجية للمجموعة، وتنويع قدراتها ونطاقها بشكل أكبر.
تحدّيات قمة البريكس 2024
واجهت قمة البريكس 2024 العديد من الخلافات والإنتقادات، فقد رأى بعض المراقبين الغربيين أن ضم إيران وتوسيع البريكس يمثلان خطوة لمواجهة النفوذ الغربي وتعزيز النظام العالمي المتعدّد الأقطاب، مما أثار مخاوف حيال محاذاة الكتلة والصراعات الجيوسياسية المحتملة. ورغم التوسُّع، كانت هناك تباينات بين طموحات وأولويات الدول الأعضاء، كما وأن الافتقار إلى التطوُّرات الجوهرية في الموضوعات الأساسية يزيد من الإختلافات، مما يثير تساؤلات حول وحدة الكتلة وأهدافها المشتركة. ونظر العديد من المراقبين الغربيين إلى البريكس بإعتبارها منظمة معادية للغرب بشكل متزايد، ولا سيما بالنظر إلى موقع القمة في روسيا وإدراج إيران كعضو كامل.
لقد واجهت مجموعة البريكس تحديات في التوصل إلى إجماع اقتصادي ونقدي قابل للتطبيق، ولم تتقاسم الدول الأعضاء الإرادة السياسية اللازمة لتحويل هذا الإجماع إلى واقع، ما أعاق التقدم في المبادرات الاقتصادية الرئيسية. وعلاوة على ذلك، أثار التوسُّع تساؤلات حول هوية مجموعة البريكس وقيمها المشتركة، كما أن تنوّع عضوية المجموعة والأنظمة السياسية المتباينة جعل من الصعب إرساء رؤية وهدف موحدين.
وتسلّط هذه الخلافات الضوء على التعقيدات والتحديات المرتبطة بتعزيز شراكة متماسكة وفعّالة بين بلدان مجموعة البريكس.
في الخلاصة، إن الجغرافيا السياسية لمجموعة البريكس في العام 2024 معقدة ومتعددة الأوجه، مما يعكس نفوذ الكتلة المتزايد وديناميكيات القوة العالمية المتغيرة. وقد أصبحت مجموعة البريكس راهناً قوة دافعة وراء الإنتقال إلى نظام عالمي متعدّد الأقطاب من خلال توسيع عضويتها وتعزيز روابطها الإقتصادية والسياسية.
وتؤكد مجموعة البريكس أهمية الأمن العالمي والإقليمي، وتدعو إلى حل النزاعات سلمياً والإستجابات الدولية المنسقة.
صندوق النقد الدولي يتوقع إنخفاض معدّلات التضخّم العالميّة
من 5.7 % في العام 2023 إلى 5.3 % في العام 2024
وصولاً إلى 3.5 % في العام 2025
شهدت العاصمة الأميركية واشنطن، خلال إجتماعات الخريف السنوية 2024، التي نظّمها صندوق النقد والبنك الدوليان، بمشاركة آلاف المسؤولين الذين يمثّلون مصارف مركزيّة ووزارات ماليّة ومنظمات المجتمع المدني، مناقشة أبرز التحدّيات التي تعصف في كبرى الإقتصادات العالميّة في الوقت الحالي: مخاطر الحروب التجاريّة، مآلات الصراعات الجيوسياسيّة في الشرق الأوسط وأوكرانيا، المخاوف المرتبطة بنتائج الإنتخابات الأميركيّة، إرتفاع معدّلات الديون السياديّة، هشاشة أُطر التعاون الإقتصادي العابر للحدود وغيرها.
علماً أن التقارير التي جرى عرضها خلال الإجتماعات، عكست «صمود» الإقتصاد العالمي حتّى اللحظة أمام كل هذه المخاطر، لكنّها عكست أيضاً هموم الحاضرين وتوجّسهم من حالة «عدم اليقين الشديد» الراهنة.
والملفت، أن فصول العالم تتقلّب إلّا في لبنان، في حكم الأزمة الماليّة التي جعلت هذا البلد معزولّا عن كل تقلّبات وتحوّلات الإقتصاد العالمي، فلبنان المأزوم لم يكن معنياً في كل النقاشات الدائرة حول أسعار الفوائد وتدفّق الرساميل والإستثمارات. علماً أن خروج لبنان عن التغطية كلياً، جاء بعدما إمتنع صندوق النقد الدولي عن إعطاء أي تقدير لنسبة النمو المتوقّعة لهذا البلد في العام 2024، في ظل الحرب الدائرة، وأمام توالي الخسائر التي تتراكم مع مرور كل يوم، إذ لم يعد هناك ما يسمح بتقديم توقّع من هذا النوع.
التفاؤل بإنخفاض التضخّم العالمي
كان تقرير «آفاق الإقتصاد العالمي» لصندوق النقد الدولي، أبرز ما جرى الإفصاح عنه على هامش تلك الإجتماعات، لتقديم معطيات يُمكن في ضوئها البحث في التحدّيات القائمة راهناً. وتوقّع الصندوق أن تنخفض معدّلات التضخّم العالميّة من نسبة 5.7 % في العام 2023 إلى 5.3 % في العام 2024، وصولًا إلى 3.5 % في العام 2025. علماً أنه كان هناك ما يدعو الحاضرين للتفاؤل بقرب إنتهاء عاصفة التضخّم التي ضربت الأسواق العالميّة منذ العام 2021، والتي بلغت ذروتها في العام 2022 بنسبة ناهزت الـ 8.8 %.
الإقتصاد العالمي يُظهر مرونة
مع انتهاء موجة التشديد النقدي، وبدء مرحلة خفض الفوائد، يكون الإقتصاد العالمي قد تجاوز أبرز التحدّيات التي واجهته خلال السنوات الماضية، غير أن تقرير الصندوق يشير كذلك إلى نوعيّة التحدّيات التي تراكمت وتقاطعت خلال السنوات نفسها: من تفشّي الجائحة، إلى الأحداث المناخيّة المتطرّفة، وأزمات الطاقة والغذاء، بالإضافة إلى إضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الصراعات الجيوسياسيّة. وتوقع التقرير للعام الجاري 2024، أن يسجل النمو الإقتصادي نسبة 2.8 % في الولايات المتحدة، و0.8 % في منطقة اليورو، و1.1 % في المملكة المتحدة، و0.3 % في اليابان، و4.2 % في الأسواق الناشئة والإقتصادات النامية.
لا توقّعات للبنان
محلياً، قدّر صندوق النقد الدولي إنكماش الإقتصاد اللبناني بنسبة 0.7 % في العام 2023، بعد معدّلات نمو بلغت 1.0 % في العام 2022، و2.0 % في العام 2021، وإنكماش حاد بنسبة 24.6 % في العام 2020. غير أنّ الصندوق لم يقدّم أي تقديرات للنمو بعد العام 2023، بما في ذلك العام 2024 الراهن، بسبب «الدرجة العالية من عدم اليقين»، التي تحيط بآفاق الإقتصاد اللبناني. وبهذا المعنى، رأى الصندوق أن تطوّر الأوضاع الأمنيّة بات يشكّل تحدياً كبيراً، بما يحول دون تقديم أي توقّعات حيال مستوى الناتج المحلّي في نهاية العام الحالي.
د. أزعور: دمار كبير في البنية التحتية
مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، برّر صعوبة توقّع المنحنى الذي سيأخذه الإقتصاد اللبناني بالإشارة إلى وجود دمار كبير في البنية التحتيّة، وأضرار كبيرة جداً لحقت بالمناطق الزراعيّة جنوب البلاد، بالإضافة إلى تعطّل النشاط الإقتصادي، معتبراً «أنّ الواقع الراهن يفرض دعوة المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان إلى تقديم هبات، لتمكين البلاد من تجاوز الأضرار المباشرة للحرب».
في النتيجة، غاب لبنان عن أي مناقشات جديّة، تتصل بأزمته الماليّة أو مستقبل البلاد الإقتصادي، كما غابت الدولة نفسها عن التعامل مع المناقشات المتعلّقة بأثر التحوّلات الإقتصاديّة العالميّة. علماً أن هذا الغياب كان مفهوماً هذه المرّة، في حكم الحرب التي أرخت بظلالها على المشهد في لبنان، والتي طغت على أي إهتمام رسمي أو شعبي آخر. لكنّ عزلة لبنان الإقتصاديّة عن العالم، لم تبدأ مع هذه الحرب كما هو معلوم، بل بدأت أساساً بالأزمة الماليّة المستمرّة منذ أواخر العام 2019، والتي عطبت النظام المالي المحلّي لأكثر من خمس سنوات.